فوائد ودروس في الحياة الزوجية : قصة علي وفاطمة رضي الله عنهما

أنشر تؤجر
1445/11/01 - 2024/05/09 17:23PM

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأْشَكْرُهُ ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، تَنَزَّهَ عَنِ الشَّبِيهِ وَالنَّظِير، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهُ وَرَسُولُهُ، الْبَشِيرُ النَّذِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْمَصِير، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

 أمَّا بعدُ : فَالتَّقْوَى - عباد الله - سَبِيلُ الرَّشَادِ ، وَدَرْبُ السَّدَادِ ؛﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

أيها المسلمون :في بيت من بيوت العز المُسطر مجدُها ، حدثت حادثة قصيرة المباني ، لكنها عظيمة المعاني ، كبيرٌ أثرها ونفعها.

بطلاها زوجان في الدنيا كريمان ، وبالجنة مبشران .

أما الزوج فابن عم رسول الله ﷺ وصهره الذي نشأ في كنفه ، عليّ رضي الله عنه وأرضاه .

وأما الزوجة فذات المقام الفاضل ، والشرف الرفيع ، من خير النساء في الدنيا ، وفي الجنة سيدة نسائها : فاطمة بنت رسول الله ﷺ .

ففي الصحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال :جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ ، فَقَالَ :" أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟" قَالَتْ : كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي ، فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِإِنْسَانٍ :" انْظُرْ أَيْنَ هُوَ ؟" فَجَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ يَمْسَحُهُ عَنْهُ ، وَيَقُولُ :" قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ "  .

عباد الله : في البيوت إن صفت مستراحٌ لأهلها ، وأُنسٌ لقلوبهم وسُلوان ، لكنها لا تسلم من كدر ينغصها ، وهذا البيت المبارك على عز أهله وشريف مقامهم ، لم تكن حياتهم كلها صفاء ، ولم تسلم من خلاف بَدَّل أحوالها .

وفي وقت من أوقات السكن ، ومظنة احتواء البيوت رجالها ، وقت القيلولة ، يأتي النبي ﷺ بيت ابنته زائرا ومتفقدا حالها وزوجها ، فيجدها وحدها ولم يجد زوجها ؛ ولغرابة غيابه في مثل هذا الوقت يسألها "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟".

وفي هذا يظهر لنا تواصل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابنته في بيت الزوجية وتعاهدها بالزيارة ، وهكذا ينبغي أن يكون الآباء ؛ فلم يقف عليه الصلاة والسلام عند حقِّه كأب ينبغي أن يكون هو المقصود بالزيارة ، وإنما كان يبادر بزيارتها في بيتها ، كما كانت هي أيضا تزوره في بيته في مشهد من تعاطي العطف الأبوي بين المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين رضي الله عنها .

وفي قوله عليه الصلاة والسلام :" أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟" تذكَّيرٌ لها بصلة قربه منها ؛ لأن صلة القرابة بين الزوجين تعمق العلاقة ، وتشد وثاقها ؛ فالزوج والزوجة بينهما رباط وثيق ، وإذا كانت بينهما صلة قرابة ، فالعلاقة والترابط ينبغي أن يكون بينهما أقوى .

فتجيبه رضي الله عنها بحصافة عقلها وحسن خطابها ، جوابا أبانت به عذرها ولم تبح فيه بسرها :كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي ؛ لم تذكر الخلافَ والمشكلةَ لأبيها ، ولم تستغل الحدث لتأليبه على زوجها ، ثم قالت : فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي .

وهنا يظهر لنا الأدب العالي والذوق الرفيع لدى فاطمة رضي الله عنها ، حينما عبّرت عما جرى بينها وبين زوجها بتعبيرٍ لطيفٍ مجمل .

أيضا ظهرت حكمة علي رضي الله عنه ، حين خرج ساكتا وأعرض عنها ؛ مدافعةً للغضب ، وخشيةَ أن يُسيءَ إليها ، أو يسمع ما لا يسره منها .

وهذا تصرف يخفف الكثير من وطأة النقاش بين الزوجين ، ويقلل شحن النفوس بالضغائن ، ولم يَقِل عندها ؛ أخرجه الخلاف من البيت ليعيش لحظات فقد فيها فراشه وغطاءه ، لكنه لم يخسر زوجته .

وهذا يدل على حكمته وعقله رضي الله عنه ، فلم يعط القضية أكبر من حجمها ، ولا صعدها لأبيها ، بل سلك أيسر الطرق لعلاجها وحلها : بأن جعل من المسجد مكانا للقيلولة ، ولم يَقِل عندها .

وهنا يظهر لنا أن سكوت الزوج وانسحابه من مواطن إثارة الغضب : حكمة لا هروب ، وقوة لا ضعف فيها .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ لَّا خَیۡرَ فِی كَثِیر مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍأَوۡ إِصۡلَـٰحِۭ بَیۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ لِكَ ٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیما ﴾

الـــخطبة الـثانية :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، ثم أما بعد :

عباد الله : لم يكن همه النبي ﷺ في هذه الحادثة والمشكلة معرفة تفاصيلها ، فلم يستفصل عن الأسباب بجزئياتها ، وما عاتب ولا حاسب ولا حقق ولا ناقش ؛ فالتعامل مع المشاكل الزوجية العابرة ، دون الدخول فيها ، يجعلها صغيرة عابرة !ويؤدي إلى إنهاء المشكلة ، بخلاف التدقيق والتحقيق ، فإن قد يكون سبب في تطور المشكلة ؛ ولذلك ما كان من رسول الله ﷺإلا أن قال لإنسان :" انظر أين هو؟!"

ومن هنا نتعلم أيضاً أن العلاقات الحساسة - ومنها العلاقات الزوجية - تحتاج إلى حلول سريعة ؛ لأن طول الزمن فيها يباعد بين القلوب ، ويُورِث الحقد ، ويتيح الفرصة للشيطان ؛ وأن كثيرا من المشاكل الأسرية العابرة حلها أن توأد في مهدها ، بالإعراض عن تفاصيلها .

 جاء الرجل الذي أرسله ﷺ فقال : يا رسول الله ، هو في المسجد راقد .

فيأتيه ﷺ بشفقته وتواضعه ولطفه ورحمته ، فيجده مضطجعا قد سقط رداؤه عن شقه وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، أتاه ﷺ مستصلحا شأنه مسترضيا له ، يمسح بيده الشريفة أثر التراب ، متلطفا ويقول ممازحا :" قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ"

وهي ملاطفة تؤنس النفس ، فقد كنّاه كنية مأخوذة من حالته ، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده !

فتُبقي هذه الملاطفةُ أثراً عذباً في نفس علي رضي الله عنه ، بل استمر سروره بها ، حتى كان أحب ما يدعى به " أبو تراب ".

قال سهل بن سعد رضي الله عنه :" ما كانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِن أبِي تُرَابٍ ، وإنْ كانَ لَيَفْرَحُ به إذَا دُعِيَ بهَا ."

ومن هنا نتعلم أن التلطف للأصهار ولين الجانب معهم ، منهج نبوي لإصلاح البيوت ورأب انصداعها .

أرأيتم - عباد الله - كيف أن النبي ﷺ أتاه بنفسه ، ولم يطلب قدومه عليه ، ولاطفه واسترضاه ومازحه ؛ فعل ذلك كله ﷺليقينه أن البيوت لا تُعمر ولا يَقر قرارها إلا برجالها ؛ فالقوامة للرجل والمسئولية عليه أكبر .

اللهم أصلح أحوالنا ، وأعذنا من نزغات الشياطين .

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وأذل الشرك والمشركين ، وَدمر أعداءَ الدِّينَ ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا ، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ .

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا ، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى .

اللَّهُمَّ وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيِنَ .

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المشاهدات 805 | التعليقات 1

مستفادة بتصرف من خطب الملتقى