فن إدخال السرور على الناس "الجزء الثاني"

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1439/02/13 - 2017/11/02 11:09AM

فَنُّ إدخالِ السرورِ على الناسِ "الجزء الثاني"

الحمدُ للهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحَليمِ العَليمِ، العزيزِ الحكيمِ، أحمدُ ربي وأشكُرُه، وأتوبُ إليهِ وأستغفِرُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه العليُّ العظيمُ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه ذو الخُلُقِ الكريمِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ذَوِي النَّهجِ القَويمِ... أما بعدُ:

فاتقوا اللهَ تعالى وأطيعوه، واحذَروا عقابَه فلا تَعصُوهُ.

عبادَ اللهِ: كنا في الخُطبةِ الماضيةِ في حديثٍ حولَ بعضِ صورِ إدخالِ السُّرُورِ على قلوبِ الناسِ ولعلنا نُكمِلُ شيئاً يسيراً مِن هذِه الأعمالِ. فنقولُ وباللهِ التوفيق:

مِن صُوَرِ إِدخالِ المَسَرَّةِ على قلوبِ الناسِ -وربَّمَا غفلَ عنه الكثيرُ- وهو إذا وَجدتَ حَولكَ مَهموماً حَزيناً مُنكسراً يائساً خَائفاً فاقْتَرِبْ إِليهِ, اجتهدْ في إدخالِ السرورِ على قلبِهِ, هَدِّئْ مِن رَوْعِهِ, فَرِّجْ هَمَّه, بُثَّ الأملَ في نفسِه, قَوِّ عَزيمَتَهُ, اجْعَلْه مُتفائلاً بعدَ اليَأسِ اجْعلْه مَسرورا بعدَ الهَمِّ والحزنِ.

قَد يكونُ هذا الأمرُ بكلماتٍ يسيرةٍ, قَد يكونُ بتذكِيرِه بمَا أعَدَّه اللهُ عز وجل للمؤمنينَ في الجَنَّةِ. اذْكُرْ لَه قَصَصاً لأشخاصٍ أَشدَّ مِنه بَلاءً لِتَهُونَ عليهِ مُصِيبَتُهُ, أَعْطِهِ كَلماتٍ فيها تَفَاؤلٌ, فيهَا اسْتبشَارٌ, فيها إِيمانٌ بالقضاءِ والقَدَرِ, ذَكِّرْهُ كيفَ أنَّ الأنبياءَ ابْتُلُوا، الأمثلُ ثُم الأمثلُ, ثُم الصالحونَ كذلكَ, بَيِّنْ له أنَّ الابتلاءَ سُنَّةُ اللهِ الماضيةُ, وإذا أَحَبَّ اللهُ عَبدًا ابتلاهُ, كَم مِن الناسِ مَن أَصابَهُ اليأسُ, مَن تَكالَبتْ عليه الهمومُ, من أغْرقَتْهُ الديونُ, مَن تَناوَشَتْهُ الأمراضُ؟!, فَجاءَهُ

الفَرَجُ, ذَكِّرْهُ بمعنى قولِه تعَالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.. أَخْبِرْهُ أنَّ مِن الْمُحَالِ دَوامَ الحَالِ, وأَفضلَ العبادةِ انتظارُ الفَرَجِ.

ثُمَّ ذَكِّرْهُ بأحاديثِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ كَحَدِيثِ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» متفقٌ عليهِ.

ذَكِّرْهُ أنَّ الأيامَ دُوَلٌ, والليالِيَ حَبَالَى, والغَيْبَ مَسْتورٌ، والحَكِيمَ كلُّ يومٍ هو في شَأنٍ، ولعلَّ اللهَ يُحدثُ بعد ذلكَ أمراً.

دَعِ المقادِيرَ تَجرِي في أَعِنَّتِهَا *** ولا تَبِيتَـاً إلاَّ خَالِيَ الْبَالِ مَا بَينَ غَمضَةِ عَينٍ وانْتِبَاهَتِهَا *** يُغَيِّرُ اللهُ مِن حَالٍ إِلى حَالِ

قُصَّ عليهِ قِصةَ نَبِيِّ اللهِ يُونُسَ بن مَتَّى عليهِ السلامُ حَيثُ استَقَرَّ بهِ المقَامُ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ, ظُلمَةِ الليلِ، وظلمةِ البحرِ، وظلمةِ بَطنِ الحوتِ, فَلا أَهلٌ ولا ولدٌ ولا صاحبٌ, إلا اللهُ الواحدُ الأحدُ, فَهتَفَ بالكلمةِ الصادقةِ المؤثرةِ, (لا إِلهَ إلا أنتَ سُبحانكَ إنِّي كُنتُ مِن الظالمينَ) فجَاء الفَرجُ.

ذَكِّرْهُ بيعقوبَ عليهِ السلامُ إذْ يَقولُ لأبنَائِهِ: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.

بَيِّنْ لَه أنَّ دعائَه لربِّهِ عِبادَةٌ أُخرَى وطَاعةٌ عُظمَى, وأنَّ عبداً يُجيدُ فَنَّ الدعاءِ, حَرِيٌّ أَلا يَهتَمَّ ولا يَغتَمَّ ولا يَحزَنَ ولا يَقلقَ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.

بعضُ الناسِ -أيها الإخوةُ- يَحتاجُ فقطُ إِلى أَن يتكَلَّمَ, إلى أن يُخرِجَ مَا في قلبِهِ من لَوعَةٍ وأَسَىً, يُريدُ أن تَستَمِعَ إليهِ؛ فَرُبما زادَ الكبتُ والحزنُ وكثرةُ التفكيرِ الهمَّ هَمًّا والغمَّ غمًّا, فكُنْ لَه أُذُنًا صَاغِيةً.

أَحيانًا يَكفِي لإدخالِ السرورِ في قلبِ شخصٍ مَا أَن تُعطِيهِ بِضْعَ رِيالاتٍ أو طعامًا أو كسوةً له ولأولادِهِ.

أيها الناسُ: مِن وسائلِ إدخالِ السرورِ إلى النفوسِ: التهنئةُ في الأفراحِ والمناسباتِ كقُدومِ مولودٍ أو ترقيةٍ أو شهادةٍ دراسيةٍ أو قُدومِ مُسافِرٍ, أياً كَانتِ المناسبةُ فلا تَنْسَ أن تُبارِكَ لأخِيكَ وتُشارِكَهُ فَرَحَهُ. سَواءٌ كَانَ بالذهابِ إليهِ أو الاتصالِ عليهِ أَو مُرَاسَلَتِه.

ومِنْهَا مشاركةُ أخِيكَ مَناسبَاتِه السعيدةَ، فإذا دَعاك فأَجِبْ. خُصوصاً الدعوةَ إلى وليمةِ العُرسِ, فجَماهيرُ العلماءِ على وُجوبِ إجابتِهَا إلا لعذرٍ شَرعيٍ, أما غيرُ وليمةِ العرسِ، فجماهيرُ العلماءِ يَرونَ أنَّ إِجابَتَهَا مستحبةٌ.

ومنها المَدحُ والثناءُ لِمَن يَستحِقُّه, فالمدحُ والثناءُ مِن الأمورِ التي تُسَرُّ بها النفوسُ غَالبًا، فيحتاجُه الأبُ في بيتِهِ، والمربِّي معَ طُلابِهِ، والرئيسُ مع مَرؤوسِيهِ، فيُثنِي على مَن يَستَحِقُّ الثناءَ، ويُشيدُ بعمَلِهِ تَحفِيزًا له على زيادةِ العطاءِ والاستمرارِ فيهِ، وحثًّا لغيرِه لينافِسَه في البَذلِ وحُسنِ العملِ؛ قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلم: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» رواه الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ...

فَاجعلْ لك عَادةً مِن نفسِكَ تُقدِّم فيها الثناءَ والشكرَ لِمَن يَستَحِقُّهُ، مَا لَم يَكنْ في ذلكَ مضرةٌ بالممدوحِ فإياكَ حِينئذٍ أَن تَقطَعَ عُنُقَهُ.

ومِن صُورِ إدخالِ السرورِ على الآخرينَ: التواضعُ ولينُ الجانبِ، تأملوا في سيرةِ أبي بكرٍ الصديقِ رضيَ اللهُ عنه وهو يَحلِبُ لِلْحَيِّ أغنامَهُم، فلما استُخلِفَ، قالتْ جاريةٌ منهم: الآنَ لا يَحْلِبُهَا، فقالَ أبو بكرٍ: بَلى! وإنِّي لأرجو أَن لا يُغَيِّرُنِي مَا دَخلتُ فيهِ عَن شَيء كُنتُ أَفْعَلُهُ. وكانَ عُمرُ رضيَ اللهُ عنه يَتعَاهَدُ الأراملَ، يَسْتَقِي لَهنَّ الماءَ بالليلِ. ورَآهُ طَلحةُ بالليلِ يَدخُلُ بيتَ امرأةٍ، فدخلَ إليها طلحةُ نَهارًا، فإذا هِي عَجوزٌ عَمياءٌ مُقْعَدَةٌ، فَسَأَلَها: مَا يصنعُ هذا الرجلُ عِندكَ؟ قالتْ: هَذا مُذْ كَذا وكذا يَتعَاهَدُنِي يَأتِيني بما يُصْلِحُنِي، ويُخرِجُ عني الأذَى، فقالَ طَلحةُ: ثَكِلتْكَ أُمُّكَ يا طلحةُ! عَثرَاتُ عُمرَ تَتَبَّعُ؟!

مِن وَسائلِ إدخالِ السرورِ إلى النفوسِ: المِزاحُ المحمودُ الذي ينبغي أن يَتَوخَّى فيهِ المسلمُ حَدَّ الاعتدالِ وأَن يَنوِيَ بهِ إدخالَ السرورِ على المسلمينَ ومُؤَانستِهِم ورفعَ الكُلفةِ مع إخوانِه، وغيرَ ذلكَ من المقَاصدِ الحسنةِ.

لقد سَجَّلَ علمَاؤُنا في كُتبِهِم ورَوَى الصحابةُ رضي اللهُ عنهم صُورًا مِن مِزَاحِ خيرِ البشرِ وسيدِ ولدِ آدمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، وهو قَائِدُ الأُمةِ الذي شَيَّبَتْهُ الهمومُ والآياتُ والنُّذُرُ، ومَع هذا يَمزَحُ ويضحكُ ولا يَقولُ إلاَّ حَقًّا.

ومِن ذَلكَ أنَّ زَاهِرَ بنَ حَرَامٍ الأَشْجَعِيَّ لَمَّا أَقبلَ إلى بيتِ النبيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسلَّم يُريدُه في حَاجةٍ فلَمْ يَجِدْهُ، فمضى إلى السوقِ ليبيعَ بعضَ بضاعَةٍ أحضَرَهَا من الباديةِ, يقولُ أَنسٌ: "وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي مَنْ هَذَا، فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ عَرَفَهُ،

وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ» أَوْ قَالَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ» رواه الإمامُ أحمدُ.

ومنها إدخالُ السرورِ بالكلمةِ الطيبةِ والكلامِ الجميلِ كما قال ربُّنا عز وجل: {وقُولُوا للنَّاسِ حُسْنًا}، وقال عليهِ الصلاةُ والسلامُ: «الكَلِمَةُ الطَّيبةُ صَدَقَةٌ».

ومنها قَضاءُ الوقتِ الكافي مع الوالدينِ، والتَفَرغُ لهذا الأمرِ وذلكَ بإغلاقِ الجوالِ والتلفازِ والتَّحدُّثِ معهم. أو الخروجِ بهم لأمرٍ يحبونَه فإنَّ هَذا الشيءَ سَيجعَلُهُم في غايةِ السعادَةِ . ومثلُ ذلك معَ الزوجةِ والأبناءِ, وكذا اجتماعُ العائلةِ مِن الإخوةِ والاخواتِ.

مِن وسائلِ إدخالِ السرورِ على الآخرينَ ألا تكونَ سَرِيعَ الغضبِ، وألا تَنجَرِفَ معه حينَ يَحضُرُكَ أيًّا كان المَوقِفُ, فالغضبُ مذمومٌ في جميعِ أحوالِهِ يجعَلُهُمْ ينفِرونَ من حَولِكَ، وأيضاً تُنْقِصُ مِن أَجْرِكَ.

ومنَ الوسائلِ: مساعَدَتُهُم في وقتِ الشِّدَّةِ، ومَواسَاتُهُم في الأحزانِ، وتقديمُ التَّعازِي والشَدُّ مِن أَزْرِهِم في الظروفِ العصيبةِ التي تَمُرُّ بهم للتخفيفِ من آثارِ المصِيبةِ؛ قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ: «حَقُّ المسلمِ على المسلمِ سِتٌّ، وذَكَرَ منها: "وإذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ" رواهُ مسلمٌ؛ فالتَّعزِيةُ لها فَضلٌ عظيمٌ، وهِيَ عبادةٌ لِمَنْ أخلَصَها للهِ قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رواهُ ابنُ مَاجةَ، وحسنَه الألبانيُّ.

فإنكَ إذا تَبِعتَ الميتَ خَففتَ الْحُزنَ عن أهلِهِ وأدخلتَ السرورَ عليهمْ، وهكذا كانَ الحبيبُ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفعلُ. ففي ذاتِ مَرَّةٍ جلسَ إليه نفرٌ مِن أصحابِهِ, وفيهِم رَجلٌ لَه ابنٌ صَغيرٌ يأتِيهِ مِن خَلفِ ظَهرِهِ فيُقعِدُه بين يدَيْهِ, فقالَ لَه رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أَتُحِبُّهُ؟» فَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَبَّكَ اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ، فمَاتَ الغُلامُ, فحَزِنَ عليهِ الرَّجلُ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ»، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: «فَذَاكَ لَكَ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا؟ قَالَ: «بَلْ لِكُلِّكُمْ»، رواه أحمدُ والنسائيُّ.

ومِن صُورِ إدخالِ السرورِ على الناسِ أن تُفيدَ غَيرَكَ بما تَملِكُهُ من خِبراتٍ ومعلوماتٍ أياً كانَ مُيولُكَ في مجالِ التقنيةِ أو المعمارِ أو الزراعةِ أو غيرِهَا؛ فالناسُ تَسعَدُ بمن يُفِيدُها ويُبيِّنُ لها الأفضلَ.

ومِن صورِ إسعادِ الآخرينَ: السَّعْيُ في توظيفِ العَاطِلِ أو فتحِ بابِ الرزقِ لَه, فإنه مَعروفٌ لَن يَنسَاهُ لصَاحِبِهِ.

وكذلكَ السعيُ في تَزويجِ الشَّبابِ سواءٌ بالمالِ أو بالتوفيقِ بين الزوجِ والزوجةِ. وقد ذَكرَ بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ من أعانَ شخصاً على الزواجِ يكونُ له أجرُ ما يَترتَّبُ على هذا الزواجِ مِن خيرٍ وسعادةٍ وذُريَّةٍ, فَتخَيَّلِ السرورَ والسعادةَ التي سَتُدخِلهما على قَلبِ أَخيكَ المسلمِ أو أُختِكَ المسلمةِ بعدَ هذَا؟

نسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعَلَنَا مفاتيحَ للخيرِ مغاليقَ للشرِّ, وأن يُلْهِمَنَا رشدَنَا ويُثَبِّتَنَا على طاعتِه ومرضاتِه.... باركَ الله...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِه وسلَّمَ تَسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.. أما بعدُ:

أخِي الكريمُ: إنْ كنتَ سَاعياً في هذا الخيرِ العظيمِ, وساهمتَ في إدخالِ السرورِ على قلوبِ الآخرينَ, بشَتَّى الوسائلِ والطرقِ, فإنكَ عَمِلتَ عَملاً عظيماً, عَملاً هُو أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ تعَالى؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ على مُسْلِمٍ، تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنهُ دَيْناً، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعاً، ولأَنْ أَمْشي مَعَ أخٍ في حَاجَة؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجِدِ -يعني مَسجدَ المدينَةِ- شَهْراً»، رواهُ الأصْبَهَانِيُّ، وحسَّنَهُ الألبانيُّ.

وواللهِ لَنَحْنُ في أشدِّ الحاجةِ إلى هؤلاءِ الرِّجالِ الذينَ يسعونَ في الأرضِ خَيراً ورشاداً وفَلاحاً.

بَقِيَ أَن نُشيرَ إلى أنَّ الدراساتِ الحديثةَ تُؤكِّدُ أنَّ هناكَ ارتباطًا وتَلازمًا بين العطاءِ والسعادةِ؛ فكلَّمَا زادَ عطاءُ الإنسانِ لغيرِهِ زَادَتْ سعادَتُه واتَّسعَتْ دائرةُ البهجةِ والأُنْسِ في حياتِهِ. وكُلُّ مَن كَرَّسَ حَياتَه مِن أَجلِ نَفعِ الآخَرِينَ, وإسعادِهِمْ فهو مِن أَكثَرِ النَّاسِ سُروراً وسَعادَةً.

النَّاس بِالنَّاسِ مَا دَامَ الْحَيَاةُ بِهِمْ ... وَالسَّعْدُ لا شَكَّ تَارَاتٌ وَتَارَاتُ

وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَا بَيْنَ الْوَرَى رَجُلٌ ... تُقْضَى على يَدِهِ لِلنَّاسِ حَاجَاتُ

لا تَمْنَعَنَّ يَدَ الْمَعْرُوفِ عَنْ أَحَدٍ ... مَا دُمْتَ مُقْتَدِرًا فَالسَّعْدُ تَارَاتُ

وَاشْكُرْ فَضَائِلَ صُنْعِ اللهِ إِذْ جُعِلَتْ ... إِلَيْكَ لا لَكَ عِنْدَ النَّاسِ حَاجَات

قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ ... وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ

صلوا عباد الله وسلموا....

المرفقات

إدخالِ-السرورِ-على-الناسِ-2

إدخالِ-السرورِ-على-الناسِ-2

المشاهدات 1633 | التعليقات 0