فضل العلم والعلماء وذم الجهل والجهلاء للشيخ سعد الشهاوى ‏

الدكتورسعد الشهاوى
1436/11/21 - 2015/09/05 22:58PM
فضل العلم والعلماء وذم الجهل والجهلاء للشيخ سعد الشهاوى
الحمدُ لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه عالم ما يُسِرُّه العبد وما يخفيه أحصى عليه خطرات فكره وكلمات فيه من توكل عليه كفاه ووجد كفايته خيرا من توقيه ومن تواضع له رفعه وزاد بقدر تواضعه في ترقيه أحمده سبحانه وأتوب إليه وأستغفره وأستهديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق كل شيء وهاديه
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله معلم الإيمان وداعيه يا سيدي
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادراً ومقـــــــدراً لا يستهين بعفوك الجهـــلاء
وإذا رحمت فأنـــــت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبـــــة للحق لا ضغن ولا بغضــــاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاتـــه ورضى الكثير تحلم وريــاء
وإذا خطبت فللمنابر هــــــــزة ترعو النديَّ وللقلوب بكاء
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن حمدت في الإسلام سيرته ومساعيه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى والتمسوا من العمل ما يحبه ويرضيه وسارعوا إلى مغفرته وجنته فالمؤمن مَنْ يرجو الله ويتقيه ولا تتبعوا خُطُواتِ الشيطان فإنه يضل من اتبعه ويغويه ويأمره بالفحشاء والمنكر وإلى طريق الجحيم يهديه
فضل العلم والعلماء
عباد الله: إن فضائل العلم أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تُنكر، وكلُّ علمٍ نافع في الدنيا والآخرة فهو مطلوب شرعًا. اهتم الإسلام بقيمة العلم أيما اهتمام، ولقد بلغت عناية الله عز وجل بنا لرفع الجهل عنّا أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا أعظم كلمة هبط بها جبريل هي قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1)
إن أول كلمة نزلت على قلب سيد البشر، هي كلمة: اقرأ
يكفينا فخرا أن أول كلمة نزلت على قلب سيد البشر، هي كلمة: اقرأ، وإن أول خمس آيات نزلت كلها تدور حول العلم والقراءة وأدواتها، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:1-5]، وفي هذا إشارة إلى أهمية العمل والتعليم في الإسلام.
وقالها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وانطلقت بعد ذلك لتصبح شعارا للمسلمين ليكونوا حملة المشعل، مشعل العلم الهادي
ولم يقتصر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على تعليم الإسلام, وتعلم أحكامه, وإنما أولى اهتمامه كذلك بتعليم الصحابة العلوم النافعة، فحرص على تعليمهم القراءة والكتابة, وتعليمهم الحرف والصناعات، وكذلك تكليفه صلى الله عليه وسلم بوظيفة تعليم الكتابة عددا من الصحابة الذين كانوا يحسنونها، كعبد الله بن سعيد بن العاص، فقد كلفه صلى الله عليه وسلم بتعليمها الناس في المدينة أول قدومه صلى الله عليه وسلم إليها, وتولى عبادة بن الصامت تعليم جماعة من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فعنه رضي الله عنه قال: «علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن».
وقد كان الرّسول -صلى الله عليه وسلم- أوّلَ من سعَى لمحو الأمّيّة حين جعَل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون فن القراءة والكتابة أن يعلِّم كلٌّ منهم عشرةً من المسلمين من أبناء الصحابة, القراءةَ والكتابة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة».
ولم يقتصر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على تعليم اللغة العربية فحسب؛ بل أمر بتعلم اللغات الأخرى؛ وثبت أنه أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية ليتولى أعمال الترجمة والرد على الرسائل، وروي أنه تعلم بأمر منه صلى الله عليه وسلم العبرية والفارسية والرومية وغيرها، فعنه رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم لـه كلمات من كتاب يهود، قال: إني والله ما آمن يهود على كتابي, قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته لـه, فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم, وإذا كتبوا إليه قرأت لــه كتابهم» ( رواه أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح)، فأصبح الفَتَى زيدُ بنُ ثابتٍ تَرْجُمانَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وأصبحت اللغة سلاحا له يدافع به عن الإسلام والمسلمين، وكما قيل:( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم )
ولم تقتصر عنايته صلى الله عليه وسلم بتعليم هذه الفنون والعلوم للرجال فحسب, إنما اعتنى أيضا بتعليم النساء العلم والكتابة, فعن الشفاء بنت عبد الله قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة» (أبوداود).
