( فضل عشر ذي الحجة) مستفادة من خطب بعض المشائخ

Abosaleh75 Abosaleh75
1443/11/24 - 2022/06/23 17:35PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

يستقبل المسلمون موسمًا عظيماً، وأياماً فاضلة، رفع الله شأنها، وأعلى مكانها اختصها الله بمزيد من الشرف والكرامة، وجعلها ميداناً للمنافسة في الخيرات، والمسابقة بين المؤمنين في مجال الباقيات الصالحات،

ألا وهي أيام العشر، أعني العشر الأول من ذي الحجة إنها عشر جلية فاضلة مُعظَّمة، وهي خير أيام السنة وأفضلها على الإطلاق

وإنَّ من شرف هذه الأيام أن الرب جل في علاه أقسم في محكم تنزيله بها تشريفًا لها قال جل في علاه : ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر:1-2] ، والمراد بالليال العشر في قول ابن عباس وغير واحد من السلف : أي الأوَل من شهر ذي الحجّة ، وهي الأيام المعلومات التي ذكرها الله عز وجل معظمًا لها وذلك في قوله جل في علاه: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج:27-28] .

وروى الإمام البخاري في كتابه الصحيح وأبو داود في سننه وأحمد في مسنده وغيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ)) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟» قَالَ: ((وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)).

وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛))

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " [رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل دلالة صريحة على أن عشر ذي الحجة، هي أفضل أيام السنة على الإطلاق وأن العمل الصالح فيها أحب وأفضل عند الله قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).

أيها المؤمنون: إنها أيام عظيمة وسرعان ما تنقضي ، لكن الموفَّق من عباد الله من يسارع لاغتنامها ويبادر للمنافسة فيها فلا يفوِّت على نفسه فضلها وشرفها ورفيع مكانتها ، فإنَّ الصلاةَ فيها ليست كالصلاة في غيرها ، والصدقةَ فيها ليست كالصدقة في غيرها ، وذكرَ الله جل وعلا فيها ليس كذكره في غيرها ؛ لهذا ينبغي على عبد الله المؤمن الناصح لنفسه أن يعرف أولًا عظيم قدرها ورفيع مكانتها عند الله عز وجل ، ثم ثانيًا يتوكل على الله ويستمدُّ منه العون ويستمنح منه التوفيق جل في علاه أن يغنِّمه خيرات هذه العشر العظيمة وبركاتها الجسيمة ، ثم من بعد ذلك يجاهد نفسه مجاهدة تامة على اغتنامها وانتهاز فرصتها الثمينة والله جل في علاه يقول: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69] .

ولقد كان لهذه العشر عند السلف شأنٌ عظيم ومكانةٌ علية؛ روى المروزي في كتابه قيام الليل عن أبي عثمان النهدي رحمه الله تعالى قال: «كَانُوا -أي السلف- يُعَظِّمُونَ ثَلَاثَ عَشَرَاتٍ؛ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ». وكانوا يجتهدون في عشر ذي الحجة عبادةً وتقربًا إلى الله عز وجل اجتهادا عظيما، فقد كان سعيد بن جبير رحمه الله تعالى -فيما رواه الدارمي في سننه- إذا دخلت العشر الأوَل من شهر ذي الحجة اجتهد فيها اجتهادًا شديدا حتى ما يكاد يقدِر؛ أي من شدة اجتهاده رحمه الله.

 

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

أيها الكرام إنَّ مِن جُملةِ العبادات التي يَجْدُرُ أنْ نَهتمَّ بِها أيَّامَ العشرِ شديدًا، ونَتزوَّدَ مِنها كثيرًا، ونُسارِعَ إليها حثيثًا، هذه العبادات:

*أولًا: صيام الأيَّامِ التِّسعَةِ الأُوَلِ مِنها، فصيامها مُستَحبٌّ استحبابا شديد كما نقل ذلك عن الإمام النووي رحمه الله وغيره مِن أهل العلم، وكان صيامُها مشهورًا عند السّلف الصالح مِن الصحابة، والتابعين، فمَن بعدَهم فيحرص المرء على صيامها أو صيام بعضها ولا يفرط في صيام يومُ عرفة لغير الحاج، لقوله صلى الله عليه وسلم (أحتسِبُ على اللهِ أن يُكفّرَ السنةَ التي قبله، والسنةَ التي بعده) رواه مسلم.

*وثانيًا: الإكثار مِن تلاوة القرآن، ومَن قوِيَ على ختْمِهِ مرَّةً فأكثر، فقد أسْدَى إلى نفسه خيرًا كبيرًا.

*وثالثًا: الإكثار مِن الصدقة على الفقراء وفي سائرِ طُرقِ البِرِّ، وإعانة إخوانِكم المسلمين، وتفريج كُرَبِهِم.

*ورابعًا: المحافظة على صلاة الفريضة في أوقاتها، ومع الجماعة، والحرص على النَّوافل كالسُّنَنِ الرَّواتِب، وصلاةِ الضُّحى، وسُنَّةِ الوضوء وقيامِ الليلِ، والوترِ.

*وخامسًا: الإكثار مِن ذِكرِ الله ولا سيما التكبير والتحميد والتهليل لقوله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}، ولـِمَا وردَ في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فأكثروا فيهنّ من التهليل والتكبير والتحميد). وقد جَرَى على هذا التكبير في أيِّام العشرِ عمَلُ السَّلف الصالح مِن أهل القُرون الأُولى، وعلى رأسهم أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

حيث قال الإمامُ البُخاريُّ ــ رحمَه الله ــ في “صحيحه”: ((وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ ــ رضي الله عنهما ــ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا))، وقال ميمونُ بنُ مِهرانَ التابِعيُّ ــ رحمه الله ــ: ((أدْرَكْتُ الناسَ وإنَّهم لَيُكبِّرونَ في العشْر، حتى كنتُ أُشَبَّهُهُ بالأمواجِ مِن كثْرَتِها)).

وهذا التكبير ــ يا عِباد الله ــ مشروعٌ في حقِّ الرِّجال والنساء، والصِّغارِ والكبار، يُكبِّرونَ في البيوت، وفي الأسواق، وفي المساجد، وفي المراكب، وفي الطُّرقات، وفي أماكن العمل، وفي السَّفر والإقامة، ويُكبِّرونَ وهُم جلوسٌ، وحين يمشونَ، وعلى فُرُشِهِم، وفي سائر الأوقات مِن ليلِ أو نهار، إلَّا إنَّهم لا يُكبِّرونَ بعدَ السلامِ مِن صلاة الفريضة، لأنَّ التكبيرَ الذي يكونُ بعدَ صلاة الفريضة إنَّما يَبدأ وقتُه لِغيرِ الحُجَّاجِ: مِن فجْر يومِ عَرفة إلى صلاة العصر مِن آخِر أيـَّامِ التَّشريق، فاحرصوا ياعباد الله  غايةَ الحرصِ على أنفسكم، وعلى أهليكم في أنْ تكونوا مِن المُكثِرين في أيَّام العشرِ مِن الأعمال الصالحة، وليُعِنْ بعضُكم بعضًا عليها، ويُذكِّرَه بفضلها، ولا يُثَبِّطنَّكُم الشيطان، فإنَّها أيَّامٌ قليلة، لكنَّها عظيمةَ الأُجور، سريعةَ الرَّحيل، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ خيرًا كثيرًا.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رواه مسلم]

المرفقات

1656005698_( فضل عشر ذي الحجة) مستفادة من خطب بعض المشائخ.pdf

المشاهدات 1009 | التعليقات 0