في ذكرى مولد الهدى

[font="] الخطبة الأولى: في ذكرى مولد المصطفى[/font]

[font="]الحمد لله الذي بعث في الأمّيين رسولا منهم، انتخبه و طهّره محتدا و أصولا، و أسبغ عليه نعمته و لقاه نظرة و قبولا.. أحمده و أشكره أن جعلنا من أمّته و هدانا لواضح شريعته، و نيّر سنّته.. و أشكره على نعمة الإيمان التي لا يعادلها نعمة، و على ما شرّفنا به فكنّا خير أمّة.. و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وجب له التوحيد. شهادة هي منبع الرشد و التوفيق و التسديد. شهادة هي المدّخر و القوّة و الرصيد. ثبّت الله عليها قلوبنا و ألسنتنا عند النزع و يوم الهول الشديد، في ذلكم اليوم الذي يشيب منه الوليد..[/font]
[font="]و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله نبيّ رفع الله قدره و أعلى مقامه، و جعله ملاذ البشر في عرصات القيامة. و كرّمه فسجّل في كتابه صلاته عليه و سلامه، و أوجب على كلّ مؤمن أن يتّخذه قدوته و إمامه. فاللهمّ صلّ عليه و على آله و صحبه، و زوجاته و ذرّيته و عترته و حزبه، صلاتك و سلامك الذي يرضيك و يرضيه، و ارفع مقامه في المقامات العليّة، و آته الوسيلة و الفضيلة و المنزلة الزكيّة..[/font]
[font="]أمّا بعد فيا أيّها الذين آمنوا، إنّ في تجديد الذكرى بالأيام التي أكرم الله فيها الجنس البشري بهدايته و توفيقه و نصره، إنّ في ذلك ما يعطي للمؤمنين قوّة على اتّباع النضال لأنّهم يستمدّون من المدد الإلهي، و من الفضل الربّاني عونا. إنّ هذه الذكريات تفتح أبواب الأمل إذا ما وظّفت بالطريقة التي ترضي الله و رسوله. أمل بأنّ الله تبارك و تعالى مع المؤمنين هادٍ و نصير، و ينسب الله هذه الأيام نسبةَ تكريمٍ لذاته العليّة، فيقول سبحانه: " و لقد أرسلنا موسى بآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النّور و ذَكِّرْهُمْ بأيامِ اللهِ إنّ في ذلك لآياتٍ لكلّ صبّارٍ شكورٍ ".[/font][font="] ( سورة إبراهيم:5 )[/font][font="].[/font]
[font="]إنّ من بين الأيام المشرقة الخوالد و الغنية بالكرم الإلهي، يبرز يوم الثاني عشر من ربيع الأوّل، عام الفيل قبل التأريخ الإسلامي الهجري بثلاث و خمسين سنة، و بالحساب الشمسي هو يوم 20 أفريل ( نيسان ) سنة 571 بعد ميلاد المسيح عليه السلام. في هذا اليوم المبارك الأغرّ، ولد المصطفى سيّدنا و نبيّنا و شفيعنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.. و هذا المولود العظيم في مقداره، يتّصل في أطوار حياته باليوم الثاني عشر من ربيع الأنور- في ثلاث مناسبات: يوم ولادته، و يوم وصوله إلى قباء مهاجرا، و اليوم الذي فارق فيه الحياة الدنيا و التحق بالرّفيق الأعلى. و قد أكمل الله به الدّين، و خيّره بين زيادة الحياة، فاختار الرفيق الأعلى و التنعّم بقرب الحقّ تبارك و تعالى. [/font]
