فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ 5/2/1446هـ الحمدُ للهِ

خالد محمد القرعاوي
1446/02/03 - 2024/08/07 00:04AM
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ 5/2/1446هـ
الحمدُ للهِ عَظِيمِ الإحْسَانِ, القَائلِ مُحْكَمِ فِي القُرْآنِ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ). أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحمَنِ. وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ الله وَرَسُولُهُ بُعِثَ بالرَّحْمَةِ والأَمَانِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ. أَمَّا بَعدُ: فَإنَّ فَالوَصيَّةُ الكُبْرَى لَنَا هِيَ تَقْوَى اللهِ تَعَالى، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ؛ فَبالتَّقْوَى يَكُونُ الأَمْنُ والأمَانُ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
عِبَادَ اللهِ: كَثِيرةٌ بِحَمْدِ اللهِ قِيمُنَا العَالِيةُ وَأَخْلاقُنَا الفَذَّةُ. تَاجُهَا وَكَمَالُهَا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ في كُلِّ عَمَلٍ! حِينَ قَال: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).وَمِنْ فَضْلِ اللهِ عَلينَا كَذَلِكَ أنْ جَعَلَ جَزَاءَنَا مِنْ جِنْسِ مَا نَعْملُهُ فَقَالَ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
عِبَادَ اللهِ: فِي الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ وَجَّهْنَا نَصَائِحَ وَرَسَائِلَ لِلْمُقْتَرِضِينَ. وَاليومَ نُخَاطِبُ صَاحِبَ اليَدِ العُلْيَا مَنْ أَعْطىَ وَمَا بَخِلَ، مَنْ يَسَّرَّ وَمَا عَسَّرَ، مَنْ لِحَاجَةِ أَخِيهِ قَضَىَ، وَلِكُرْبَتِهِ نَفَّسَ، مَنْ أَقْرَضَ إخْوَانَهُ وَوَقَفَ مَعَهُمْ فِي عُسْرِهِمْ وَكُرْبَتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ! فَنَقُولُ لَهُ: أَبْشِرْ بِخَيرٍ عَظِيمٍ؛ وَبَرَكَةٍ وَسَعَةٍ فِي الرِّزْقِ, فَإنَّ الجَزَاءِ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ). وَقَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
أيُّها الأَخُ الْمُحْسِنُ: دِينُنَا يَحُضُّنَا عَلَى إقْرَاضِ إخْوَانِنَا الْمُحْتَاجِينَ, والذينَ يَكْثُرُونَ فِي ظِلِّ هَذِهِ الظُّرُوفِ الْمَادِيَّةِ الرَّاهِنَةِ! فَنُذَكِّرُكَ بَقَولِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ, فَرَأَى عَلَى بَابِهَا مَكْتُوبًا: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ". صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ. أَيُّهَا الْمُحْسِنُ الكَرِيمُ: أنَا أتَّفِقُ مَعَكَ تَمَامَاً أنَّ أحْوَالَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ تَغَيَّرَتْ, فَقَدْ كَثُرَتِ الحِيَلُ, وَقَلَّ الصَّادِقُونَ الْمُوفُونَ, وَكَثُرَ الْمُمَاطِلُونَ الْكَاذِبُونَ, وَمَعَ هذا كُلِّهِ فَلا واللهِ لا تُنْسِينَا هَذِهِ الْمَشَاكِلُ تِلْكَ الأُجُورَ العَظِيمَةَ والغَنِيمَةَ البَارِدَةَ, ألا تَعْلَمُونَ يَا رَعَاكُمُ اللهُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإنْظَارِ الْمُعْسِرِينَ فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ). قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ فَإنْ كَانَ الْمَدِينُ لا يَجِدُ وَفَاءً فَوَاجِبُ عَليكَ أَنْ تُنْظِرَهُ حَتَّى يَجِدَ مَا يُوَفِّيَ بِهِ دَينَهُ, وَإنْ تَصَدَّقْتَ بِإسْقَاطِ الدَّينِ أَوْ بَعْضِهِ كَانَ خَيرَاً لَكَ!
اسْتَمِعْ أيُّها الأخُ الْمُبَارَكُ: فَلَعَلَّكَ قَدْ تَكُونُ أَقْرَضْتَ أَحَدَاً وَتَوَرَّطَّتَ مَعَهُ بِعَدَمِ سَدَادِهِ لِمَالِكَ, فَسَلِّ نَفْسَكَ وَقَلْبَكَ بِهَذِهِ الأُجُورِ العَظِيمَةِ: عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ, فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ, فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ". وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ, أَظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ". صَحَّحَها الإمَامُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ.
عِبَادَ اللهِ: إليكُمْ خَبَرَ رَجُلٍ لَمْ يَعَمَلْ خَيرَاً قَطُّ قَصَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لإصْحَابِهِ وَلأُمَّتِهِ لِيَقْتَدُوا بِعَمِلِهِ الصَّالِحِ. قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ, وَكَانَ تَاجِراً يُدَايِنُ النَّاسَ, فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَخُذْ مَا تَيَسَّرَ, وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ, وَتَجَاوَزْ عَنْهُ. لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزُ عَنَّا! فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ لَهُ اللهُ تَعَالى: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا, إِلَّا أَنَّي كَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ, يَعْنِي السَّمَاحُ عَنْ الْمُعْسِرِ. فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكَ! تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي فَغُفِرَ لَهُ". رَواهُ الْبُخَارِيُّ حَقَّاً كَمَا قَالَ رَبُّنَا:(وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).فَالَّلهمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهمُومِينَ، ونفِّسْ كَربَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّينَ عنِ الْمَدِينِينَ، وَاجْعَلْنَا مِن عِبَادِكَ الْمُحْسِنِينَ يَارَبَّ العَالَمِينَ, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِلمُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
 الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ هَدَانَا لِأَحْسَنِ الأَخْلاقِ, أَشهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ العَلِيمُ الخَلاَّقُ, وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحسَانٍ إلى يَومِ التَّلاقِ. أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ, وَتَأَمَّلُوا شَرْعَ اللهِ تَعَالَى فَمَنْ يُريدُ مَعيَّة َاللهِ وَمَحَبَّتـَهُ ف:(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ). وَعِنْدَ النِّزَاعِ والخُصُومَةِ فَلا أنْجَحَ مِنْ الْعَمَلِ بِقَولِ اللهِ تَعَالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّنْ يَرْحَمُهُمُ اللهُ تَعَالى مَا بَشَّرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى».
أَيُّهَا الْمُقْرِضُ الكَرِيمُ: إنْ طَالَبْتَ بِحَقِّكَ فلا مَلامَةَ عَليكَ وَلَكِنْ كُنْ هَيِّنَاً لَطِيفَاً, مُحْتَرِمَاً لِصَاحِبِكَ, غَيرَ مَنَّانٍ عَلَيهِ بِقَرْضِكَ, وَفِي الحَدِيثِ الذي صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ, وَافٍ أَوْ غَيْرَ وَافٍ». فَعِنْدَ الْمُطَالَبَةِ اطْلُبْ في عَفافٍ عن الحرامِ وَاحْذَرَ مِنْ سُوءِ الْمُطالَبةِ وإطلاقِ اللِّسانِ بما لا يحِلُّ مِنْ سَبٍّ وَغَيرِهِ، «وَافٍ أَوْ غَيْرَ وَافٍ». أي: سُواءٌ اسْتَوفَيتَ حَقَّكَ أمْ لا، الْمُهِمُّ لا تَخْرُجْ عَنْ حُدُودِ الأَدَبِ والأَخْلاقِ! نَعَمْ قَدْ تُبْتَلى بِبَعْضِ الِّلئَامِ فَتَحَلَّ بالصَّبْرِ الجَمِيلِ, وَالْمُطَالَبَةِ بِإحْسَانٍ!
إخْوانِي: ذِكْرُ فَضَائِلِ القَرْضِ, والصَّبْرِ على الْمُعْسِرِ, لا يعني السُّكُوتَ الْمُطْلَقَ, وَلا عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِكَ كَلاَّ فَلا يَقُولُ ذلِكَ عاقِلٌ, فَرَدُّ الحُقُوقِ إلى أهْلِهَا مِنْ أوجَبِ الوَاجِبَاتِ! فَبَعْضُ النَّاسِ لا بُدَّ مَعَهُمْ مِنْ الشِّدَّةِ!
أَيُّهَا الْمُقْرِضُ الْكَرِيمُ: لا تَتَسَاهَلَ بِتَوثِيقِ دِيُونِكَ فَهَذا أمْرُ اللهِ لَكَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ كُلَّمَا قَوِيتِ الحَاجةُ صَارَ الإقْرَاضُ أَبَرُّ وَأتْقَىُ فَلَئَنْ تُقْرِضَ شَابَّا يُريدُ الزِّوَاجَ, أو مَرِيضَا بِجِهَازٍ خَيرٌ مِنْ أَوْجُهِ بِرٍّ أُخْرَى.
أيُّها الكِرَامُ: وَلا يَجُوزُ إسْقَاطُ الدَّينِ عَن الْمَدِينِ، مِنْ حِسَابِ زَكَاتِكَ؟ لِأَنَّكَ بِذَلِكَ أَخْرَجْتَ الرَّدِيءَ عَن الطَّيِّبِ، واللهُ يَقُولُ:{وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُوۤاْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}. فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ. اللهمَّ إنَّا نعوذُ بكَ من زوالِ نعمتِك، وتحوِّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نقمتِك، وجميعِ سخطِك. اللهمَّ فرِّجْ هَمَّ الْمَهمُومِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عن الْمَدينِينَ. اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وَوَفِّقْ أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنِا لما تحبُّه وترضاه وَاجْزِهِمْ خَيرًا عَلى خِدْمَةِ الإسلامِ والْمُسْلِمِينَ. اللهم اجعلنا مع الذين اتقوا والذين هم محسنون, رَبَّنَا آ ربنا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله اذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
 
المشاهدات 33 | التعليقات 0