فِي عَالَمُ المَشَاهِيرِ !!

عبدالله اليابس
1440/11/22 - 2019/07/25 18:23PM

الشهرة                                    الجمعة 23/11/1440هـ

الحَمْدُ للهِ بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ الفَرَجِ، شَرَعَ الشَّرَائِعَ وَأَحْكَمَ الأَحْكَامَ وَمَا جَعَلَ عَلَينَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَامَتْ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ البَرَاهِينُ وَالحُجَجُ.

لَكَ الحَمْدُ حَمْدًا نَسْتَلِذُّ بِهِ ذِكْرَاً *** وَإِنْ كُنْتُ لَا أُحْصِي ثَنَاءً وَلَا شُكْرًا

لَكَ الحَمْدُ حَمْدًا طَيِّبًا يَمْلَأُ السَّمَا *** وَأَقْطَارَهَا وَالأَرْضَ وَالبَرَّ وَالبَحْرَا

 وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، هُوَ المُفَدَّى بِالقُلُوبِ وَالمُهَجِ.

نُظِمَتْ أَسَامِي الرُسْلِ فَهِيَ صَحِيفَةٌ ***فِي اللَّـوْحِ وَاسْمُ مُحَمَّدٍ طُغَرَاءُ

يَا خَيْرَ مَنْ جَاءَ الوُجُودَ تَحِيَّةً *** مِنْ مُرْسَلِينَ إِلَى الهُدَى بِكَ جَاؤُوا

 صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ سَارُوا عَلَى أَقْوَمِ طَرِيقٍ وَأَعْدَلِ مَنْهَجِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. حَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنْ صِفَةٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ.. هِيَ أُمْنِيَةُ الكَثِيْرِينَ.. وَفَرَّ مِنْهَا الكَثِيْرُونَ.. يَتَطَلْبُهَا وَيَسْعَى إِلَيْهَا أَقْوَامٌ.. وَيَهْرُبُ مِنْهَا آَخَرُونَ.. البَعْضُ يَعْتَقِدُهَا سَبِيلَاً لِلْمَجْدِ.. وَآخَرُونَ يَرَوْنَهَا بَلَاءً وَفِتْنَةً.. إِنَّهَا الشُهْرَةُ.

الشُهْرَةُ مَظْهَرٌ اِجْتِمَاعِيٌّ.. يُصْبِحُ بِهِ المَشْهُورُ مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ.. سَوَاءً كَانَتْ هَذِهِ الشُهْرَةُ عَلَى نِطَاقٍ ضَيِّقٍ كَحَيٍّ أَوْ مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهَا.. أَوْ عَلَى مُسْتَوىً أَوْسَعْ كَالشُهْرَةِ بَيْنَ طَلَبَةِ العِلْمِ أَوِ بَيْنَ الأَطِبَاءِ أَوِ المُهَنْدِسِينَ.. أَوْ تَكُونُ عَامَّةً عَلَى مُسْتَوَى البَلَدِ أَوِ عَلَى مُسْتَوَى العَالَمِ.

وَالشُهْرَةُ قَدْ تَكُونُ فِي أَمْرٍ مَحْمُودٍ.. كَالشُهْرَةٍ بِالعِلْمِ أَوِ الصَّلَاحِ أَوْ نَفْعِ النَّاسِ أَوِ المَهَارَةِ فِي صَنْعَةٍ وَنَحْوِهَا.

وَقَدْ تَكُونُ الشُهْرَةٌ فِي أَمْرٍ مَذْمُومٍ كَمَنْ يَشْتَهِرُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ بَيْنَ النَّاسِ.. أَوْ يَشْتَهِرُ بِأَذَاهُ وَشَرِّهِ.. أَوْ يَشْتَهِرُ بِسَبَبِ آرَاءٍ يُخَالِفُ بِهَا الدِّينَ أَوِ الأَعْرَاف.

حُكِيَ أَنَّهُ بَيْنَمَا الحُجّاجُ يَطُوفُونَ بِالكَعْبَةِ وَيَغْرِفُونَ المَاءَ مِنْ بِئْرِ زَمْزَم، إِذْ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَحَسَرَ عَنْ ثَوْبِهِ، ثُمَّ بَالَ فِي البِئْرِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ! فَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ اِنْهَالُوا عَلَيهِ بِالضَّرْبِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَمُوتَ، فَخَلَّصَهُ حُرَّاسُ الحَرَمِ مِنْهُمْ وَجَاؤُوا بِهِ إِلَى أَمِيرِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ: قَبَّحَكَ اللهُ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: حَتَّى يَعْرِفَنِي النَّاسُ فَيَقُولُونَ: هَذَا الذِي بَالَ فِي بِئْرِ زَمْزَم"!