[font="]أيها الناس، في مثل هذا الشهر انبثق من مكّةَ المكرّمةَ نورٌ ساطعٌ يبدِّدُ الظلماتِ و يكشفُ المُدْلَهِمَّات، و يُْضِيءُ السبيلَ للسّالكِ المتابعِ، و انْسَلَّ من غِمْدِ الزمانِ على رقابِ أولي الطُّغيانِ سيْفٌ صارمٌ قاطعٌ، محمّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمٍ بنِ عبدِ منافٍ بنِ قُصَيٍّ بنِ كلابٍ، فشرُفتْ به البلادُ و استبشرتْ به العبادُ، و تنافستْ فيه المراضِعُ فيالك من مولودٍ عظيمٍ، و بوركت من رضيعٍ و فطيمٍ.. " و توكّلْ على العزيز الرحيمِ، الذي يراك حين تقومُ، و تقلُّبَكَ في السَّاجِدين ".[/font]
[font="]فنشأ صلى الله عليه و سلم متحلِّيا بمكارم الأخلاق، فخطبته أم المؤمنين خديجةُ رضي الله عنها لنفسها وهي المرأة الأرملة وقد تزوّجت مرّتين قبله عليه الصلاة و السلام، و في كل مرّة يموت زوجها. فزهدت عن الزواج بالرغم من تسابق و تكالب سادة مكّة للفوز برضاها.. فسعت إليه و قد ساد قومهُ على الإطلاق، و أنّه ليصلُ الرحِمَ و يحمِلُ الكلَّ و يكسِبُ المعدوم و يعينُ على نوائب الحقِّ غير بخيلٍ و لا مبذِّرٍ في الإنفاق.. و قد حكّمته قريش في وضع الحجر الأسود، و قد احتدم بينهم النِّزاعُ و الشقاقُ، " فلا أُقسمُ بما تبصرون و ما لا تبصرون إنَّهُ لقولُ رسولٍ كريمٍ ".[/font]
[font="]و على رأس أربعين سنة، بعثه الله للعالمين بشيرا و نذيرا و داعيا إليه بإذنه و سراجا منيرا، فأُوذي و عودي، و ضُرِب و شُتِمَ، و قال الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلا مسحورا " وسواءٌ عليهِم أأنْذَرْتَهُمْ أم لم تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنون، إنما تنذر من اتّبع الذكر وخشِيَ الرحمانَ بالغيبِ فبشِّرْهُ بمغفرةٍ وأجرٍ كريمٍ ". و لقد وضعوا السَّلاءَ على ظهره الشريف في السجود، و سفكوا دمه الزكّيِّ و أخرجوه من مكّة، و أُجْبِرَ على الهجرة إلى المدينة المنوّرة بمَنْ معه من المؤمنين لنشر دعْوَةِ الدِّينِ، و تنفيذ أوامر ربّ العالمين، فنصره الله على المشركين و سائرَ المخالفين بعرّةِ الجانب و كثرةِ الإتّباعِ و حُجَجِ الذِّكْرِ المُبينِ." و قال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه و إذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفكٌ قديمٌ ".[/font]
[font="]و ما زال يتنزّل عليه القرآن آيةً بعد آيةٍ، و يرشد الناس إلى أشرف مقصدٍ و أسمى غايةٍ، حتى ظهر الحقُّ و زهقَ الباطلُ، و انتصر أهلُ الهدايةِ على أهلِ الغوايةِ. و أصبح الناسُ سواسية في البداية و النهايةِ. لا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلاّ بتقوى الله و ما مُنح من علمِ روايةٍ أو درايةٍ. " لئلاّ يعلَمَ أهلُ الكتابِ ألاّ يقْدِرُون على شيءٍ من فضلِ اللهِ و أنّ الفضلَ بيد اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ و اللهُ ذو الفضلِ العظيمِ ".[/font]
[font="]ما فارق الدنيا صلى الله عليه و سلم، إلاّ و قد ترك الناس على الشريعة البيضاء النقيّةِ، و الطريقة المثلى المستقيمةِ، فجزاك الله عنّا و عن


