قانون جاستا وواجب الوقت

حسن الخليفة عثمان
1438/01/03 - 2016/10/04 21:23PM
قانون جاستا وواجب الوقت
خلاصة هذا المقال :بوسع العالم السني بقيادة المملكة العربية السعودية وتركيا ودور إماراتي فاعل أن يتشارك مع العالم مشروعا إنسانيا حضاريا يحقق العدل والسلام والحوار بين الحضارات بصورة أفضل من تلك التي يهدف إليها قانون جاستا، كما ينبغي الشروع الفوري في إعادة ترتيب البيت العربي والمسلم بما يتناسب مع تحديات الحاضر واستشراف المستقبل واستيعاب ما سبق من تجارب، والاجتماع على مشروع ورؤية تثبت للآخر أنها أمة خُلقت لتبقى وترقى، لا لتفنى وتخزى، وأن رسالتها رسالة سلام في غير ضعف، وحوار في غير مهانة.
كنت قد كتبت العديد من المقالات في الشأن السعودي والتركي، جُلّها تقوم على تناول الثوابت واستشراف المستقبل أكثر من الإغراق في المتغيرات والفروع والأحداث، وأزعم أن هذه هي المدرسة التي ارتضيتها لنفسي في رحلتي مع القلم، كما أجدني جريئا على دعوتي لملهمي ومعلمي القارئ الكريم أن ينحو نحوي في هذا الشأن؛ إذ أدّعي ضرورة وأهمية الانشغال بالكليات والثوابت والغايات كمنارات نهتدي بها في سيرنا، ونلتقي عليها في رؤانا وأهدافنا، سواء أكان الالتقاء تعايشا أو تعاوناً أو اجتماعا، بما يضمن المسير وفق قواعد سير راسخة نحو أهداف واضحة وبرؤية تحظى بميزة الإجماع وإمكانية التنفيذ.
فكان من أبرز من قدمناه طرحا رؤيويا لازلت أراه صالحا في جُلّه ومهما للنظر فيه هو ما رقمته في مقالتي بعنوان " رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز " طرحنا فيه فكرة “الكومنولث السني" الذي يعود بالرخاء والسخاء على الانسانية عامة، ويقدم لها مشروعا ونموذجا حضاريا جاذبا تسعد به، وقد طرحت تصوره مختصرا يمكن الرجوع إليه في أرشيفنا بالموقع.
غير أنني أُقر أن ما جاء في رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي تنبض بالكثير من آثار خالد الذكر الملك فيصل بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وما نصت عليه الرؤية وأولته من اهتمام بالعمق العربي والاسلامي كان طرحا جديرا بأن تُحشد له ومن خلفه الطاقات والجهود ولم يكن مستغربا أن يتم مواجهتها بالتعجيل بقانون جاستا وإقراره.
فإذا أضفنا إليه رؤية تركيا 2023 الخاصة بتركيا، ومع وضوح خارطة دولة قطر نحو المستقبل، ثم ما تلا ذلك من فشل الانقلاب العسكري الغاشم على إرادة الشعب التركي، وما نجم عنه من سقوط الكثير من الأقنعة، وانكشاف الكثير من المؤامرات التي تهدف إلى تقويض السلام العالمي وإشاعة الفوضى في أقطار الشرق الأوسط، سواء بالانقلابات العسكرية الدموية ودعم النظم الدكتاتورية، أو إشعال نيران الحروب الطائفية التي تهدف إلى إبادة شعوب المنطقة على يد بعضها بما يفرغ المنطقة من سكانها بقدر المستطاع، وكذلك العمل على انتشار الإرهاب وصناعة الإرهابيين حتى يظل سيف مكافحة الإرهاب مسلطا على رقاب الشعوب والدول الضعيفة، نجد أن الكبار المهيمنين على القرار في هذا العالم لا يسيرون به نحو الاتجاه الصحيح الذي يحقق له السلام بل يهدفون إلى تحويل العالم إلى غابة متناحرة لا بقاء فيها إلا للأقوياء الذين يمتلكون الترسانات العسكرية والجيوش المجهزة بأحدث الوسائل والذين لا يتورعون عن إبادة الملايين من البشر كما حدث في الحروب العالمية السابقة.
من نافلة القول أن نذكّر بأمر مهم وهو أن لكل حاكم اجتهاده؛ يصيب ويخطئ؛ ولكن تبقى حقيقة هي أن تبعات وآثار اجتهاد الحكام تتحملها الشعوب والأمم.
ولا نريد أن ننكأ جراحا وقف أشقائنا في المملكة العربية السعودية على آثارها ودوائها؛ فما التذكير بحصانة المخلوع في اليمن والذي استباح الدم السعودي، وأطلق على المملكة الصواريخ والنيران سيعيد إلينا الشهداء من أبناء المملكة الذين فاضت أرواحهم الطاهرة دفاعا عن الأرض والعرض والمقدسات، ولا التذكير بأكذوبة “مسافة السكة" التي تاهت في متاهة “التبرع بالفكة" سيعيد الثقة إلى من تجرد منها وداسها تحت قدميه حين توقفت مضارب “الرز" عن العمل.
كما إن الانصاف يستوجب الشهادة بأن المملكة وحدها وتحت قيادة الملك سلمان -سدد الله خطاه- هي من تحملت ثمن وتكلفة تصويب المسار؛ ليس في المنطقة فحسب بل في العالم، وذلك من وجهة نظرنا؛ إذ أن العالم وسير الأحداث فيه قبل تولي سلمان الحزم القيادة ليس هو العالم بعد توليه، وما أحدث من تغييرات لإعادة الاستقرار الجاد والعادل إلى منطقة الشرق الأوسط، وتعظيم حرمة الدماء البريئة، وتحمل المسئولية أمام شعبه وأمته.
وإذا كان الملك سلمان ومِن خلفه شعب المملكة قد حملوا على عاتقهم تصويب المسار وتحمل التبعات فإن من الواجب على جميع الأحرار والأخيار في هذا العالم حكاماً وشعوباً أن يعينوا ويدعموا ويصطفوا خلف كل من يدعو إلى محبوب وحق وما فيه خير وسلام هذا العالم.
وإذا كان ذلك كذلك فإنه يمتهد السبيل إلى مراجعات إماراتية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة؛ تعيد إلى هذا العالم وإلى هذه الأمة نبل وعطاء زايد الخير –رحمه الله- الذي كان غيثا أينما هطل نفع، وعسى أن يكون ذلك حديثنا القادم بإذن الله “نحو مراجعات إماراتية راشدة".
المشاهدات 861 | التعليقات 0