في ميزان الكتاب والسنة

عبدالعزيز بن محمد
1443/03/14 - 2021/10/20 19:04PM

الحمد لله الذي خلق السماواتِ والأرضَ وَجَعَلَ الظلماتِ والنورَ، ثم الذين كفروا بربهم يَعْدِلُوْن، وأشهد أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبعثُ مَن في القبور، له الحكم وإليه تُرجعون، وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِۦ يَعْدِلُونَ. وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يومٍ يُبْعَثُون. 

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين لعلكم ترحمون: فإن {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

أيها المسلمون: في القرآنِ معتمدٌ، وفي القرآنٌ منطلقٌ، وفي القرآنِ آياتٌ وتَحْكِيمُ.. {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}  ليس أمةٌ من الأممِ أوفرَ حظاً بأسباب الوِحدَةِ والتآلُفِ، والسعادةِ والتمكينِ، من أمةِ الإسلام. لها دستورٌ أنزلَه الله وحَفِظَه.  كِتَابٌ {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} نورٌ ومنهاجُ حياة.   يتنازعُ المتنازعون، ويختلفُ المختلفون، ويتمارى المتمارونَ.. فإن احْتَكَمُوْا إلى القرآنِ.. تَحَطَمَت عَلَى آياتِ عَدْلِه جَمَاجِمُ أهلِ الهوى، وتَمزَّقَت شُبَهاتُ أهل الضلال.  

ميزانُ عدلٍ.. قائمٌ بالقسطِ أَنْزَلَهُ رَبُّ العالمين. مَن تدبرَ آياتِه استنارَ لهُ دربُه، واستقامَ لَه طريقُه، واهتدى إلى ذي العرشِ سبيلاً. {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} قال السعدي رحمه الله : {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ} أي: نُوَضِّحُها ونُبَيِّنُهَا، وَنُمَيِّزُ بَيْنَ طَرَيق الهدى من الضلال، والغَيِّ والرَّشَادِ، لِيَهْتَدِيْ بِذَلِكَ المُهْتَدُوْن، وَيَتَبَيَّنَ الحَقُّ الذي يَنْبَغِيْ سُلُوْكُه. {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} تَتَضِحُ السَّبِيْلُ المُوْصِلَةُ إِلى سَخَطِ اللهِ وَعَذَابِه، فإِنَّ سَبِيْلَ المُجْرِمِيْنَ إِذَا اسْتَبَانَتْ وَاتَّضَحَتْ، أَمْكَنَ اجْتِنَابُهَا، والبُعْدُ مِنْهَا، بِخِلافِ مَا لَوْ كَانَتْ مُشْتَبِهَةً مُلْتَبِسَةً، فإِنَّهُ لا يَحْصُلُ هَذا المَقْصُوْدُ الجَلِيْل) ا.هـ   

وإذا ادَّعَى مُدعٍ أَنَّهُ على طريقِ الحقِّ ماضٍ، وأَن مُخالِفَه على مِنْهاجِ ضَلاَلِ.   فإِنَّ عَرْضَ مِنْهَاجِ الفَرِيْقَيْنِ عَلى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. يُظْهِرُ حقيقةَ سالِكِ دربِ الحقِّ، ويكشِفُ زيفَ مَن رَكِبَ الضلال. {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}

وَدِيْنُ الإِسْلامِ قائمٌ على الأدلةِ والآياتِ والبراهين.. لا على الأهواءِ والشهواتِ والآراءِ والرَّغَبَات.. فَما مِنْ مُدَّعٍ صَواباً ولا صَفَاءً ولا سلامةَ مَنْهَجٍ ولا صِحةَ اعتقادٍ.. إلا جاءَهُ السؤالُ القرآني: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}  بُرهانٌ مُسْتَمَدٌ من كتابٍ وسُنَّةٍ، يتجلى فيه صدقُ الدعوى، واستقامةُ الطريق.

فإنْ قَامَ الدليلُ على صَحَّةِ المَسْلَكِ، فَقَدْ قَامَتِ الحُجَّةُ لِسالِكِه بالصواب.  وإِنْ تَخَلْخَلَ الاسْتِدْلالُ بأَن شَابَهُ تَلْبِيْسٌ، أَو غشيَهُ تَدْلِيسٌ، وأضعَفَهُ احتمالٌ.   فقَد اسْتَبَانَ اعْوِجَاجُ الطريقِ واتضح عوارُ الطارِق.  الحَقُّ أَبْلَجُ والبَاطِلُ لَجْلَج.. أبلجُ: واضحٌ ساطعٌ مُستقيم.  ولجلجُ: مترددٌ مُلتَبِسٌ  حيرانَ لا يُبِيْن.

الحَقُّ أَبْلَجُ، لَا تَخْفَى مَعالِمُهُ   **  كالشَّمْسِ تَظْهَرُ فِي نورٍ وإِبْلاجِ.