سائر أتباعك خير الجزاء يا صاحب النفس الزكية و الصفات العليّة، فلأنت أكرمُ البريّة، و خيرُ الورى سجِيَّةً، و أمثلُهم رجولةً و عبقريةً، و عليك منّا و منهم أفضلُ صلاةٍ و أزكى تحيّة و تسليمٍ.[/font]
[font="]


أيها الناس، [/font][fieldset=هذا الكلام يرد على النقطة التي تليها]يوم الاثنين القادم، ذكرى مولد النور صلوات ربّي و سلامه عليه، و إن كان الرسول في حياته لم يحتفل بهذه الذكرى و لا احتفل بها أصحابه الكرام، فهي أمر مستحدث بعد أربعة قرون. فعلينا أن نعلم أنّ الاحتفال بهذه الذكرى لم ينزل به وحي من الله، و لا أمر من النبيّ صلى الله عليه و سلم، و لا فعله أصحابه.
[/fieldset]
[font="]


[/font][fieldset=أشواق الأمة لا تبرر الإحداث في الدين][font="]و لكن أشواق أمّته إليه و حبّها لذاته و تبرّكها بآثاره الشريفة و إحياء أيام الله امتنّ فيها على البشرية، و اعتبارا إلى أنّ الأمّة لم تره و لم تشهد معه الخطوات الأولى لانتشار الإسلام، كلّ ذلك جعل بعض علماء الأمّة الإسلامية و العادلين من حكّامها و أولي الأمر فيها من الثقاة و الغيورين على سنّة المصطفى، يحيون هذه الذكرى بالتأمّل في سيرته و حسن الأخذ من هديه و الإكثار من الصدقة و فعل الخير و التوسعة على العيال و الأقارب و الأهل، و فيه ربط بين الصغار و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم.. فعلى هذا المعنى تحتفل بعض الدول الإسلامية بذكرى مولده صلى الله عليه و سلّم، و من بين هذه الدول، تحتفل تونس بهذه الذكرى.[/font]
[/fieldset]



[fieldset=الاحتفال بجميع صوره متحفظ عليه في منهج أهل السنة والجماعة ولو كان خيرا لسبقونا إليه][font="]و حتى نخرج من الاحتفال التقليدي الذي دأبنا عليه منذ عشرات السنين، علينا أن نربّي في أبنائنا عاطفة الحبّ و البهجة بعيد ميلاد الرسول.. يجب أن ننمّي في نفوس أبنائنا عامل التعلّق بشخصية النبيّ، و دافع الغيرة عليه و على سنّته و احترام آل بيته و أصحابه، من خلال التوسعة عليهم و إظهار البشر لهم، و خلق جو من الفرح و البهجة بعيد ميلاد الرسول.. و أن يتّخذ الأبوان هذه المناسبة لإهداء بعض اللعب و الهدايا لنغرس في الطفل الارتباط الوثيق برسول الله ارتباط الحبّ و الغيرة و الشوق للالتقاء به من خلال الاطّلاع على سيرته و دراسة سنّته.[/font][/fieldset]


[font="]ألا إنّ الله قد أكرم رسوله محمّدا بالخطاب، و سجّل تشريفه في محكم الكتاب، و شرح صدره قائدا لأولي الألباب. فاستمعوا لهذا التشريف و التقدير و التبجيل. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم: [/font]
[font="]أقول ما تسمعون و استغفر الله العليّ العظيم لي و لكم..[/font]

[font="] الخطبة الثانية: مــولد النّـــور[/font]

