فقـــــه الأذكـــار ( بصيغتين : وورد - PDF )

محمد بن سليمان المهوس
1446/07/08 - 2025/01/08 06:47AM

« فقه الأذكار  »

محمد بن سليمان المهوس / جامع الحمادي بالدمام

10/7/1446هـ

الخُطْبَةُ الأُولَى

الحمْدُ للهِ الوَلِيِّ الحميدِ، لَهُ الحَمْدُ كلُّهُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، ظاهِرُهُ وباطِنُهُ، سِرُّهُ وَإِعْلانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ شَهادَةً وَإِقْرَارًا لهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرسوُلُهُ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَلَا عَنْهَا نَحِيدُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الْوَعِيدِ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَجَلِّ الأَعْمَالِ الْمُقَرِّبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَأَنْفَعِهَا وَأَبْرَكِهَا لِلْعَبْدِ: ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى؛ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَمَدَحَ أَهْلَهُ ،وَأَثنَى عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ وَأَطْيَبَهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]، وَقَالَ: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى ؛ قَالَ: «ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى» [أخرجه الترمذي، وصححه الألباني].

فَالذِّكْرُ حِصْنٌ حَصِينٌ، وَحِرْزٌ مَكِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: 36]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى خَنَسَ» [ذكره البخاري تعليقًا، ووصله الطبري]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمَا أَنَّ ذِكْرَ اللهِ عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ فَلاَ بُدَّ مِنَ الاِلْتِزَامِ بِاللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ لاَ اللَّفْظِ الْبِدْعِيِّ لِلذِّكْرِ، وَأَيْضًا الاِلْتِزَامُ بِتَقْيِيدِ الشَّرْعِ لِهَذَا الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ مِنَ الأَذْكَارِ مَا قُيِّدَ بِزَمَانٍ؛ كَأَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَالنَّوْمِ، وَمِنَ الأَذْكَارِ مَا قُيِّدَ بِمَكَانٍ؛ كَالأَذْكَارِ الْمُقَيَّدَةِ عِنْدَ الصَّفَا أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ، أَوْ مَا قُيِّدَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ كَحَالِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَحَالِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، أَوْ مَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً بِأَيِّ وَقْتٍ تُقَالُ؛ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» [رواه مسلم].

فَبَعْضُ الإِخْوَةِ -هَدَاهُ اللهُ- يَأْتِي بِالذِّكْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَنْفُثُ بِيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ؛ وَهَذَا لاَ يُشْرَعُ إِلاَّ عِنْدَ النَّوْمِ بَعْدَ قِرَاءَةِ سُورَةِ الإِخْلاَصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ كُلِّ صَلاَةٍ! وَالْمَشْرُوعُ قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ.

وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ عِنْدَ عَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِالْمَقَابِرِ أَوْ عِنْدَ التَّرَحُّمِ عَلَى الأَمْوَاتِ.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَنْقُصُ بِلَفْظِ الذِّكْرِ، كَقَوْلِهِ: لاَ حَوْلَ اللهِ أَوْ لاَ حَوْلِ اللهِ! أَوْ لاَ حَوْلَ إِلاَّ بِاللهِ! وَالذِّكْرُ الْمَشْرُوعُ هُوَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ؛ فَإِذَا كَانَ يَعِي مَا يَقُولُهُ فَهَذَا كَفَرَ بِاللهِ! لأَنَّ مَعْنَى كَلاَمِهِ: نَفْيُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ عَنِ اللهِ.

وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ بِلَفْظِ الذِّكْرِ! فَعِنْدَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الأَكْلِ يَقُولُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ: بِسْمِ اللهِ؛ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّه ، فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّله فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّه فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ » [رواه الترمذي وصححه الألباني]

 وروى الترمذي عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلاً عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: « وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - !

عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» [حسنه الألباني]

وَهَذَا لَفْظٌ صَحِيحٌ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ بَعْدَ الْعِطَاسِ، أَوْ تَقُولُ فَقَطْ: الْحَمْدُ للهِ.

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاحْرِصُوا عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ فِي أَقْوَالِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ؛ جَعَلَكُمُ اللهُ لَهُ مِنَ الذِّاكِرِينَ الشَّاكِرِينَ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَظِيمِ الإِحْسَانِ، وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالاِمْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ آدَابِ الذِّكْرِ: أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّضَرُّعِ، وَهُوَ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ وَالاِعْتِرَافُ بِالتَّقْصِيرِ لِيَتَحَقَّقَ فِي الْعَبْدِ ذِلَّةُ الْعُبُودِيَّةِ ،وَالاِنْكِسَارُ لِعَظَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: «وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَاليًا فَفَاضَتْ عَينَاهُ» [متفق عليه].

وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ فِي نَفْسِهِ وَدُونَ الْجَهْرِ وَبِاللِّسَانِ؛ لأَنَّ الإِخْفَاءَ أَرْجَى فِي الإِخْلاَصِ، وَأَقْرَبُ إِلَى الإِجَابَةِ وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205].

وَمِنَ الآدَابِ: أَنْ يَكُونَ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ؛ أَيْ: فِي الْبُكْرَةِ وَالْعَشِيِّ، كَمَا دَلَّتِ الآيَةُ السَّابِقَةُ عَلَى مَزِيَّةِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ؛ لأَنَّهُمَا وَقْتُ سُكُونٍ وَدَعَةٍ وَتَعَبُّدٍ وَاجْتِهَادٍ، وَمَا بَيْنَهُمَا الْغَالِبُ فِيهِ الاِنْقِطَاعُ إِلَى أَمْرِ الْمَعَاشِ.

هَذَا؛ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

       اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

       اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ .

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَمِيعَ وُلاَةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعِالَمِينَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا أَمْوَاتًا وَأَحْيَاءً وَلِجَمِيِعِ الْمْسْلِمِينَ .

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

1736308053_فقه الأذكار.doc

1736308062_فقه الأذكار.pdf

المشاهدات 730 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا