فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - خطبة الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي -
د صالح بن مقبل العصيمي
1436/07/11 - 2015/04/30 01:54AM
فضل الصلاة على النبي,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،ونستعينُهُ،ونستغفِرُهُ،ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ للنَّبِيِّ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،مَقَامًا عَظِيمًا؛فَهُوَ صَفْوَةُ خَلْقِ اللهِ صَاحِبِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ،وَالْحَوْضِ الْمَوْرُودِ. بِهِ هَدَى اللهُ الْخَلْقَ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ،وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ،وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ المُسْتَفِيدَ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،هُوَ المُصَلِّي عَلَيْهِ؛لِقَوْلِهِ صِلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ:(إِذَا سَمِعْتمْ المُؤَذِنَ فَقُولُوا كَمَا يَقُولُ،ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ,فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا,ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ؛فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ،لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ،وَأَرْجُو أَنْ أًكُونَ هُوَ؛فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعةُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَأَنْتَ يَا عَبْدَ اللهِ، الْمُسْتَفِيدُ؛لِأَنَّ الحَيَّ القَيومَ، يُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى خَلِيلِهِ،سَيِّد ِوَلدِ آدَمَ النُّورِ المُبِينِ وَالسِّرَاجِ المُنِيرِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم . وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَضَائِلُ عَظِيمَةٌ،وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ أُبيِّ بنِ كَعْبٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، قَالَ: فَقُلْتُ: الرَّبْعُ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، قَالَ أُبِيُّ فَقُلْتُ: النَّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، قَالَ أُبَيُّ فَقُلْتُ: الثٌّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، قَالَ أُبَيُّ فَقُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلُّهَا يَا رَسُولَ اللهٍ؟. قَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
قَالَ ابْنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَسَأَلْنَا شَيْخَنَا اِبْنَ تَيْمِيَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: كَانَ لِأُبِيِّ بُنِ كَعْبٍ, دُعَاءٌ يَدْعُو بِهِ لِنَفْسِهِ، فَسَأَلَ النَّبِيَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: «هَلْ يَجْعَلُ رُبْعَهُ صَلَاةً عَلَيْهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،؟ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ: أَجْعَلُ لَكَ النِّصْفَ؟ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، إِلَى أَنْ قَالَ أُبَيُّ : أجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَيْ: أَجْعَلُ دُعَائِي كُلَّهُ صَلَاةً عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ – قَالَ شَيْخُ الإِسْلَاِم : وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبًي,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، صَلَاةً وَاحِدَةً،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،وَمَنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، كَفَاهُ هَمَّهُ، وَغَفَرَ لَهُ ذَنْبَهُ.
قُلْتُ: وَصُورَةُ ذَلِكَ: لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا جَلَسَ فِي المَسْجِدِ لِلْدُعَاءِ مَا بَيْنَ الآذَانِ وَالإِقَامَةِ، فَلَوْ جَعَلَ كُلَّ هَذَا الوَقَتِ صَلَاةً علَىَ رَسُولِ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،؛ لَكُفِيَ الهَمَّ وَغُفِرَ لَهُ الذَنْبُ.
عِبَادَ اللهِ، الصَّلَاةُ عَلَى الرَّسولِ،وَصِيتةُ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،لِأُمَّتِهِ حَيْثُ قَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: «أَكْثِرُوا عَلَيَّ الصَّلَاةَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُصَلِّي عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ رَسُولُ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكًا أَعْطَاهُ أَسْمَاءَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ، فَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِي إِذَا مِتُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً إِلَّا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، صَلَّى عَلَيْكَ فُلَانٌ، فَيُصَلِّي الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَشْرًا ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ،كَمَا فِي صَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لِلْأَلْبَانِيِّ .
عِبَادَ اللهِ،الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فَضْلُهَا عَظِيمٌ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ فِي عُلَاهُ، يُصَلِّي عَلَى النَّبِي,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،وَمَلَائِكَتُهُ الكِرَامُ,يُصَلُّونَ عَلَى مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ، وَخِيَارُ الأُمَّةِ ,مِنْ لَدُنِ الصَّدِيقِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، يُصَلُّونَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) . وَصَلاةُ اللهِ عَلَى نَبِيِهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، أَمَّا صَلَاةُ المَلَائِكَةِ ,وَالنَّاسِ فَهِيَ الدُّعَاءُ وَالاسْتِغْفَارُ.