لَمْ يَأْتِ فِي الشَرْعِ الأَمْرُ بطَلَبِ الشُهْرَةِ.. بَلْ عَلَى العَكْسِ.. جَاءَتْ نُصُوصُ الشَرْعِ بِذَمِّ الشُهْرَةِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهَا, فَعِنْدَ أَبِي دَاوودَ وغَيْرِهِ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ ثُمَّ تُلْهَبُ فِيهِ النَّارُ) وَفِي لَفْظٍ: (ثَوْبَ مَذَلَّةٍ).. فَهُنَا نَهَى النَّبِيُّ ِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبْسِ الثِّيَابِ التِّي يَتَمَيَّزُ بِهَا صَاحِبُهَا عَنِ النَّاسِ وَيُعْرَفَ بِهَا بَيْنَهُم.

وَقَدْ أَلْحَقَ العُلَمَاءُ بِاللِّبَاسِ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلْشُهْرَةِ, كَالمَرْكُوبِ وَغَيْرِهِ, عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ قَالَ: "مَنْ رَكِبَ مَشْهُورًا مِنَ الدَّوَابِّ وَلَبِسَ مَشْهُورًا مِنَ الثِّيَابِ أَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ كَرِيمًا".

بَلْ أَلْحَقَ العُلَمَاءُ كَذَلِكَ بِاللِّباسِ الحِسِّيِّ كُلَّ شَيءٍ يُصَيِّرُ الإِنْسَانَ مَشْهُورًا.. وَلَوْ كَانَ مَعْنَويًا.. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "كُلُّ شَيْءٍ صَيَّرَ صَاحِبَهُ شُهْرَةً فَحَقُّهُ أَنْ يُجْتَنَبَ".

وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ وَسَلَفُ الأُمَّةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ يَفِرُّونَ مِنَ الشُّهْرَةِ كَمَا تَفِرُّ الفَرِيسَةُ مِنَ الأَسَدِ، لِعِلْمِهِمْ بِخُطُورَتِهَا, وَأَنَّهَا سَبَبٌ فِي البُعْدِ عَنِ الإِخْلَاصِ للهِ تِعِالِى, فَهَذَا بُرَيْدَةُ بنُ الحُصَيْبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: "شَهِدْتُ خَيْبَرَ، وَكُنْتُ فِيْمَنْ صَعِدَ الثُّلْمَةَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى رُئِيَ مَكَانِي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ أَحْمَرُ، فَمَا أَعْلَمُ أَنِّي رَكِبْتُ فِي الإِسْلاَمِ ذَنْباً أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنْهُ". أَيْ: الشُّهْرَةَ.

رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ: كَانَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ِفي إبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قالَ: أَعُوذُ باللَّهِ مِن شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ في إبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ المُلْكَ بيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ في صَدْرِهِ، فَقالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهِ وَسَلَّم يقولُ: (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَنِيَّ، الخَفِيَّ).

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَدَهَمَ رَحِمَهُ اللهُ: "مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ".

قَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللهُ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَيُّوبَ ــ يَعْنِيْ السُخْتِيَانِيَّ ــ، فَيَأْخُذَ فِي طُرُقٍ إِنِّي لَأَتَعَجَبُ كَيْفَ يَهْتَدِي إِلَيْهَا، فِرَارًا مِنَ النَّاسِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا أَيُّوبٌ".

قَالَ اِبْنُ الجَوْزيِّ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَتْ دَارُ ابنِ المُبَارَكِ بِمَروَ كَبِيرَةَ صَحْنِ الدَّارِ؛ نَحْوَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا فِي خَمْسِينَ ذِرَاعًا، فَكُنْتَ لَا تُحِبُّ أَنْ تَرَى فِي دَارِهِ صَاحِبَ عِلْمٍ أَوْ صَاحِبَ عِبَادَةٍ أَوْ رَجُلاً لَهُ مُرُوءَةٌ وَقَدْرٌ بِمَرْوَ إِلَّا رَأَيْتَهُ فِي دَارِهِ، يَجْتَمِعُونَ فِي كُلَّ يَوْمٍ خَلْقَاً يَتَذَاكَرُونَ, حَتَّى إِذَا خَرَجَ ابنُ المُبَارَكِ اِنْضَمُّوا إِلَيهِ. فَلَمَّا صَارَ اِبنُ المُبَارَكِ بِالُكوفَةِ نَزَلَ فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ, وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهُ, وَلَا يَأْتِيهِ كَثِيرُ أَحَدٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَلَا تَسْتَوْحِشُ هَا هُنَا مَعَ الذِي كُنْتَ فِيهِ بِمَرْوَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا فَرَرْتُ مِنْ مَرْوَ مِنَ الذِّي تَرَاكَ تُحِبُّهُ، وَأَحْبَبْتُ مَا هَا هُنَا لِلَّذِي أَرَاكَ تَكْرَهُهُ لِي، فَكُنْتُ بِمَرْوَ لَا يَكُونُ أَمْرٌ إِلَّا أَتَوْنِي فِيهِ, وَلَا مَسْأَلَةٌ إِلَّا قَالُوا: اِسْأَلُوا اِبْنَ المُبَارَكِ، وَأَنَا هَا هُنَا فِي عَافِيَةٍ مِنْ ذَلِكَ.

الشُهْرَةُ فِتْنةٌ.. قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى: "كَفَى فِتْنَةً لِلْمَرْءِ أَنْ يُشَارَ إِلَيهِ بِالأَصَابِعِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا؛ إِلَّا َمَنْ عَصَمَهُ اللهُ".

أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. فِي ظِلِّ اِنْفِتَاحِ وَسَائِلِ التَوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ عَلَى النَّاسِ, وَفِتْنَتِهِمْ بِهَا.. وَأَصْبَحَ الهَاتِفُ فِي كُلِّ يَدٍ.. يُطَالِعُ يَومِيَاتِ النَّاسِ وَحَيَاتَهُمْ.. فِي ظِلِّ ذَلِكَ ظَهَرَ عَلَيْنَا جَمَاعَاتٌ كَثِيْرَةٌ مِنَ مَشَاهِيْرِ التَوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ.. وَكَثِيْرٌ مِنْهُمْ مَعَ الأَسَفِ الشَدِيْدِ لَمْ يَشْتَهِرُوُا بِعِلْمٍ نَافِعٍ أَوْ تَقْدِيْمِ مَشَارِيْعَ نَافِعَةً لِلْمُجْتَمَعِ.. أَوْ بِمَوْهِبَةٍ تَنْهَضُ بِهَا الأُمَّةُ.. بَلْ إِنَّمَا شُهْرَتُهُ إِمَّا لِكَوْنِهِ مُهَرِّجًا يُضْحِكُ النَّاسَ.. أَوْ لِإِتْيَانِهِ بِالغَرَائِبِ مِنَ الأَقْوَالِ أَوِ الأَفْعَالِ.. أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَنْهَضُ بِهِ أُمَّةٌ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مُجْتَمَعٌ.. وَلِلأَسَفْ فَإِنَّنَا كَثِيرًا مَا نَصْنَعُ مِنَ الحَمْقَى مَشَاهِيرَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لَيْسَ أَسْهَلُ عَلَى نُفُوسِ الشَّبَابِ فِي أُمَّةٍ حَدِيثَةِ الوَعْيِ مِنْ إِغْرَائِهِمْ بِالشُّهْرَةِ عَنْ طَرِيقِ الفَنِّ وَالرَّقْصِ.

لَقَدْ أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ المَشَاهِيرِ رَقْمًا فِي بُورْصَة سُوقِ الدَعَايَةِ وَالإِعْلَانِ.. وَأَصْبَحَتْ قِيمَتُهُ بِعَدَدِ مُتَابِعِيْهِ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُل..

فَأَصْبَحُوا يَتَسَابَقُونَ لِجَذْبِ أَكْبَرِ عَدَدٍ مِنَ المُتَابِعِينَ وَلَوْ عَلَى حِسَابِ التَّخَلِّي أَوِ التَّنَازُلِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ المَبَادِئِ.. كُلُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ كِسْبِ مُتَابِعِينَ جُدَد.. أَوْ أَلَّا يَخْسَرَ أَحَدًا مِنْ مُتَابِعِيهِ.. فَأَصْبَحَتْ حَيَاتُهُم كَدَّاً وَسَعْيًا وَاِلْتِهَاءً فِي التَكَاثُرِ مِنَ المُتَابِعِينَ.. وَصَدَقَ عَلَيْهِمْ قَولُ اللهَ تَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.

فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ بَدَأَتْ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُ كَثِيرٍ مِنَ المَشَاهِيرِ.. نَدَمًا عَلَى اللَّحْظَةِ الَّتِي وَلَجُوا فِيْهَا بَابَ الشُّهْرَةِ.. إِذْ أَنَّ كَثِيْرًا مِنْهُمْ يَشْتَكِي مِنَ التَنَمُّرِ الذِي يَتَعَرَضُ لَهُ عَبْر تَعْلِيقَاتِ المُتَابِعِينَ.. وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَ رَاحَتَهُ فِي أَيِّ مَكَانٍ يَذْهَبُ إِلَيهِ.. بَلْ إِنَّ بَعْضَهُم يَتَعَرَضُ لِضُغُوطٍ مِنْ شَرِكَاتِ الإِعْلَانِ أَو غَيْرِهَا لِلإِدْلَاء بِمَا يُخَالِفُ قَنَاعَاتِهِ.

قِيلَ فِي الحِكْمَةِ: يُهْلِكُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الشُّهْرَةِ، فَإِذَا أَدْرَكَهَا زَهِدَ فِيهَا.

وَقَدْ كَشَفَتْ دِرَاسَةٌ برِيْطَانِيَّةٌ حَدِيثَةٌ أَنَّ الأَشْخَاصَ الذِينَ يَلْجَؤُونَ لِلْحُصُولِ عَلَى المَزِيدِ مِنَ الإِعْجَابِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ كَانُوا أَكْثَرَ عُرْضَةً لِانْخِفَاضِ اِحْتِرَامِ الذَّاتِ وَأَقَلَّ ثِقَةً فِي النَّاسِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لَا يُعْجِبْكَ مِنَ الشُّهْرَةِ حَلَاوَةُ التَّصْفِيقِ؛ فَإِنَّ مَعَهَا مَرَارَةَ التَّصْفِيرِ، وَلَا مَدَائِحُ المُعْجَبِينَ؛ فَإِنَّ فِيهَا مَنَاوِحَ ــ جَمْعُ مَنَاحَةٍ ـــ الحَاسِدِينَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرآَنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَخِلَّانِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوم ِالدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. الشُهْرَةُ إِنْ حَصَلَتْ لِلْمَرْءِ بِلَا طَلَبٍ مِنْهُ.. وَكَانَتْ طَاعَةٍ أَو فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ.. فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوظِّفَهَا صَاحِبُهَا فِيْمَا يُرْضِيْ اللهَ تَعَالَى وَيَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ.

وَيَنْبَغِي عَلَيهِ كَذَلِكَ أَنْ يُجَاهِدَ نِيَّتَهُ فِي ذَلِكَ.. فَيَكُونَ عَمَلُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ.. وَتَأَمَّلْ مَعِيَ هَذَا الحَدِيثَ.. لِنَعْرِفَ مَصِيرَ ثَلَاثَةٍ مِنَ المَشَاهِيرِ.. رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهِ وَسَلَّم قَالَ: (إِنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ).

أَلَا وَإِنَّ الشُهْرَةَ الحَقِيقِيةَ هِي الشُهْرَةُ فِي السَّمَاءِ.. أَمَّا شُهْرَةُ الأَرْضِ فَهِيَ نَعِيمٌ زَائِلٌ.. مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ كَانَ مَشْهُورًا فِي السَمَاءِ, رَوَى البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهِ وَسَلَّم قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ).. {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}.

فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ نَكُونَ مَشْهُورِينَ عِنْدَكَ.. وَثَبِّتْنَا عَلَى القَوْلِ الثَابِتِ حَتَّى نَلْقَاكَ يَارَبَّ العَالَمِينَ.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

23-11-1440

23-11-1440

المشاهدات 3450 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا .. أجدت اختيار الموضوع والعرض بارك الله لك وفيك .