من فضائل العلم: أن الله عز وجل لم يأمر نبيه بالازدياد إلا منه
فقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114].وما نعلم أن الله عز وجل أمر نبيه أن يزداد من شيء إلا من العلم، فدل على أنه أفضل شيءٍ؛ لأن الله عز وجل لا يختار لنبيه إلا الأكمل والأفضل
وسيدنا موسى -عليه السلام- يلتمِسُ من العبدِ الصالح مرافقتَه ليتعلّمَ منه، قال تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [الكهف:66]
وشهد الله تعالى لمن آتَاهُ الْعلم بأنه قد آتَاهُ خيرًا كثيرًا فقال تعالى : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} البقرة: 269..
قال ابن قُتيبة والجمهور: الحكمةُ إصابة الحق والعمل به، وهي العلْم النافِعُ، والعمَل الصالح مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/52)
وأخبرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ اللهَ إذَا أرادَ بعبدٍ خيراً رزقَهُ العلم النَّافعَ، في الصحيحين قالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
العلم ميراث الأنبياء صلى الله عليه وسلم
فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِر". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ» قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: « ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لَا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ» قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: « فِي الْمَسْجِدِ» فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟» قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أخرجه الطبراني في الأوسط (2/114 رقم 1429)
من فضائل العلم أن الله عز وجل افتتح قصة سيدنا داود وسليمان عليهما السلام في سورة النمل بالعلم بقوله:
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل:15-17]، فذكر الله عز وجل في افتتاح القصة أنه فضل سيدنا سليمان عليه السلام بشيئين:الشيء الأول: العلم.الشيء الثاني: الملك. لكنه قدم العلم على الملك؛ لأن العلم هو رأس كل خير، فلا بد أن ينضاف إلى الملك العلم، وإلا صار شهوةً وأداةً للظالمين والظلم والطغيان، فافتتح الله عز وجل منته على داود وسليمان بالعلم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما خير سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه
ومهما كان مقامُ الإنسان عاليًا، ومنصبُه ساميًا، فإنّه لا يستغني عن التّعليم، فهذا نبيّ الله داود -عليه السلام- مع حصوله على المُلك والنبوّةِ لم يستغنِ عن تعليم الله إيّاه، قال الله تعالى: (وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) [البقرة:251].
ومن فضل العلم وشرفه أن طلب العلم طريق إلى الجنة : فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَريقًا إِلَى الجَنَّةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: " وَإنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
الْعِلْمُ يَبْقَى أَثَرُهُ للإنْسَانِ حَيًّا وَمَيِّتًا [FONT="]ومن فضــل العلم: أن صاحبه يجري عليه بعد موته ثواب ما نشره من العلم، فينال مثل أجر كل من انتفع بعلمه في حياته وبعد مماته، فَيَخْلُدُ ذِكْرُهُ عِنْدَ الوَرَى وَإِنْ كَانَ تَحْتَ التُّرَابِ مَدْفَونًا[FONT="] ويدل على هذا:[/FONT][/FONT]
[FONT="]قول الله عزوجل :(إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ماقدّموا وآثارهم، وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) يـــس 12. ومعنى قوله تعالى (إنا نحن نحيي الموتى) أي يوم القيامة، ومعنى (ونكتب ما قدموا) أي ماقدَّموه في حياتهم الدنيا من الأعمال، ومعنى (وآثارهم) أي ما خلّفوه من الأثر بعد موتهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، كالصدقة الجارية والعلم النافع يجري على صاحبها ثوابها، وكالبدعة والضلالة يجري على صاحبها وزرها ما عُمل بها من بعده .[FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="]وذكر ابن كثير رحمه الله قولاً ثانيا في (وآثـــارهـــم): وأن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية. وهذا القول وإن كانت تحتمله اللغة إلا أن القول الأول هو الراجح إن شاء الله. لورود قوله تعالى (وآثارهم) في مقابل قوله تعالى (ماقدموا) فهذا ما عملوه بأنفسهم في حياتهم، وذاك ما خلفوه من الأثر بعد مماتهم.[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="]وعن أبى مسعود الأنصاري رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :(من دَلّ على خيرٍ فله مثل أجرِ فاعله) رواه مسلم : كتاب الإمارة ، باب فضل إعانة الغازى فى سبيل الله بمركوب وغيره ، حديث رقم ( 3600) .[FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="] [FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="]وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم :(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لاينقص ذلك من آثامهم شيئا) رواه مسلم : كتاب العلم ، باب من سن سنة حسنة وسنة سيئة ومن دعا إلى هدى ، حديث رقم ( 4938)[FONT="][/FONT][/FONT]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَه". رواه مسلم : كتاب الوصية ، باب ما يلحق الميت من الثواب بعد وفاته ، حديث رقم ( 3169 )
[FONT="] [/FONT]
[FONT="]ورواه ابن ماجه عنه مرفوعا :(إن مما يلحَقُ المؤمنَ من عمله وحسناته بعد موته، علماً عَلَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من مالِه في صحته وحياته، يلحُقُه من بعد موته) رواه ابن ماجة : فى المقدمة فى فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ثواب معلم الناس الخير حديث رقم ( 240 ) .[FONT="][/FONT][/FONT]
[FONT="] [/FONT]
[FONT="]فانظر إلى عِظَم هذا الثواب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يناله مثل ثواب كل من عمل الخير من أمته، والصحابة رضي الله عنهم كذلك ينالهم، إذ هم الذين حملوا إلينا هذا العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وبلّغوه لنا عبر الأجيال. ثم العلماء الأعلام من بعدهم وإلى يوم القيامة ينال كل منهم مثل ثواب من انتفع بعلمهم وكتبهم . الجامع فى طلب العلم الشريف : للشيخ عبد القادر بن عبد العزيز ، المجلد الأول ص 27 وما بعدها .[FONT="][/FONT][/FONT]
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً سبعة ً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعد ما يموت , وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) : (( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته :من عَلّم علماً, أو أجرى نهراً , أو حفر بئراً , أو غرس نخلاً , أو بنى مسجداً , أو ورّث مصحفاً , أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته )) [ حسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم :3596].
ولله در القائل حين قال:
"
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهـم على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقدر كلّ امرئ ما كان يحسنه والجاهـلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعـش حيـاً به أبداً الناس موتى وأهل العلم أحياء
فَيَا لَهَا مِنْ مَرْتَبَةٍ مَا أَعْلَاهَا ، وَمَنْقَبَةٍ مَا أَجَلَّهَا وَأَسْنَاهَا : أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ مَشْغُولًا بِبَعْضِ أَشْغَالِهِ ، أَوْ فِي قَبْرِهِ قَدْ صَارَ أَشْلَاءً مُتَمَزِّقَةً ، وَأَوْصَالًا مُتَفَرِّقَةً ، وَصُحُفُ حَسَنَاتِهِ مُتَزَايِدَةٌ يُمْلِي فِيهَا الْحَسَنَاتِ كُلَّ وَقْتٍ ، وَأَعْمَالُ الْخَيْرِ مُهْدَاةٌ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ، تِلْكَ وَاللَّهِ الْمَكَارِمُ وَالْغَنَائِمُ ، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ، وَعَلَيْهِ يَحْسُدُ الْحَاسِدُونَ ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
من فضائل العلماء
من فضائل العلماء اسْتَشْهَدَ اللهُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَلَى أَشْرَفِ مَشْهُودٍ بِهِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ، وَقَرَنَ شَهَادَتَهُمْ بِشَهَادَتَهِ وَبِشَهَادَةِ مَلائِكَتِهِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فَبَدَأَ سُبْحَانَهُ بِنَفْسِهِ، وَثَنَّى بِمَلائِكَتِهِ الْمُسَبِّحَةِ بِقُدْسِهِ، وَثَلَّثَ بِأَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَفَاهُمْ ذَلِكَ شَرَفًا وَفْضَلًا وَجَلالَةً وَنُبْلاً.
وفي تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير رحمه الله تعالى وغيره قال: "لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام -الحبر العالم من علماء اليهود-، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان! فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد ؟ قال: "نعم" قالا: وأنت أحمد؟ قال: "نعم" قالا: نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلاني" فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18] فأسلم الرجلان، وصدقا برسول الله صلى الله عليه وسلم
وَلِمَكَانَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ
أَهْل الْعلم والإيمان يَشْهَدُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ على بطلَان قَول الْكفَّار فَقَالَ تَعَالَى :{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }- الروم: 55-56.
والعلماء هم الذين يستحقون أن يرفعهم الله - عز وجل
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [الْمُجَادَلَةِ : 11] ، والمعنى من الآية أن الله تعالى يرفع مكانة المؤمنين لإيمانهم، وأما الذين أوتوا العلم فإنه يرفعهم فوق المؤمنين درجات لإيمانهم وعلمهم.
قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "كذا هو العلم يزيد الشريف شرفًا، ويجلس المملوك على الأسرة".
وقال أبو مسلم الخولاني: العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا بها وإذا خفيت عليهم تحيروا0
وَرَوَى عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ : "أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ : مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ : ابْنَ أَبْزَى ، قَالَ : وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ : مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا ، قَالَ : فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ : إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ ، قَالَ عُمَرُ : أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ . قال الشافعي -رحمه الله-: "من تعلم القرآن عظمت قيمته"
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "يوزن مداد العلماء بدم الشهداء يوم القيامة، فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء".
وقال -رحمه الله-: "لولا العلماء لصار الناس كالبهائم".
وقال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: "أرفع الناس منزلة عند الله من كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياء والعلماء".
وقال أيضًا: لَم يُعطَ أحَدٌ في الدنيا شيئًا أفضل منَ النبوة، وما بعد النبوة شيء أفْضل من العلم والفقه، فقيل: عمَّن هذا؟ قال: عن الفُقهاء كلهم (تذكرة السامع والمتكلم)
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: العالِم أعظمُ أجْرًا من الصائم القائم الغازِي في سبيل الله (الجامع لأخلاق الراوي للخطيب البغدادي(347)
قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح".
ويقول الشاعر:
العلم يرفع بيتا لا عماد له ****** والجهل يهدم بيت العز والشرف
وَالعلماءهُمْ أَهْلُ الْخَشْيَةِ ، خَصَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ النَّاسِ
قال تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [فَاطِرٍ : 28] وَهَذَا حَصْرٌ لِخَشْيَتِهِ فِي أُولِي الْعِلْمِ
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : ( جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) [الْبَيِّنَةِ : 8] وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَ خَشْيَتِهِ هُمُ الْعُلَمَاءُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ -بِمَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ- عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ الْمَذْكُورَ هُوَ لِلْعُلَمَاءِ
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : "كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا ، وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاللَّهِ جَهْلًا" .
وَأَهْلُ الْعِلْمِ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ خُشُوعًا إِذَا سَمِعُوا آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى تُتْلَى
قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) [الْإِسْرَاءِ : 109] .
وَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ كَذَلِكَ وَقُلُوبُهُمْ مُسْتَوْدَعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَيُعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ فِي نُصُوصِهِمَا تَدَبُّرًا وَفَهْمًا وَاسْتِنْبَاطًا
قال تعالى ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) [الْعَنْكَبُوتِ : 49] .
العالم يستغفر له من فى السماوات ومن فى الأرض
فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحيتَانُ في المَاءِ، وَفضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِر". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
عن أبى أمامة الباهلى رضي الله عنه قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عالم والآخر عابد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ". أخرجه الترمذي في سننه - الذبائح- أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة- حديث رقم ‏2678‏ وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم 2685 ، وصحيح الجامع حديث رقم 1838 0).
ولذلك يفرح إبليس بموت العلماء
الشيطان يفرح بموت العلماء أكثر مما يفرح بموت العباد وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: " إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِإِبْلِيسَ: يَا سَيِّدَنَا مَا لَنَا نَرَاكَ تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَالِمِ مَا لَا تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَابِدِ؟ فَقَالَ: انْطَلِقُوا فَانْطَلَقُوا إِلَى عَابِدٍ قَائِمٍ يُصَلِّي فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَانْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَتَرَوْنَهُ؟ كَفَرَ فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى عَالِمٍ فِي حَلْقَةٍ يُضَاحِكُ أَصْحَابَهُ وَيُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَقَالَ: سَلْ، فَقَالَ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَقُولُ لِذَلِكَ إِذَا أَرَادَ: كُنْ فَيَكُونُ، قَالَ إِبْلِيسُ: أَتَرَوْنَ ذَلِكَ؟ لَا يَعْدُو نَفْسَهُ وَهَذَا-أي العالم- يُفْسِدُ عَلَيَّ عَالَمًا كَثِيرًا " جامع بيان العلم(1/127 رقم 127)
وروي أن جنود الشيطان جاءوا إليه فقالوا له: يا سيدنا نراك تفرح بموت الواحد من العلماء، ولا تفرح بموت آلاف العباد؟!!! فهذا العابد الذي يعبد الله ليلاً ونهاراً يسبّح ويهلل ويصوم ويتصدق، لا تفرح بموت الألف منهم فرحك بموت الواحد من العلماء. قال: نعم أنا أدلكم على هذا، فذهب إلى عابد فقال له: يا أيها الشيخ هل يقدر الله أن يجعل السماوات في جوف بيضة؟ قال العابد: لا. وهذا جهل كبير.ثم ذهب إلى العالم وقال له: هل يقدر الله أن يجعل السماوات في بيضة؟. قال العالم: نعم، قال: كيف؟ قال: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون، فإذا قال للسماوات: كوني في جوف بيضة كانت، فقال الشيطان لجنوده: انظروا الفرق بين هذا وهذا. انظروا كيف كذب الأول بجهله، وكيف اعتصم الثاني بعلمه، وكيف اهتدى بكلمته أناس كثيرون.
فالذي يعبد الله على علم لا يُخشى عليه من وقوعه في حبائل الشيطان، وتكون عبادته مقبولة لأنها مكتملة الشروط والأركان، وإلا كانت باطلة،فقد روي- في الإسرائليات- أن عابداً من بني إسرائيل كان يعبد الله تعالي في صومعة فوق الجبل، وذات يوم خرج كعادته لكي يتجول متأملاً في ملكوت الله تعالي ، وبينما هو يتجول رأي في طريقه جثة آدمي تنبعث منها رائحة كريهة، فمال العبد وأعرض بوجهه لتفادي شم الرائحة الكريهة، عند ذلك ظهر له الشيطان في صورة رجل من الصالحين الناصحين وقال له: لقد تبخرت حسناتك. فقال له العابد: لمَ ؟ قال : لأنك أبيت أن تشم رائحة آدمي مثلك ، وعندما ظهر علي وجه العابد الحزن والألم قال له الشيطان مشفقاً: إذا أردت أن يغفر لك الله هذا الذنب يجب أن تصطاد فأراً جبلياً وتعلقه في رقبتك وتعبد الله به طوال حياتك، ونفذ العابد واصطاد الفأر وظل يعبد الله به ستين عاماً ؛ وهو حامل هذه النجاسة حتى مات فبطلت عبادته، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مسألة علم – أو مجلس علم – خير من عبادة ستين سنة" ( رواه الديلمي في الفردوس )،
فمسألة العلم التي جهلها هذا العابد من شروط صحة الصلاة التي لا تصح الصلاة ولا تقبل إلا بها؛ وهي طهارة البدن والثوب والمكان ، وهذا العابد بجهله بهذه المسألة ظل معلقاً النجاسة في رقبته وهو يصلي بها ستين عاماً، فكيف تصح هذه الصلاة مع النجاسات ؟!! فبطلت صلاة ستين عاماً بجهل مسألة علم واحدة، فما بالك لو كان جاهلاً بمسائل الفقه كلها، لذلك كان العلم أولى من العبادة.
وأما عن كيفية عبادة الله على علم وليس على جهل؛ فيكون ذلك بأن يتعلم المسلم ما يجب عليه فعله في كل عبادة، فيعرف الصلاة الصحيحة من غيرها، وكذا أحكام الطهارة وصيام رمضان، وإن كان من أهل الأموال يعرف حكم الزكاة وما يجب عليه في ماله من حق، وإن كان من أهل الاستطاعة على الحج فيعرف أن الحج واجب عليه ثم يعرف كيف يحج حجاً صحيحاً متقبلاً، وهكذا يلزمه أن يتعلم أحكام الحرفة التي يحترفها، فيعرف الحلال والحرام وينبغي له أن يجتهد في تعلم ما زاد على ذلك، وإذا لم يستطع المسلم التعلم فيسأل أهل العلم، ويستمع إلى دروسهم ومحاضراتهم حتى يعبد الله على بصيرة وتكون عبادته صحيحة مقبولة، وقبل كل هذا يتعرف على وحدانية الله وأسمائه وصفاته وأركان الإيمان، وهذا ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، فعن التابعي الجليل أبي عبد الرحمن السلمي قال: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل، قالوا : فتعلمنا العلم والعمل جميعًا ".،
قارن بين ذلك وبين حالنا اليوم، فكم من أناس في كسبهم للأموال وسعيهم علي الرزق يلتمسون طرقاً غير مشروعة ، معظمها من الربا والسحت وأكل أموال الناس بالباطل والنصب في الأسواق وإتباع أساليب اللؤم والخداع في البيع والشراء وغير ذلك من طرق أكل الحرام ، وهو يعتقد أن هذه الطرق ليس فيها ما يخالف الدين والشرع ويتبع طرق ملتوية في تحليل مثل هذه الطرق فيظل طوال عمره يأكل الحرام وهو لا يدري.
وَكُلَّمَا بَعُدَ النَّاسُ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ قَلَّ فِيهِمُ الْعِلْمُ، وَزَادَ فِيهِمُ الْجَهْلُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ : فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَا : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ
المرفقات

782.doc

خطبة فضل العلم للشيخ سعد الشهاوى.doc

خطبة فضل العلم للشيخ سعد الشهاوى.doc

المشاهدات 7132 | التعليقات 0