في الكويت خطبة الجمعة غداً: التظاهر على الحاكم المسلم من صور الخروج
أبو عبد الرحمن
1433/12/23 - 2012/11/08 18:13PM
خطبة الجمعة غداً: التظاهر على الحاكم المسلممن صور الخروج التي نهى الشارع عنها
الخميس 8 نوفمبر 2012 الأنباء
أسامة أبوالسعود
عممت وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية خطبة الجمعة على جميع مساجد الكويت وستذاع في الاذاعة والتلفزيون غدا، والتي شددت على اهمية طاعة ولي الامر وحذرت من الخروج عليه لانه من الفتن، وشددت على ان التظاهر على الحاكم المسلم من صور الخروج التي نهى الشارع عنها لما فيه من زعزعة الأمن، وإثارة الفوضى، وإيقاع العداوة والتصادم والتقاتل بين رجال الأمن والمتظاهرين ناهيك عن دخول المندسين من المفسدين والمجرمين لتحقيق مآربهم وأغراضهم.
واكدت خطبة الجمعة التي اعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام بقطاع المساجد انه «إذا اختل فسطاط الأمن وزعزعت أركانه، واخترق سياجه، فلا تسأل عما وراء ذلك من الفتن والفساد الكبير، فالدين مغتلب، والنفس تستلب، والمال منتهب، والعرض مغتصب، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وقالت: ان الواجب على العلماء والعقلاء والحكماء أن يبصروا الأمة في أوقات المحن بموانع الفتن: كلزوم كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والسير على نهج سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى، وتنبيه العباد إلى ضرورة النظر في العواقب، وفيما يلي نص خطبة الجمعة التي ستذاع في الاذاعة والتلفزيون:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أعظم الوصايا وصية رب البرايا، فاتقوا الله رحمكم الله، فإن تقوى الله أمان من البلايا، وحصن من الرزايا، بالتقوى أمن الديار، وهناء العيش والاستقرار، وكثرة الخيرات واستجلاب البركات، وبها النجاة فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
معاشر المسلمين: لا يختلف اثنان ولا يتمارى عاقلان أن هاتف الأمن والأمان وهاجس الاستقرار والاطمئنان، هو المرام النبيل الذي تنشده المجتمعات البشرية، وتتسابق إلى تحقيقه السلطات العالمية بكل إمكاناتها المادية والفكرية، إذ هو قوام الحياة الإنسانية، وأساس أمجادها المدنية والحضارية، بل حتى الطيور في أوكارها، والبهائم في زرائبها لتبحث عنه وتسعى إليه، وهل يرى المذعور إلا خائفا يترقب غير متلذذ بعبادة ومنام، أو متهنئ بشراب وطعام، فضلا عن المشاركة في التنمية والبناء والتفرغ للإعمار والإبداع والنماء، حفاظا على المكتسبات وتحقيقا لأفضل الإنجازات؟!
إخوة الإسلام: الأمن ضد الخوف، وهو يعني الحفاظ على البلاد والعباد في أمور المعاش والمعاد، وذلك بحفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، وإذا اختل فسطاط الأمن وزعزعت أركانه، واخترق سياجه، واضطربت ظلاله الوارفة، فلا تسأل عما وراء ذلك من الفتن والفساد الكبير، فالدين مغتلب، والنفس تستلب، والمال منتهب، والعرض مغتصب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إخوة العقيدة: الأمن بمفهومه الشامل هو: انتظام أمور الدين والدنيا، والأمن والإيمان قرينان متلازمان. إن أي فعل أو تصرف أو دعوة لزعزعة أمن المجتمع تعد جريمة كبرى، وجناية عظمى على المسلمين، وضربا من صور الكيد والفساد والطغيان.
معاشر المؤمنين: إن من يستقرئ التاريخ الإسلامي عبر القرون الماضية وما جرى فيه من خروج على الولاة والسلاطين يتبين له بوضوح عظم المصلحة التي أمر الشارع بتحصيلها حين نهى عن الخروج على الولاة ونزع يد الطاعة عنهم، فإنه لا تكاد تعرف حركة خروج على الولاة المسلمين إلا وترتب عليها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أريد بالخروج إزالته.
فسنة الله الكونية التي لا تتبدل ولا تتحول شهدت عبر الوقائع التاريخية الكثيرة لحكمته العظيمة في سنته الشرعية الآمرة بطاعة الأمراء والصبر على جورهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف، وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فيدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ثم يقول: ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته..». وقال: أيضا: وكل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم الخراساني الذي خرج على الناس بخراسان وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء ثم قال: وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة، فإن عبدالله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم، فهزموا وهزم أصحابهم، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة» انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله، وقال ابن القيم رحمه الله: «إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله: فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر..». فما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وإراقة دمه الزكي إلا بسبب تأليب الناس والتظاهر عليه.
معاشر المسلمين: إن التظاهر على الحاكم المسلم قد يكون صورة من صور الخروج التي نهى الشارع عنها، لما في ذلك من زعزعة الأمن، وإثارة الفوضى، وإيقاع العداوة والتصادم والتقاتل بين رجال الأمن والمتظاهرين، ناهيك عن دخول المندسين من المفسدين والمجرمين لتحقيق مآربهم وأغراضهم، فليس كل من دخل في صفوف المتظاهرين يسعى إلى ما يسعون إليه، ويهدف إلى ما يهدفون إليه من إصلاح، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه» كما أن هذه التظاهرات يحصل فيها من التخريب والتدمير ما الله به عليم إذ إن الغوغائية لا عقل لها، ولا يمكن السيطرة عليها من قبل المنظمين لها، وتكون سببا لأمور لا يحمد عقباها، والسعيد من وعظ بغيره، فهل من معتبر؟
أيها الأحبة: اعلموا أن وحدة الأمة أمانة في أعناقنا، ونحن مسؤولون عنها أمام الله: أحفظنا أم ضيعنا؟ كما أن الحفاظ على بلدنا الحبيب واستشعار نعمة الأمن والأمان مطلب ينشده كل المجتمع، وعلى الجميع أن يوطد ويعمق معاني الوحدة والتماسك، كل يحرس هذه النعم بحسب موقعه ومركزه، واعلموا أن من يسعى لنشر الفرقة بين الأمة فإنه يسعى لإضعاف العوامل التي ينبني عليها أساس الأمن والأمان، ففي الاجتماع البركة وفي التفرق الضعف والخذلان، ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر والبيان، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، أحمده على نعمه الجمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة، وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا فأوضح لنا كل الأمور المهمة، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تكون لنا نورا من كل ظلمة، وسلم تسليما كثيرا.
أيها المؤمنون: إن الواجب على العلماء والعقلاء والحكماء أن يبصروا الأمة في أوقات المحن بموانع الفتن: كلزوم كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والسير على نهج سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى، وتنبيه العباد إلى ضرورة النظر في العواقب، فمن لم ينظر في العواقب فليس بفقيه، فإن من قواعد أهل العلم قولهم: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ويتجلى ذلك في نهي الله سبحانه وتعالى المسلمين في مكة عن الانتصار باليد، وأمرهم بالعفو والصفح لئلا يكون انتصارهم ذريعة إلى وقوع ما هو أعظم مفسدة من مفسدة احتمال الضيم، ومصلحة حفظ نفوسهم ودينهم راجحة على مصلحة الانتصار والمقابلة.
كما أن مما يعين على درء الفتن: استفادة أهل العصر من التاريخ الغابر واستقراء التاريخ والنظر في سنن الله الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير، ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور، ولهذا لما أراد الحسين بن علي رضي الله عنهما أن يستجيب لدعوة أهل العراق لما كاتبوه وأرسلوا إليه كتبا كثيرة، أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر، وابن عباس، وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هاشم رضي الله عنهم بألا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يقتل، حتى ان بعضهم قال: أستودعك الله من قتيل، وقال بعضهم: لولا الشناعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج، وهم بذلك قاصدون نصيحته، طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين، لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى، ثم تبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في دعوة من كاتبوه أي مصلحة بعد أن خذلوه، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوما شهيدا، وأي بلية على الأمة مثل مقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح قط، ولهذا أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما بقوله: «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» حينما تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهم أجمعين، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يثن على أحد لا بقتال في فتنة، ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا بمفارقة الجماعة.
ومن موانع الفتن يا عباد الله: ضبط العواطف والتأني، وعدم الانسياق والانفعال، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن: القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من يتشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به» رواه البخاري ومسلم.
إخوة الإسلام والإيمان: ومن موانع الفتن أيضا: القرب من نصحاء الأمة والالتفاف حولهم وعدم البعد عنهم، ولاسيما في مواضع الفتن كما جاء في حديث ابن حبان بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «البركة مع أكابركم»، يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير قول الله عز وجل (وإذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، يقول رحمه الله: «هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة: عليهم أن يتثبتوا، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضده.
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على نعم الله عليكم، والتزموا شريعة ربكم، واستنيروا بعلم علمائكم، فإنه لا مخرج من الفتن إلا بذلك.
هذا، وصلوا وسلموا - رحمكم الله- على خير الورى، كما أمركم ربكم – جل وعلا، فقال: (ان الله ولائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم وفق أميرنا وولي عهده للعمل بكتابك وسنة نبيك، وارزقهما البطانة الصالحة، التي تحثهما على الخير وتنهاهما عن السوء، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء دار عدل وإيمان، وأمن وأمان، وسائر بلاد المسلمين، وصل اللهم وسلم على نبيك محمد وآله وصحبه أجمعين.