عِبَادَ اللهِ،لَا يُفَرِّطُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،إِلَّا الغِلَاظُ الأَجْلَافُ المَحْرُومُونَ مِنَ الخَيْرِ،الذَّينَ بَخِلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ،فلَمْ يُوقُوا شُحَّ الأَنْفُسِ، قَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: «البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبِانِيُّ .
وَأَمَا كَيْفِيَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَالْجَوَابُ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،حِينَ سَاَلَهُ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: قُولُوا: «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، الَّلهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهَ رَغِمَتْ أُنُوفُ غَلَاظٍ أَجْلَافٍ,لَا يُصَلُّونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,وَقَدْ أَرْغَمَ أُنُوفَهُمْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السِّلَامُ,وأَمَّنَ عَلَى ذَلِكَ خَيْرُ الأَنَامِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فَعَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ حِينَ " ارْتَقَى دَرَجَةً: «آمِينَ» ، ثُمَّ ارْتَقَى الْأُخْرَى فَقَالَ: «آمِينَ» ، ثُمَّ ارْتَقَى الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «آمِينَ» ، فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَفَرَغَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ كَلَامًا الْيَوْمَ مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ قَبْلَ الْيَوْمِ؟، قَالَ: «وَسَمِعْتُمُوهُ؟» ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ،عَلَيْهِ السَّلامُ،عَرَضَ لِي حِينَ ارْتَقَيْتُ دَرَجَةً فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبْرِ أَوْ أَحَدَهُمَا؛لَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ، قَالَ: قُلْتُ: آمِينَ، وَقَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادُ اللَّهِ،إِنَّ مُوَاطِنَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ,صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، كَثِيرَةٌ جِدًّا،وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ من مَوَاطِنِهَا إِلَّا عِنْدَ التَّشَهُّدِ،أَوْ فِي صَلاَةِ الْجَنَازَةِ، أَوْ فِي آخِرِ الْقُنُوتِ،أَوْ عِنْدَ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ،أَوْ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ،أَوْ الْخُرُوجِ مِنْهُ،أَوْ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ؛فَإذَا ذُكِرَ الرَّسُولُ, صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، بَادَرُوا بِالصَّلاَةِ عَلَيهِ،وَهَذَا أَمْرٌ حُسَنٌ،وَطَيِّبٌ،إِنَّمَا التَّقْصِيرُ يَحْصُلُ مِنَ الْبَعْضِ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،ابْتِدَاءً، كَأَنْ يصَلِّي عَلَيْهِ فِي بَيْتِه أَوْ مَجْلِسِه ,أوْ سُوقِه ,أَوْ عَمَلِهِ,أَوْ مَا شَابَهَهَا, دُونَ أَنْ يحْتَاجَ إِلَى مُذَكِّرٍ لَه ؛ لِأَنَّ المُذَكَّرَ أَوْ سَامِعَ الحَدِيثِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُمَا تَفْرِيطٌ فِي الغَالِبِ،وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ المَوَاطِنَ الَّتِي يَحْصلُ فِيهَا التَّقْصِيرُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ,كَثِيرَةٌ ، وَمِنْ ذَلِكَ :
1- عِندَ اجْتِمَاعِ القَومِ وَقَبلَ تَفَرُّقِهِمْ, لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ, (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ ,وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيْهِمْ ,إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم تِرَةً , فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ,وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
2- عِندَ وُرُودِ وَصْفِهِ أَوْ اسْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي القُرْآنِ, عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ،أَوْ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ,كَعْنْدَ تِلَاوَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)وَقَوْلِهُ تَعَالَى:(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) وَقَدْ نَبَّهَ اِبْنُ الْقَيِّمِ،رَحِمَهُ اللهُ،عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ جِلَاءِ الْأَفْهَامِ،وَقَدْ عَدَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَرَدَ اِسْمُهُ أَثْنَاءَ التِّلَاوَةِ؛مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ.
3- عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، للْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ،قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ،وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ : «إِذَا قُمْتُمْ عَلَى الصَّفَا فَكَبِّرُوا سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ حَمْدُ اللَّهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، وَصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُعَاءٌ لِنَفْسِكَ، وَعَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلُ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي تَحْقِيقِ فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ.
الَّلهُمَّ أَوْرِدْنَا حَوْضَهُ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهُ وَأَنِلْنَا شَفَاعَتَهُ وَاجْعَلْنَا فِي الجَنَّةِ بِجِوَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا,لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى،وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى،الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ،الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ،وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ،الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ،«اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ،وَأَوْلَادَهُمْ،وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ،وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ،وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ،ونستعينُهُ،ونستغفِرُهُ،ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ للنَّبِيِّ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،مَقَامًا عَظِيمًا؛فَهُوَ صَفْوَةُ خَلْقِ اللهِ صَاحِبِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ،وَالْحَوْضِ الْمَوْرُودِ. بِهِ هَدَى اللهُ الْخَلْقَ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ،وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ،وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ المُسْتَفِيدَ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،هُوَ المُصَلِّي عَلَيْهِ؛لِقَوْلِهِ صِلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ:(إِذَا سَمِعْتمْ المُؤَذِنَ فَقُولُوا كَمَا يَقُولُ،ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ,فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا,ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ؛فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ،لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ،وَأَرْجُو أَنْ أًكُونَ هُوَ؛فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعةُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَأَنْتَ يَا عَبْدَ اللهِ، الْمُسْتَفِيدُ؛لِأَنَّ الحَيَّ القَيومَ، يُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى خَلِيلِهِ،سَيِّد ِوَلدِ آدَمَ النُّورِ المُبِينِ وَالسِّرَاجِ المُنِيرِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم . وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَضَائِلُ عَظِيمَةٌ،وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ أُبيِّ بنِ كَعْبٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، قَالَ: فَقُلْتُ: الرَّبْعُ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، قَالَ أُبِيُّ فَقُلْتُ: النَّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، قَالَ أُبَيُّ فَقُلْتُ: الثٌّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، قَالَ أُبَيُّ فَقُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلُّهَا يَا رَسُولَ اللهٍ؟. قَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ،وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
قَالَ ابْنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَسَأَلْنَا شَيْخَنَا اِبْنَ تَيْمِيَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: كَانَ لِأُبِيِّ بُنِ كَعْبٍ, دُعَاءٌ يَدْعُو بِهِ لِنَفْسِهِ، فَسَأَلَ النَّبِيَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: «هَلْ يَجْعَلُ رُبْعَهُ صَلَاةً عَلَيْهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،؟ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ: أَجْعَلُ لَكَ النِّصْفَ؟ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، إِلَى أَنْ قَالَ أُبَيُّ : أجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَيْ: أَجْعَلُ دُعَائِي كُلَّهُ صَلَاةً عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ – قَالَ شَيْخُ الإِسْلَاِم : وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبًي,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، صَلَاةً وَاحِدَةً،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،وَمَنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، كَفَاهُ هَمَّهُ، وَغَفَرَ لَهُ ذَنْبَهُ.
قُلْتُ: وَصُورَةُ ذَلِكَ: لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا جَلَسَ فِي المَسْجِدِ لِلْدُعَاءِ مَا بَيْنَ الآذَانِ وَالإِقَامَةِ، فَلَوْ جَعَلَ كُلَّ هَذَا الوَقَتِ صَلَاةً علَىَ رَسُولِ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،؛ لَكُفِيَ الهَمَّ وَغُفِرَ لَهُ الذَنْبُ.
عِبَادَ اللهِ، الصَّلَاةُ عَلَى الرَّسولِ،وَصِيتةُ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،لِأُمَّتِهِ حَيْثُ قَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: «أَكْثِرُوا عَلَيَّ الصَّلَاةَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُصَلِّي عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, قَالَ رَسُولُ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكًا أَعْطَاهُ أَسْمَاءَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ، فَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِي إِذَا مِتُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً إِلَّا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، صَلَّى عَلَيْكَ فُلَانٌ، فَيُصَلِّي الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَشْرًا ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ،كَمَا فِي صَحِيحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لِلْأَلْبَانِيِّ .
عِبَادَ اللهِ،الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فَضْلُهَا عَظِيمٌ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ فِي عُلَاهُ، يُصَلِّي عَلَى النَّبِي,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،وَمَلَائِكَتُهُ الكِرَامُ,يُصَلُّونَ عَلَى مُحَمَّدٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ، وَخِيَارُ الأُمَّةِ ,مِنْ لَدُنِ الصَّدِيقِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، يُصَلُّونَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) . وَصَلاةُ اللهِ عَلَى نَبِيِهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، أَمَّا صَلَاةُ المَلَائِكَةِ ,وَالنَّاسِ فَهِيَ الدُّعَاءُ وَالاسْتِغْفَارُ.
عِبَادَ اللهِ،لَا يُفَرِّطُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،إِلَّا الغِلَاظُ الأَجْلَافُ المَحْرُومُونَ مِنَ الخَيْرِ،الذَّينَ بَخِلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ،فلَمْ يُوقُوا شُحَّ الأَنْفُسِ، قَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: «البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبِانِيُّ .
وَأَمَا كَيْفِيَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَالْجَوَابُ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،حِينَ سَاَلَهُ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،: قُولُوا: «الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، الَّلهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهَ رَغِمَتْ أُنُوفُ غَلَاظٍ أَجْلَافٍ,لَا يُصَلُّونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,وَقَدْ أَرْغَمَ أُنُوفَهُمْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السِّلَامُ,وأَمَّنَ عَلَى ذَلِكَ خَيْرُ الأَنَامِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فَعَنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ حِينَ " ارْتَقَى دَرَجَةً: «آمِينَ» ، ثُمَّ ارْتَقَى الْأُخْرَى فَقَالَ: «آمِينَ» ، ثُمَّ ارْتَقَى الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «آمِينَ» ، فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَفَرَغَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ كَلَامًا الْيَوْمَ مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ قَبْلَ الْيَوْمِ؟، قَالَ: «وَسَمِعْتُمُوهُ؟» ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ،عَلَيْهِ السَّلامُ،عَرَضَ لِي حِينَ ارْتَقَيْتُ دَرَجَةً فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبْرِ أَوْ أَحَدَهُمَا؛لَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ، قَالَ: قُلْتُ: آمِينَ، وَقَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ،وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ،وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى،وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى،وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادُ اللَّهِ،إِنَّ مُوَاطِنَ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ,صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، كَثِيرَةٌ جِدًّا،وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ من مَوَاطِنِهَا إِلَّا عِنْدَ التَّشَهُّدِ،أَوْ فِي صَلاَةِ الْجَنَازَةِ، أَوْ فِي آخِرِ الْقُنُوتِ،أَوْ عِنْدَ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ،أَوْ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ،أَوْ الْخُرُوجِ مِنْهُ،أَوْ إِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ؛فَإذَا ذُكِرَ الرَّسُولُ, صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، بَادَرُوا بِالصَّلاَةِ عَلَيهِ،وَهَذَا أَمْرٌ حُسَنٌ،وَطَيِّبٌ،إِنَّمَا التَّقْصِيرُ يَحْصُلُ مِنَ الْبَعْضِ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ,صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،ابْتِدَاءً، كَأَنْ يصَلِّي عَلَيْهِ فِي بَيْتِه أَوْ مَجْلِسِه ,أوْ سُوقِه ,أَوْ عَمَلِهِ,أَوْ مَا شَابَهَهَا, دُونَ أَنْ يحْتَاجَ إِلَى مُذَكِّرٍ لَه ؛ لِأَنَّ المُذَكَّرَ أَوْ سَامِعَ الحَدِيثِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُمَا تَفْرِيطٌ فِي الغَالِبِ،وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
عِبَادَ اللهِ،إِنَّ المَوَاطِنَ الَّتِي يَحْصلُ فِيهَا التَّقْصِيرُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ,كَثِيرَةٌ ، وَمِنْ ذَلِكَ :
1- عِندَ اجْتِمَاعِ القَومِ وَقَبلَ تَفَرُّقِهِمْ, لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ, (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ ,وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيْهِمْ ,إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم تِرَةً , فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ,وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
2- عِندَ وُرُودِ وَصْفِهِ أَوْ اسْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي القُرْآنِ, عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ،أَوْ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ,كَعْنْدَ تِلَاوَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ)وَقَوْلِهُ تَعَالَى:(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ) وَقَدْ نَبَّهَ اِبْنُ الْقَيِّمِ،رَحِمَهُ اللهُ،عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ جِلَاءِ الْأَفْهَامِ،وَقَدْ عَدَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَرَدَ اِسْمُهُ أَثْنَاءَ التِّلَاوَةِ؛مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ.
3- عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، للْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ،قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ،وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ : «إِذَا قُمْتُمْ عَلَى الصَّفَا فَكَبِّرُوا سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ حَمْدُ اللَّهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، وَصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدُعَاءٌ لِنَفْسِكَ، وَعَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلُ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي تَحْقِيقِ فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ.
الَّلهُمَّ أَوْرِدْنَا حَوْضَهُ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهُ وَأَنِلْنَا شَفَاعَتَهُ وَاجْعَلْنَا فِي الجَنَّةِ بِجِوَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا,لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى،وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى،الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ،الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ،وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ،الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ،«اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ». اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ،وَأَوْلَادَهُمْ،وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ،وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ،وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
مَشْكُولَةٌ.docx
مَشْكُولَةٌ.docx
مَشْكُولَةٌ.pdf
مَشْكُولَةٌ.pdf
غير مشكولة.docx
غير مشكولة.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق