فلسطين واليهود-28-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد بن سامر
1445/03/27 - 2023/10/12 19:00PM

فلسطين واليهود-28-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

عندما هاجرَ النَّبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إلى المدينةِ، عقدَ صلحًا وعهدًا مع قبائلِ اليهودِ، وأَمَّنَهُم على أنفسِهم وأعراضِهم وأموالِهم، ولكنَّ اليهودَ قومُ غدرٍ، قالَ اللهُ-تعالى- عنهم: (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ).

فكانَ أوَّلَ من غَدرَ منهم بنو قَيْنُقاعٍ، عندما اعتدوا على حِجابِ امرأةٍ مُسلمةٍ في سُوقِهم، وكَشفوا عَورتَها، فحاصرَهم رَسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بجيشٍ من المسلمينَ حتى أَجلاهم عن المدينةِ إلى بلادِ الشامِ، جَزاءَ غدرِهم وخيانتِهم للعهدِ.

ثم تَلاهم في الغَدرِ بَنو النَّضيرِ، فدَبروا مؤامرةً لاغتيالِ رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهو جَالسٌ بينهم، بإلقاءِ صَخرةٍ عليه من أعلى السَّطحِ، فكشفَ اللهُ لهُ أَمرَهم، فحاصرَهم بجيشٍ من المسلمينَ، وأجلاهم إلى بلادِ الشامِ كذلك.

وأخيرًا كانَ الغدرُ الأكبرُ من بني قُريظةَ يَومَ الأحزابِ، حيثُ اجتمعَ على المسلمينَ عشرةُ آلافٍ من المشركينِ من قريشٍ وحلفائِها، فلما رأى يهودُ بني قريظةَ الضيقَ والحرجَ قد أحاط بالمسلمينَ، اغتنموا الفرصةَ وأعلنوا نَقضَ العهدِ والوقوفَ مع المشركينَ، وكَشفَ اللهُ مَكرَهم، ثم بعد أنْ انهزمَ الأحزابُ، تَفرغَ لهم رَسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وكانت نِهايتُهم قَتْلَ مُقاتِليهم، وسبيَ أهلِيهم، وغنمَ أموالـِهم، جَزاءً لِلخَائنينَ، وعِبرةً للمُعتَبِرينَ.

هذه الأفعالُ من اليهودِ كانتْ مع أوفى إنسانٍ، وأصدقِ إنسانٍ، الذي يعرفونَ صِفاتِ نبوتِه-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-كما يعرفونَ أبناءَهم.

ولا عجبَ! فقَدْ وَصفَ اللهُ-تَعالى-في كِتابِه اليهودَ بكلِ قبيحٍ ومُخْزٍ وفاضحٍ، فقدْ أساؤوا الأدبَ مع اللهِ-عزَّ وجلَّ-، وقَتلوا الأنبياءَ وكَذَّبوهم، وغدروا ونَقضِوا العهودَ والمواثيقَ، وأكلوا أموالَ الناسِ بالباطلِ، وسعوْا في الأرضِ فسادًا، وحسدوا الناسَ على ما آتاهم اللهُ، وعرفوا الحقَ وكتموه، ولم يتآمروا بالمعروفِ، ولم يتناهوا عن المنكرِ، وهم أبخلُ الناسِ، وأجبنُهم، وأحرصُهم على حياةٍ، لعنَهم اللهُ، وغضبَ عليهم، وضربَ عليهم الذلةَ، فماذا بقيَ من صفاتِ الخِزيِ والعارِ؟

وما وُجدوا في مكانٍ إلا عاثوا فيه الفسادَ، وسيطروا على الأموالِ والاقتصادِ، وتحكَّموا في الرؤساءِ والأفرادِ، وملكوا زمامَ العبادِ والبلادِ، ولذلكَ لما رأى الغربُ أنَّهم سُوسَةٌ تَنْخَرُ في مجتمعاتِهم، وأنَّه ينبغي أن يتخلصوا منهم بأيِّ وسيلةٍ، جاءت خُطةُ إنشاءِ دولةِ إسرائيلَ المحتلةِ في فلسطينَ، لأجلِ أن يُهاجرَ إليها اليهودُ، فيرتاحَ الناسُ من هذا الشَّعبِ اللعينِ.

فَتَخَيَّلْ لو أنَّ هَذا الشَّعبَ الذَّليلَ الحَقيرَ، قَد احتَلَّ وَطَنَكَ، وغَصَبَ أَرضَكَ، ونَهَبَ خَيرَاتِكَ، وانتَهَكَ مُقَدساتِكَ، وَأَسرَ النِّساءَ والرِّجالَ، وآذى الكِبارَ والأطفَالَ، وهدَمَ المَساجدَ والبُيوتَ، واستفزَّكَ بالليلِ والنَّهارِ، ورأى أَنَّهُ شَعبُ اللهِ المُختارِ، وقَد ضَرَبَ اللهُ عَليهِ الذِّلةُ والصَّغارُ، ثُمَّ يَدعُوكَ إلى السَّلامِ.

عـَجَـبًا أَيَـرعَى للسَّلامِ عُهـودَهُ*

                   مَـنْ كَانَ مُعتَادًا عَلى الإرهَابِ؟

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فمَا يَحدثُ في فلسطينَ منذُ سبعينَ سنةً هو احتلالٌ غَاشمٌ على بلدٍ إسلاميٍّ، واعتداءٌ ظالمٌ على شَعبٍ مَقهورٍ، وجُرأةٌ وتطاولٌ على المسجدِ الأقصى، الذي له مكانةٌ مُقدسةٌ في قلبِ كلِّ مسلمٍ، فَكيفَ يُرجى مِنَ اليهودِ السَّلامُ، وكَيفَ تُمَدُّ لَهم الأيدي بالحبِّ والوئامِ، وقَد قَالَ اللهُ-تَعَالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ)، فكيفَ يثقُ العاقلُ بأمثالِ هؤلاءِ؟ وكيفَ يُرجى منهم العهدُ والوفاءُ؟

لكِ اللهُ يا غَزةُ! منذُ سبعَ عشرةَ سنةً وأنتِ محاصرةٌ، تَدفِنينَ في كُلِّ يومٍ العشراتِ من أبنائِك، تُقصفينَ من شَرِّ جيرانِك، حتى بالأسلحةِ المحرمةِ دوليًا كقنابلِ الفسفورِ، التي تذيبُ اللحمَ حتى يصلَ إلى العِظامِ، وتُدَكِينَ بالأسلحةِ المدمرةِ التي تحيلُ المبانيِ إلى رُكامٍ، فآهٍ عَلى عُضوِ الجَسدِ الذي أَنهكتْهُ الجِراحُ والآلامُ، وتَداعى إلى تدميرِهِ عصاباتُ الإجرامِ، وحقُهُ النُصرةُ من بني الإنسانِ والإسلامِ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"،  وقال: "ما مِنِ امرئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسلِمًا، عِندَ مَوطِنٍ تُنتَهَكُ فيه حُرمَتُهُ، ويُنتَقَصُ فيه مِن عِرضِهِ؛ إلَّا خذَلَهُ اللهُ-عزَّ وجلَّ-في مَوطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرَتَهُ، وما مِنِ امرئٍ يَنصُرُ امرَأً مُسلِمًا، في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فيه مِن عِرضِهِ، ويُنتَهَكُ فيه مِن حُرمَتِهِ؛ إلَّا نصَرَهُ اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرَتَهُ".

فلا أقلَّ من نصرهِم بالدعاءِ، ومَا أدراكَ ما الدَّعاءُ، فَإنَّهُ مِنْ جُنودِ السَّماءِ، قَد وُعِدَ أهلُه بالإجابةِ في رفعِ البلاءِ.

في ليلةٍ مقتولةِ الأَسحارِ*

                               محروقةٍ أثوابُها بالنَّارِ

ساعاتُها مشحونةٌ بمواجعي*

                          مبلولةٌ بدمي ودمعي الجارِي

ظَلْماؤُها فُجِعَتْ بما شَهِدَتْهُ من*

                               آثارِ موقعِ بيتِنا المُنْهارِ

في ليلةٍ لَيْلاءَ باتتْ "غزَّةٌ"*

                      تحت اللَّظى، وقذائفِ الأَخطارِ

باتتْ يُحاصُرها الدُّخَانُ، فما ترى*

                             إلاَّ اختلاطَ دُخَانِها بغبارِ

وترى خيالًا من وراءِ رُكامها*

                       لمَّا دَنَا، فُجِعَتْ بمنظرِ "عارِي"

يمشي على الأَشلاءِ مِشْيَةَ حانقٍ*

                            لم تَخْلُ من وَهَنٍ بها وعِثارِ

مَنْ أنتَ يا هذا؟ سؤالٌ جامدٌ*

                             في ليلةِ التَّرويعِ والإِهدارِ

أنا مسلمٌ-يا قومُ-أَسْترُ عورتي*

                            لكنْ ردائي ضائعٌ وإِزارِي

أنا واحدٌ من أسرةٍ مدفونةٍ*

                      تحتَ الثَّرى المخلوطِ بالأحجارِ

أنا واحدٌ من أهلِ غَزَّةَ في فمي*

                            ذِكْرُ الإلهِ ودعوةُ الأخيارِ

لا تسألوني، إنَّ في قلبي اللَّظَى*

                        مما جنى الباغي، وَوَمْضَ شَرارِ

هلاّ بحثتم في الرُّكامِ، فإنني*

                       ما عُدْتُ أملك حيلتي وقرارِي

أين الصِّغارُ؟! وللسؤال مَرارةٌ*

                 فوقَ الِّلسانِ، فهل يجيب صغاري؟!

أشلاؤهم صارتْ تُضيء كأنجمٍ*

                              تحتَ الرُّكامِ نَقيَّةِ الأنوار

أين النِّساءُ؟ روى الدَّمارُ حكايةً*

                            عن مِعْصَمٍ وحقيبةٍ وسِوَارِ

عن راحةٍ مقبوضةٍ تحت الثَّرى*

                               فيها بقايا مِسْفَعٍ وخِمارِ

يا غَزَةُ احتسبي جِراحَكِ إنني*

                       لأرى اختلاطَ الفَجرِ بالأَسحارِ

لا تجزعي من منظر السُّحُب التي*

                            تُخْفي كواكِبَنا عن الأَنْظارِ

سترين تلكَ السُّحْبَ تَنُفُضُ ثوبَها*

                             يومًا بما نرجو من الأمطارِ

يا غزَّةَ الجُرْحِ المعطَّرِ بالتُّقَى*

                           لا تيأسي من صَحْوةِ المِليارِ

لا تيأسي من أمةٍ في رُوحِها*

                           ما زال يجري مَنْهَجُ المُخْتَارِ

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّ بِإِخْوانِنا الْمَنْكُوبِينَ فِي غَزَّةَ وغيرِها مِنَ البَلاَءِ مَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْتَ، وَإِنَّ بِنا مِنَ الوَهَنِ وَالتَّقْصِيرِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، إِلَهَنا إِلَى مَنْ نَشْتَكِي وَأَنْتَ الكَرِيمُ القَادِرُ، وبمنْ نَسْتَنْصِرُ وَأَنْتَ المَوْلَى النَّاصِرُ، وبِمَنْ نَسْتَغِيثُ وَأَنْتَ المَوْلَى القَاهِرُ.

اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَفاتِيحُ الفَرَجِ، فَرِّجْ عَنْ إِخْوانِنا في غزةَ وفي كُلِّ مكانٍ، وَاكْشِفْ ما بِهِمْ مِنْ غُمَّةٍ.

اللَّهُمَّ يا عَزِيزُ يا جَبَّارُ، يا قَاهِرُ يا قَادِرُ، يا مَنْ لاَ يُعْجِزُه شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّماءِ، أَنْزِلْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ عَلَى المعتدين من اليَهُودِ والنصارى والكافرينَ، وعلى كلِّ عدوٍ للإسلامِ والمسلمينَ.

اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ، يا مَنْ يُغَيِّرُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ، تاقَتْ أُنْفُسُنا إِلَى عِزَّةِ الإِسْلاَمِ، فَنَسْأَلُكَ نَصْرًا تُعِزُّ بِهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَتٌذِلُّ بِهِ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.

اللَّهُمَّ أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1697167249_فلسطين واليهود-28-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1697167249_فلسطين واليهود-28-3-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 3114 | التعليقات 0