في رمضان تفتح أبواب الجنان

إبراهيم بن سلطان العريفان
1436/09/09 - 2015/06/26 08:12AM
الحمد لله، آوَى من إلى لُطفه أوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوى بإنعامِه من يئِسَ من أسقامِه الدوا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه القائلُ: «كلُّ أمتي يدخُلون الجنةَ إلا من أبَى». قيل: ومن يأبَى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعَني دخلَ الجنةَ، ومن عصانِي فقد أبَى»، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقَى وسلامًا يَتْرَى إلى يوم الدين.
فاتقوا الله – عبادالله - فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... شهر رمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنان .. فحيهلاً بكم -يا عباد الله- إلى الجنة ورياضها وقصورها ودورها وحورها لنتعرف عليها؛ علَّنا أن نكون من أهلها، ولنعرف من هم أهلها، أسكننا الله وإياكم فردوسها الأعلى برحمته ومنِّه وكرمه.
الجنة.. وما أدراك ما الجنة؟! والفردوس .. وما أدراك ما الفردوس؟! لا خطر لها، لا مثيل لها، ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مضطرد، وثمرة نضيجة، وحلل كثيرة، وزوجة حسناء جميلة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة، في محلة عالية بهية، في جنة عدن عند مليك مقتدر.
بناها الله تعالى لعباده المتقين أحسن بناء، وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه؛ فبناؤها أحسن وأجمل وأتم وأكمل بناء، وكيف لا يكون ذلك وهي لبنة من ذهب ولبنة من فضة، بلاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت والجوهر، وترابها الزعفران، وسقفها عرش الرحمن؛ لا إله إلا هو! غرفها مبنية يُرى ظاهرها من باطنها، ويرى باطنها من ظاهرها، من دخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه.
الجنة .. وما أدراك ما الجنة .
ما من شجرة في الجنة إلا ولها ساق من ذهب، ولها ساق من فضة. أما ثمارها فألين من الزبد، وأحلى من العسل.وأما ورقها فلا إله إلا الله! أحسن وأرق من رقائق الحلل.
ظل الشجرة يسير الراكب فيه مائة عام لا يقطعه؛ فأسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستظل بظلال أشجارها، إنه غفور رحيم.
أما أنهارها فمن ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.
وفوق ذلك ظلُّها ممدودٌ، وطلحُها منضود، لا شوك فيها، أنبت مكان كل شوكة ثمرة ألْيَن من الزبد، وأحلى من العسل، فضلا من الله ومِنَّة.
أما ماؤها -يا عباد الله- فماء مسكوب، حدائق وأعناب وكواعب أتراب.
أما طعام أهلها فلا إله إلا الله! فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، شرابهم التسنيم والزنجبيل والكافور
أما آنيتهم فالذهب والفضة في صفاء القوارير، فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذُّ الأعين، وفوق ذلك: مَن دخلها يخلد فيها أبداً.
فيها روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان.
قد ذُلِّلت قطوفُها تذليلاً، يتكئ أهلها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، ولا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاماً.
فيها مائة درجة، والناس في الجنة على درجات؛ منهم من يبلغ أعلى الجنة، ومنهم من هو في وسط الجنة، ومنهم من هو في ربض الجنة، لو أن العالمين اجتمعوا في درجة واحدة لوسعتهم.
سعة أبوابها: ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام. فأسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يزاحم على تلك المصاريع.
عباد الله .. للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوَّفة طولها في السماء ستون ميلاً، له أهلون يطوف على بعضهم فلا يرى بعضهم بعضاً، فضلاً من الله ونعمة.
لباس أهلها هناك من الحرير والذهب، وأنعم بذاك اللباس!
وأهلها جميعاً على صورة القمر ليلة البدر؛ فلا إله إلا الله، أي جمال يكون ذاك الجمال!!! حليهم وأساورهم من ذهب وفضة ولؤلؤ وزبرجد وياقوت، من لذة إلى لذة إلى لذة، لا يجوعون ولا يظمئون، ولا ينصبون، ولا يشبعون، ولا يتعبون، وإنما لذَّات فوق لذّات ( فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ من معِينٍ ) ( إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً )
أهل الجنة – يا عباد الله - أبناء ثلاث وثلاثين في سن الشباب، وما أجمل هذا السن!
أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ ) في سعادة أبدية.
أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوَّة، وهو أفضل الطيب وأفضل العود. وأزواجهم الحور العين.
فنسأل الله تعالى الجنة وما يقربنا إليها من قول أو عمل.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
معاشر المؤمنين ... في هذه الأيام المباركة نجد أسواقنا أشغلت المصلين عن صلاتهم، وأشغلتهم عن ذكر الله . أسواقنا فيها ما لا يعلمه إلا الله، أما أهل الجنة فلهم سوق لكن أي سوق يا عباد الله؟
سوقهم يوم الجمعة، فيأتون كل جمعة، فيركبون نجائبهم، ودوابهم من ذهب وفضة ولؤلؤ إلى كثبان المسك، فيجلسون عليها، ثم يأتيهم الريح، فتأخذ من كثبان المسك، فترمي في وجوههم، وفي نواصي خيلهم ونواصي دوابهم، فيرجعون إلى أهلهم، وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول أهلهم وزوجاتهم من الحوريات: والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم -والله- بعدنا لقد ازددتم حسناً وجمالاً.
هذا هو سوق أهل الجنة - يا من أشغله سوق الدنيا .
نعيم الجنة لا ينفد، نعيم الجنة لا يبيد، نعيم الجنة لا يوصف، وإن من أعظم نعيم أهل الجنة -يا أيها الإخوة- حلول رضوان الله جل وعلا على عباده في الجنة، هذا من أعظم النعيم الذي ينالونه، وأعظم من ذلك التلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم جلّ جلاله وتقدست أسماؤه.
ذلك اليوم يوم المزيد، يوم زيارة العزيز الحميد، تصور نفسك والله -عز وجل- يستزيرك ويزورك، لا إله إلا الله!
في روضات الجنة يوم يأتيك المنادي ينادي: يا أهل الجنة! إن ربكم يستزيركم، فحي على زيارته.
لا إله إلا الله! من الزائر جل جلاله، وتقدست أسماؤه، سبحانه لا إله إلا هو! يقولون: سمعاً وطاعة. وينهضون إلى الزيارة مبادرين، وإذ بالنجائب أعدت لهم، فيستوون على ظهورها، وينهضون، فيستوون إلى الوادي الأفيح المبارك على كثبان المسك الذي جُعل لهم موعداً، ثم يأمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فيُنصب، ثم يأمر بمنابر لأهل الجنة منابر منوعة على قدر الأعمال من ذهب، من فضة، من لؤلؤ، من نور، من ياقوت، من زبرجد، وأدناهم – وحاشاهم أن يكون فيهم دنيء- على كثبان المسك؛ فلا إله إلا الله! ما أعظم نعيم الله في الجنة!
حتى إذا استقروا في مجالسهم، واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي مرة: يا أهل الجنة! إن لكم موعداً عند الله يريد أن يُنجزكموه، فيقولون -وقد رضوا بما أتاهم من النعيم-: ألم يثقل موازيننا سبحانه وبحمده؟ ألم يزحزحنا عن النار؟ ألم يدخلنا الجنة؟ ألم يبيض وجوهنا؟ فبينا هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فرفعوا رءوسهم؛ فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم، فيردون بصوت واحد: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم يضحك الله لهم ويقول: يا أهل الجنة! يا من أطاعوني بالغيب ولم يروني هذا يوم المزيد؛ فسلوني. فيقولون: ربنا قد رضينا فارض عنا. قال: لو لم أرضَ عنكم لم أسكنكم جنتي، أحللت عليكم رضواني، لا أسخط عليكم أبداً، هذا يوم المزيد فسلوني - لا إله إلا الله ما أكرم الله وما أرحمه!
هذا يوم المزيد فسلوني! فيقولون: أرِنا وجهك نتلذذ بالنظر إليه، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، ويغشاهم من النور، ما لولا أن الله عز وجل قضى ألا يحترقوا لاحترقوا من نوره ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) لا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا حاضره ربه محاضرة، وكلمه ربه كفاحاً بلا ترجمان.
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم الغفار ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ).
عباد الله – أيها الصائمون - هذا بعض ما أعده الله عز وجل لعباده من النعيم في الجنة، يجمع هذا كله قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر وإن شئتم فاقرءوا ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ). إنها الجنة وكفى، إنها الفردوس وكفى، إنها طوبى وكفى.
أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرحمنا.
اللهم إنا نحن عبادك الفقراء إلى رحمتك فارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء.
اللهم جازنا بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.
اللهم لا تحرمنا نعيم الجنان. اللهم ويسر لنا الطريق إليك إنك على كل شيء قدير.
اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض الوجوه إنك غفور رحيم، وبالإجابة جدير.
اللهم إنا نسألك من فضلك الكريم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 1271 | التعليقات 0