فضل العلم في القرآن الكريم والسنة النبوية
احمد ابوبكر
1437/11/03 - 2016/08/06 07:13AM
[align=justify]بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فالعلم ركيزة من ركائز الإيمان بالله تعالى، وكلَّما ازداد المسلم علمًا ازداد إيمانه، ولقد بيَّن الله سبحانه فضلَ العلم في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
وبيَّن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره أنَّ هذه خصوصية عظيمة للعلماء؛ لاقتران شهادتهم بشهادة الله جلَّ جلاله، وشهادةِ الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام.
وقال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: "وفي هذا دليل على أنَّ أشرف الأمور علم التوحيد؛ لأنَّ الله سبحانه شهِد به بنفسه، وأشهد عليه خواصَّ خلقه، والشهادة لا تكون إلَّا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصَر، ففيه دليل على أنَّ مَن لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة، فليس من أولي العلم"؛ (تفسير السعدي).
وبيَّن الله العليم الحكيم أنَّ العلم سبب في رَفع الدرجات؛ فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11].
وفي الحديث الشريف بيانٌ لمنزلة العلم بأمور الدين، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما أنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين، وإنما أنا قاسِمٌ واللهُ يُعْطي، ولن تزال هذه الأمةُ قائمةً على أمر اللهِ، لا يضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله» [صحيح البخاري: 71]
ولذا؛ فأشرف سبيل للعلم هو معرفة الله تعالى، ومعرفة كيفيَّة عبادته سبحانه؛ وذلك باتِّباع ما أمر الله سبحانه، وتجنُّب ما نهى عنه الله الكريم، واتِّباع ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجنُّب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم فضلَ العلم وأثرَه في أحاديث كثيرة، فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنَّة، وإنَّ الملائكة لَتضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنَّ طالب العلم يستغفرُ له مَن في السماء والأرض، حتى الحيتان في الماء، وإنَّ فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إنَّ العُلماء هم ورثةُ الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ» [صحيح ابن ماجه: 183]
والعلم يَستوجب الإخلاص وتجنُّب الرياء والمفاخرة أمام الناس؛ فالقصد من طلَبِ العلم هو عِبادة الله تعالى، والعمل به، وتبليغه للغير، دون طلب للشُّهرة أو بحث عنها، فعن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن طلَب العِلمَ ليُجاري به العلماءَ، أو ليُماري به السُّفَهاء، أو يصرِف به وجوهَ النَّاس إليه - أدخله اللهُ النَّارَ» [ صحيح الترمذي: 2654]
• قال الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري: "وقراءة القرآن، وتعلُّمه وتعليمه من أفضل الأعمال؛ كما قال النَّبي عليه الصلاة والسلام: «لا حسَد إلَّا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآنَ فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفِقه آناء الليل وآناء النهار»[صحيح مسلم: 815].
وتعلُّم القرآن الكريم أمر هجَره الكثيرون، وهو يَستوجب الوقفةَ مع النَّفس لتحفيزها على إدراك الفضل وتحصيل الأجر، فعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفَّة، فقال: «أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يومٍ إلى بطحانَ أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماويْنِ، في غير إثمٍ ولا قطعِ رحمٍ؟، فقلنا: يا رسول الله، نحبُّ ذلك، قال: أفلا يَغدو أحدكم إلى المسجدِ فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عزَّ وجلَّ خيرٌ لهُ من ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاثٍ، وأربعٌ خيرٌ له من أربعٍ، ومن أعدادهنَّ من الإبلِ» [صحيح مسلم: 803]
والكثيرون لا يعرفون أنَّ تلاوة القرآن الكريم لها أُسس يجِب تعلُّمها وممارستها، وفي هذا الصَّدد يجب الإشارة إلى مسؤولية الآباء والأمَّهات والمؤسسات التعليمية في النُّهوض الحقيقي بتعليم الأطفال القرآن الكريم ومعرفة تلاوته، ومتابعة الأمر بالتشجيع والتحفيز، وخصوصًا في فترة الطفولة؛ لما لهذه الفترة من أثَر كبير في قوَّة الحفظ والاستذكار، وبناء لَبنة قويَّة يرتكز عليها الأطفال طيلة حياتهم.
