فضل الصحابة رضي الله عنهم ومذهب أهل السنة فيهم

عبدالرحمن بن محمد التميمي
1443/07/02 - 2022/02/03 14:09PM
فضل الصحابة رضي الله عنهم ومذهب أهل السنة فيهم   الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، لا معطي لما منع ولا مانع لما أعطاه، أحمده وأشكره على جزيل مِنَحه ووافر عطاياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره، ولا رب لنا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا رسول الله وخليله ومُصطفاه، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم أن نلقاه. أما بعد:  فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا الله -رحمكم الله- ورأس التقوى مخافة الله، عباد الله: خير عبادِ الله بعدَ الأنبياء والمرسلين، وخيرُ الأمَم سابقِهم ولاحقهم، أولِّهم وآخرهم. رأسُ الأولياء وصفوة الأتقياء قدوةُ المؤمنين وأسوة المسلمين هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر الله في قلوبهم فعلم صلاحها وصدقها وإخلاصها وطهارتها فاختصهم بأفضل رسله، وجعلهم أصحابه وأنصاره، وحملة دينه، ومبلغي شريعته، وأول غرس للإيمان في هذه الأمة؛ فكل أنوار الوحي التي نهتدي بها إنما جاءت منهم -رضي الله عنهم-، حملوها وبلغوها،  هم الذين أقاموا أعمدَة الإسلام وشادوا قصورَ الدّين، قطعوا حبائلَ الشّرك، ، دُعُوا إلى الإسلام فقَبِلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه وحكَّموه، أدقّ النّاس فهمًا وأغزرُهم علمًا وأصدقهم إيمانًا وأحسنهم عملاً؛ امتدح الله في التوراة والانجيل قبل القرآن ذكرهم وضرب مثلهم فقال سبحانه: (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ) في تربيةٍ نبوية لا تطاولها تربية الحكماء، ولا خبراء التعليم، ولا معلمي الأخلاق: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) إنهم "معه" وله ملازمون في سرائهم والضراء، في شدتهم والرخاء، "معه" لا يتقدمون ولا يتخلفون، بِيض العيون من البكاء، خُمص البطون من الصيام، على وجوههم صلاح الخاشعين، وعملهم عملُ الوجِلين: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ) وكأنك متى رأيتهم لا تراهم إلا في صلاة لطول عبادتهم. جمع الله فيهم عزة المؤمنين ورحمتهم وتواضعهم وعظيم تعبدهم وجميل أخلاقهم:  (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)   هجروا الديار والأموال واستُنفِروا للجهاد فسلُّوا السيوف من أغمادها، فأخذوا بأطراف الأرض زحفًا زحفًا، وساروا إلى الهيجاء صفًّا صفًّا: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) محوا رسوم الجهل، وهدموا أنصاب الكهانة: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) صادقون في أقوالهم وأفعالهم ثابتون لا يتلونون ولا يبدلون: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) استقامةٌ على الدين، ولزوم للمنهج وزكاء في الظاهر والباطن: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا) رضي الله عنهم، السابقون لسبقهم والأنصار لنصرتهم وأتبع بالرضوان من تبعهم: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) حفَظَة الدين وأمناؤه لا يعوض ذهابهم ولا تسد ثلمت فقدهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ". رواه مسلم. لزموا رسول الله فأحبوه وأجلوه ووقروه وخدموه الرجال والنساء صغيرهم وكبيرهم فأنالهم الله حقهم قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" لا يساويهم أحد مهما فعل في عبادتهم وبذلهم قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ". رواه الشيخان وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما قال: "لمُقامُ أحدهم ساعة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من عمل أحدِكم أربعين سنة". إنهم رعيل الإسلام الأول، قلَّ نظيرهم، وعزَّ مثيلهم، أوفياء لله ولرسوله، صحابة رسول الله الذين أحبوه ففدوه بأنفسهم وأولادهم وأموالهم وحملوا دين الله للمشرق والمغرب ليبلغوه، بذلوا لأجله مهجهم وهجروا أوطانهم واستشهد كثير منهم في جهادهم متفرقين في أرض الله مغتربين عن أهلهم فسبَق لهم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحِمهم الله وهنأهم بما ءاتاهم ورضي عنهم وأرضاهم. فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. الـخطبة الــــثانية: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد: عباد الله: من أصول أهل السنة والجماعة، سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلامة القلب من البغض والغل والحقد والكراهة ، وسلامة ألسنتهم من كل قولٍ لا يليق بهم ؛ لقول الله تعالى : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم"   ومن أصول أهل السنة قبول ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ويفضلون من أنفق من قبل الفتح ـ وهو صلح الحديبية ـ وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل، لقول الله تعالى: " لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير" ويقدمون المهاجرين على الأنصار؛ لقول الله تعالى:  "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر ـ وكانوا ثلاث مئة وبضعة عشر ـ : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون بأنه لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها " رواه مسلم ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة ، وثابت بن قيس بن شماس ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، ويُقرون بما تواتر به النقل عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ويُثلثون بعثمان ، ويربعون بعلي ، رضي الله عنهم . وأهل السنة والجماعة كما قال الإمام الطحاويُّ -رحمه الله-: "نحبُّ أصحابَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نُفرِطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأُ من أحدٍ منهم، ونُبغِضُ من يُبغِضُهم وبغير الحقِّ يذكُرهم، ولا نذكُرهم إلا بخيرٍ، وحبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغضُهم كفرٌ ونفاقٌ وطُغيان". ا.ه   والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة ومع ذلك لا بدَّ أن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا بمعصومين وإنما هم بشرٌ يجوزُ عليهم ما يجوز على غيرهم .     وما صدر من بعضهم من المعاصي أو الأخطاء، فهو إلى جانبِ شرفِ الصحبة وفضلِها مُغْتَفَرٌ ومَعْفُوٌّ عن صاحبه، والحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئات ، ومقامُ أَحَدِ الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم لحظة من اللحظات في سبيل هذا الدين لا يعدلها شيء .   يقول شيخ الإسلام رحمه الله: " وأهل السنة تحسن القول فيهم وتترحم عليهم وتستغفر لهم ، لكن لا يعتقدون العصمة من الإقرار على الذنوب وعلى الخطأ في الاجتهاد إلا لرسول الله ، ومن سواه فيجوز عليه الإقرار على الذنب والخطأ ، لكن هم كما قال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) "  [ مجموع الفتاوي 4/434 ] . فرضي الله عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم في عباده الصالحين
 
المرفقات

1643897360_فضل الصحابة رضي الله عنهم للجوال.docx

المشاهدات 841 | التعليقات 0