فضل الصدقة والجود والإحسان

عبدالرحمن سليمان المصري
1445/09/04 - 2024/03/14 23:35PM

 فضل الصدقة والجود والإحسان

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ الذي فَضَّلَ شهرَ رمضانَ على بقيةِ الشُّهورِ ، وجَعلهُ موسماً لصالحِ الأعمالِ ومُضاعَفةِ الأُجُورِ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131 .

عباد الله : قدْ نَزلَ بِساحَتِنَا شَهرٌ كريمٌ ، وموسمٌ عظيمٌ مباركٌ ، شهرُ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآنِ ، شهرُ الصدقاتِ والبرِّ والإِحسانِ ، شهرُ إِطعامِ الطعامِ ، ومُواساةِ الفُقراءِ والمَساكينِ ، والأَراملِ والأيتامِ ، جَعلَ اللهُ فيهِ منْ فضائِلِ العِباداتِ

، وجَلائِلِ الأعمالِ ما لم يكنْ في غَيرِهِ ، فِيهِ تُقالُ العثراتُ ، وتُضاعَفُ فيهِ الحسناتُ ، وتُرفعُ فيهِ الدرجاتُ ، وللهِ في كلِّ ليلةٍ منه عُتقاءُ من النَّارِ.

عباد الله : لقد أَثنَى اللهُ عزَّ وجلَّ في كِتابِهِ على عِبادِهِ المُنفِقينَ ، وضربَ مثلاً للمُنفقِ ابتغاءَ مرضاتِهِ ، بأنَّ نفقتهُ مُضَاعفةٌ وعَمَلُهُ لا يَبُورُ أبداً ، بلْ يَتقبلُهُ اللهُ ويُنَمِّيِهِ ، ويُضَاعِفُهُ إلى سَبعَمائِةِ ضِعفٍ ، قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ

فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ البقرة : 261 ، قال سعيد بن جبير : في سبيل الله ، أي: في طاعة الله .

عباد الله : أَنْفِقُوا مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ، وَجَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، ‏﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ البقرة : 267 ، فَإِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ البقرة : 267  ، فَـ ‏﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى

تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ آل عمران : 92 ، ‏﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ

وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ البقرة :272.

و " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " رواه البخاري  .

 "والصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ كما تُطفئُ الماءُ النارَ " رواه الترمذي بسند صحيح  ، و" كل امرئٍ في ظل صدقته، حتى يُقضى بين الناس " رواه أحمد وصححه الألباني .وهيَ وِقَايةٌ منَ النَّارِ ، "فاتقوا النَّارَ، ولو بِشقِّ تَمرةٍ " رواه البخاري .

عباد الله : وقد كانَ السلفُ : يَحرِصُونَ على إِطعَامِ الطَّعَامِ ، وَيَرَونَهُ من أَفضَلِ العِبَاداتِ، مُقْتَدِينَ في ذلكَ بِنَبيِّنا صلى الله عليه وسلم ،  " فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ ، حِينَ يَلْقَى جِبْرِيلَ فَإِذَا لَقِيَهُ

جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ " رواه مسلم .

وإِطعَامُ الطَّعَامِ منْ صِفَاتِ عِبادِ اللهِ الأَبْرارِ ، الموعُودِينَ بالنعيمِ المقيمِ ، قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ الإنسان:8-9.

وقال صلى الله عليه وسلم :"  ‌إِنَّ ‌فِي ‌الْجَنَّةِ ‌غُرْفَةً ‌يُرَى ‌ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ "رواه أحمد بسند حسن.

وقال صلى الله عليه وسلم :" إنَّ الله ليُرَبِّي لأحدِكم التمرةَ واللقمةَ ، كما يُرَبِّي أحدُكم فُلُوَّهُ أو فَصيلَهُ ، حتى يكونَ مثلَ أُحدٍ " رواه ابن حبان وصححه الألباني.

عباد الله: تَوَخوا في صَدَقَاتِكُم أكثرَ الناسِ حاجةً وأَشدُهم فَاقةً ، من المـُتَعَفِّفِينَ الذين لا يُفطَنُ لهم ، قال تعالى : ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ البقرة : 273.

وكذا من أَصَابتهُمُ الأمراضُ والعاهاتُ ؛ فأقعدَتهُمْ عن التكسُّبِ والعملِ ، والإعانةَ لمن خَنقتهُمُ الدُّيونُ أو حَبستهُمْ في السُّجُونِ .

والصدقةُ تَعظُمْ وتَتَضَاعفُ ، إذا اِشتدتْ حَاجةُ الفقيرِ ، قال صلى الله عليه وسلم :" وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى ، سُرُورٌ

تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا " رواه الطبراني وحسنه الألباني .

عباد الله : وأوجُهُ الجُودِ والبِرِّ متنوعةٌ كثيرةٌ ، ومن ذلك: العنايةُ بالمساجدِ وعِمارتُهَا، وطِباعةُ المصاحفِ ونشرِهَا في الداخلِ والخارجِ ، وليحرصِ المسلمُ على التبرعِ عبرَ المنصاتِ الرسميةِ المُعتمدةِ لِضَمَانِ وصُولِها لمُستحقِيهَا: كمنصَّةِ

(إِحسان) ، ومنصَّةِ (جُودْ) ، ومنصَّةِ ( زكاتي)، ومنصَّةِ ( فُرِجت)، ومنصَّةِ  (ساهم) .

قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ البقرة : 245.

 بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا .        أما بعد :

عباد الله : إن من أجلِّ العباداتِ ، وأعظمِ القُرباتِ ، الصدقةُ على فقراءِ المسلمينَ ، بالمالِ والطعامِ واللباسِ والفراشِ وغيرها ، وهي سببٌ من أسبابِ نيلِ رحمةِ اللهِ ، والراحمونَ يرحمهمُ الرحمنُ .

والصدقة سبب في دفع البلاء ،  وتيسير الأمور، وتفريج الكروب، وإعانة الله جل وعلا  للعبدِ ، فاللهُ في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيِهِ ، كما أنها سبب في دفع البلايا والرزايا ، قال ابن القيم: فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواعِ

البلاءِ ، ولو كانتْ من فاجرٍ أو من ظالمٍ ، بل من كافرٍ، فإن اللهَ تعالىَ يدفعُ بِها عنهُ أنواعاً من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناسِ خاصتِهِمْ وعَامتهم .أ.هـ .

 عباد الله : إن أولَ من يستفيدُ من الصدقةِ ؛ هوَ المتصدقُ نفسهُ ، قال تعالى : ﴿  وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾البقرة:272. ، و قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:  قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ : ‌أَنْفِقْ ‌يَا ‌ابْنَ ‌آدَمَ ، ‌أُنْفِقْ ‌عَلَيْكَ " رواه

البخاري. فمَا ‌نَقَصَتْ ‌صَدَقَةٌ ‌مِنْ ‌مَالٍ .

عباد الله : بادروا بالأعمالِ الصَّالحةِ قبلَ أن تُشغَلُوا، وصِلُوا الذي بينَكمْ وبينَ ربكُمْ بِكثرةِ ذِكرِكُمْ لهُ، وكثرةِ الصدقةِ في السِّرِّ والعلانيةِ تُنصرُوا، وابتغوا بأموالكمُ الضُّعفاءَ والمحتاجِينَ تُرزقُوا، وارحموا أهلَ الحاجةِ ترحمُوا، وتاجرُوا مع ربكمْ بالإحسانِ إليهِم ، فإنها تجارةٌ لن تبُورَ .

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾الحديد:18 .

اللهم تقبل منا الصيام والقيام والدعاء وصالح الأعمال ، وأعتق رقابنا ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا وكل من أحببناه فيك ، ومن له حق علينا يا ذا الجلال والإكرام.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب : 56.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .    

المشاهدات 597 | التعليقات 0