فضل الذكر

الخطيب المفوه
1433/06/20 - 2012/05/11 07:57AM

فضل الذكر
خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبد العزيز الدريهم .

بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله؛ فَلا مُضلَّ له ، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
إنه أيها الأحبة في الله ، لا غنى لأحدنا عن ربِّه طرفة عين ، ولا أقل من ذلك ولا أكثر ؛ فأنت محتاجٌ إلى ربك في قيامك وقعودك ، في نومك ويقظتك ؛ وفي شأنك كله ، ولولا فضلُ ربنا وإنعامُه لما قرَّت حياتنا ، ولما نَعِمْنا في هذه الحياة . فالله سبحانه هو الذي خلقنا وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة . فلك الحمد يا ربَّنا على ما أنعمتَ وأفضلت ، كما نسألك سبحانك أن تزيدنا مع النِّعَمِ نعماً وترزقَنا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
لو أسدى لك المخلوق معروفاً أيها المحب ، لظللت مديناً له به ، ولظللت ذاكراً له شاكراً ، وهو معروفٌ واحد ؛ فكيف بمن نِعَمُه عليك تترى منذ الولادة وحتى الممات ، لا ريب أنه أحقُّ بالذكر وأولى ، لكننا عن هذا في غفلة . والمنعم المتفضل سبحانه ، لا يكاد يذكر منا إلا قليلاً ، مع أن في الذكر له ـ سبحانه ـ قوامَ الحياة ونظامَها ، ونشاطَ الأبدان واعتدالها ، بل إن الذكر ليَنْفُخُ في الأجساد الحياة الحقَّة ، حتى لكأن الذاكرَ ذو حياة بين الأموات « مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحيِّ والميت » .
وذكرُ الله سبحانه وتعالى تُستجلَب به النعم ، وتُستدفع به النقم ، فما دام العباد في ذكر ربهم ، فنِعم الله عليهم تتنزل ، لا يكاد يلحقهم فيها عنتٌ أو مشقة ، فهم في وفرة ، وفي بعد عن الحاجة والفاقة ، كما أن ذكرَ الله يرفع عن الذاكرين كلَّ آفة تكدِّرُ عليهم صفو الحياة ونعيمَها ، ) وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( .
وخير أعمال العباد الذكر ، بل هو خيرٌ من الجهاد في سبيل الله ، وخير من الإنفاق الكثير في سبيل الله « ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعِها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم ، قالوا: بلى يا رسول الله ، قال : ذكر الله عز وجل » ، بل لم تشرع الشرائعُ من صلاة وحج إلا من أجل ذكر الله سبحانه وتعالى .
وذكرُ الله لو علمنا كبير ، لا يعلوه شيء ، أو يفوقه ) وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ( ، بل الربُّ لو عقلنا والتقربُ إليه أكبر من كل رغبة أو شهوة نُلِمٌّ ، أو نؤثرها، ولجِلال الذكر له وعظمتِه أمرَ الربُّ بالإكثار من ذكره ) يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ كَثِيْراً (، ) وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيْراً ( ، وهذا لم يُطلب في أيِّ طاعة سواه، بل إن الفلاح مرتب على الذكر الكثير ، ) لَعَلَّكُمْ تَفُلِحُونَ ( ، وكفى بهذه الكلمة تحصيلاً للمطلوب ونجاة من المرهوب .
بل إن منزلتك من الله بقدر منزلة الله في نفسك ؛ وذكر الله لك بقدر ذكرك له ؛ فمن ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه ، ومن ذكر الله في ملأ ذكره الله في ملأ خير من ملئه ، وكفى بذلك شرفاً ومكانة ، بل إن الذكر من العبد يجلو القلب من صدأ الذنوب والمعاصي ؛ حتى يكون كالمرآة البيضاء ، بل إن القدوة الحقيقية للإنسان هم أهل الذكر ) وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتبَّعَ هَوَاهُ ( .
وذكر الله أيها المحب ، يكون بالقلب ويكون باللسان ، فأرفعها ما توطأ عليه القلب واللسان ، ثم ما كان بالقلب ، وأدناها ما كان باللسان ، ومن الذكر وهو ذو منزلة فيه ما صاحب الأمرَ والنهي ، والحلالَ والحرام ؛ فأنت إن تركت المعاصي وعملت الطاعات لله سبحانه وتعالى ؛ فأنت من أهل الذكر ؛ لأن هناك من نسي ؛ فارتكب الموبقات وودع الطاعات ، وشتان شتان بينهما .
كل منا أيها الأحبة في الله ، يريد أن يلحق بركاب أهل الطاعات ، لكنَّ نفسَه الأمارة بالسوء والشيطان يحجبانه عن ذلك السبيل ويصدانه عنه ؛ فنقول له : عليك بالذكر ؛ لأن الذاكر أبعدُ ما يكون من الشيطان ، بل إن الذكر ليطرد الشيطان ويجلب ملائكة الرحمن ، كما أن الذكرَ يزيد الإنسان قوة إلى قوته ، وكفى بذلك سبيلاً لتحصيل الطاعة والمداومةِ عليها .
ولو التفت ذات اليمين وذات الشمال أيها الموفق ، لوجدتَ من يشكو الهموم والغموم ، وهناك من يشكو ضِيقَ الرزق ، وذكر الله لو علموا جلاءٌ للهموم والغموم ، وهو سببٌ متين للرزق ، بل إن الناس ما علتهم تلك النكبات إلا بسبب من البعد عن الله سبحانه وتعالى ، فوكلهم الله إلى أنفسهم، ومن وكل إلى نفسه وكل إلى ضيعة وضياع ومعاناة ، نسأل الله العافية .
فاذكروا الله أيها الأحبة في الله ، قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم ، واذكروا الله في كل أحيانكم ، يبارك لكم في أنفسكم وفي ذراريكم وفي أموالكم ، وعندها تنالون الخير والرضَا ، والنجاحَ والفلاحَ والسداد .
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.












الحمد لله على إحسانه ، ونشكره على توفيقه وامتنانه ، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليماً .
أما بعدُ :
فمن ذكر الله أيها الأحبة في الله ، تلاوةُ كتاب الله ، بل هو خيرُ الذكر وأزكاه ، فأكثر الخلق قراءةً للكتاب أكثرًهم لله ذكراً ، وكم في هذا الكتاب من أُنْسٍ لمن اختلى به ، وكم فيه من لذةٍ لمن باشر قلبه ، فهو ربيعُ القلوب ، ونور الصدور ، وجلاءُ الأحزان ، وهو المشتت للهموم والغموم ، وهو حبل الله المتين الموصلُ للربِّ الكريم ، ومن حفظ القرآن فكأن النبوة استكنت بين جنبيه إلاَّ أنه لا يوحى إليه ، بل إن من الصفاتِ التي وصفت بها هذه الأمة في الكتب السابقة أن أناجيلهم في صدورهم .
لننظر لحالنا أيها الجمع الكريم ، مع كتاب ربنا الكريم لا أظنها أيها الجمع الكريم ، إلا حال مزرية ، لقد هُجِرَ الكتاب ، ولقد كاد يصدق فينا قول ربنا : ) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً ( ، لقد هجرنا قراءته ؛ حتى أصبح بعضنا لا يقرأه إلا من الحول إلى الحول من رمضان إلى رمضان ، وهجرنا تدبره فأصبحنا نهذه هذاً هم أحدنا آخرُ السورة أو الجزء ، ولو صلحت قلوبنا لما شبعنا من كتاب ربنا ، وهجرنا العمل به ، فأضحينا نخالف أمره ونهيه ،ولا نقيم لوعده ووعيده وزناً ، كما هجرنا الاستشفاء به ، وهو لو علمنا شفاءٌ للقلوب والأجساد ، ) وَنُنَزِلُ مِنَ القُرَآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِيْنَ ( .
لقد هَجَرَتِ الأمةُ حَبْل ربها المتينَ : القرآنَ الكريم ، واستبدلته بمنتن الأفكار والرؤى ، وما زادها ذلك إلا طغياناً كبيراً ، ولا فلاح للأمة ولا نجاح إلا بأن تعاود نهج أسلافها ومصدر صلاحها ، وهو القرآن الكريم ، فيا من أراد الهداية والفلاح ، وأرد السلامة من منغصات الدنيا وغمومها ، عليك بكتاب ربك قراءة وتدبراً وعملاً ، وبقدر ما تقضي من وقتك فيه بقدر ما تزداد من التوفيق والفلاح .
كم هو جميل أيها الجمع الكريم ، أن تتضمن أجهزة الاتصال كتابَ الله سبحانه وتعالى ، بل إن أول البرامج تحميلاً لهواتفنا الكفية ، هو القرآن الكريم؛ لذا فالكتاب الكريم أصبح مصاحباً لنا في كل أحوالنا ، وقد قامت الحجة علينا بذلك ، لكن رغم هذا الحرص ـ لو تأملنا ـ لوجدنا القليل من الناس من يقرأُ القُرآنَ ، وهذا مصاب لو علمنا عظيم ، لقد آن لنا أن ننزل البركة على أنفسنا وذرياتنا وبيوتنا ، وذلك بقراءة القرآن الكريم ، وحيثما قرأتَ الكتاب العزيز فأنت تخاطب الله ، فأكثروا من خطاب الله وسلوه من فضله ؛ فإن فضله عظيم ، فاللهم يا حي يا قيوم ، اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وغمومنا وقائدنا وسائقنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم .
المرفقات

فضل الذكر.doc

فضل الذكر.doc

المشاهدات 3224 | التعليقات 1

جزاكما الله كل خير