فضل المدينة المنورة
صالح عبد الرحمن
1443/02/01 - 2021/09/08 05:20AM
الخطبة الأولى :
الحمد لله، الحمد لله الذي شرَّفَ بلدَ نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأطابَه، وألبسَ من استقامَ من سُكَّانه سوابِغَ الشرفِ وجِلبابَه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فتحَ للسائلين أبوابَه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابتِه أشرفِ آلٍ وأكرمِ صحابَة.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
أيها المسلمون:
تتفاوَتُ البُلدانُ والأوطانُ شرفًا ومكانة، وعلُوًّا وحُرمة، ومجدًا وتأريخًا، وتأتي المدينةُ النبويَّة بلدُ المُصطفى - صلى الله عليه وسلم - في المكانِ الأعلى والموطنِ الأسمَى، هي بعد مكة سيدةُ البُلدان، وتالِيَتُها في الحُرمةِ والإكرام، والتعظيمِ والاحتِرام.
أرضُ الهِجرة، وموطِنُ السُّنَّة، ودارُ الإيمان، الفضائلُ مجموعةٌ فيها، والإيمانُ يأرِزُ إلى نواحِيها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الإيمانَ ليأرِزُ إلى المدينةِ كما تأرِزُ الحيَّةُ إلى جُحرِها»؛ متفق عليه.
بلدةٌ معشوقةُ السُّكنَى، طيبةُ المثوَى، سكَنُها مع الإيمان شرَفٌ باذِخ، واستِيطانُها مع التقوى عِزٌّ شامِخ؛ فعن عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من استطاعَ أن يموتَ بالمدينةِ فليفعَل؛ فإني أشفعُ لمن ماتَ بها»؛ أخرجه أحمد.
وكان عُمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "اللهم ارزُقني شهادةً في سبيلِك، واجعل موتي في بلدِ رسولِك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -"؛ أخرجه البخاري.
فيا هناءَةَ ساكنيها، ويا سعادةَ قاطِنِيها، ويا فوزَ من لزِمَ الإقامةَ فيها حتى جاءَته المنِيَّةُ في أراضيها.
في سُكناها من البركة ما يُستحقَرُ دونَها كلُّ رغَدٍ ورخاءٍ ورَفاهٍ؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يأتي على الناسِ زمانٌ يدعُو الرجلُ ابنَ عمِّه وقريبَه: هلُمَّ إلى الرَّخاء، هلُمَّ إلى الرَّخاء، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعملون»؛ أخرجه مسلم.
في البُعد عنها يَهيجُ الشوقُ إليها، ويتضاعَفُ الوَجدُ عليها، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدِمَ من سفرٍ، ونظرَ إلى جُدُراتها ودوحاتِها ودرجاتها أوضعَ راحِلَته، وحرَّكَ دابَّتَه واستَحَثَّها، وأسرعَ بها حُبًّا في المدينة، فإذا أشرفَ عليها قال: «هذه طابَة، وهذا أُحُدٌ جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه».
فهي حبيبةُ المحبوبِ - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقول: «اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ»؛ متفق عليه.
بلدةٌ آمنة، ومدينةٌ ساكِنة، لا يُهراقُ فيها دم، ولا يُحمَلُ فيها سلاحٌ لقتال؛ فعن سهل بن حُنَيف - رضي الله عنه - قال: أهوى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى المدينة، فقال: «إنها حرَمٌ آمِن»؛ أخرجه مسلم.
ويقولُ رسولُ الهُدى - صلى الله عليه وسلم -: «من أخافَ أهلَ المدينة فعليه لعنةُ الله والملائكة والناسِ أجمعين، لا يقبَلُ الله منه صَرفًا ولا عَدلًا، ومن أخافَ أهلَها فقد أخافَ ما بين هذين - وأشارَ إلى ما بين جنبَيْه - صلى الله عليه وسلم -»؛ رواه ابنُ أبي شيبة.
عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المدينةُ حرمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثورٍ؛ فمن أحدثَ فيها حدَثًا، أو آوَى مُحدِثًا فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبَلُ الله منه يوم القيامة صرفٌ ولا عَدلٌ»؛ متفق عليه.
وعن سعد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء ) قلت ما سمعتم .....
الخطبة الثانية :
الحمد لله آوَى إلى من إلى لُطفِه أوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوَى بإنعامه من يَئِسَ من أسقامه الدَّوَا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله من اتَّبَعه كان على الخيرِ والهُدى، ومن عصاه كان في الغِوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقَى وسلامًا يَتْرَى. أما بعد :
ومن مناقبِ المدينة وفضائلِها: أنه لا يدخلُها رُعبُ الدجَّال ولا فزَعُه، ولا يرِدُها ولا تطؤُها قدَمُه، الملائكةُ على أنقابِها وأبوابِها، وطُرقها ومحاجِّها، يحرِسونها ويذُبُّون عنها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ لا يدخلُها الطاعون ولا الدجَّال»؛ متفق عليه.
الصلاةُ في مسجدها مُضاعفةُ الجزاء فرضًا ونفلًا في أصحِّ قولَي العُلماء؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاةٌ في مسجدي هذا
أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سِواه إلا المسجدَ الحرام»؛ متفق عليه.
فاعرِفوا للمدينة حقَّها وقدرَها، وحُرمتَها وقداستَها
فهذه بعض فضائلها فطوبى لساكنيها وهنيئا لزائريها .
فاللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد .