فضلُ شهرِ شعبان
غازي بن طامي بن حماد الحكمي
فضل شهر شعبان
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾
الحمد لله الواحد القهار ، مقلب القلوب والأبصار ، مكور الليل على النهار ؛ ومكور النهار على الليل ؛ ليكونا مواقيت الأعمال ومقادير الأعمار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار ، شهادة تبرئ قلب معتقدها من الشرك بصحة الإقرار ، وتبوئ قائلها الجنة فنعم عقبى الدار ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله المصطفى المختار ، رفع الله تعالى ببعثته عن أمته الأغلال والآصار ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأخيار ، صلاة وسلاماً متعاقبين إلى يوم القرار.
أما بعدأما بعد
فأوصيكم ونفسي أيها العباد ؛ بتقوى الله فإنها خير زاد ، يتزود به العبد إلى دار المعاد.
ﭐﱡ ﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱠ البقرة : 197
واعلموا أن من الآيات التي جعلها العزيز الوهاب ؛ عبرة لذوي العقول والألباب : علم عدد السنين والحساب ، كما قال الله تعالى ﭽ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﭼ يونس : 5 ـ 6.
أيها الإخوة الكرام
ما من يوم من الأيام ؛ ولا شهر من شهور العام ؛ إلا وللعباد فيها طاعة يتقربون بها إلى ربهم الملك القدوس السلام .
وقد أظلكم معشر الإخوة الكرام ؛ شهر من أشرف شهور العام ، شرع الله تعالى لكم فيه الصيام ، ورغبكم فيه إلى إصلاح ما بينكم وبين إخوانكم المسلمين من الشحناء والخصام، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها (( كان رسول الله r يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله - r - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان )) أخرجه البخاري ومسلم .
وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت (( كان أحب الشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصومه: شعبان ، ثم يصله برمضان ))
وهل علمتم معشر الأنام ؛ سبب تخصيص نبيكم عليه أفضل الصلاة والسلام ؛ هذا الشهر المبارك بالصيام ؟ لأنه شهر ترفع فيه الأعمال ؛ إلى ربكم الكبير المتعال ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "قلت: يا رسول الله ، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ فقال رسول الله r (( ذلك شهر يغفل الناس عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )) أخرجه أحمد والنسائي .
فطوبى لمن رفع عمله وهو شهيدٌ أمامه يدل عليه ، وشفيعٌ يشفع له إلى ربه تبارك وتعالى في قبول ما اكتسبه بيديه.
وصُمْ يومك الأدنى لعلك في غدٍ…
تفوز بعيد الفطر والناس صُومُ
معشر الإخوة النبلاء
هذا شهر كثير الخيرات والعطاء ، يطلع فيه الرب تبارك وتعالى فيغفر لجميع خلقه إلا لمن اتخذ من الله إلهاً آخر من الشركاء ، ومن كانت بينه وبين أخيه المسلم شحناء فعن أبي موسى الأشعري t عن رسول الله r قال (( إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن )) أخرجه ابن ماجه .
فيا ويح من جعل نفسه للمسلمين خصيماً ، تالله لقد ارتكب إثماً عظيماً ، واقترف جرماً جسيماً ، فما أعظم شحناء القلوب ، يوم قرنها علام الغيوب ، بالشرك الذي هو أشنع الذنوب ، فهل أنت منتهي من خصومة إخوانك ؟ وهل أنت مرتدع عن مشاحنة أقرانك؟
واعلم أيها الإنسان : أن الليل والنهار خزانتان ، فانظر ما تضع فيها من الإحسان أو العدوان ؟
فكن أخي المسلم من السعداء الذين اغتنموا مواسم الخيرات ، وما فيها من فضائل الشهور والأيام والساعات ، وتقربوا إلى مولاهم بما فيها من الطاعات ، عسى أن تصيبهم نفحة فضل ورحمة من تلك النفحات ، فيسعدوا بها سعادة يأمنون بها من النار وما فيها من اللفحات.
مضى أمسك الماضي شهيداً معدلاً…
وأعقبه يوم عليك جديد
فيومك إن أعتبته عاد نفعه…
عليك وماضي الأمس ليس يعود
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة…
فثن بإحسان وأنت حميد
فلا ترج فعل الخير يوماً إلى غد…
لعل غداً يأتي وأنت فقيد
بارك الله لي ولكم في الفرقان والذكر الحكيم ، ووفقنا للاعتصام به وبما كان النبي الكريم ، عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم ، من الهدي القويم ، والصراط المستقيم.
أقول ما تسمعون واستغفر الله الغفور الحليم ، لي ولكم من كل ظلم وجرم إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثاني
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الحمد لله غافر الذنوب ، وقابل التوب ، وساتر العيوب ، ومفرج الهم ، وكاشف الكروب ، سبحانه وبحمده ، يجبر الكسير ، ويغني الفقير ، ويعلم الجاهل ويرشد الحيران ، ويهدي الضال ويغيث اللهفان ، ويعافي المبتلي ويفك العاني ، ويشبع الجائع ويكسو العاري ، ويقبل العثرات ، ويستر العورات ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، بيده الخير ، إنه على كل شيء قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العفو القدير ، وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله السراج المنير ، والبشير النذير ، صلى الله، وحملة عرشه ، وملائكته ، وجميع خلقه عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المصير.
أما بعد أما بعد
ﭽ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﭼ الحشر : 18 ـ 20 .
اعلموا معشر الإخوة الأخيار
أن أعظم عيش يعيشه العبد في هذه الدار ، وأكرم غرس يغرسه ليجني ثمرته في دار القرار: أن ينقطع إلى الواحد القهار ، مع ملاحظة الانكسار ، ودوام الافتقار.
ومسك الختام ، معشر الإخوة الكرام ، ترطيب الأفواه بالصلاة والسلام ، على خير الأنام ، امتثالاً لأمر الملك القدوس السلام ، حيث قال في خير كلام ﭽ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﭼ الأحزاب : 56.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين ، إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين ، والأئمة الحنفاء المهديين ، أولي الفضل الجلي ، والقدر العلي ،: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .
وارض اللهم عن آل نبيك وأزواجه المطهرين من الأرجاس ، وصحابته الصفوة الأخيار من الناس .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات .
اللهم إنا عبيدك ، بنو عبيدك ، بنو إمائك ، نواصينا بيدك ، ماض فينا حكمك ، عدل فينا قضائك ، نسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحد من خلقك ، أو استأثرت به في غياهب الغيب عندك : أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همومنا وغمومنا.
اللهم آمنا في الأوطان والدور ، وادفع عنا الفتن والشرور ، واصلح لنا ولاة الأمر، واشرح لتحكيم كتابك الصدور ، برحمتك يا عزيز يا غفور ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار .
عباد اللهعباد الله
اذكروا الله ذكراً كثيراً، وكبروه تكبيراً، ﭽ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﭼ العنكبوت : 45.
المرفقات
1738328078_فضل شهر شعبان ملتقى الخطباء.doc
1738328084_فضل شهر شعبان ملتقى الخطباء.pdf