فضل العلم والمعلم

شايع بن محمد الغبيشي
1446/02/12 - 2024/08/16 01:28AM

فضل العلم والمعلم

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

عباد الله، لقد أعلى الله جل وعلا من شأن العلم وأهله ورفع منزلتهم في الدنيا والآخرة قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}([1]) ولشرف العلم أمر الله رسوله أن يطلب الزيادة منه فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}([2]) "وَكفى بِهَذَا شرفا للْعلم ان امْر نبيه ان يسْأَله الْمَزِيد مِنْهُ " ([3]) وكل هذه النصوص عباد الله تبين فضل العلم وشرفه وعلو نزلته وأن ينبغي علنا أن نحب العلم ونحرص عليه ونغرس في قلوب أبنائنا محبة العلم والعلماء وإجلالهم وتوقيرهم، ومع انطلاق عجلة التعليم علينا أن يحث أبنائنا على تقدير المعلم واحترامه وأن نشعرهم بعظيم فضله عليهم وجميل إحسانه عليهم فهو الذي يعلمهم ويربيهم ويزكي أخلاقهم

حيِّ المعلِّمَ وفِّه التَّبْجيلا          مِفتاح خَيْرٍ للعلومِ رسُولا 

قُلْ لي بربِّكَ هل علِمْتَ مُكرَّمًا       يَرقَى لمن أهدى الرَّشادَ عقُولا
مَنْ مِثْلُه وهَبَ الحياةَ جمالَها       وسَعى ليُنقِذَ غافِلًا وجَهُولا
صلَّى عليه اللهُ في عليائه         إذ كان يجهد للرَّعيل دَليلا 
كم علَّمَ الإنسانَ من آدابِه       وهَدَى إلى النُّور المبينِ سبِيلا 
أهديه حبًّا خالصًا وتَحيَّةً           تَغشى المعلِّمَ بُكْرةً وأَصِيلا 

هذا هو الحبيب صلى الله عليه وسلم يكشف للدنيا كلها عظيم مكانة المعلم فيقول:( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي وصححه الألباني

أيها المعلمون فكروا في هذا الأمر، والله العظيم إن هذا الحديث كاف جداً لتحميس ودفع الناس لتعليم الآخرين الخير، فمبارك لك أيها المعلم هذا الاحتفاء.

ولكن من هو الرجل العظيم؟ من هو معلم الخير؟ نتعرف عليه في الخطبة الثانية بإذن الله

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفرواه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد : عباد الله، ولكن من هو الرجل العظيم؟ من هو معلم للخير؟

ــ إنه كل معلم يحمل همَّ إصلاح الجيل مهما كان تخصُّصه يجهد في تعليم طلابه وإصلاحهم، يذلل لهم كل صعب ويسهل لهم كل عسير ويربيهم على القيم الفاضلة والأخلاق الحسنة

ــ كل معلم استشعَر أنه قُدوةٌ لطلَّابه فهو معين خير يمشي على الأرض منه يشربون حتى يرتوون، فهو يُربِّي بفعله قبلَ قوله.

ــ كل معلم تحلَّى بالصَّبْر على طُلَّابه، وكان رفيقًا رحيمًا بهم، يدرك «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ([4])  

ــ كل معلم يلهَج لطُلَّابه بالدعاء، ففي كل ليلة يوتر فيها يرفع يديه داعياً لهم بالصلاح والهداية والسداد والتوفيق.

ــ كل معلم أدركَ أنَّ الطريق إلى صلاح طلابه واستفادتهم مِن علمه أن يتسلَّلَ إلى قلوبهم، ويملِك زِمامَها، فهو يجهد في التحبُّب لهم والإحسان إليهم.

أيها المعلم مهمتك صعبة جداً إنها التربية والتعليم في آن واحد والتربية كما قيل ( أم الحيرة ) لكن من توكل على الله وصدق العزيم ونوى الإصلاح وجاهد في ذلك فسيضفر بعون الله وتوفيقه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

أيها الرجل العظيم بشراك بشراك فآثارك مسجلة محفوظة كل ما علمته حسنات جارية عليك، وآثار باقية لك لا تنقطع، أنه الوقف الذي يزيد كل يوم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ...) ([5])  

ختاماً رسالتي لك أيها المعلم لا تتنازل عن ميدانك أقبل عليه بشغف وحب، أبذر وأغرس وتعهد بذرك وغرسك بالسقي والرعاية، وقريباً تقر عينك بأطيب الثمار، فإن رحلت عن صفحة الحياة ثمار ذلك الغرس سيصل إليك أطيب ما يكون، فطوبى لك ثم طوبى لك ثم طوبى لك

عباد الله إن دور الأسرة عظيم، عظيم في عون المعلم على أداء رسالته، وتربية الناشئة على قيم الجدية والمثابرة فحق على كل أسرة أن تولي ثمرة فؤادها العناية والاهتمام وأن تفرغ بعض وقتها لهذه المهمة العظيمة قال صلى الله عليه وسلم:" «‌كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ...َالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا" متفق عليه

أيها الأبناء غداً تكون رحلتكم الماتعة مع غذاء العقول والقلوب، فلتفرحوا بذلك ولتكونوا على قدر من الجدية والاهتمام فأنتم الحاضر والمستقبل، أنتم فأل السعد لأسركم ومجتمعكم ووطنكم، وفي محاض التربية والتعليم تضعون لبنات مستقبلكم، جعلكم قرة عين لأهليكم ومجتمعكم ووطنكم.



([1]) [المجادلة: 11] 
([2]) [طه: 114]
([3]) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 50)
([4]) ـ / صحيح مسلم (4/ 2004)
([5]) ـ رواه مسلم  ( 4 /2060 )

المرفقات

1723760779_فضل العلم والمعلم.docx

1723760901_فضل العلم والمعلم.pdf

المشاهدات 578 | التعليقات 0