قارب النصف على الرحيل

ابو نايف الشامي
1432/09/11 - 2011/08/11 03:55AM
الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي فَضَّلَ أَوْقَاتَ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِه مِن الْأَزْمَان وَأَنْزلَ فِيْه الْقُرْآَن هُدى وَبَيِّنَاتٍ مِّن الْهُدَى وَالْفُرْقَان ، أَحْمَدُه سُبْحَانَه وَأَشْكُرُه وَأَشْهَد أَن لَا الَه إِلَا الْلَّه وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه وَأَشْهَدُ أَن نَبِيَّنَا مُحَمَّدا عَبْدُه وَرَسُوْلُه الَّذِي كَان يَخُصُّ رَمَضَانَ بِمَا لَم يَخُص بِه غَيْرَه من العبادات الْلَّهُم صَل عَلَيْه وَعَلَى آَلِه وَأَصْحَابِه الْطَّاهِرِيْن الَّذِيْن آَثَرُوْا رِضَا الْلَّهِ عَلَى شَهَوَاتِ نُفُوْسِهِم فَخَرَجُوْا مِن الْدُّنْيَا مَأْجُوْرِيْنَ وَعَلَى سَعْيِهِم مَشْكُورين وَسَلَّم تَسْلِيْما كَثِيْرًا إِلَى يَوْم الْدِّيِن .أَمََّا بَعْد : عِبَادَ الْلَّه أُوْصِيْكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى الْلَّه فَهِي جِمَّاعُ الْخَيْرِ كُلِّه فَاجْعَلُوْا بَيْنَكُم وَبَيْن عَذَابِ الْلَّهِ وِقَايَة بِفِعْل الَأَوَامِر وَتَرْكِ النَّوَاهِي .قَال تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
امَّة لَا الَه الَا الْلَّه : وَنَحْن نُوْشِك أَن نُوَدِّعَ الْنِّصْفَ الْأَوَّّلَ مِن هَذَا الْشَّهْرِ الْكَرِيم ثَمَّةَ حَدِيْثٌ يُخَالِجُ الْنَفَسَ فِي ثَنَايَا هَذَا الْوَدَاعِ وَثَمَّة تَسَاؤُلَات عَرِيْضَة تَبْعَثُهَا الْنَفَسُ فِي غِمَارِ هَذَا الْوَدَاع. أَلَا وَإِنَّ أَوَّل هَذِه الْتَّسَاؤُلَات أَيُّهَا الْفُضَلَاء حَرَارَةُ الْفَرْحَةِ الَّتِي عِشْنَاهَا فِي بِدَايَة رَمَضَان تَسَائَلُنَا: هَل لَا زَالَتِ قُلُوْبُنَا تُجِلُّ الْشَّهْرَ؟ وَتُدْرِكُ رَبِيْعَ أَيَّامِه، أَمْ أَنَّ عَوَاطِفَنَا عَادَتْ كَأَوْلِ وَهْلَةٍ بَارِدَةً فِيْ زَمَنِ الْخَيْرَاتِ، ضَعِيْفَةً فِيْ أَوْقَاتِ الطَّاعَاتِ؟ الا فاعلموا
أنَّ لرمضانَ أهلاً يعرفونَ قَدْره، ويُجِلُّون زمانَه، ويُسارعونَ فيه مسارعةَ الأبطال فرحم اللهُ سلفنا الصالح قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ:كَانَتْ لِسَعِيْدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَضِيْلَةٍ لَا نَعْلَمُهَا كَانَتْ لِأَحَدٍ مِّنْ الْتَّابِعِيْنَ، لَمْ تَفُتْهُ الْصَّلاةَ فَيَ جَمَاعَةٍ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، عِشْرِيْنَ مِنْهَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَىَ أَقْفِيَةِ الْنَّاسِ.. وَهَذَا أَبُوْ مُسْلِمٍ يَقُوْلُ لَوْ رَأَيْتُ الْجَنَّةَ عِيَانَا أَوْ الْنَّارَ عِيَانَا مَا كَانَ عِنْدِيْ مُسْتَزَادٌ، وَلَوْ قِيَلَ لِيَ إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَزِيْدَ فِيْ عَمَلِي. وَكَانَ يَقُوْلُ: أَيَظُنُّ أَصْحَاب مُحَمَّدٍ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْبِقُوْنَا عَلَيْهِ، وَالْلَّهِ لَأُزَاحِِمَِنَّهُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَعْلَمُوَا أَنَّهُمْ خَلَّفُوْا بَعْدَهُمْ رِجَالاً. نِعَمَ الْرِّجَال وَاللَّه كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًاوَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
سُؤَالَ آَخَرَ وَنَحْنُ نُوْشِكُ أَنَّ نُوَدِّعَ الْنَّصَفُ الْأَوَّل مِنْ شَهْرِ الْتَّسَامُحِ : يَا تُرَىْ الْقُلُوْبُ الْمُتَنَافِرَةِ وَالْنُّفُوْسُ الْمُتَشاحِنّة أَمَا آَنَ لَهَا أَنْ تَتَصَافَح؟ هَلْ لَازَالَتْ مُعَانَدَةً هَلْ لَازَالَ الْكِبْرُ يُوْقِدُ ضِرَامَهَا؟ وَيُشْعِلُ فَتِيْلَهَا؟ أَمَا نَجَحَ رَمَضَانَ فِيْ أَنْ يُعِيْدَ الْبَسْمَةَ لِشِفَاهٍ طَالَ انْغِلَاقَهَا؟ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوْب يُخْشَىَ عَلَيْهَا إِنْ لَمْ تُفْلِحْ الْمَوَاعِظُ فِيْ لِيِّهَا لِلْحَقِّ، فَإِنَّ لَفْحَ جَهَنَّمَ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىَ أَنْ يَكْسِرَ مُكابَرَتِهَا، وَيُرْغِمَ أَنْفَ بَاطِلَهَا. سُئِلَ رَسُوْلُ الْهُدَىَ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَفْضَلُ الْنَّاسِ؟ فَقَالَ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلِّ مَخْمُومُ الْقَلْبِ ، صَدُوْقُ الْلِّسَانِ . قَالُوْا : صَدُوْقُ الْلِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : هُوَ الْتَّقِيُّ الْنَّقِيُّ ، لَا إِثْمَ فِيْهِ وَلَا بَغْيَ ، وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَرَحِمَ الْلَّهُ أَبَا دُجَانَةَ، رُئِيَ وَجْهَهُ يَتَهَلَّلُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيْمَا لَا يَعْنِيْنِيْ، وَالْأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِيْ لِلْمُسْلِمِيْنَ سَلِيْمَا.أَلَا فَمَا أَحْرَى الْقُلُوْبُ الْقَاسِيَةِ أَنَّ تَلِيْنَ وتَتَعَقَّلَ وَتَتَّعِظََّ فَفِيْ وَعِيْدِ الْنَّبِيِّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ وَاعِظ حِيْنَ قَالَ: ((هَجْرُ الْمُسْلِمِ كَسَفْكِ دَمِهِ))، وَحِيْنَ قَالَ: ((تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَىَ الْلَّهِ كُلَّ إِثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ إِلَا الْمُتَخَاصِمِينَ فَيَقُوْلُ الْلَّهُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّىَ يَصْطَلِحَا)). وَإِنْ لَّمْ يُفْلِحُ رَمَضَانَ فِيْ إِزَالَةِ صَلَابَةٌ هَذِهِ الْقُلُوْبَ فَوَعِيدُ الَلّهَ تَعَالَىْ غَيْرَ بَعِيْدٍ حِيْنَ قَالَ تَعَالَىْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوْا فِىْ ٱلَأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا أَرْحَامَكُمْ *أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِيَنَ لَعَنَهُمُ ٱلَلَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىَٰ أَبْصَـٰرَهُمْ} وَقَوْمٌ وَلَجَتْ بُيُوْتَهُمُ الْلَّعْنَةُ أَيْنَ يَجِدُوْنَ طَعْمَ الْرَّاحَةِ؟ وَأَيْنَ يَتَلَذَّذُوْنَ بِطِيْبِ الْرُّقَادِ؟ فَالَبِدَارَ الْبِدَارَ يَا مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ شَحْنَاء اوْ قَطِيْعَةِ اسْتَدْرَكَ شَهْرَ الْتَّسَامُحِ