ومن فضائل العلم تَعليمه للنَّاس بكلِّ السبل التي تتوافَر والسَّعي لذلك، وفي السنَّة النبويَّة بيان عظيم لهذا العمل، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله وملائكتَه وأهل السَّموات والأرض، حتى النَّملة في جُحرها، وحتى الحوت - ليُصَلُّون على معلِّم النَّاس الخير» [سير أعلم النبلاء: 18/162]
ويغتنم الأجر بفَضل الله تعالى كلُّ مَن سلك هذا السبيل فنشر كتبَ أهل العلم الثِّقات والمشهود لهم بالعلم والأمانة؛ وذلك عن طريق أجهزة الحاسِب الآلي ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي وسائل ميسرة يتغافَل عنها الكثيرون، وفي هذا إهدار لفرصة ثَمينة يغتنمها مَن عرف فضلَ نشر العلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أيما داعٍ دعا إلى ضلالةٍ فاتُّبِع، فإنَّ عليه مثل أوزار من اتَّبعه، ولا ينقص من أوزارهم شيئًا، وأيما داعٍ دعا إلى هُدًى فاتُّبِع، فإنَّ له مثلَ أجور من اتَّبعه، ولا ينقصُ من أجورِهم شيئًا» [صحيح ابن ماجه: 171]
ويدخل بفضل الله سبحانه كلُّ وسيلة لمعرفة العِلم واتباعه؛ مثل الدلالة على المواقع الإسلاميَّة المعتبرة، والتطبيقات الدعويَّة لأجهزة الجوال الموثقة والمعتبرة؛ مثل التطبيقات الخاصَّة بقراءة القرآن الكريم وتعلُّم الفقه الإسلامي، والتطبيقات الخاصَّة بأهل العلم والدعاة المعروف منهجهم باتِّباع القرآن الكريم والسنة النبوية.
إن كل علم يفيد الأمَّةَ الإسلامية ويمنع وقوعَها في الحرَج فهو عِلم نافِع؛ كعلوم الطبِّ التي لها أثر بفضل الله تعالى في مداواة المسلمين، وعلوم تكنولوجيا المعلومات التي لها أثَر بارز في توعية المسلمين ونقل العلوم بصورة ميسرة، وعلوم الهندسة التي تساهِم في تشييد الأبنية التعليميَّة وخدمة مَصالح المسلمين، وغير ذلك.
فكل طالبٍ للعلم النَّافع، والذي يرجو به الثوابَ من الله تعالى لخدمة المسلمين ونفع الأمَّة ودعمها، سيَنال أجرًا من الله الكريم، فاحتساب الأجر وطلَب الثواب لَبنة في العبادات.
وجاء في فتاوى اللجنة الدَّائمة: "كل علم ديني مع وسائله التي تعين على إدراكه، داخِلٌ فيما يَرفع الله تعالى مَن علمه وعمل به مخلصًا له عنده درجات، وأنَّه مقصود بالقصد الأول، وكل علم دنيوي تَحتاجه الأمَّة، وتتوقَّف عليه حياتها؛ كالطبِّ والزراعة والصناعة ونحوها، داخل أيضًا إذا حسنَت النيَّة، وأراد به متعلِّمه والعامل به نفع الأمَّة الإسلامية ودعمها، ورفع شأنها، وإغناءها عن دول الكفر والضلال، لكن بالقصد الثاني التابع، ودرجات كلٍّ متفاوتة تبعًا لمنزلة ذلك من الدِّين، وقوته في النَّفع ودفع الحاجة"؛ انتهى - فتاوى اللجنة الدائمة (12 / 77).
ولقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الكتب المهمَّة لطالب العلم الشرعي، فأسهب الشيخ رحمه الله تعالى في بيان هذه الكتب وأهمِّيتها، وللفائدة الشرعية سيتم بيان بعض أسماء هذه الكتب بشكلٍ مختصر؛ لتكون زادًا ومرجعًا لطالب العلم كما يلي:
• كتاب (ثلاثة الأصول)، وكتاب (القواعد الأربع)، وكتاب (كشف الشبهات)، وكتاب (التوحيد)؛ وهذه الكتب الأربعة لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.
• وكتاب (العقيدة الواسطية)، وكتاب (الحموية)، وكتاب (التدمرية)؛ وهما رسالتان أوسع من (الواسطية)، وهذه الكتب الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
• وكتاب (العقيدة الطحاوية)؛ للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي.
