فوائد وعِبَر من صُلح الحُديبية

عايد القزلان التميمي
1442/11/22 - 2021/07/02 03:21AM

الحمد لله الذي اصطفى نبيه محمداً   من سائر بني الإنسان، وجعل فيه الأسوة والقدوة في سائر الأزمان، وفرض علينا محبته، وجعلها شرطاً في صحة الإيمان. أحمده سبحانه وتعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا عباد الله اتقوا اللهَ تعالى، واعتبروا بما في سيرةِ نبيِّكم  صلى الله عليه  وسلم  من العِبَرِ والعظاتِ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)  .

أيها المؤمنون/ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأنهم يطوفون بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، ففرحوا فرحًا شديدًا، فرؤيا الأنبياء حق.

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة ستٍ من الهجرة، في ألف وأربعمائة من أصحابه ، وكانت بصحبته زوجته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة من ذي الحليفة، لِيَعْلَم الناس أنه إنما خرج زائرًا لهذا البيت ومعظمًا له، وأنه لا يُريد حربًا. وحين وصل إلى عُسْفَان - مكان بين مكة والمدينة- أخبره بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ أن قريشًا قد استعدّت لصدّه عن البيت، ومنْعِه من دخول مكة، فحاول النبي صلى الله عليه وسلم تجنّبهم، وسلك طريقًا آخر وعرًا بين الشعاب،

فلما دنا  صلى الله عليه  وسلم  من الحرمِ خلأت ناقةُ رسولِ الله  صلى الله عليه  وسلم -؛أي: بركَتْ وأَبَت المسيرَ- فَقَالُوا  خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ. فقال  صلى الله عليه  وسلم :« مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ»  –؛أي: حبسها اللهُ ربُّ العالمين لحكمةٍ بالغةٍ- ثم قال  صلى الله عليه  وسلم : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ))

عباد الله / وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قريش خِراش بن أمية الخزاعي، فلما دخل مكة ، وأرادت قريش قتله فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم أرسلَ رسول الله  عثمانَ رضي الله عنه، وقال له (( أخْبرهُم أَنّا لم نأت لقِتَال أحد، وَإِنَّمَا جِئْنَا زوّارا لهَذَا الْبَيْت معظمين لِحُرْمَتِهِ، مَعنا الْهَدْي نَنْحَره ونَنْصَرف )) فقدم عثمان رضي الله عنه مكة، وأخبر قريشًا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا و تأخر عثمان رضي الله عنه في الرجوع إلى المسلمين، وشاع أنه قد قُتل، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، وكان جالسًا تحت الشجرة، فبايعه الصحابة على أن لا يفرّوا، وهذه هي بيعة الرضوان التي نزل فيها قول الله تعالى: (( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ))

عباد الله بدأت المفاوضات بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش وكان آخر من أرسلت قريش  سُهَيل بن عَمْرٍو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لما رآه  (( لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ((  فلمّا انتهَى إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تكلَّما، وَأَطَالَا الكلامَ، حتَّى جَرَى بينهما الصلح،

وأُمِر عليٌّ رضي الله عنه بالكتابة.

وكانت شروط صلح الحديبية تنص على: وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكفّ بعضهم عن بعض.

ويردّ المسلمون من يأتي إليهم من قريش مسلمًا دون علم أهله، وأن لا ترد قريش من يأتيها مرتدًا.

ومن أحبّ من القبائل أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه. 

ويرجع النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة عامه ذاك فلا يدخلها، على أن يعود العام القابل فيعتمر، ويبقى في مكة ثلاثة أيام.

عباد الله وقال ابن القيم رحمه الله    (( هذه الهدنة كانت من أعظم الفتوح، فإن الناس أمن بعضهم بعضًا، واختلط المسلمون بالكفار، وبادؤوهم بالدعوة وأسمعوهم القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وظهر من كان مختفيًا بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة من شاء الله أن يدخل، ولهذا سماه الله فتحًا مبينًا ))

عباد الله/ وفي هذا الصلح المبارك ظهرت أهمية الشورى، ومكانة المرأة في الإسلام، وأهمية القدوة العملية في موقف واحد.

روى الإمام أحمد قصة صلح الحديبية في حديث طويل، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي- صلى الله عليه وسلم - ومشركي قريش قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، انْحَرُوا وَاحْلِقُوا»، قَالَ: فَمَا قَامَ أَحَدٌ، قَالَ: ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا، فَمَا قَامَ رَجُلٌ، حَتَّى عَادَ بِمِثْلِهَا، فَمَا قَامَ رَجُلٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ، مَا شَأْنُ النَّاسِ؟» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ دَخَلَهُمْ مَا قَدْ رَأَيْتَ، فَلَا تُكَلِّمَنَّ مِنْهُمْ إِنْسَاناً، وَاعْمِدْ إِلَى هَدْيِكَ حَيْثُ كَانَ فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ، فَلَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُكَلِّمُ أَحَداً حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ، ثُمَّ جَلَسَ، فَحَلَقَ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ ))

فكان رأي أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ رأياً موفقا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد،

عباد الله وفي قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للمرأة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تُشِير على نبي مرسل، ويعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشورتها لحل مشكلة واجهته في حياته .

أيها المؤمنون ومن الحكم الباهرة من صلح الحديبية أنه كان بابا ومفتاحا لفتح مكة , فقد اختلط المسلمون بالكفار, بعد عقد الصلح , ودعوهم إلى الله، وأسمعوهم القرآن، ودخل في الإسلام العدد الكثير من الناس, فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد عامين في عشرة آلاف، وهذا ما بَشَّرَ بِه رسول الله صلى الله عليه وسلم  أصحابه أثناء رجوعه إلى المدينة بعد عقد المعاهدة والصلح، حينما قال: ( أُنْزِلت عليَّ الليلة سورة لهي أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً } وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: " إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية " .

بارك الله لي ولكم ....

الخطبة الثانية 

الحمد لله بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم للعالمين بشيراً ونذيراً، وجعل سيرته نبراسا للمؤمنين   وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه أجمعين

أما بعد

فيا عباد الله ومن الحِكَم والعِبر في صلح الحديبية : أن الأعداء يجتهدون في المواقف الحرجة في نشر الإشاعة والإرجاف بالمؤمنين كما في صلح الحديبية عندما أُشِيع أن عثمان رضي الله عنه قد قُتِل .

فعلى المسلم أن يكون حذرا من الإشاعة فلا يستمع إليها ولا يُصَدِّقُها ولا يرويها ولا يتأثر بها , ولا يتعجل في نشر الخبر بل يتثبت ويتبين ولا يتصرف تصرفات تَسُرُّ العدو وتُدخل الخوف على المسلمين .

عباد الله ومن فوائد الصلح استحباب التفاؤل فعندما أقبل سهيل بن عمرو للتفاوض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه رسول الله قال ((لقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِن أمْرِكُمْ))

عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ....    

المرفقات

1625196093_فوائد وعبر من صلح الحديبية.docx

المشاهدات 1156 | التعليقات 0