فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ

مبارك العشوان 1
1439/04/10 - 2017/12/28 08:40AM

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ ... وَرَسُولُهُ... أمَّا بَعْدُ... مُسلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُـوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ )

عِبَادَ اللهِ: إنَّ مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ، وَأَجْمَعَ عَلَيهِ أهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: أنَّ المُؤمِنِينَ يَرَونَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا فِي الآخِرَةِ، وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ وَلَا يُدْرِكُونَهُ: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}الأنعام 103

المُؤمِنُونَ يَرَونَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَيَاناً بِأَبْصَارِهِمْ؛ رُؤْيَةً حَقِيقِةً، يَرَونَهُ سُبْحَانَهُ فِي عَرَصَاتِ القِيَامَةِ، وَيَرَونَهُ فِي الجَنَّةِ.

فَمَا أعْظَمَهُ مِنْ نَعِيمٍ، يَومَ أنْ يَرَى المَخْلُوقُ خَالِقَهُ؛ الَّذِي خَلَقَهُ فَسَوَّاهُ فَعَدَلَهُ، يَومَ أنْ يَرَى العَبْدُ رَبَّهُ الَّذِي رَبَّاهُ بِالنِّعَمِ، وَصَرَفَ عَنْهُ النِّقَمَ، يَرَى الوَاحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد.

يَرَى المُؤمِنُونَ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ، فيَنْعَمُونَ بِأَعْظَمِ نَعِيمٍ  وَيَسْعَدُونَ أَعْظَمَ سَعَادَةٍ، وَيَفُوزُونَ بِالمَزِيدِ الذِي وَعَدَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ؛: { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }  { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسـْنَى وَزِيَادَةٌ } { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } 

يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:

أَعْلَى النَّعِيمِ نَعِيمُ رُؤْيَةِ وَجْهِهِ ... وَخِطَابُه فِي جَنَّةِ الْحَيَوَانِ

وَأَشَدُّ شَيْءٍ فِي الْعَذَابِ حِجَابُهُ ... سُبْحَانَهُ عَنْ سَاكِنِي النِّيرَانِ

وَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ نَسُوا الَّذِي ... هُمْ فِيهِ مِمَّا نَالَتِ الْعَيْـنَانِ

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: ( هَلْ تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ) قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ( فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ) قَالُوا: لاَ، قَالَ: ( فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ القَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ... )  إلى آخِرِ الحَدِيثِ وَهُوَ في البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.

عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ اعْلَمُوا أنَّهُ يُحْجَبُ أقْوَامٌ عَنْ رُؤيَةِ رَبِّ العَالَمِينَ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ وَسُوءِ فِعْلِهِم؛ كَمَا قَالَ تَعَــــــالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ، ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } 15 – 17 المطففين.  يَقُولُ ابْنُ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ: فَذَكَرَ لَهُمْ ثَلَاثَةَ أنْوَاعٍ مِنَ العَذَابِ: عَذَابَ الجَحِيمِ، وَعَذَابَ التَّوبِيخِ وَاللَّومِ.

وَعَذَابَ الحِجَابِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ، المُتَضَمِّنَ لِسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ عَلَيهِمْ، وَهُوَ أعْظَمُ عَلَيهِمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

نَعُوذُ بِكَ اللهُمَّ مِنْ غَضَبِكَ وَعِقَابِكَ.

وَنَسْأَلُكَ اللهُمَّ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِهمَا، وَوَفَّقَنَا  لِاتِّبَاعِهِمَا.

أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ... أمَّا بَعْدُ: فَاسْألُوا اللهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ، واجْتَهِدُوا وَتَنَافَسُوا فِي طَاعَتهِ، أصْلِحُوا لِلهِ تَعَالَى أقْوَالَكُمْ، وَأَفْعَالَكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ، كُونُوا مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ تُفْلِحُوا، وَتَفُوزُوا بِمَا أَعَدَّ اللهُ لَكُمْ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } السجد17 رواه مسلم.

عَلَيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ؛ وَمُرَاقَبَتِهِ فِي سِرِّكُمْ وَجَهْرِكُمْ؛ فَقَدْ أَعَدَّ تَعَالَى جَنَّتَهُ لِلْمُتَّقِينَ: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران 133  

حَافِظُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ؛ وَلَا تَتَهَاوَنُوا بِهَا؛ يَقُولُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: ( أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ) - يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ -، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } طه 130

اطْلُبُوا العِلْمَ النَّافِعَ؛ فَإِنَّ ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ ) رواه الترمذي وقال الألباني صحيح.      

أكْثِرُوا ذِكْرَ الله؛ِ فَغِرَاسُ الجَنَّةِ: ( لَا حَوْلَ وَلَا قُـــوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ) رواه ابن حبان وقال الألباني: صحيح لغيره وَهِيَ: ( كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّـــةِ ) رواه البخاري ومسلم.، وَمَنْ قَالَ: ( سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ )  رواه الترمذي وصححه الألباني . 

الْزَمُوا الصِّدْقَ فَـإنَّهُ ( يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ...) رواه البخاري ومسلم .

تَزَيَّنُوا بِحُسْنِ الخُلُقِ فَإِنَّهُ مِنْ أكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ. حَافِظُوا عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، فَمَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ... ) رواه مسلم. وَهِيَ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ.

تَزَوَّدُوا مِنَ القُرُبَاتِ؛ وَاجْتَنِبُوا المُحَرَّماتِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا...

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَاناً صَادِقاً، وَعَمَلاً صَالِحاَ، اللهُمَّ إنَّا نَسْألكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ... وَنَعُوذُ بِكَ ...

اللهُمَّ إنَّا نَسْألكَ لَذَّةَ النَّظَرِ ...  اللهُمَّ أعِزَّ الإسلَامَ  ...  اللهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ ...

عِبَادَ اللهِ: اذكُرُوا اللهَ ... مَا تَصْنَعُونَ.

المشاهدات 1164 | التعليقات 0