فضل القراءة

عيد العنزي
1435/03/22 - 2014/01/23 20:09PM

بمناسبة الدراسة ... خطبة عن فضل القراءة...
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، قال تعالى:" واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم"
أيها المؤمنون:
العلم مفتاح لارتقاء الأمم وسمو الحضارات، وقد حث ديننا الحنيف على تحصيله ببذل الطاقات والقدرات، واعتبره الله عز وجل معيارا لرفعة المكانة وعلو الدرجات، فقال تعالى:" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وإن القراءة هي الطريق الموصلة إلى اكتساب العلوم، والتزود من المعارف، وقد حازت في الإسلام منازل الشرف العظيمة، ونالت مراتب الفضل الجليلة، فكان الأمر بالقراءة هو البداية لرسالة الإسلام، والكلمة الأولى التي نزل بها القرآن الكريم، قال تعالى:" اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم"
قال المفسرون: فأول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهن أول رحمة رحم الله تعالى بها العباد، وأول نعمة أنعم الله سبحانه بها عليهم. وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم.
وذكر أهل العلم أن افتتاح السورة بكلمة "اقرأ" إيذاناً بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون قارئا، أي تاليا كتابا بعد أن لم يكن قد تلا كتابا، قال تعالى:" وما كنت تتلو من قبله من كتاب" أي من قبل نزول القرآن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين قال له اقرأ: "ما أنا بقارئ" وفي هذا الافتتاح براعة استهلال للقرآن.
وكأن في تكرار كلمة "اقرأ" على رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلانا للبشرية، وتأكيدا على وجوب الصلة بينها وبين القراءة لتزدهر الدنيا بالمعرفة والثقافة، فتتقدم الشعوب وتتطور الحضارات، وتذلل الإمكانات، قال قتادة رضي الله عنه: فدل ذلك على كمال كرمه سبحانه بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا العليم الخبير، وما دونت العلوم ولا انتشرت، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم إلا بالكتابة، ولولا القراءة والكتابة ما استقامت أمور الدين، ولا أمور الدنيا.
وقد قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :" وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما" وقال عز وجل:" وقل رب زدني علما"
ولقد استجاب النبي صلى الله عليه وسلم للأمر الرباني بالقراءة، وحث أصحابه الكرام رضوان الله عليهم على تعلم القراءة والكتابة، وجعل طلب العلم فريضة لازمة، فقال صلى الله عليه وسلم :" طلب العلم فريضة على كل مسلم" وبين صلى الله عليه وسلم أن في طلب العلم طريقا إلى الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم :" ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" ومن يسلك طريق العلم يمارس القراءة التي تتطلب الكتابة قبل ذلك. وبهذا تتبدد ظلمات الأمية، ويحل محلها العلم.

عباد الله: إن القراءة لها منافع كثيرة، وفوائد كبيرة، فبها يرتقي الإنسان، في كل شأن وميدان، فالقراءة طريق العلم أيا كان نوعه، وسبيل الارتقاء بالإنسان أيا كان نفعه، فإذا قرأ المسلم القرآن الكريم، حظي بالثواب العظيم، وارتقت منزلته في جنات النعيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"
وإذا تفاعل في قراءته، وتدبر آياته، وأدرك معانيه، وعمل بأخلاقه؛ ارتقى في مستوى تفكيره، واستقام في سلوكه، وكذلك إذا قرأ المسلم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الشريعة؛ ارتقى في عباداته، وتحرى الحلال في معاملاته.
وما يذكر عن فضل القراءة والتخصص يسري حكمه على القراءة في كل علم ينفع الناس، ويندرج تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس"
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم :« مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هى قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ». فالقراءة غيث والعلم والأخلاق ثمرته.
فاغرسوا عباد الله حب القراءة النافعة في أبنائكم، وكونوا في ذلك الأسوة الحسنة لهم، وخصصوا للقراءة نصيبا من أوقاتكم، واجعلوا للكتب المفيدة قيمة في بيوتكم، ووطنوا أنفسكم على حبها واحترامها ومطالعتها، فبالقراءة يزداد العلم، ويتغذى العقل، ويحيا القلب، وتسعد الجوارح، وتشمخ الأوطان، وتعلو الرايات.
فاللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وعملا متقبلا ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**********
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن رصيد أية أمة متقدمة هو أبناؤها المتعلمون، وأن تقدم الشعوب والأمم إنما يقاس بمستوى التعليم وانتشاره، وانطلاقا من ذلك فقد شيدت قيادتنا الرشيدة المدارس والجامعات، وأسست المجامع العلمية والمكتبات، ووفرت أسباب القراءة النافعة بإقامة معارض الكتاب في كل عام، كما أن الأجهزة الذكية تتيح للإنسان القراءة دون التقيد بالزمان والمكان، فهي تختصر لنا الزمان والجهد والمكان، وإنها لنعمة يجب شكر الله تعالى عليها باغتنامها في الخيرات، فنحمد الله جل وعلا على نعمه العظيمة وآلاءه الجسيمة، ونسأله أن نكون من الذين يقرؤون وينتفعون بما يقرؤون، ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه.....
المشاهدات 4039 | التعليقات 0