• وكتاب (شرح العقيدة الطحاوية)؛ لأبي الحسن علي بن أبي العز.
• وكتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)؛ جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله تعالى.
• وكتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري)؛ لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
• وكتاب (سبل السلام شرح بلوغ المرام)؛ للصنعاني.
• وكتاب (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار)؛ للشوكاني.
• وكتاب (عمدة الأحكام)؛ للمقدسي.
• وكتاب (الأربعين النووية)؛ لأبي زكريا النووي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (بلوغ المرام)؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني، وكتاب (نخبة الفكر)؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني.
• والكتب الستة (صحيح البخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي).
• وكتاب (آداب المشي إلى الصلاة)؛ لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.
• وكتاب (زاد المستقنع في اختصار المقنع)؛ للحجاوي، وكتاب (الروض المربع شرح زاد المستقنع)؛ للشيخ منصور البهوتي.
• وكتاب (عمدة الفقه)؛ لابن قدامة رحمه الله تعالى.
• وكتاب (متن البرهانية)؛ لمحمد البرهاني.
• وكتاب (تفسير القرآن العظيم)؛ لابن كثير رحمه الله تعالى.
• وكتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)؛ للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (مقدمة شيخ الإسلام في التفسير).
• وكتاب (أضواء البيان)؛ للعلامة محمد الشنقيطي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (زاد المعاد)؛ لابن القيم رحمه الله تعالى.
• وكتاب (روضة العقلاء)؛ لابن حبان البُستي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (سير أعلام النبلاء)؛ للذهبي رحمه الله تعالى.
ورحم الله تعالى كلَّ أهل العلم والعلماء ممَّن أسهموا في بناء الأمَّة الإسلامية، وجدير بالذِّكر أن هذه الكتب موجودة في موقع طريق الإسلام في فتوى بعنوان: "كتب مهمَّة لطالب العلم الشرعي".
نسأل الله تعالى أن يعلِّمنا والمسلمين من علمه العظيم، وأن يَرزقنا العملَ بما علَّمنا، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: الشيخ حسين أحمد عبد القادر[/align][align=justify][/align]
أما بعد:
فالعلم ركيزة من ركائز الإيمان بالله تعالى، وكلَّما ازداد المسلم علمًا ازداد إيمانه، ولقد بيَّن الله سبحانه فضلَ العلم في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
وبيَّن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره أنَّ هذه خصوصية عظيمة للعلماء؛ لاقتران شهادتهم بشهادة الله جلَّ جلاله، وشهادةِ الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام.
وقال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: "وفي هذا دليل على أنَّ أشرف الأمور علم التوحيد؛ لأنَّ الله سبحانه شهِد به بنفسه، وأشهد عليه خواصَّ خلقه، والشهادة لا تكون إلَّا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصَر، ففيه دليل على أنَّ مَن لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة، فليس من أولي العلم"؛ (تفسير السعدي).
وبيَّن الله العليم الحكيم أنَّ العلم سبب في رَفع الدرجات؛ فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11].
وفي الحديث الشريف بيانٌ لمنزلة العلم بأمور الدين، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما أنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين، وإنما أنا قاسِمٌ واللهُ يُعْطي، ولن تزال هذه الأمةُ قائمةً على أمر اللهِ، لا يضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله» [صحيح البخاري: 71]
ولذا؛ فأشرف سبيل للعلم هو معرفة الله تعالى، ومعرفة كيفيَّة عبادته سبحانه؛ وذلك باتِّباع ما أمر الله سبحانه، وتجنُّب ما نهى عنه الله الكريم، واتِّباع ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجنُّب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم فضلَ العلم وأثرَه في أحاديث كثيرة، فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنَّة، وإنَّ الملائكة لَتضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنَّ طالب العلم يستغفرُ له مَن في السماء والأرض، حتى الحيتان في الماء، وإنَّ فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إنَّ العُلماء هم ورثةُ الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ» [صحيح ابن ماجه: 183]
والعلم يَستوجب الإخلاص وتجنُّب الرياء والمفاخرة أمام الناس؛ فالقصد من طلَبِ العلم هو عِبادة الله تعالى، والعمل به، وتبليغه للغير، دون طلب للشُّهرة أو بحث عنها، فعن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن طلَب العِلمَ ليُجاري به العلماءَ، أو ليُماري به السُّفَهاء، أو يصرِف به وجوهَ النَّاس إليه - أدخله اللهُ النَّارَ» [ صحيح الترمذي: 2654]
• قال الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري: "وقراءة القرآن، وتعلُّمه وتعليمه من أفضل الأعمال؛ كما قال النَّبي عليه الصلاة والسلام: «لا حسَد إلَّا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآنَ فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفِقه آناء الليل وآناء النهار»[صحيح مسلم: 815].
وتعلُّم القرآن الكريم أمر هجَره الكثيرون، وهو يَستوجب الوقفةَ مع النَّفس لتحفيزها على إدراك الفضل وتحصيل الأجر، فعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفَّة، فقال: «أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يومٍ إلى بطحانَ أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماويْنِ، في غير إثمٍ ولا قطعِ رحمٍ؟، فقلنا: يا رسول الله، نحبُّ ذلك، قال: أفلا يَغدو أحدكم إلى المسجدِ فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عزَّ وجلَّ خيرٌ لهُ من ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاثٍ، وأربعٌ خيرٌ له من أربعٍ، ومن أعدادهنَّ من الإبلِ» [صحيح مسلم: 803]
والكثيرون لا يعرفون أنَّ تلاوة القرآن الكريم لها أُسس يجِب تعلُّمها وممارستها، وفي هذا الصَّدد يجب الإشارة إلى مسؤولية الآباء والأمَّهات والمؤسسات التعليمية في النُّهوض الحقيقي بتعليم الأطفال القرآن الكريم ومعرفة تلاوته، ومتابعة الأمر بالتشجيع والتحفيز، وخصوصًا في فترة الطفولة؛ لما لهذه الفترة من أثَر كبير في قوَّة الحفظ والاستذكار، وبناء لَبنة قويَّة يرتكز عليها الأطفال طيلة حياتهم.
ومن فضائل العلم تَعليمه للنَّاس بكلِّ السبل التي تتوافَر والسَّعي لذلك، وفي السنَّة النبويَّة بيان عظيم لهذا العمل، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله وملائكتَه وأهل السَّموات والأرض، حتى النَّملة في جُحرها، وحتى الحوت - ليُصَلُّون على معلِّم النَّاس الخير» [سير أعلم النبلاء: 18/162]
ويغتنم الأجر بفَضل الله تعالى كلُّ مَن سلك هذا السبيل فنشر كتبَ أهل العلم الثِّقات والمشهود لهم بالعلم والأمانة؛ وذلك عن طريق أجهزة الحاسِب الآلي ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي وسائل ميسرة يتغافَل عنها الكثيرون، وفي هذا إهدار لفرصة ثَمينة يغتنمها مَن عرف فضلَ نشر العلم.
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أيما داعٍ دعا إلى ضلالةٍ فاتُّبِع، فإنَّ عليه مثل أوزار من اتَّبعه، ولا ينقص من أوزارهم شيئًا، وأيما داعٍ دعا إلى هُدًى فاتُّبِع، فإنَّ له مثلَ أجور من اتَّبعه، ولا ينقصُ من أجورِهم شيئًا» [صحيح ابن ماجه: 171]
ويدخل بفضل الله سبحانه كلُّ وسيلة لمعرفة العِلم واتباعه؛ مثل الدلالة على المواقع الإسلاميَّة المعتبرة، والتطبيقات الدعويَّة لأجهزة الجوال الموثقة والمعتبرة؛ مثل التطبيقات الخاصَّة بقراءة القرآن الكريم وتعلُّم الفقه الإسلامي، والتطبيقات الخاصَّة بأهل العلم والدعاة المعروف منهجهم باتِّباع القرآن الكريم والسنة النبوية.
إن كل علم يفيد الأمَّةَ الإسلامية ويمنع وقوعَها في الحرَج فهو عِلم نافِع؛ كعلوم الطبِّ التي لها أثر بفضل الله تعالى في مداواة المسلمين، وعلوم تكنولوجيا المعلومات التي لها أثَر بارز في توعية المسلمين ونقل العلوم بصورة ميسرة، وعلوم الهندسة التي تساهِم في تشييد الأبنية التعليميَّة وخدمة مَصالح المسلمين، وغير ذلك.
فكل طالبٍ للعلم النَّافع، والذي يرجو به الثوابَ من الله تعالى لخدمة المسلمين ونفع الأمَّة ودعمها، سيَنال أجرًا من الله الكريم، فاحتساب الأجر وطلَب الثواب لَبنة في العبادات.
وجاء في فتاوى اللجنة الدَّائمة: "كل علم ديني مع وسائله التي تعين على إدراكه، داخِلٌ فيما يَرفع الله تعالى مَن علمه وعمل به مخلصًا له عنده درجات، وأنَّه مقصود بالقصد الأول، وكل علم دنيوي تَحتاجه الأمَّة، وتتوقَّف عليه حياتها؛ كالطبِّ والزراعة والصناعة ونحوها، داخل أيضًا إذا حسنَت النيَّة، وأراد به متعلِّمه والعامل به نفع الأمَّة الإسلامية ودعمها، ورفع شأنها، وإغناءها عن دول الكفر والضلال، لكن بالقصد الثاني التابع، ودرجات كلٍّ متفاوتة تبعًا لمنزلة ذلك من الدِّين، وقوته في النَّفع ودفع الحاجة"؛ انتهى - فتاوى اللجنة الدائمة (12 / 77).
ولقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن الكتب المهمَّة لطالب العلم الشرعي، فأسهب الشيخ رحمه الله تعالى في بيان هذه الكتب وأهمِّيتها، وللفائدة الشرعية سيتم بيان بعض أسماء هذه الكتب بشكلٍ مختصر؛ لتكون زادًا ومرجعًا لطالب العلم كما يلي:
• كتاب (ثلاثة الأصول)، وكتاب (القواعد الأربع)، وكتاب (كشف الشبهات)، وكتاب (التوحيد)؛ وهذه الكتب الأربعة لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.
• وكتاب (العقيدة الواسطية)، وكتاب (الحموية)، وكتاب (التدمرية)؛ وهما رسالتان أوسع من (الواسطية)، وهذه الكتب الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
• وكتاب (العقيدة الطحاوية)؛ للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي.
• وكتاب (شرح العقيدة الطحاوية)؛ لأبي الحسن علي بن أبي العز.
• وكتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية)؛ جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله تعالى.
• وكتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري)؛ لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
• وكتاب (سبل السلام شرح بلوغ المرام)؛ للصنعاني.
• وكتاب (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار)؛ للشوكاني.
• وكتاب (عمدة الأحكام)؛ للمقدسي.
• وكتاب (الأربعين النووية)؛ لأبي زكريا النووي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (بلوغ المرام)؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني، وكتاب (نخبة الفكر)؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني.
• والكتب الستة (صحيح البخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي).
• وكتاب (آداب المشي إلى الصلاة)؛ لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.
• وكتاب (زاد المستقنع في اختصار المقنع)؛ للحجاوي، وكتاب (الروض المربع شرح زاد المستقنع)؛ للشيخ منصور البهوتي.
• وكتاب (عمدة الفقه)؛ لابن قدامة رحمه الله تعالى.
• وكتاب (متن البرهانية)؛ لمحمد البرهاني.
• وكتاب (تفسير القرآن العظيم)؛ لابن كثير رحمه الله تعالى.
• وكتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)؛ للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (مقدمة شيخ الإسلام في التفسير).
• وكتاب (أضواء البيان)؛ للعلامة محمد الشنقيطي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (زاد المعاد)؛ لابن القيم رحمه الله تعالى.
• وكتاب (روضة العقلاء)؛ لابن حبان البُستي رحمه الله تعالى.
• وكتاب (سير أعلام النبلاء)؛ للذهبي رحمه الله تعالى.
ورحم الله تعالى كلَّ أهل العلم والعلماء ممَّن أسهموا في بناء الأمَّة الإسلامية، وجدير بالذِّكر أن هذه الكتب موجودة في موقع طريق الإسلام في فتوى بعنوان: "كتب مهمَّة لطالب العلم الشرعي".
نسأل الله تعالى أن يعلِّمنا والمسلمين من علمه العظيم، وأن يَرزقنا العملَ بما علَّمنا، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: الشيخ حسين أحمد عبد القادر[/align][align=justify][/align]