فوائد المرض

فهد عبدالله الصالح
1439/06/20 - 2018/03/08 10:40AM

الحمد لله القوي العزيز الفعال لما يريد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله فبتقوى الله تنال الدرجات وتزكوا الأعمال وأكثروا من ذكره وشكره، فبذكره تطمئن القلوب وبشكره تحفظ النعم، وتزودوا من الصالحات فخير الزاد التقوى.

أيها المسلمون:

اصبروا على القضاء والقدر فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن، ولله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى واعلموا أن كل ما قضاه الله وقدره خير لمن وقع عليه، ومما قضاه الله وقدره مرض الأبدان وهو مرض عام يشمل البر والفاجر، والذكر والأنثى والصغير والكبير، وهو ألم تثقل به الأجساد فلا تستطيع القيام ولا القعود ولا الحركة، وبه يصبح الإنسان عالة على غيره، وبه يحبس على فراشه، يقل به النوم ويطول به الليل ويقل به الطعام والشراب، وتقل به الصحبة، ويتداعى الجسد بالسهر والحمى.

وللمرض أيها المؤمنون للمرض في حياة المسلم فوائد تثمر في الدنيا والأخرى، فمن ذلك أنه ابتلاء واختبار، وقد خلق الله الإنسان للابتلاء يقول تعالى ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2] وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد الناس بلاءً قال: ( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبلى الإنسان على قدر إيمانه، فإن كان في إيمانه صلابة كان بلاؤه أشد، وإن كان في إيمانه لين كانت البلوى على قدر الإيمان ) ثم إن الابتلاء سبب من أسباب محبة الله يقول صلى الله عليه وسلم (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط).

ومن فوائده: التأسي بالأنبياء عليهم السلام الذين اصطفاهم الله واجتباهم واختارهم وجعلهم القدوات الذين يقتدي بهم، والأسوات الذين يتأسي بهم ولا يختار الله لهم إلا أكمل الحالات وأرفع الدرجات، فلقد ابتلي أيوب عليه السلام بالمرض ثمان عشرة سنة وهجره الناس وتركوه إلا رجلان من إخوانه، وفقد صحته وماله وولده، ثم شفي بالدعاء وبذل الأسباب وشرب الماء والاغتسال منه.

وابتلي رسولنا صلى الله عليه وسلم بالمرض مرات كثيرة، ومرض في آخر حياته حتى اعتزل الناس وبقي في بيته واعتزل المسجد لشدة المرض، وأغمي عليه واشتد به المرض حتى مات بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ففي مرضه عزاء ومواساة لكل مريض ومبتلى.

والموت ببعض الأمراض - أيها الأحبة - شهادة وقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه من تعدون شهيد الله فيكم؟ فقالوا: من قتل في سبيل الله تعالى، قال إن شهداء أمتي إذا لقليل، فقالوا: فمن هم يا رسول الله ؟ قال (من قتل في سبيل الله فهو شهيد، من مات في سبيل الله فهو شهيد، من مات بالطاعون فهو شهيد، من مات بالبطن فهو شهيد، والغريق شهيد).

ومن فوائد الابتلاء بالأسقام: الاتصاف بصفة الصبر، والصبر هو أوسع العطاء وخير العطاء، وهو ضياء يشرق طريق الهداية ويحرق الذنوب والمعاصي، وهو نصف الدين، وهو صفة الأخيار الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو قرين الأعمال الصالحة لا تؤدى إلا به، وهو صفة الأولياء والأنبياء، ثوابه لا يتقيد بعدد بل يوافي أهله أجرهم بغير حساب، وبه وباليقين تكون الإمامة في الدين، وهو البشارة من رب العالمين، وهو سبب من أسباب دخول الجنة.

ومن فوائد المرض أيضاً: مغفرة الذنوب والسيئات يقول صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، وفي حديث أخر (ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)، ويقول أيضا (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)، ودخل صلى الله عليه وسلم على أم السائب فقال (ما لك يا أم السائب تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبى الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد).

وبالمرض يبلغ الإنسان المنزلة العالية عند الله تعالى ففي الحديث الصحيح (إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)، ويقول (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبر على ذلك حتى يبلغه الله المنزلة التي سبقت له من الله تعالى).

وبالمرض يدوم العمل الصالح لأن المريض دائم الذكر، والله تعالى يقول ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وهو دائم الدعاء والله يقول ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، بل إن المرض سبب رئيس لدخول الجنة يقول صلى الله عليه وسلم (يقول الرب: إذا ابتليت عبدي بحبيبته - أي فقد البصر- فصبر عوضته الجنة )، وقال للمرأة التي تصرع (إن شئت صبرت ولك الجنة، قالت أصبر وأريد الجنة)، ويقول تعالى في الحديث القدسي (ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).

ومن فوائد المرض أيضاً: تطهير القلب من أمراضه، لأن الصحة تدعوا إلى الأشر والبطر والكبر والعجب، والمرض يمنعه من ذلك ويدعوه إلى التواضع والشفقة والرحمة لأنه يشعر بضعفه وحاجته ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28].

أيها الإخــوة في الله:

ثمة أمور يجب على المريض أن يعيها جيداً فيرضى بقضاء الله وقدره، فإن الله قد قدر ذلك، ويحسن الظن به ويرجو رحمته ويخشى عقابه، ولا يتمنى الموت لضر نزل به، وأن يحتسب ما أصابه، وأن يوقن بثواب الله تعالى، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وان ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن يعلم أن نعم الله عليه كثيرة وما ابتلاه به شيء يسير، ومن أحس بدنو أجله فليؤدى الحقوق إلى أهلها ولا يبيت بلا ووصيته مكتوبة وبالأخص إثبات حقوق الغير.

ثم ليعلم المريض، أنه لا ينبغي التهاون بالصلاة حال المرض، فيجب أن يصلي الصلوات الخمس في وقتها إن استطاع، فإن لم يستطع جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء رخصة من الشارع الحكيم كما يجب عليه أن يتطهر للصلاة التطهر الشرعي، فإن لم يستطع فإنه يتيمم فإن لم يستطع فإنه يصلي على حاله ولا يدع الصلاة تفوت عن وقتها لأن الله تعالى يقول ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، ويقول ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] والبشرى لكل مريض أعاقه مرضه عن القيام بالسنن والنوافل التي كان يواظب عليها إبان صحته، بأنها مكتوبة له لا يضيع أجرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري.

أيها المسلمون:

ولقد كان من آداب السلف - رضوان الله عليهم - إذا فقدوا أحداً من إخوانهم سألوا عنه، فان كان غائباً دعوا له، وخلفوه خيراً في أهله، وان كان حاضراً زاروه وان كان مريضاً عادوه.

اخرج الإمام مسلم وغيره عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفه الجنة حتى يرجع)، قيل يا رسول الله وما خرفه الجنة؟ قال (جناها) أي ثمارها.

وفي حديث آخر (ما من مسلم يعود مسلم غدوة، إلا صلي عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة)، وينبغي أن يجتهد له في الدعاء، ومما ورد في ذلك، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار: اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض).

وأقول قولي هذا.....

الخطبة الثانية

وبعد - عباد الله - فلا يظن مما سبق، إن المرض مطلب منشود كلا إنه لا ينبغي للمؤمن أن يتمنى البلاء ولا أن يسأل الله أن ينزل به المرض فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية)، رواه النسائي وابن ماجة، وقال مطرف: (لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر).

ومن هنا نعلم جيداً أن المرض ليس مقصوداً لذاته، وإنما لما يفضي إليه من الصبر والاحتساب وحسن المثوبة، وحمد المنعم على كل حال قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (المصائب التي تجري بلا اختبار العبد كالمرض وموت العزيز عليه، وأخذ اللصوص ماله، إنما يثاب على الصبر عليها، لا على نفس ما يحدث من المصيبة، لكن المصيبة يكفر بها خطاياه فإن الثواب إنما يكون على الأعمال الاختيارية وما يتولد عنها) انتهى كلامه رحمنا الله وإياه.

ومن هذا المنطلق - عباد الله - اجتمع الكافر والمسلم والبر والفاجر في مصيبة المرض على حد سواء وافترقا في الثمرة، و أما التداوى قد أمر صلى الله عليه وسلم أمراً صريحاً بيناً فقال (تداووا فإن الله لم يضع داء إلا ووضع له دواء غير داء واحد، قالوا وما هو؟ قال: الهرم الموت)، وليس هذا فحسب بل إن الشارع اهتم بذوي الصنعة من حملة الطب، فالطبيب عمله مجيد وعظيم إذ إنه علاج أو نجاة لحياة إنسان، منطلقه قول الله عز وجل ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]، وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) رواه مسلم، فالشفاء مطلب والطب وسيلة، والمريض مخدوم والطبيب خادم، وهي مهنة ضرورية للحياة فبتالي يكون تعلمها والتخصص فيها من فروض الكفاية لا يسقط الحرج والإثم عن الأمة إلا إذا قام بها من يكفي منهم وحتى يكون في ذلك غنية عن الأعداء كما قرر الله ذلك بقوله جلا وعلا ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141] فينبغي على الشباب أن يقبلوا على هذه التخصصات التي تحتاجها الأمة وينبغي أيضاً على أولياء أمورهم ومعلميهم أن يوجههم إلى ذلك، ولئن كان أهل الديانة النصرانية المحرفة يعقدون الألوية ويسيرون البعثات الطبية التنصيرية إلى الصحارى والأدغال للدعاية لدينهم الباطل والتبشير به حسب زعمهم إذ لا يعطى المريض علاجاً حتى يعلوه الصليب أو يعمد أو يقال له عند العلاج: هذا من المسيح، وإن الدواء من لدن يسوع فحري بإتباع الديانة الحقة الديانة الخاتمة أن يكونوا رواداً في كل المجالات وأن يسدوا الفراغ الذي يملؤه غيرهم في أي مكان أو مجال.




المشاهدات 1252 | التعليقات 0