فضل يوم الجمعة وصلاتها

الحمد لله الذي فضّل أمة محمد على سائر الأنام، وخصهم بيوم الجمعة المفضل على سائر الأيام، وأوجب السعي لصلاتها بقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِذا نودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسعَوا إِلى ذِكرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيعَ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ﴾ [الجمعة: 9] ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين القائل: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)، ورضي الله عن صحابته الغر الميامين الذين حافظوا على الجمع والجماعات، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا أيها المسلمون: لا يخفى ما ليوم الجمعة من الفضائل والخصائص التي ليست لسائر الأيام، فهو سيد الأيام وأعظمها عند الله، كما في الحديث عن النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام أنه قال-: (خير يوم طُلعت عليه الشمس يومُ الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها) رواه مسلم، وهو اليوم الذي أدخره الله لنا وخصنا به وبصلاته، فكان لليهود يومُ السبت، وللنصارى يوم الأحد، فهدانا الله ليوم الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيْد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا والنصارى بعد غد) رواه البخاري، وفي الحديث قال رسول الله ﷺ: (من ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه) رواه أصحاب السنن والإمام أحمد، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) رواه مسلم والحاكم، ولقد رغب -صلوات الله وسلامه عليه- في أداء صلاة الجمعة والسعي إليها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول ﷺ: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا) رواه مسلم وغيره، فهذا الفضل العظيم يحصل لمن جاء للصلاة واستمع الخطبة وأنصت فلم يشتغل أو يعبث بشيء، وفي الحديث الآخر قال النبي ﷺ: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم وغيره، وعن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق الله آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا من الصلاة علي فيه، فإن صلاتكم يوم الجمعة معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -أي بليت- فقال: إن الله عزوجل  حرم على الأرض أن تأكل أجسامنا) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.

أيها الكرام:

ليوم الجمعة خصائص كثيرة منها:

·   استحباب كثرة الصلاة على النبي في يومها وليلتها لقوله ﷺ: (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة) رواه أبوداود.

·   الاغتسال في يومها لحديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: (من جاء إلى الجمعة فليغتسل) رواه البخاري.

·    وكذلك التطيب، والتسوك، ولبس أحسن الثياب.

·    التبكير للصلاة والاشتغال بالذكر والقراءة والإنصات للخطبة حيث لا جمعة لمن تكلم والإمام يخطب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) رواه البخاري، وفي رواية: (ومن مس الحصى فقد لغا) رواه أبوداود وفي المسند: (والذي يقول لصاحبه أنصت فلا جمعة له) رواه الإمام أحمد.

·    فيها ساعة الإجابة، وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئًا إلا أعطاه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يُقللِها) رواه البخاري ومسلم، وهي بين خروج الإمام إلى أن تنتهي الصلاة كما قال النبي - صلوات وسلامه عليه -: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة) رواه البيهقي، أو بعد العصر لحديث: (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر) رواه أبوداود.

·   للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها لقول النبي ﷺ: (من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام وأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير) رواه الإمام أحمد.

·   أنه اليوم الذي تفزع فيه السموات والأرض، والجبال، والبحار، والخلائق كلها، إلا شياطين الإنس والجن ففي الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: (لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهــي تفـــزع يوم الجمعة إلا هــذين الثقلين من الجـــن والإنس)
رواه ابن خزيمة وابن حبان.

·    أن للصدقة فيها مزية على غيرها في سائر الأيام والصدقة فيها بالنسبة لأيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى أشهر السنة.

·     قراءة سورة الكهف في يومها فقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: (من قرأ سورة الكهف

·       يوم الجمعة أضاء له ما بين الجمعتين) رواه البيهقي والحاكم.

أيها المسلمون:

من البدع المستحدثة في يوم الجمعة والتي يجب الابتعاد عنها: تخصيص ليلتها بصلاة أو يومها بصيام لقول النبي ﷺ: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) رواه مسلم.

ومما يجب تركه: قيام بعض الجالسين للصلاة بين الخطبتين.

ومما يجب تركه: تخطي الرقاب يوم الجمعة مع كمال الصفوف وعدم وجود الفُرَجِ لحديث: (جاء رجل يتخطى رقاب الناس والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال له: اجلس فقد آذيت، وآنيت) أي: آذيت الناس بتخطيك رقابهم، وآنيت أي: تأخرت بالمجيء إلى الصلاة، وفي الحديث عنه ﷺ أنه قال: (يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو فذلك حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت لم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدًا فهي كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام) رواه أبوداود.

***

 

المرفقات

1738923755_‎⁨‏فضل يوم الجمعة وصلاتها ⁩.docx

المشاهدات 758 | التعليقات 1

السلام عليكم يا شيخ عبدالرحمن ونفع الله بك وبعلمك وجزاك خيرا

ذكرت في الخطبة: عرض أعمال الأحياء على أقاربهم من الموتى وذكرت الحديث، فإن صح الحديث هل فيه دليل على عرضها يوم الجمعة

وللفائدة أنقل كلاما للشيخ ابن باز رحمه الله

أما الناس فلم يرد فيما نعلم شيئًا يدل على هذا المعنى،.. والصواب: أنه لا يقال: إنهم يسمعون شيئًا إلا بدليل، فالأصل أن الميت لا يسمع شيئًا هذا هو الأصل، كما قال الله -جل وعلا-: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل: 80]. 

وقال: وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر: 22] فلا يسمع الميت شيئًا إلا ما جاء به النص، مثل ما جاء به النص أنه يسمع قرع نعالهم إذا ولوا مدبرين، فهذا جاء به النص خاصة يسمع السؤال سؤال الملك إذا سأله من ربك، وما دينك، هذا خاص بهذا النص، أما سوى ذلك ، كذلك أهل بدر جاء أنهم سمعوا كلام النبي ﷺ وهم في القليب، هذا جاء به النص. 

فما جاءت به النصوص نثبته، وما لم يجيء بالنصوص لا نثبته؛ لأن الأصل أنه لا يسمع شيئًا، ولا يدري عن أحوال الدنيا شيئًا، ولهذا يقال للنبي ﷺ يوم القيامة إذا جاء بعض الناس إلى الحوض فطرد، يقال للنبي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إذا قال: أصحابي أصحابي، أمتي أمتي يقال له يوم القيامة: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك هكذا جاء في الصحيحين. 

وهذا يدل على عدم صحة حديث أنه تعرض عليه أعمالهم، وإذا كان هو لا يدري عن أحوال الناس، فغيره من باب أولى، فالميت قد انقطع إحساسه، وانقطعت أعماله، ولا يدري عن الناس، لكن جاء في المرائي قد تتلاقى الأرواح إذا رآها المسلمون، قد تتلاقى الأرواح، ويتحدث الميت إلى روح الحي بأشياء، هذا قد يقع بعض الأحيان فيما يتعلق بالرؤيا، والله -جل وعلا- أعلم .

 

المصدر موقع الشيخ رحمه الله

الرابط https://binbaz.org.sa/fatwas/1027/%D8%AF%D8%B1%D8%AC%D8%A9-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%85