فقه المسلم مع الزلازل والأعاصير

Sheikh Sayed2019
1445/02/30 - 2023/09/15 00:47AM

فقه المسلم مع الزلازل والأعاصير

إعداد

الشيخ السيد طه أحمد

 

الحمد لله رب العالمين ..جعل الأرض قراراً ومهاداً ،وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً فقال تعالى } أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ (61){ ] النمل[.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الخلق والأمر، بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير.. فقال تعالى } أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) { ] الأعراف[
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) حذر من الذنوب وشؤمها ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ: }إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ{
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
إن الله تعالى جلت قدرته يرسل بالآيات لينذر عباده ويردهم إليه سبحانه وتعالى فقال تعالى } وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا (59){ ] الإسراء[
وقال تعالى } وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ (21){ ] السجدة[
والزلازل من الآيات التي يُخَوِّفُ الله بها عباده، كما يُخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات, كل هذه الآيات تذكرنا بيوم القيامة والاستعداد له .
والزلازل آية باهرة تدل على قدرة الله تعالى ووحدانيته فالعباد تحت قبضته ، وتحت رحمته .
خلق الله تعالى لهم الأرض وأنعم بها عليهم وجعل فيها معايشهم وأرزاقهم ولكن انظر لحظة اضطرابها وزلزلتها بعد إن كانت ساكنة مطمئنة لترى بنفسك الدلائل الواضحات على قدرة الخالق سبحانه وإرادته وحكمته ووحدانيته .
ثم تأمل عظمته سبحانه وأن مقاليد الأمور بيده ، فيمن نجا كيف نجا ، وفيمن هلك كيف هلك لترى بنفسك مدى القدرة الإلهية . فعلينا أن ننظر ونتأمل في آيات الله تعالى ولا يكون حالنا كما أخبر الله تعالى:} وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ (105) {[يوسف].
وللمسم مع الآيات الكونية وقفات للعظة والاعتبار ومراجعة نفسه ومحاسبتها لذلك كان حديثنا عن }فقه المسلم مع الزلازل والأعاصير{ وذلك من خلال هذه العناصر
الرئيسية التالية ..
1ـ الزلازل عظة واعتبار.
2ـ الزلازل ابتلاء من الله تعالى .
3ـ كيف يتعامل المسلم مع الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية؟
4ـ الزلازل ويوم الحساب.
5ـ الخاتمة.
العنصر الأول : الزلازل عظة واعتبار:
اتفق علماء الفقه والسنة على أن الزلازل والبراكين والكوارث الطبيعية هي من آيات الله عز وجل العظام في هذا الكون، وأن الله عز وجل يبتلي بها عباده تذكيراً أو تخويفاً أوعقوبة، قال تعالى }وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا (59){ ] الإسراء[
ولما رجفت الأرض في الكوفة .
قال ابن مسعود }أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه {.أي يطلبكم الرجوع عن الإساءة واسترضائه فافعلوا، وقد كان رسول الله (ﷺ) إذا كانت الريح الشديدة عرف في وجه النبي (ﷺ)) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخويف المُفْضِي إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك ولاسيما وقد لقى الخبر أن أكثر الزلازل من شرط الساعة .
والله عز وجل نادى الناس جميعا وحذرهم من عظم هذا اليوم فقال تعالى:} يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ (1) يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ (2){ ] الحج[ .
تزلزلت الأرض على عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال، }يا أيها الناس؛ ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبدا{.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها ورجل معه ، فقال الرجل : يا أم المؤمنين حدثينا حديثا عن الزلزلة ، فأعرضت عنه بوجهها ، قال أنس : فقلت لها : حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة ، فقالت : يا أنس إن حدثتك عنها عشت حزينا ، وبُعثت حين تبعث وذلك الحزن في قلبك فقلت : يا أماه حدثينا ، فقالت : إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين الله عز وجل من حجاب ، وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها نارا وشنارا ، فإذا استحلوا الزنا وشربوا الخمور بعد هذا وضربوا المعازف، غار الله في سمائه ، فقال للأرض : تزلزلي بهم ، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم فقال أنس : عقوبة لهم ؟ قالت : رحمة وبركة وموعظة للمؤمنين ، ونكالا وسخطة وعذابا للكافرين،  قال أنس : فما سمعت بعد رسول الله (ﷺ) حديثا أنا أشد به فرحا مني بهذا الحديث ، بل أعيش فرحا وأبعث حين أبعث وذلك الفرح في قلبي أو قال : في نفسي { ] حديث صحيح على شرط مسلم[