سُؤَالٌ ثَالِثٌ : أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ وَنَحْنُ عَلَىَ مَقْرُبَةٍ مِنْ رَحِيْلِ الْنِصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ الْتَّوْبَةَ وَالانَابَةَ لَوْ تَوَجَّهْنَا بِالْسُّؤَالِ إلَى كُلِّ مِنَ ابْتُلِيَ بِشُرْبِ الْدخانِ وَتَعَاطِيَ الِشْمَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَبَائِثِ ولا يزال عاكفاً عليها دُوْنَ خَوْفٍ وَلَا حَيَاءٍ مِنَ الْلَّهِ تَعَالَىْ ، مَعَ أَنَّ الْآَيَاتِ تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ لَيْلَا وَنَهَارَا ، وَالْأَحَادِيْثِ تُلْقَىَ عَلَيْهِمْ جِهَارَا وَنَهَارَا ، وَلَكِنَّ عَمِيَتْ الْقُلُوْبُ عَنِ اتِّبَاعِ كَلَام الْلَّهِ ، وَالَّتَمَسُّكِ بِسُنَّةِ رَسُوْلِ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ، فلَوْ تَوَجَّهْنَا بِالْسُّؤَالِ لذلك المتعاطي لهذه الخبائث أَمَا آَنَ لَكِ الآوَانَ أَنْ تَتُوْبَ وَتُقْلِع عَنْ هَذِهِ الْخَبَائِثِ أَمْ أَنَّكَ لّا تَزَالُ مُكَابِرَا مُعَانِدَا أَمَّا نَجَحَ رَمَضَانَ فِيْ توبتك عَنْ تِلْكَ الْقَاذُوْرَاتِ الَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ { وَلَا تُلْقُوُا بِأَيْدِيَكُمْ إِلَىَ الْتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَا إِنَّ الْلَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ} فَرَمَضَانُ فُرْصَةٌ عَظِيْمَةٌ لِمَنْ ابْتُلِيَ بِشَئٍ مِنْ تِلْكَ الْخَبَائِثَ الْمُحَرَّمَةٌ ، أَنْ يتركها بِكُلِّ يُسْرٍ وَسُهُوْلَة ، فيَا مَنْ تَتَعَاطَىْ هَذِهِ الْخَبَائِثِ ادْرِك نَفْسَكَ فَرَمَضَان فُرْصَة لِتَصْحِيْحِ الاتِّجَاهِ وَتَقْوِيْمِ الْطَّرِيْقِ وَتَرْكُ هَذِهِ الخَبَائث خَوْفا مِنْ الْلَّهِ ، وَرَغْبَةً فِيْمَا عِنْدَ الْلَّهِ مِنْ الْخَيْرِ ، وَرَهْبَةً مِنْ سُوَءِ الْخَاتِمَةِ ، فَمَنْ تَرَكَ شَيْئا لِلَّهِ عَوَّضَهُ الْلَّهُ خَيْرَا مِنْهُ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُوْنَ لنَسْتُدْرّك أَوْقَات هَذَا الْشَّهْرِ الْكَرِيمِ وَلنَعْلَم وَالَّذِي لَا الَهَ الَا هُوَ وَلَا رَبّ سِوَاهُ أَنَّنَا مَسْؤُوْلُوْنَ عَمَّا نَضَيِّعُهُ مِنْ أَوْقَاتِ ولن تَزُوْلَ قَدَمَا عبدٍ عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ يَوْم الْقِيَامَةِ حَتَّىَ يُسْأَلَ عن اربع فَعَنْ أَبِيْ بَرْزَةَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَاتَزَوُل قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّىَ يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيْمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيْمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيْهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَفِيْمَا أَنْفَقَهُ.)) نَعَمْ معاشر الصائمين إِنَّنَا مَسْؤُوْلُوْنَ عَنِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مِنْ أَعْمَارِنَا، فِيْمَا قَضَيْنَاهَا؟ أَفِيَ طَاعَةِ الْلَّهِ وَذِكْرِهِ، أَمْ قَضَيْنَاهَا فِيْ الْسَّهَرِ أَمَامَ الْقَنَوَاتِ وَ فِيْمَا قَدْ يُبَاعِدُنَا عَنْ الِلَّهِ تَعَالَىْ وَعَنْ مَرْضَاتِهِ، وَيُقَرِّبُنَا مِمَّا يُسْخِطُهُ وَالْعَيَاذُ بِالْلَّهِ تَعَالَىْ؟ فَالْعَجَبُ وَأَيْمُ الْلَّهِ أَنَّهُ يتَحَدَّثُ الْخَطِيْب وَيَتَحَدَّثُ الْمَحَاضِر وَالْدَّاعِيَة عَنْ فَضْلِ هَذَا الْشَّهْرِ وَمَا فِيْهِ مِنْ الْخَيْرَاتِ
وَالْبَرَكَاتِ، ثُمَّ لَا نطْمَئِنُّ إِلَا بِتَضْيِيعِ أَوْقَاتِنَا فِيْمَا لَا يَزِيْدُنَا إِلَا بُعْدَا عَنْ الِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ، وَكَأَنَّ صُحُفِنَا قَدْ مُلِئَتْ بِالْحَسَنَاتِ، وَضَمِنَّا دُخُوْل الْجَنَّاتِ، فإِلَىَ مَتَىَ نَرْضَى بِالْنُّزُوْلِ فِيْ مَنَازِلِ الْهَوَانِ؟ هَلْ مَضَىْ مِنْ أَيَّامِنَا يَوْمٌ صَالِحٌ سَلِّمْنَا فِيْهِ مِنْ الْجَرَائِمِ وَالْقَبَائِحِ؟ تَالِلَّهِ لَقَدْ سَبَقَ الْمُتَّقُوْنَ الْرَّابِحُونَ، وَنَحْنُ رَاضُوْنَ بِالْخُسْرَانِ، أَعْيُنِنَا مُطَلَقَةٌ فِيْ الْحَرَامِ، وَأَلْسِنَتُِنَا مُنْبَسِطَةٌ فِيْ الْآَثَامِ، وَلَأَقْدَامِنَا عَلَىَ الْذُّنُوبِ إِقْدَامُ، ونَسينَا أَنَّ الْكُلَّ مُثَبَّتٌ عِنْدَ الْمَلِكِ الْدَّيَّانِ. { أَحَصَاهُ الْلَّهُ وَنَسُوْهُ } فَاحْذَرُوا ياأُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْتَّفْرِيْطِ فِيْ هَذَا الْشَّهْرِ الْعَظِيْمِ فَأَيَّامُهُ مَعْدُوْدَة وَسَاعَاتُهُ مَحْدُوْدَة وَلَا تَكَوُّنَوْا مِنْ أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ جَعَلُوٓا رَمَضَانَ مَوْسِما لَلَّهْوِ وَالْعِصْيَانَ ، إِحْذَرُوا مِنْ الْغَفْلَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْرَّحَمَاتِ وَالْنَّفَحَاتِ الْإِلَهِيَّةِ قَالَ تَعَالَىْ :{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِيْ فَإِنَّ لَهُ مَعِيْشَةً ضَنْكا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّي لَمَا حَشَرْتَنِيْ أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيْرا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيْتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىَ } فَاجْتَهِدُوْا أَيُّهَا الْأُخْوَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ فِيْ اغْتِنَامِ أَيَّام هذا الشَّهر وَلَيَالِيْهِ وَفَّقَنَا الْلَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِكُلِّ خَيْر بَارَكَ الْلَّهُ لِيْ وَلَكُمْ فِيْ الْقُرْآَنِ الْعَظِيْمِ ..........
الْحَمْدُ لِلَّهِ جَعَلَ الصِّيَامَ جُنَّةً وَسَبَبا مُوَصِّلا إِلَىَ الْجَنَّةِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ هَدَىَ وَيَسَّرْ فَضْلَا مِنْهُ وَمِنَّة، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا الَهَ إِلَا الْلَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، جَعَلْنَا عَلَىَ أَوْضَحِ مَحَجَّةٍ وَأَقْوَمَ سُنَّة، صَلَّىَ الْلَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَىَ آَلِهِ وَ أَصْحَابِهِ، ، وَالْتَّابِعِيْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَىَ يَوْمِ الْدِّيِنِ
أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله عباد الله وراقبوه ولا تعصوه
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِيْن لِيَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفْسَهُ: مَاذَا حَصَلَ فِيْ اثْنَىْ عَشَرَ يَوْماً مَضَتْ؟! هَلْ كَانَ مِنْ عُمَّارِهَا أَمْ مِنَ الْغَافِلِيْنَ عَنْهَا؟‍‌! هَلْ كَانَ مِنْ الْمُسَارِعِيْنَ أَمْ مَنْ الْضَّائِعِيْنَ؟!
لَقَدْ أَفْلَحَ أُنَاسٌ عَرَفُوْا قَدْرَ رَمَضَانَ، فَكَانُوْا مِنَ عُبَّادِهِ وَقُوَّامِهِ، يَقْرَؤُوْنَ الْقُرْآَنَ وَيَخْتُمُونَهُ الْخَتَمَاتِ، وَيَسْتَغْرِقُونَ سَاعَاتِهِمْ فِيْ الْذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْعِلْمِ وَالْصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوْف، أَقْبَلُوَا عَلَىَ الطَّاعَاتِ وَقَدْ سَمِعُوْا الْمُنَادِيَ: ((يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ))، وَكَفُّوا عَنِ الْشَّهَوَاتِ وَقَدْ سَمِعُوْا الْمُنَادِيَ: ((يَا بَاغِيَ الْشَّرِّ أَقْصِرْ)). عَنْ ابْنٍ عَبَّاسٍ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْنَّبِيَّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((اغْتَنِمْ خَمْسا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ)). فَإِنَّنَا لَا نَعْرِفُ قَدَرَ وَقِيْمَةَ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ وَالْصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ وَالْشَّبَابِ وَالْغِنَى إِلَّا بَعْدَ زَوَالِهَا وَفَقْدِهَا، فَالْحَبِيْبُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَصِينَا لْنَغْتَنِم فُرْصَةَ وُجُوْدِهَا، ولِنُسَخَّرَهَا فِيْ كُلِّ مَا يُوْصِلُنَا إِلَىَ جَنَّاتِ رَبَّنَا عَز وَجَل وَيُبَاعِدَنا عَنْ عَذَابِهِ. فَكَمْ وَاللَّهِ تِتَأَلَّمُ الْنُّفُوْس الْمُؤْمِنَة وَتَتَقَطَّعُ حَسْرَةً عَلَىَ مَا تَرَاهُ مِنْ شَبَابِ الْمُسْلِمِيْنَ الَّذِيْنَ اجْتَمَعُوْا عَلَىَ الْلَّهْوِ وَقَتْلِ الْأَوْقَاتِ فِيْ لَيَالِيْ رَمَضَانَ الْفَاضِلَة كَمْ مِنَ الْحُرُمَاتِ لِلَّهِ تُنْتَهَكُ وَمَعَاصِيْ يُجَاهَرُ بِهَا فِيْ لَيَالِيْ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَةِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . فَيَا خَسَارَةَ الْمُفْرِّطِيْنَ وَيَا نِدَامَتَهُمْ يَوْمَ وُقُوْفِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ عِنْدَ سُؤَالهِ لَهُمْ {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِيْنَ }

أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ رَحَلَ الْنِّصْفُ الْأَوَّل اوْ اوَشِك عَلَىَ الْرَّحِيْلِ وَلَئِنْ كُنّا فَرَّطْنَا فيما مضى فمَا بَقِيَ أَكْثَرَ مِمَّا فَاتَ، فَلْنُرِيَ الْلَّهَ مِنْ أَنْفُسِنَا خَيْرَا، فَاللَّهَ الْلَّهَ أَنْ يَتَكَرَّرَ شَرِيْطُ الْتَّهَاوُنِ، وَأَنْ تَسْتَمِرَّ دَوَاعِيْ الْكَسَلِ، فَلُقِيَا الْشَّهْرَ غَيْرَ مُؤَكَّدَة، وَرَحِيْلُ الْإِنْسَانِ مُنْتَظَرُ، اوَشِكُ الْنِّصْفِ مِنْ شَهْرِنَا عَلَىَ الْرَّحِيْلِ وَبَيْنَ صُفُوْفِنَا مَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ وَجَمَاعَاتٍ، وَقَدْ آَثَرَ الْنَّوْمَ وَالْرَّاحَةَ عَلَىَ كَسْبِ الْطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، فَأَحْسَنَ الْلَّهُ عَزَاءَ هَؤُلاءِ جَمِيْعَا فِيْ نِصْفِ شْهَرَهُمْ الْأَوَّلِ، وَجَبَرَهُمْ فِيْ مُصِيْبَتِهِمْ، وَأَحْسَنَ الْلَّهُ لَهُمْ اسْتِقْبَالِ الْبَقِيَّة، وَجَعَلَهُمْ فِيْ مَا يَسْتَقْبِلُوْنَ خَيَّرَا مِمَّا وَدَّعُوَا. فياأَيُّهَا الْمُحْسِنُ فِيْمَا مَضَى مِنْه دُم عَلَى طَاعَتِك وَإِحْسَانِك، وَياأَيُّهَا الْمُسِيْءُ وَبَّخ نَفْسُك عَلَى الْتَّفْرِيْط وَلُمْهَا، وقُل لِي بِرَبِّك إِذَا خَسِرْنَا فِي هَذَا الْشَّهْر مَتَى نَرْبَح؟ وَالْلَّهُ الْمَسْؤُوْلِ أَنْ يُصْلِحَ نِيَّاتِنَا، وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا. أَلَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَىَ مَنْ أُمِرْتُمْ بِالْصَّلاةِ وَالْسَّلامِ عَلَيْهِ فِيْ قَوْلِ الْلَّهِ تَعَالَىْ: {إِنَّ ٱلَلَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَىَ ٱلَنَّبِىِّ يُٰأَيُّهَا ٱلَّذِيَنَ ءَامَنُوا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْما}
المشاهدات 2493 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا وبارك فيك