وما تَنَازَلَ في ميدانٍ حقٌّ وباطلٌ.. إلا كانَتِ العَاقِبَةُ حَلِيْفَةَ الحَقِّ وإنْ طالَ الزمَن. فالحقُ نجمٌ ثاقِبٌ.. كَمْ رُمي بِه مِن مُبْطِلٍ فَهَلَك {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} 

عباد الله: وَأَهْلُ السُّنَّةِ والجمَاعَةِ.. قام مَنْهَجُهُم على أوضحِ بُرهانٍ وأهدى دليل، يَعْبُدُوْنَ اللهَ بِمَا شَرَع، لا يَبْتَدِعُوْنَ في الدِّيْنِ ولا عَن الكتابِ والسنةِ يحيدون.   يَقومُ عالِمٌ.. لَه بين الناسِ قدرٌ ومقام، فَيُفَصِّلُ في مَسَائِلِ العقيدةِ، وَيَسْتَرْسِلُ فِيْ بَيَانِ الأَحْكَامِ. فما يَغِيظُهُ إِنْ قامَ طِفْلٌ صَغِيرٌ لِيَسْألَه: ما الدليل من الكتابِ أَو السنةِ على صوابِ ما تقول؟  إِنهُم أهلُ السنةِ والجماعة.. يتربى صغارُهُم وكِبارُهم، ورجالُهم ونساؤُهم، على أَنَّ الحقَّ ما قامَ به الدليلُ، وأنَّ الرجالَ يُعْرَفونَ بالحقِّ، وليسَ الحقُّ يُعرَفُ بالرجال. قال ابنُ عُثَيْمِيْن رحمه الله: (فالحقُ لا يوزنُ بالرجالِ، وإنما يُوزنُ الرجالُ بالحق، ومجردُ نفورِ النافرينَ، أو مَحَبةِ المُوَافِقِيْنَ، لا يَدُلُّ على صِحَّةِ قَوْلٍ أَوْ فَسَادِهْ، بَلْ كُلُّ قَوْلٍ يُحْتَجُّ لَهُ، خَلا قولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فإنه يُحْتَجُّ به) ا.هـ

وما قامَ قائمٌ مِنْ أهلِ البِدَعِ لِيُناكِفَ أهلَ السُّنةِ في مَنْهَجِهِم، أو لِيُنازِعَهُم في بدعةٍ استحسنها.  ثُمَّ يُدْعى إلى الاحتكامِ لنصوصِ الكتابِ والسُّنةِ إلا لاذَ وخَنَس.  

مُسْتَمْسِكونَ بِسُنَّةِ الهادي، مُتحاكِمون إلى كتابٍ مُنزَلٍ، لا يفترونَ على الإله شريعةً، فالقولُ ما قال الرسول {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  بارك الله لي ولكم..


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه اجمعين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

أيها المسلمون: إن على المسلمِ أن يكون مُستبصراً بِدِينِه، عالماً بأحكامِ شريعَتِه، يَعرِضُ كُلَّ منهجٍ وتنظيمٍ على كتاب الله وسُنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، فإنهما ميزانُ عدلٍ بهما يستقيم دِينُ المرءِ ويَصْلُح.

وما جَهِلَ عبدٌ أحكامَ دِيْنِهِ إلا تشابَهَت عليه السُّبُل. وتَشَعَّبَت به الطُرُقُ، وعاشَ في رَيبْ وشكٍ واضطراب

ومَن عَرَفَ الحقَّ استبانَ لَه ضِدَّه {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} ومهما اختلَفَت مسمياتُ الطوائفِ والفِرَقِ والتنظيمات والجماعات وتجددت ألقابُها عبر الزمن.  فإن كتابَ اللهِ وسُنةَ نبيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَحِّصانِ الحقَّ من الباطِلِ، ويكشفانِ الخبيثَ من الطيبِ، ويُميزانِ الغَثَّ مِنَ السَّمِين. {..فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}

عباد الله: ولَنْ يَقُوْمَ للأمةِ قائمةٌ، ولَن يَتَحَقَقَ لها سُؤدَدٌ.. إْنْ لَم تَكُنْ على طريقِ الحقِ مُؤتَلِفَة.  طريقُ اعتصامٍ بحبلِ الله لا يَنْقَطِع.  وطريقُ استمساكٍ بالوحيِ لا يَنْحَرِف.  طريقٌ يرضى بِه اللهُ عن عبادِه فيُكْرِمَهُم، عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا.. الحديث" رواه مسلم

تَعْتَصِمُ الأمةُ بحبلِ اللهِ.. حين ترفَعُ بالقرآنِ رأساً، وتُقِيْمُ بالسُّنَّةِ مَنْهَجاً.  

تَعْرِضُ أَمرَها على القرآنِ فيما تأتي وتذر.  لا تتقاتَلُ ولا تتناحرُ، ولا تتباغضُ ولا تتدابر، ولا يجترئُ بَعْضُها على حقوقِ بعض.  ينصَحُ بعضُها لِبعضٍ بِصِدْقٍ وإخلاصٍ ووفاء، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه : "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم

حاكِمٌ يقومُ بالعدل وللرعيةِ يَنْصح، ورَعِيَّةٌ تُطِيْعُ بالمعروفِ وبالحقِّ تَسْمَعُ. حقوقٌ للراعي وحقوقٌ للرعية، حقوقٌ للقوي وحقوقٌ للضعيف، حقوق للكبير وحقوقٌ للصغير، حقوقٌ للرجلِ وحقوقٌ للمرأة،

حقوقٌ على مِنْهَاج الكتابِ والسنةِ. بقيامِها يستقيمُ للعبادِ أمرُ الدينِ وأمر الدنيا، وبِعْوِجاجِها يَفْسُدُ أمرُ الدنيا والدين. {..فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}

مِنْهاجٌ قَوِيمٌ.. يُقطَعُ الطريقَ على كُلِّ مُفتَرٍ يسعى إلى إضلالِ الأمةِ عن دِيْنِها، ويتفانى في بَثِّ أسبابِ الفرقةِ والتنازُعِ والانحلالِ والخلاف.

اللهم احفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا..

المرفقات

1660888220_في ميزان الكتاب والسنة 16ــ3ــ1443هـ.docx

المشاهدات 4463 | التعليقات 0