وقال كعب: إنما زلزلت الأرض إذا عُمِل فيها بالمعاصي، فترعد فرقا من الرب جل جلاله أن يطلع عليها.
وجرت سنة الله تعالى أنه إذا كثر الخبث ولم تقم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن العذاب إذا نزل عم الجميع.
ففي الصحيحين عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ، وَمأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ، وَبِالَّتِي تَلِيهَا» فَقَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ؛ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ»
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ﷺ) ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ) .
وقد يهلك في الزلازل الصالح والطالح ، فهلاكهم في الزلازل خيراً لهم وراحة من نصب الدنيا وأذاها، كما في الحديث: }وقد مر على رسول الله (ﷺ) بجنازة، فقال: مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله؛ ما المستريح والمستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب{. ]رواه البخاري ومسلم[.
والموت في الزلازل، ضرب من الموت بالهدم، الذي يكون صاحبه من شهداء الآخرة.
العنصر الثاني: الزلازل ابتلاء من الله تعالى:
الابتلاء سنة الله تعالى في خلقه كما شهدت بذلك آيات القرآن الكريم , وهو قدر على الإنسان مطلقا سواء أكان مسلما أم كافرا , كبيرا أم صغيرا كما هي دلالة الإطلاق في كلمة الإنسان من قوله تعالى: {إنا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً(2)} ]الإنسان[ .
وكما تتعدد فئات المبتلين يشير القرآن الكريم إلى أن أشكال البلاء تتعدد , فابتلاء بالخير وابتلاء بالشر {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا
تُرْجَعُونَ(35)} ]الأنبياء[
وابتلاء بالكوارث }أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ
أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (99){ ]الأعراف[.
وقال الله تعالى: }وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ
يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44) { ]الأنعام[ .
فهذه الابتلاءات ليست خاصة بعنصر أو أمة بل يتعرض لها البشر كافة.
فهذه الابتلاءات رحمة من الله تعالى وعذاب للكافرين ،فليس كلّ من هلكَ عاصياً، ولا كل من نجا تقيّاً!
لقد مات أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة في طاعون عمواس ، ومعه حشدٌ من الصحابة. ونجا الرومُ على مقربةٍ منهم وهم لا يساوون شِسَاع نعالهم!
من مات من المؤمنين فهو من الشهداء نحسبهم كذلك .
وفي الابتلاء على الإنسان أن يتأدب مع الله تعالى ولا يعترض على أمره وقضائه فلا أحد أرحم بالخلق من الله،! فما نحن إلا عبيد في ملكه، ومهما أوتينا من علمٍ وفهمٍ فلن ندركَ لا رحمته ولا حكمته، ولو اجتمعت عقول البشر جميعهم لتفهم الحكمة من قتل الغلام في سورة الكهف لما فهموها، ولكن لما كشَفَ لنا حُجب الغيب علمنا أنه سبحانه يُغلِّفُ خيراً كثيراً في قشرة رقيقة بما نحسبه شراً مستطيراً!
وفي هذه الابتلاءات فرصة لا لنتذكَّر قوة ربنا فحسب، وإنما لنتذكَّر ضعفنا أيضاً!
ونعلم أنه لا شيء مضمون في هذه الدنيا، وكل شيءٍ يمكن أن ينقلبَ رأساً على عقب في لحظةٍ، الصحة قد تنقلب عجزاً، والجمال قد يصيرُ تشوهاً، والغنى قد يصبحُ فقراً، وقد قيل لأحد الصالحين: كيف النجاة وربنا يرمينا بسهام القدر؟
فقال: كُنْ بجوار الرامي تنجُ! فدوام الحال من المحال !!
العنصر الثالث: كيف يتعامل المسلم مع الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "السنة في أسباب الخير والشر: أن يفعل العبد عند أسباب الخير الظاهرة والأعمال الصالحة ما يجلب الله به الخير، وعند أسباب الشر الظاهرة من العبادات ما يدفع الله به عنه الشر.. كما أمر النبي  (ﷺ) عند الخسوف بالصلاة والصدقة والدعاء والاستغفار والعتق" ا.هـ.
ولما كانت الزلازل من الآيات التي يُخوف الله بها عباده شأنها في ذلك شأن الكسوف والخسوف استحب عندها من الوعظ والصلاة والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر، فمن ذلك:
1ـ الفزع إلى الصلاة :
ولا عجب أن الله تعالي يدعونا في أحلك الظروف إلى إقامة الصلاة قال تعالي (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)؛ لأنها المخلص للإنسان في وقت الفتن، والشاحذ للهمم؛ فإليها المفزع عند الحاجة، وطلب الخير، فنجد عن اختلاف الظواهر الطبيعية مثل كسوف الشمس وخسوف القمر، يدعونا الله تعالي إلي صلاة الخسوف والكسوف ، وأيضا صلاة الخوف ، وصلاة الحاجة .... إلخ؛ ومن باب أولى في هذه الأيام العصيبة؛ أن نستعين بالصبر والصلاة  كما قال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ(45)} [البقرة].
2ـ الذكر والدعاء والاستغفار:
قال القسطلاني: "ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها كالصواعق والريح الشديدة والخسف"
ومما يؤكد ذلك: ما أمر به النبي (ﷺ) عند الكسوف والخسوف:
ففي حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال لما كسفت الشمس: "هذه الآيات التي يُرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن يُخوف الله بها عباده فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره{[ البخاري ومسلم " فافزعوا: أي التجئوا من عذاب الله إلى ذكره].
قال ابن مالك: "إنما أمر بالدعاء لأن النفوس عند مشاهدة ما هو خارق تكون معرضة عن الدنيا ومتوجهة إلى الحضرة العليا فيكون أقرب إلى الإجابة" .
ولما كانت الزلازل موطنًا من مواطن الكرب والشدة والهم والفزع استحب للمسلم أن يدعو في هذه المواطن بما ورد في ذلك من أدعية ثابتة عن النبي (ﷺ) ومن ذلك ..
أ- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ﷺ) كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم"[ رواه البخاري ومسلم].
2ـ وعن أنس رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) أنه كان إذا أكربه أمر قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث"[ حديث حسن: رواه الترمذي وابن السني بإسناد ضعيف إلا أن له شاهدًا عند الحاكم  ولذا حسنه الألباني].
ب- وعن أبى بكرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: "دعوات المكروب:
 اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله
 إلا أنت"[ رواه أبو داود  والنسائي إسناده حسن].
ج ـ وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله (ﷺ): "ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب  أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئًا"
[ حديث حسن: رواه أبو داود  وابن ماجة  وأحمد  وحسنه الألباني].
د - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: "دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له"[ حديث
صحيح: رواه الترمذي وأحمد  والحاكم وصححه].
هـ ـ و كان رسولُ اللهِ (ﷺ) إذا سمِع الرَّعدَ والصواعِقَ قال }اللهمَّ لا تَقتُلْنا بغَضَبِكَ ولا تُهلِكْنا بعَذابِكَ وعافِنا قبلَ{ ]الترمذي[
و ـ من الأدعية المشهورة والمستحبة في وقت حدوث البلاء، ما ورد عن الرسول (ﷺ): }اللهم إنى أسألك العفو والعافية، في الدنيا والآخرة، اللهم إنى أسألك العفو والعافية، في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم أحفظني من بين يدى، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقى، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي{.] أخرجه أبو داود  واللفظ له، وابن ماجه وأحمد [
3ـ القنوت في الصلاة :
معنى النازلة : "النازلة الشدة من شدائد الدهر تنزل بالناس
 وهي ما ينزل بالناس من كوارث كوباء وطاعون وقحط وجراد وأعاصير ، ومطر يضر بالعمران أو زرع وخوف عدو، وكذلك الزلازل وما تسببه من دمار .
فيستحب القنوت في الصلوات عند النوازل والزلازل من أعظم النوازل وهذه سنة النبي(ﷺ)  
قال الشوكاني: "القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة" [نيل الأوطار].
وقال ابن القيم: "وكان من هديه (ﷺ) القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها" [زاد المعاد].
وقال الحافظ ابن حجر: "ويؤخذ من الأخبار أنه (ﷺ) كان لا يقنت إلا في النوازل"
والسنة في قنوت النوازل: أن يقتصر الداعي فيه على ما يناسب النازلة فقط.
4ـ الصدقة وبذل المال:
ومما يستحب عند الزلزلة التصدق وبذل المال فعن جعفر بن برقان قال: كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز في زلزلة كانت بالشام: إن هذا الرجف شيء يعاتب الله به العباد، وقد كتبت إلى أهل الأمصار: أن يُخرجوا يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا في ساعة كذا وكذا فأخرجوا، ومن أراد منكم أن يتصدق فليفعل فإن الله قال: } قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15) { [الأعلى].
وقولوا كما قال أبوكم عليه السلام: }رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(23) { [الأعراف].
وقولوا كما قال نوح عليه السلام: }وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(47) { [هود].
وقولوا كما قال موسى عليه السلام:} رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي (16){
[القصص].
وقولوا كما قال ذو النون: }لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87) {[الأنبياء].
وكذلك مما يؤكد المسارعة إلى بذل المال والتصدق في مثل هذه الأحوال وغيرها - لا سيما صدقة السر  قوله صلى الله عليه وسلم }صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب{ ]حديث حسن رواه الطبراني في الكبير[
5ـ التوبة والندم:
يستحب عند الزلازل المسارعة إلى التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي والإقلاع عنها.
قال الإمام النووي: "قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: الإقلاع عن المعصية.
والثاني: الندم على فعل المعصية.
والثالث: العزم على عدم العود إلى الذنب أبدًا.
فإن فُقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه رده، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها"
قال تعالى: } وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(31){[النور].
ولا شك أن الله تعالى أراد من وراء هذه الآيات التي يخوف بها عباده أن يرجعوا إليه ويتضرعوا وينيبوا ويندموا ويقلعوا عن الذنوب.
كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: "إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه"؛ أي: يطلبكم للرجوع عن الإساءة واسترضائه.
فالمفلح: من استجاب وتاب وندم ورجع وأناب.
والخاسر: من أعرض وارتاب فحق عليه الغضب والعذاب.
قال تعالى: }وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى(81) { [طه].
6ـ الاحساس بآلام وأحزان المكلومين:
الأمة المسلمة أمة واحدة مثل الجسد الواحد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) }مثل الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى{. ]أخرجه مسلم[ ، على المسلم أن يتخلى عن الأثرة والأنانية ويشعر بإخوانه المنكوبين ويساعدهم إن لم يملك شيئا ماديا فعليه بالشعور المعنوي بالدعاء لهم في كل صلواته ، ويعلم أن الأيام دول بين الناس ،يوم لك ويوم عليك ، وعلينا أن نترك التقاطع والتنابذ فأيام الإنسان في هذه الدنيا قليلة لا تضيعها في التخاصم والتناحر بينك وبين الناس.
العنصر الرابع : الزلازل ويوم الحساب:
الحساب !! ما الحساب؟ وما هي صفته؟ وعلى ماذا يحاسب الله تعالى العباد؟
يوم الحساب: هو محكمة العدل الإلهية التي يقضي فيها رب العزة سبحانه بين خلقه وعباده وينبغي أن تعلم أن يوم القيامة: يوم يجمع الله فيه الأولين، والآخرين للحساب:} قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَوَّلِينَ وَٱلۡأٓخِرِينَ (49) لَمَجۡمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ(50) {[الواقعة].
يوم تتكشف فيه الحقائق والأستار، فالكل مكشوف النفس والعمل والمصير:}يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ (18){[الحاقة].
يوم يشيب من هوله الوليد، وتذهل الأم الحنون عن طفلها، وتسقط فيه الحامل حملها قال تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ (1) يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ (2){ [الحج].
وأما صفة الحساب: فلا بد لكل محكمة من حاكم يحكم ويقضي، وشهود يشهدون، ومتهم وأرض يقام عليها الحكم.
1- أما الحاكم: فهو الله جل جلاله، جبار الأرض والسماء، تباركت أسماؤه وعظمت صفاته الذي يعلم السر وأخفى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الخالق لكل شيء سبحانه وتعالى ويبدأ الأمر:
أ- بنفخ إسرافيل في الصور بأمر الله سبحانه فتصعق الخلائق كلها وتموت: قال تعالى }وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ (68){[ الزمر].
 ب- إحداث تغير عام في الكون فتنشق السماء وتتناثر النجوم وتتصادم الكواكب وتتفتت الأرض:} إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ (1) وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ (2) وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ (3) {[التكوير]. كورت أي ظلمت، انكدرت: أي تناثرت، وسيرت: أي حركت وصارت كالهباء.
ج- ينفخ إسرافيل في الصور بأمر الله سبحانه فتقوم الخلائق للحشر: }ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ (68){ [ الزمر].
د- نزول عرش الرحمن جل جلاله: قال تعالى : }وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ (16) وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ (17){[الحاقة]،
 أي يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة.
هـ- ثم يشرق على الأرض نور الحق جل جلاله: }وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (69){[الزمر]. أي أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء.  
و- ثم مجي الحق سبحانه مجيئا يليق بجلاله وكماله وعظمته سبحانه الكبير المتعال: }كَلَّآۖ إِذَا دُكَّتِ ٱلۡأَرۡضُ دَكّٗا دَكّٗا (21) وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلۡمَلَكُ صَفّٗا صَفّٗا (22){[الفجر].
وأما صفة حكمه جل جلاله سبحانه:
- العدل المطلق: }فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ (7) وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ (8){ [الزلزلة].
أ- فلا ظلم: }وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا (49){[الكهف].
ب- ولا أنساب:}فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ (101){[المؤمنون]. أي لا تنفع الإنسان يومئذ قرابة ولا نسب
ج- ولا رشوة لتغير صورة الحكم، فالحاكم هو الغني المتعال والكل مفتقر إليه سبحانه: } يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ (15){ [فاطر].
د- ولا تهديد ولا ضغوط: فالحاكم هو القوي سبحانه: }أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ
شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ (165){[البقرة]
2- الشهود:
وأما الشهود فهم كثير فلا مكان للإنكار والكذب والمراوغة .
أ- وأعظمهم شهادة هو الله سبحانه الله جل جلاله }أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ (7){[المجادلة].
ب- الرسل عليهم الصلاة والسلام ويشهد للرسل سيدنا وحبيبنا رسول الله (ﷺ)  كما ورد في الحديث (يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ 
فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من أحد. فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، ثم أشهد لكم).
 ج- الملائكة: }إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ (17) مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ (18){[ق].
يقول الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا وقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك).
د- الجوارح: }وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَيۡنَاۖ قَالُوٓاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنطَقَ كُلَّ شَيۡءٖۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ (21){[فصلت]. 
وعن أنس رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي (ﷺ) فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم  قال: من مخاطبة العبد ربه  فيقول: يا رب ألم تجرني (تحفظني) من الظلم؟ يقول: بلى، فيقول: إني لا أجيز اليوم على نفسي شاهدا إلا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، والكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه ويقول لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل) .
هـ- الأرض:}يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا (4){[الزلزلة4]. 
قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم هذه الآية: (يومئذ تحدث أخبارها ) قال: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمةٍ بما عمل على ظهرها أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها).
و- التسجيل الكامل كما ذكر بعض العلماء: لقوله تعالى:}يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ (6) فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ (7) وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ (8){ [الزلزلة[.
وتعرض الأعمال عرضا حيا ناطقا، فسيرى المرء عمله وهو يباشره إن خيراً فخيراً، وإن شراًّ فشراًًّ
3- المتهم:
هو الإنسان الذي خلقه الله بيده، وأسجد له الملائكة، وكرّمه على كثير ممن خلق، سخر الكون له، وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، وجعل له واعظا من عند نفسه بالفطرة التي فطر الله الناس عليها على معرفته سبحانه وحذره من الشيطان وطاعته ثم يستقبل الإنسان ذلك كله بالسخرية: }يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ (30){ [يس]. 
4- وأما أرض المحكمة: 
قال تعالى :} يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ (48){ [إبراهيم].
فهي أرض أخرى غير أرضنا لم تطأها قدم من قبل، ولم تعمل عليها خطيئة، ولم يسفك عليها دم، أرض طاهرة من ذنوب بني آدم وظلمهم، طهر يتناسب مع طهر القضاء.
وأما على ماذا يحاسب الله تعالى العباد: 
فاعلم أن الحساب سوف يكون مشافهة: فكل عبد يعرض على ربه، ويتولى سبحانه حسابه بنفسه ، فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال :قال رسول الله (ﷺ) :} ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ ، فينظرُ أيْمنَ منه ، فلا يرى إلا ما قدَّم ، وينظرُ أشأَمَ منه ، فلا يرى إلا ما قدَّم ، وينظرُ بين يدَيه ، فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه ، فاتَّقوا النَّارَ ، ولو بشِقِّ تمرةٍ ، ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ{ ] أخرجه البخاري ومسلم [
والحساب إما أن يكون يسيرا: وذلك بأن يعرض على العبد عمله بحيث لا يطلع عليها أحد ثم يعفو عنه ويأمر به إلى الجنة فعن ابن عمر رضي الله عنهما :} أنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، كيفَ سَمِعْتَ رَسولَ اللَّهِ (ﷺ) يقولُ في النَّجْوَى؟ قالَ: يَدْنُو أحَدُكُمْ مِن رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عليه، فيَقولُ: أعَمِلْتَ كَذَا وكَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ، ويقولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ، فيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يقولُ: إنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليومَ{ .
وأما أن يكون الحساب عسيرا وذلك لمن كثرت معاصيه فذلك الذي يناقش الحساب ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة ،فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: }ليسَ أحَدٌ يُحاسَبُ إلَّا هَلَكَ قالَتْ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِداءَكَ، أليسَ يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا} قالَ: ذاكَ العَرْضُ يُعْرَضُونَ ومَن نُوقِشَ الحِسابَ هَلَكَ{ ]البخاري[.
والمراد بالمناقشة الاستقصاء في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة. 
والحساب يتناول كل شيء:
1ـ العمر والمال والجسم والعلم لقول النبي (ﷺ): }لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه{.
2ــ عن النعم وشكرها:}ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ (8){[التكاثر]. 
قال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا). ولقوله (ﷺ): (إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم أن يقال: له ألم نصح لك بدنك، ونروك من الماء البارد).
3- عن الحواس واستعمالها: }إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا (36){ [الإسراء].
قال ابن عباس: يسأل الله العباد فيما استعملوها وهو أعلم بذلك منهم .
4- عن الفرائض من صلاة وزكاة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول (ﷺ):} إنَّ أوَّلَ ما افتَرضَ اللَّهُ على النَّاسِ من دينِهِمُ الصَّلاةُ ، وآخرَ ما يبقى الصَّلاةُ ، وأوَّلَ ما يحاسبُ بِهِ الصَّلاةُ ، ويقولُ اللَّهُ انظُروا في صلاةِ عبدي . فإن كانت تامَّةً كُتِبت تامَّةً ، وإن كانت ناقصةً يقولُ : انظُروا هل لعبدي تطوُّعٍ ؟ فإن وُجِدَ لَهُ تطوُّعٌ تمَّتِ الفريضةُ منَ التَّطوُّعِ ، ثمَّ قالَ : انظُروا هل زَكاتُهُ تامَّةٌ ؟ فإن كانت تامَّةً كُتِبت تامَّةً ، وإن كانت ناقِصةً قالَ : انظروا هل لَهُ صدقةٌ ؟ فإن كانت لَهُ صدقة تمَّت له زَكاتُهُ{. ] المنذري الترغيب والترهيب[
5- عن الدماء والقتل: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله (ﷺ): }أول ما يقضى بين بالناس يوم القيامة في الدماء{ ] مسلم[. 
6- السؤال عن المسؤولية والأمانة: قال تعالى}وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡـُٔولُونَ(24) {[الصافات].
وقول النبي (ﷺ):}كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والأمير راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده{.
7- عن الكلمة لقوله (ﷺ): }إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب{
ولقول النبي (ﷺ): (وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم).
و ما من كاتب إلا ستبقى                 كتابتـه وإن فنيـت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء                 يسرك في القيامة أن تراه
8- عن الحقوق والمظالم للحديث القدسي : يقول الله تعالى: }أنا الديان، أنا الملك لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة{.    
الخاتمة ..
النظر والاعتبار في آيات الله تعالى الكونية  يزيد الإيمان في قلب الإنسان ، ولا بد من محاسبة النفس على كل صغيرة وكبيرة فمن حاسب نفسه في الدنيا خف عليه الحساب يوم القيامة ، والزلازل والأعاصير من آيات الله الكونية التي يبتلي بها عباده ليمحصهم ويرفع درجاتهم ، فهي عقوبة إلهية للمتجبرين.، وتأديب للمذنبين، وتنبيه للغافلين، واختبار للمؤمنين.
 
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يحفظنا من الزلازل والمحن ، اللهم الطف بنا فيما جرت به الأقدار، واجعلنا راضين بقضائك، صابرين على بلائك، شاكرين لنعمائك.

المرفقات

1694728050_فقه المسلم مع الزلازل والأعاصير.pdf

1694728057_فقه المسلم مع الزلازل والأعاصير.docx

المشاهدات 1025 | التعليقات 0