قال صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجدنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير"- خطبة جمعة
محمد الأحمد
1435/11/17 - 2014/09/12 08:09AM
(أفئدة الطير )
محمد بن فهد الأحمد - 29/2/1434هـ
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستَعِينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونَعُوذ بالله من شُرُور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا.
أما بعد: فقد تحدّثنا وإياكم في الخطبة الماضية عن طُرُقٍ للجنة، ومُدخلاتٍ لدار السلام، وسُبُلٍ لنيل النعيم الأبدي والخلود السرمدي، وبعضها يسيرٌ جداً ولكنّ فضلَه وأجرَه وجائزتَه عظيمٌ عند رب العالمين، وهو سببٌ لدخولك الجنة.
عباد الله: أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن صِنْفٍ من الناس يدخلون الجنة، وهذه الفئة قد نالت رضوان الله بما وقَرَ في قلبها وظهرَ إيمانُها على جوارحها؟
أتريدون أن تعرفون مَنْ هم ؟
روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ".
شُعاعٌ من نور الوحي، وضياءٌ من مشكاة النبوة، يُبشرنا فيه الصادقُ المصدوقُ بالجنة حينما تكون قلوبنا كأفئدة الطير: "في رقتها وعذوبتها، في تأثرها وتواضعها، في تقواها وإنابتها، في خشوعها وخضوعها، في توكلها على ربها ... في كل شيء .. قلوبهم كأفئدة الطير!"( ).
التوكّل من أبرز الصفات في معنى حديث (أفئدة الطير)
"والتَّوَكُّلُ على الله هُوَ: صِدْقُ اعْتِمَادِ الْقَلَبِ عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِيْ اسْتِجْلابِ المَنَافِعِ وَدَفْعِ المَضَارِّ مِنْ أُمُوْرِ الْدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ كُلِّهَا، وَكَمْ مِنْ مَغْرُوْرٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُتَوَكِّلٌ عَلَى الله تَعَالَى وَهُوَ مُتَوَكِّلٌ عَلَى الْأَسْبَابِ، مُتَعَلِّقٌ بِالْخَلْقِ، و«مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئَاً وُكِلَ إِلَيْهِ»( )".
ولذلك جاء في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"( ).
وإن "لِلْمُتَوَكِّلِينَ ثَبَاتَاً لَا يَنَالُهُ غَيْرُهُمْ، وَسَعَادَةً تَخْرُجُ لَهُمْ مِنْ رَحِمِ مُعَانَاتِهِمْ، يُحِسُّونَهَا وَهُم فِيْ مَعْمَعَةِ ابْتَلاءَاتِهِمْ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يَرَاهُمْ يَكُوْنُ أَشَدَّ أَلَماً مِنْهُمْ لِمَا أَصَابَهُمْ، وَهُمْ فِي طُمَأْنِينَةٍ لَا تُوْصَفُ.. [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرَاً] "( ).
عباد الله، من الصفات التي تتميّز بها الطير، أنها ذاتُ خوفٍ وفزَع، وهي أشد المخلوقات حذراً وفزعاً من أي شيء، ولذلك يُقال: أحذر من غراب.
والمؤمن ينبغي أن يكون قلبه كذلك، يجب أن يكون قلبُه ذا وَجَلٍ وخشية حينما تتلى عليه آياتُ الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
المؤمنُ ذا خوفٍ وفزَعٍ حينما يُبتلى بالمعصية فيستغفر ربه وينوب إليه: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ)
عباد الله:من صفات قلوب المؤمنين التي تُشابه أفئدة الطير، أنها رقيقةٌ ذاتُ إنابة والتزام.
ذاتُ خشيةٍ واستكانة، سريعةُ الاستجابةِ لداعي الله، سريعةُ الفهم والقبول للخير، شديدةُ التأثر بقوارع التذكير.
إذا سمعت أمر الله استجابت، وإذا علمت نهي الله ازجرت وابتعدت.
قلوب المؤمنين لا تُعارض دين الخالق بعقلها المخلوق، ولا تتأول نصوص الشريعة بأفكارها الوضعية، بل هي وقَّافة عند حدود الله، عاملةٌ بشريعة الله، صادعةٌ بدين الله: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا)).
عباد الله، ألا وإن من صفات هؤلاء الذي يدخلون الجنة أن أفئدتهم رقيقة ليّنة، متواضعة محبوبة، لا تجدُ صاحبَ هذا القلبِ منه أذيةً لأي مؤمن، بل لا تجد منه إلا إحساناً لجيرانه، وبراً بوالديه وأرحامه، تجده هيّناً ليناً مع أبنائه وإخوانه، يمسح على رأس اليتيم ويُطعم المسكين، سمحاً في بيعه وشرائه وقضائه واقتضائه.
المؤمن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في طلاقة وجهه وتبسّمه في وجه أخيه.أما إذا خلا مع نفسه فإنك تجده ذاكراً مصلياً مبتهلاً مستغفراً.
عباد الله: هؤلاء الصنف من أهل الجنة أفئدتهم كأفئدة الطير ، هي مثلُها في أنها خاليةٌ من ذنب ، سليمةٌ من كل عيب ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَىُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ هُوَ التَّقِىُّ النَّقِىُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ )) ( ).
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتعاهدوا قلوبكم من كلِّ ذنب ومعصية، ولتكن كأفئدة الطير في صفائها ورقتها.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله: مَنْ أراد أن يجعلَ قلبه سليماً رقيقاً ذا خوفٍ ورهبة وإنابة وخشوع وخضوع، فعليه بكتاب الله، عليه بكتاب الله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ).
عباد الله: المؤمن الذي يريد أن يكون فؤاده كأفئدة الطير، فإنّه يُليّنُ قلبَه ويتعاهَدُه بذكر الله (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ولذلك لما جاء رجلٌ إلى الحسنِ البصري فقال: يا أبا سعيد: أشكو إليك قسوةَ قلبي، قال: أَدِّبْهُ بالذِّكر.
أيها الأحبة: المؤمن يراجع قلبه مراراً ، لأن المعصية تُسَوِّدُ القلب وتُقسّيه، فيعلوها الران، ثم يأتي المؤمن فيصقُله بالتوبة والإنابة يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)) [الصحيحة ح1585].
أيها الأحبة الكرام:
قلب المؤمن كقلب الطير، فالطير لا يطيق حبساً في القفص، فكذلك المؤمن لا يطيق أن يُكبَّل بمعاصيه، أو يحبَس في أمور الدنيا.
فاتقوا الله أيها المؤمنون ، وعالجوا قلوبكم من ضعفها بترويضها على الطاعة وزجرها عن المعصية، وحاسب نفسك وتفقّد طاعاتك.
اللهم إنا نسألك قلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وتوبةً نصوحاً..
اللهم اغسل قلوبنا من الران الذي غشاها، واجعلها خاشعةً لجلالك وعظمتك.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم بضعفنا وظلمنا لأنفسنا عصيناك وفرطنا في أمرك،
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم أنر قلوبنا بالإيمان واملأ نفوسنا باليقين والإحسان
اللهم أنت ربنا وإلهنا.. وأنت الغفور الرحيم..
اللهم فاغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا..
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. (بقية الدعاء)
عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: "إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستَعِينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونَعُوذ بالله من شُرُور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا.
أما بعد: فقد تحدّثنا وإياكم في الخطبة الماضية عن طُرُقٍ للجنة، ومُدخلاتٍ لدار السلام، وسُبُلٍ لنيل النعيم الأبدي والخلود السرمدي، وبعضها يسيرٌ جداً ولكنّ فضلَه وأجرَه وجائزتَه عظيمٌ عند رب العالمين، وهو سببٌ لدخولك الجنة.
عباد الله: أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن صِنْفٍ من الناس يدخلون الجنة، وهذه الفئة قد نالت رضوان الله بما وقَرَ في قلبها وظهرَ إيمانُها على جوارحها؟
أتريدون أن تعرفون مَنْ هم ؟
روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ".
شُعاعٌ من نور الوحي، وضياءٌ من مشكاة النبوة، يُبشرنا فيه الصادقُ المصدوقُ بالجنة حينما تكون قلوبنا كأفئدة الطير: "في رقتها وعذوبتها، في تأثرها وتواضعها، في تقواها وإنابتها، في خشوعها وخضوعها، في توكلها على ربها ... في كل شيء .. قلوبهم كأفئدة الطير!"( ).
التوكّل من أبرز الصفات في معنى حديث (أفئدة الطير)
"والتَّوَكُّلُ على الله هُوَ: صِدْقُ اعْتِمَادِ الْقَلَبِ عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ فِيْ اسْتِجْلابِ المَنَافِعِ وَدَفْعِ المَضَارِّ مِنْ أُمُوْرِ الْدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ كُلِّهَا، وَكَمْ مِنْ مَغْرُوْرٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُتَوَكِّلٌ عَلَى الله تَعَالَى وَهُوَ مُتَوَكِّلٌ عَلَى الْأَسْبَابِ، مُتَعَلِّقٌ بِالْخَلْقِ، و«مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئَاً وُكِلَ إِلَيْهِ»( )".
ولذلك جاء في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم: " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"( ).
وإن "لِلْمُتَوَكِّلِينَ ثَبَاتَاً لَا يَنَالُهُ غَيْرُهُمْ، وَسَعَادَةً تَخْرُجُ لَهُمْ مِنْ رَحِمِ مُعَانَاتِهِمْ، يُحِسُّونَهَا وَهُم فِيْ مَعْمَعَةِ ابْتَلاءَاتِهِمْ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يَرَاهُمْ يَكُوْنُ أَشَدَّ أَلَماً مِنْهُمْ لِمَا أَصَابَهُمْ، وَهُمْ فِي طُمَأْنِينَةٍ لَا تُوْصَفُ.. [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرَاً] "( ).
عباد الله، من الصفات التي تتميّز بها الطير، أنها ذاتُ خوفٍ وفزَع، وهي أشد المخلوقات حذراً وفزعاً من أي شيء، ولذلك يُقال: أحذر من غراب.
والمؤمن ينبغي أن يكون قلبه كذلك، يجب أن يكون قلبُه ذا وَجَلٍ وخشية حينما تتلى عليه آياتُ الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
المؤمنُ ذا خوفٍ وفزَعٍ حينما يُبتلى بالمعصية فيستغفر ربه وينوب إليه: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ)
عباد الله:من صفات قلوب المؤمنين التي تُشابه أفئدة الطير، أنها رقيقةٌ ذاتُ إنابة والتزام.
ذاتُ خشيةٍ واستكانة، سريعةُ الاستجابةِ لداعي الله، سريعةُ الفهم والقبول للخير، شديدةُ التأثر بقوارع التذكير.
إذا سمعت أمر الله استجابت، وإذا علمت نهي الله ازجرت وابتعدت.
قلوب المؤمنين لا تُعارض دين الخالق بعقلها المخلوق، ولا تتأول نصوص الشريعة بأفكارها الوضعية، بل هي وقَّافة عند حدود الله، عاملةٌ بشريعة الله، صادعةٌ بدين الله: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا)).
عباد الله، ألا وإن من صفات هؤلاء الذي يدخلون الجنة أن أفئدتهم رقيقة ليّنة، متواضعة محبوبة، لا تجدُ صاحبَ هذا القلبِ منه أذيةً لأي مؤمن، بل لا تجد منه إلا إحساناً لجيرانه، وبراً بوالديه وأرحامه، تجده هيّناً ليناً مع أبنائه وإخوانه، يمسح على رأس اليتيم ويُطعم المسكين، سمحاً في بيعه وشرائه وقضائه واقتضائه.
المؤمن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في طلاقة وجهه وتبسّمه في وجه أخيه.أما إذا خلا مع نفسه فإنك تجده ذاكراً مصلياً مبتهلاً مستغفراً.
عباد الله: هؤلاء الصنف من أهل الجنة أفئدتهم كأفئدة الطير ، هي مثلُها في أنها خاليةٌ من ذنب ، سليمةٌ من كل عيب ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَىُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ هُوَ التَّقِىُّ النَّقِىُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ )) ( ).
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتعاهدوا قلوبكم من كلِّ ذنب ومعصية، ولتكن كأفئدة الطير في صفائها ورقتها.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ:
عباد الله: مَنْ أراد أن يجعلَ قلبه سليماً رقيقاً ذا خوفٍ ورهبة وإنابة وخشوع وخضوع، فعليه بكتاب الله، عليه بكتاب الله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ).
عباد الله: المؤمن الذي يريد أن يكون فؤاده كأفئدة الطير، فإنّه يُليّنُ قلبَه ويتعاهَدُه بذكر الله (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ولذلك لما جاء رجلٌ إلى الحسنِ البصري فقال: يا أبا سعيد: أشكو إليك قسوةَ قلبي، قال: أَدِّبْهُ بالذِّكر.
أيها الأحبة: المؤمن يراجع قلبه مراراً ، لأن المعصية تُسَوِّدُ القلب وتُقسّيه، فيعلوها الران، ثم يأتي المؤمن فيصقُله بالتوبة والإنابة يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)) [الصحيحة ح1585].
أيها الأحبة الكرام:
قلب المؤمن كقلب الطير، فالطير لا يطيق حبساً في القفص، فكذلك المؤمن لا يطيق أن يُكبَّل بمعاصيه، أو يحبَس في أمور الدنيا.
فاتقوا الله أيها المؤمنون ، وعالجوا قلوبكم من ضعفها بترويضها على الطاعة وزجرها عن المعصية، وحاسب نفسك وتفقّد طاعاتك.
اللهم إنا نسألك قلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وتوبةً نصوحاً..
اللهم اغسل قلوبنا من الران الذي غشاها، واجعلها خاشعةً لجلالك وعظمتك.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم بضعفنا وظلمنا لأنفسنا عصيناك وفرطنا في أمرك،
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم أنر قلوبنا بالإيمان واملأ نفوسنا باليقين والإحسان
اللهم أنت ربنا وإلهنا.. وأنت الغفور الرحيم..
اللهم فاغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا..
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. (بقية الدعاء)
عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: "إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات
أفئدة الطير - للنشر.docx
أفئدة الطير - للنشر.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق