فضلُ العشر الأواخر من رمضان 21/9/1446

أحمد بن ناصر الطيار
1446/09/19 - 2025/03/19 13:49PM

 

الحمد لله الذي شرَّف هذه الأمةَ بمواسم الخيرات, ونوَّع لهم كثيراً من العبادات والطاعات، فسهَّل عليهم فعلها، ووعد بالأجر العظيم عليها، فشَرُفَتْ هذه الأمة على الأمم السابقة، بما نالته من البركة والأجور المضاعفة، وأشهد أن لا إله إلا الله، لا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمداً عبد الله ومجتباه، وخليله ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن سار على هداه، وسلم تسليماً كثيراً  إلى أنْ نلقاه.

أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن أكثرَ ليالي رمضان قد انصرمت ، وأكثرَ أيامه قد انقضت, فحريٌّ بنا أنّ نصْبِرْ أنفسنا على طاعة الرحمن, والقيامِ وقراءة القرآن، ولْنَحذر السآمة والْمَلل، والفتورَ والكسل ، فها نحن على أبواب العشر المباركة الفاضلة، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ, شَدَّ مِئْزَرَهُ, وَأَحْيَا لَيْلَهُ, أَيْ سَهِرَهُ فَأَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ والعبادة, وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ, أَيْ لِلصَّلَاةِ والقيام..

قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فيْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فيْ غَيْرِها.

إنّ أيام العشر أيامُ الجدِّ والعمل، وتركِ الخمول والكسل، إنها أيامٌ فاضلة، وليالٍ مباركة، كيف لا, وفيها أعظمُ وأفضلُ ليلة، إنها ليلة القدر.

قال صلى الله عليه وسلم: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

وأقد أنزل الله تعالى فيها سورةً تُتلى إلى يوم القيامة، إنها سورة القدر.

حيث يقول تعالى فيها: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} أي أنَّه تعالى ابْتدأ بإنزاله في رمضان, في ليلة القدر منه.

وسُمِّيتْ ليلةَ القدر، لعِظَم قدرها وفضلِها عند الله، ولأنه يُقَدّرُ فيها ما يكون في العام, من الأجل والأرزاق والمقادير.

ثم فخم شأنها، وعظَّم مقدارها فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: تعادل في فضلها ألفَ شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خيرٌ من العمل في ألف شهر خاليةٍ منها، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ تبارك وتعالى, على هذه الأمة الضعيفة، بليلةٍ يكون العمل فيها يقابل ويزيدُ على ألف شهر، عُمْرُ إنسانٍ يزيدُ عُمْرُه على  الثَّمانين سنة, فأيُّ فضلٍ وأجرٍ أعظمُ من هذا؟.

{تَنزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: يكثر نزولهم في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تَنَزُّلِ البركة والرحمة، كما يتنزَّلون عند تلاوة القرآن, ويُحيطون بحِلَق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيما له.

{سَلامٌ هِيَ} أي: سالمةٌ من كلِّ آفةٍ وشر، وذلك لكثرة خيرها، {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي: بدايتُها مِن غروب الشمس, ونِهايتُها طلوعُ الفجر.

فلْنَحْرِصْ أيها الصائمون على قيامِ ليلة القدر, فإنها أفضلُ ليالي العام على الإطلاق, والموفق والسعيد من عرف قدرها, وعظَّم شأنها, فأحياها عبادةً وتضرعا وابتهالا, أحياها بتلاوة كتاب الله, أحياها بالذكر والاستغفار والدعاء, يشكو إلى الله همَّهُ وحزنه, يبثُّ إليه فقره وحاجته, فحريٌّ بمن هذه حاله : أن يجيب الله دعوته, ويغفرَ ذنبَه, ويسترَ عورتَه, ويرزقَه حلاوةً وأنسا في قلبه, هي أفضلُ عنده من الدنيا وما عليها.

اللهم بلِّغنا ليلة القدر، وأعنَّا على قيامها، وتقبلها منا يا رب العالمين.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين, أما بعد: أيها الصائم: في كلِّ لَيلةٍ ساعةُ إجابَةِ، الأبوابُ فيها تُفْتَحْ، والكريمُ فيها يمنَح، فاطْلبْ فيها ما شئتَ فالمعطِي عظيم، وأيقِن بالإجابةِ فالرّبّ كريم، وبُثَّ إليهِ شَكواك فإنّه الرّحمنُ الرّحيم، وارفَع إليه حاجتك فهوَ السّميع البصير، يقول عليه الصلاةُ والسلام: ((إنّ في اللّيلِ لساعةً, لا يُوافقها رجلٌ مُسلم, يسأل اللهَ خيرًا مِن أمرِ الدّنيا والآخرة إلاّ أعطاه إيّاه، وذلك كلَّ ليلة)) رواه مسلم

وإنَّ الكريم إذا سُئل يستحي أنْ يمنع, والشريفَ إذا وُصل لا يُمكن أنْ يقطع, فكيف بأكرم الأكرمين, وأجود الأجوَدين, فإذا سألته فلن يمنعك, وإذا وصلته بصلاتك وعبادتك فلن يقطعك.

وهذا ربُّنا تبارك وتعالى يقول, بعد أنْ ذكر آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

يا له مِنْ أسلوبٍ ما ألطفه, ونداءٍ ما أجمله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عنِّي, فأنت عبده وتحت تصرُّفه, فلا غنى لك عنه وعن إحسانه.

فَإِنِّي قَرِيبٌ: هو أقرب إليك من حبل الوريد, (وهو معكم أينما كنتم).

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ: يُجيب دعاءك وحاجتك, ويغفرُ ذنوبك ومعصيتك.

فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي: بالدعاء الخالص من القلب.

 

نسأل الله تعالى أنْ يتقبل من الصائمين صيامهم, وقيامهم وسائر أعمالهم, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيبٌ.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

1742381383_فضلُ العشر الأواخر من رمضان.pdf

المشاهدات 1137 | التعليقات 0