[font="]الحمد لله الذي بعث في الأمّيين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهُمُ الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبينٍ، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين، اللهم فصلّ و سلّم و بارك على سيّدنا محمّد الصادق الأمين و على آله و صحابته الميامين " و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ".[/font]
[font="]أيها الناس، لقد فضّلكم الله على سائر الأمم كما فضّل نبيّكم على سائر النبيّين و اشتقَّ لكُمُ اسمين من أسمائه الحسنى، فهو السلامُ المؤمن، و سمّاكُمُ المسلمين المؤمنين و ستُدْعون يوم القيامة بالغُرِّ المحجَّلينَ و أئمّة المتّقين، إذا تمسكتم بالكتاب المبين و سُنَّةِ سيّد المرسلين، و تخلّقتم بأخلاق من يمدحُهُ ربَّهُ بقوله تبارك و تعالى " و إنّك لعلى خلُقٍ عظيمٍ ".[/font]
[font="]كُنتم أذلاّءَ قبل الإسلام فعزَّكُمُ اللهُ بمتابعته، و كنتم على شفا حُفْرةٍ من النارِ فأنقذكم الله منها بحكمة دعوته و حسن سياسته، و كنتم تهيمون في الظلمات فأخرجكم إلى النور بآيات ربِّهِ و جميل هدايته، و إنّكم لتذنبون و تطمعون يوم القيامة في شفاعته " لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عنتُّمْ حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيمٌ ".[/font]
[font="]كان الناس في الجاهلية يتنازعون ويتخاصمون، فيتلاعنون و يتشاتمون، و لأقلّ شيءٍ يقعدون ويقومون، فينهبون و يقتلون، وبالفساد في الأرض يعيثون، و يئدون البنات و يعُقُّون الأمّهات و هم لا يستحيون، و عن المعروف يعرضون و على المنكر يعكفون.. فطائفة منهم كانت تعبد النارَ و المياهَ و الأشجارَ، و أُخرى عاكفة على التماثيل من الأحجار، و أخرى تتقرّب إلى الله بتعظيم الكواكب و الأنوار، و الأخيارُ يخافون من الأشرار، و غالبُ من على الأرض فُجَّارٌ كفّارٌ، قد أضلّهم الشيطان بمتابعة المضلّين من الرُّهبانِ و الأحبارِ، و الكذّابين من نقلة الأخبار و رواة الآثار.[/font]
[font="]يا أحباب محمّد، أوصيكم و نفسي بتقوى الله تعالى، فهي التجارة التي لن تبور.. و أحثّكم على مراقبته فإنّه يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور.. فشمِّروا لطاعته و احذروا التواني و القصور.. و بادروا فإنّ المنايا كلّ آونة على الأنام تدور.. و تزوّدوا فإنّكم لا تدرون أ مسافرون في الرواحِ أم في البكور.. و مهِّدوا لأنفسكم في مضاجع القبور.. فإنّها أوّل منازل الآخرة و الدنيا مَجازٌ و قنطرة العبور.. و قدّموا لأنفسكم ما ينفعكم ليوم النشور.. و إياكم و المحارم فإنّها حمى الله وهو عند انتهاك محارمه غيور.. و حاذروا هذه الدنيا فإنّها متاع الغرور.. و اغتنموا هذه الأعمار فإنّ أيامها سريعة المرور.. [/font]
[font="]فيا مؤمن بالله و اليوم الآخر، و يا صاحب النفس الزكية، تأهب للرحيل، و استعدّ للسفر الطويل، بصالح الأعمال و خلوص النيّة.. فتوبوا إلى الله أيها المؤمنون و صلوا و سلموا على نبيّكم الأمين المأمون، الذي أمرتم بالصلاة و السلام عليه قديما بقول الحق تبارك و تعالى: " إنّ الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما ". اللهمّ فصلّ و سلّم و زد و بارك على سيّدنا محمّد المخصوص بألم نشرح لك صدرك.. و ارض عن أبي بكر الذي نال من أهل الردّة مناه و أدرك.. و عن عمر الذي كان إسلامه على المؤمنين أيمن و أبرك.. و عن عثمان الذي جمع القرآن و لم يلحق التلاوة و لم يدرك.. و عن عليّ الذي ما سجد لصنمٍ قطّ و لا أشرك.. خصوصا عن سيّدي شباب أهل الجنّة أبي محمّد الحسن و أبي عبد الله الحسين.. و عن أمّهما سيّدة النساء فاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين.. و عن عمّيه المكرّمين بين الناس أبي عمارة حمزة و أبي الفضل العبّاس.. و عن الستّة الباقين و عن باقي الصحابة أجمعين و عنّا و معهم و فيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.. [/font]
[font="]اللهم اجمعنا بنبيّك على كوثره و في جنات النعيم.. اللهم اكتب لنا بركة توصلنا إليه، و تجمعنا عليه، و تقربنا لحضرته، و تمتعنا برؤيته، اللهم اجمعنا معه في أعلى مقام، و ارزقنا يا ربّنا في جواره حسن الختام، نشهدك يا ربّنا أنه قد بلّغ الرسالة، و أدّى الأمانة، و نصح الأمة، و كشف الغمّة، و محى الظلمة.. اللهم أجزه عنا خير ما جازيت به نبيّا عن قومه، و رسولا عن رسالته، اللهم أحينا على سنّته، و أمتنا على ملّته، و أوردنا حوضه، و اسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نضمأ بعدها أبدا، اللهم كما أمنا به و لم نره فلا تفرّق بيننا و بينه، حتى تدخلنا مدخله برحمتك يا أرحم الراحمين.. يا رب العرش العظيم.. يا مالك الملك.. يا حي يا قيوم.. يا ذا الجلال و الإكرام.. يا من فتحت بالباقيات الصالحات لنا جناتك.. يا من أغلقت برحمتك في وجوهنا أبواب نيرانك.. اللهم اصلح لنا أزواجنا و ذريتنا، و ارزقنا و أنت خير الرازقين، اللهم اغفر لنا و لوالدينا و لوالدي والدينا، و لإخواننا و أهلينا، و الحاضرين معنا و الغائبين من المسلمين الأموات منهم و الحيّين.. اللهم يا فالق الحبّ و النوى و يا عالم السر و النجوى أعط لكل امرئ منا من الخير ما نوى بجاه حبيبك المصطفى و كتابك الذي يتلى و أنبيائك الأتقياء.. اللهمّ إنّا نسألك بصفاتك العلا أن تجعل هذا البلد آمنا مطمئنا و سائر بلاد المسلمين يا ربّ العالمين.. اللهمّ انشر رحمتك على هذه البلاد، و اقمع أهل الشرك و الريب و الفساد، يا من له الدنيا و الآخرة و إليه المعاد.. اللهم احفظ بلادنا و أصلح أولادنا و اشف مرضانا و عاف مبتلانا و ارحم موتانا و خذ بأيدينا إلى كلّ خير و اعصمنا من كل شرّ و احفظنا من كلّ ضير و لا تسلب نعمتك عنّا يا ربّ و كن معنا حيث كنّا.. يا أرحم الراحمين.. يا ربّ العالمين.. يا مغيث المستغيثين.. يا مجير المستجيرين.. يا سند الفقراء و اليتامى و المساكين.. آمين و صلّ اللهمّ و سلّم و زد و بارك على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه أجمعين..[/font]
[font="]عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي، يعذكم لعلكم تذكرون، اذكروا يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم ولا ذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون.. [/font]

[font="]الشيخ محمّد الشاذلي شلبي[/font]
[font="] الإمام الخطيب[/font]

[font="] جامع الإمام محمّد الفاضل ابن عاشور[/font]

[font="] بالزّهور الرّابع – تونس [/font]
المشاهدات 3960 | التعليقات 4

بارك الله فيك يا شيخ محمد..
لي تعقيب على بعض النقاط في الخطبة:
Quote:
- و لكن أشواق أمّته إليه و حبّها لذاته و تبرّكها بآثاره الشريفة و إحياء أيام الله امتنّ فيها على البشرية، و اعتبارا إلى أنّ الأمّة لم تره و لم تشهد معه الخطوات الأولى لانتشار الإسلام، كلّ ذلك جعل بعض علماء الأمّة الإسلامية و العادلين من حكّامها و أولي الأمر فيها من الثقاة و الغيورين على سنّة المصطفى، يحيون هذه الذكرى بالتأمّل في سيرته و حسن الأخذ من هديه
أولا: قضيّة التبرك:
استقر كلام أهل العلم من أهل السنة على أن التبرك منه مشروع، ومنه ممنوع:
فالتبرك الممنوع هوالذي يفضي إلى مفاسد اعتقادية وعملية، وله آثار سيئة وخطيرة، وأخطرها الوقوع في الشرك الأكبر, ولو كان المتبرّك به أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلّم.
ويوصل التبرك الممنوع إلى الشرك من إحدى حالتين:
الأولى: أن يكون التبرك الممنوع في حد ذاته شركاً, كالتبرك بالأموات – من الأنبياء والصالحين وغيرهم – في دعائهم لقضاء الحاجات الدينية أو الدنيوية، وتفريج الكربات.
الحالة الثانية: أن يكون التبرك الممنوع ذريعة إلى الشرك، وسبيلا إليه, ووسيلة له, ويكون الشرك من نتائجه وآثاره.
وهذه كثيرة الشيوع, وابتليت بها الأمّة, وقد جاءت النصوص متضافرة وكثيرة في التحذير من سلوك السبل المؤدّية الى الشرك:
1- قال صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم".
2- وقال: " لا تجعلوا قبري عيدا.."
3- وقال: " إيّاكم والغلو ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو.."
4عن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: أنت سيدنا، فقال: "السيد الله -تبارك وتعالى-"قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: "قولوا بقولكم؛ أو بعض قولكم، ولا يستجدينكم الشيطان" رواه أبو داود يسند جيد.
5- وأنكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أناس ثناءهم عليه بقولهم: "يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا"؛ لئلا يكون ذلك وسيلة إلى الغلو فيه والإِطراء، وفيه التحذير من كيد الشيطان وأنه قد يأتي من طريق الزيادة على الحد المشروع، وأن الغلو في مدح النبي منهي عنه لأنه من الشيطان كما في بعض قصائد المدائح النبوية من الغلو الذي يوصل إلى درجة الشرك.
6- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيراً من الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك..) اقتضاء الصراط المستقيم
ثانيا: قضيّة الاحتفال بالمولد النبوي:
Quote:
و حتى نخرج من الاحتفال التقليدي الذي دأبنا عليه منذ عشرات السنين، علينا أن نربّي في أبنائنا عاطفة الحبّ و البهجة بعيد ميلاد الرسول.. يجب أن ننمّي في نفوس أبنائنا عامل التعلّق بشخصية النبيّ، و دافع الغيرة عليه و على سنّته و احترام آل بيته و أصحابه، من خلال التوسعة عليهم و إظهار البشر لهم، و خلق جو من الفرح و البهجة بعيد ميلاد الرسول

ومن الأمور المقررة شرعا: أن من التبرّك الممنوع التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته, فلا يجوز التبرك بقبره، ولا شيء آخر بعد موته، لأنه لو كان شيء من ذلك مشروعا لسبقنا اليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
ومن هذا الممنوع إحداث عيد المولد النبوي والاحتفال به.
وقد أفتى العلماء بحرمة هذا الأمر، وأنه إحداث في الدين والشرع ما ليس منه (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشورى:21].
ويندرج الاحتفال بالمولد تحت أمثال قوله عليه الصلاة والسلام:
- "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ".
- " كل بدعة ضلالة "
وقد بدأ الناس بالاحتفال بالمولد في أول الأمر ثم تدرجوا في ذلك، حتى انتهى بهم الأمر الى ما نراه اليوم من البدع، فأقيمت الاحتفالات لأعياد أخرى كثيرة مبتدعة، في مواسم متفرقة.
وهذا هو شأن البدعة، فإن فعل القليل منها يؤدي إلى فعل الكثير من البدع الأخرى.
فلا يجوز التهاون في شأن البدعة مهما صغرت، فإنها تتدرج حتى تكبر وتعظم، ويشتد خطرها وأثرها.
قال الإمام أبو محمد البربهاري رحمه الله محذراً عن ذلك: " واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً...) شرح السنة للبربهاري ص:23.
آثار الاحتفال بالمولد النبوي:
- ما تتضمنه غالباً أعياد المولد النبوي من أنواع المعاصي والمنكرات الظاهرة.
- استعمال الأغاني وآلات اللهو والطرب، وما يتبع ذلك من الرقص, واختلاط الرجال بالنساء، وما ينتج عن ذلك من الفتنة, وإضاعة الأموال وتبذيرها لإقامة الحفلات، والإسراف في إيقاد الشموع في المساجد والطرقات, ونفقات الزينة.
- الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بإيراد الأخبار الموضوعة في القصص التي تقرأ ليلة المولد النبوي.
- التشبه بالنصارى، فالنصارى هم الذين يحتلفون بعيد ميلاد المسيح عليه السلام.
- التعبد لله بأوراد وأذكار لم يشرعها الله، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
إلى غير ذلك من الأمور المخالفة للشرع، التي تفعل باسم التبرك والاحتفال بليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم.


بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على محمّد رسول الله و على آله و صحبه و من والاه. أمّا بعد:

أخي علي يطيب لي أن أرفع إليك أرقى عبارات الشكر و العرفان على اهتمامك الموصول و الجدّي بموضوع الاحتفال بذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه و سلم، و الذي أحدث شرخا عميقا في صفوف الأمّة..
و لا أدّعي أخي علي أنّني بهذا العمل قد أصبت الهدف، أو قد أدركت العلامة، و لكنّه جهد المقلّ، فإن أصبت فبفضل الله تعالى و برحمته و عونه، و ذلك ما أردت.. و إن أخطأت فعذري أنّي ما تعمّدت، و عندي عزم قويّ بمساعدتك و بقيّة الإخوة الكرام، على " الجمع بعد التفريق و تقريب الوصول بعد طول الطّريق "..

و الله الكبير المتعال أسأل أن يجعل عملنا هذا نافعا لمن يطلع عليه، و أن يغفر لي تقصيري و خطئي غير المقصود. فما أردت بعملي هذا سوى النّفع و نشر العلم.. و غفر الله لمن رأى خطأ فبصّرني به، و أرشدني إليه، و أرجو من كلّ زائر لشبكة ملتقى الخطباء أن يدعو لصاحبها و القائمين على شؤونها و المشاركين فيها، بالرحمة و المغفرة و التوفيق و السداد و النجاة.. و جزى الله كلّ من قال كلمة طيّبة في سبيل الله تعالى..

اللهمّ اجعلنا من التوّابين، و ارلازقنا درجة الصّالحين السّعداء، و لك العتبى حتّى ترضى.. و منك التوفيق و السداد.. و آخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين..



أخوكم في الله:
الشّيخ محمّد الشّاذلي شلبي





خطب في الموضوع آمل الإفادة منها:

خطب في التمسك بالسنن ونبذ البدع (بدعة المولد)

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي


فيما يخص زمان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فقد حقق في ذلك الشيخ محمد بن عبد الله العوشن في كتابه (ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية ) تجده على هذا الرابط http://www.waqfeya.com/book.php?bid=2556