فضل التسبيح 30-3-1443

محمد آل مداوي
1443/03/29 - 2021/11/04 16:32PM

الحمدُ لله، الذي تفرَّدَ بالخَلْقِ والتَّدبير، وتَصَرَّفَ بالحِكمَةِ البالغةِ وبَدِيعِ التَّقدير، لا يَعْزُبُ عنهُ مِثقالُ ذرَّةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وهو اللطيفُ الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العليُّ الكبير، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، البشيرُ النذير، والسِّراجُ المنير، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتَّقوا الله رحمكم الله. ما شَغَلَ عَنِ الله فهو شُؤم، والتُّؤَدَةُ خيرٌ إلَّا في أَمْرِ الآخرة: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)

أيها المسلمون: لا شيءَ أعظَمَ مِنَ الله؛ قَدْرًا وذَاتا، وأسماءً وصِفَاتا، ولا ذِكْرَ أفضلَ مِنْ ذِكرِه سبحانه.. مُتَّصِفٌ بالكمَالِ والجَمَال، والعَظَمَةِ والجَلال، مُنَزَّهٌ عن كُلِّ عَيبٍ ونَقْص، أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الأسماءَ الحُسْنى، والصِّفاتِ العُلا، وقَرَنَ ذلكَ بالتَّسبيحِ له: )هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)

(سُبحانَ الله): كَلِمَةٌ يُعَظَّمُ بها الرَّب، وتَعْني أنَّهُ مُنَزَّهٌ عن كُلِّ عَيبٍ؛ كالصَّاحِبَةِ والوَلدِ وغيرِ ذلك، ومِنْ كُلِّ نَقصٍ كالعَجزِ والنَّومِ وغيرِها، وكُلُّ ما يُنَافي أسماءَهُ وصِفَاتِهِ فهو مُنَزَّهٌ عنه.

 

ولقد وَرَدَ التَّسبيحُ في القُرآنِ الكريمِ أكثرَ مِن ثمانينَ مرَّة، وافْتَتَحَ سُبحانه بِهِ سَبْعَ سُوَرٍ مِنْ كتابِه.. هو أفضَلُ الكَلام، وهو ما اصطفَاهُ اللهُ للمُقَرَّبينَ إليه، سُئِلَ النبيُّ r: أيُّ الكلامِ أفضَل؟ فقال: (ما اصطفَى اللهُ لملائكتِهِ أو لِعَبَادِه: سُبحانَ اللهِ وبَحمدِه) رواه مسلم.

والملائكةُ معَ ما وُكِلَ إليهم مِنَ الأعمَالِ العَظِيمَةِ الجَليلة: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)

وهُمْ بتَسْبِيحِهِمْ لِرَبِّهم يَشْرُفُونَ ويَفْخَرُون، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) وحَمَلَةُ العَرشِ لا يَنقَطِعُونَ عَنِ التَّسْبيح؛ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)

 

وأمَّا رُسُلُ اللهِ وأنبياؤه: فالتَّسبيحُ ذِكرُهم، وهو عِندَ الشَّدائدِ مَفْزَعُهم، فهذا يونسُ عليهِ السَّلامُ وهو في ظُلُمَاتِ الليلِ والبَحْرِ وبَطْنِ الحُوت؛ نادَى ربَّهُ بالتَّوحيدِ والتَّسبيح؛ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فنَجَّاهُ اللهُ وقال: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

ونبيُّنا محمدٌ r حياتُه كلُّها تسبيح، فإذا قرَأَ القُرآنَ ومَرَّ بآيةٍ فيها تَنزِيهٌ للرَّحمنِ سبَّح، وإذا قامَ مِنَ الليلِ أطالَ التسبيحَ في ركُوعهِ وسُجودِه، وإذا رَكِبَ دابَّتَهُ قال: "سُبحانَ الذي سَخَّرَ لنا هذا"، وإذا نَزَلَ وَادِيًا سَبَّح، وإذا رأى الأمرَ الذي يُتَعَجَّبُ منهُ سبَّح، وإذا أوَى إلى فِرَاشِهِ سبَّحَ ثلاثًا وثلاثين.. وحينَ اشتدَّ أذى المُشرِكينَ بهِ فأحاطَ بهِ الهمُّ، وضَاقَ بهِ الصَّدر؛ أَمَرَهُ ربُّه بكثْرَةِ التسبيحِ له؛ لِيَنْشَرِحَ صَدرُه، ويَذْهَبَ عنهُ هَمُّهُ وغَمُّه، فقال: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)

 

والسَّماواتُ والأرضُ ومَنْ فِيهنَّ؛ كلُّها تُسبِّحُ للهِ، مُقِرَّةً بِكَمَالِه، خَاضِعَةً لِسُلْطَانِه؛ )تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)

واللهُ سَبَّحَ نفسَهُ المُقَدَّسةَ، وأَرْشَدَ عِبادَهُ إلى تَسْبِيحِه في المسَاءِ والصَّباح؛ (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)

 

عباد الله: والتَّسبيحُ مِنْ أفضَلِ زَادِ الآخِرَة، قالَ عليه الصلاةُ والسلام: (مَنْ قالَ حِينَ يُصْبِحُ وحِينَ يُمْسِي: سبحانَ اللهِ وبحمدِه مِئةَ مرَّة؛ لم يَأتِ أحدٌ يومَ القيامةِ بأفضَلَ ممَّا جاءَ بهِ إلا أَحَدٌ قالَ مِثلَ ما قالَ أو زادَ عليه) رواه مسلم.

ولِعَظيمِ فَضْلِ التَّسبيح؛ لَمَّا بَلَّغَ النبيُّ r الرِّسَالةَ وأدَّى الأمانةَ ودَخَلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفوَاجًا؛ أَخْبرَهُ ربُّه بِدُنوِّ الأَجَل، وأَمَرَهُ بأنْ يَخْتِمَ حَيَاتَهُ بالتَّسبيحِ للهِ؛ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. أما بعدُ: عبادَ الله:

فإن التسبيحَ يَمْحُو الخَطايا، ولو كَثُرَتِ الذُّنوب؛ قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قال: سبحانَ اللهِ وبحمدِه مئةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطايَاهُ وإنْ كانت مِثْلَ زَبَدِ البحرِ) متفق عليه

ولِمَا في التَّسبيحِ مِنْ نَعيمِ القَلبِ وانْشِرَاحِه، ورَاحَتِهِ وسُرورِه؛ فهو لا يَنْقَطِعُ بانقِضَاءِ الدُّنيا، فأهلُ الجنَّةِ يُلْهَمُونَ التَّسبيحَ ولا يَفْتُرونَ عنه، بِلا مَشَقَةٍ ولا كُلْفَة؛ (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) ، وقالَ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أهلَ الجنَّةِ يُلْهَمُونَ التَّسبيحَ والتَّحميدَ كما تُلْهَمونَ النَّفَسَ) رواه مسلم.

اللهم اجعلنا لكَ ذاكرينَ، لك شاكرينَ، لك راهبينَ، لكَ مُطواعِينَ، اللهم أعنَّا على ذِكركَ وشكركَ وحُسْن عبادتك.

اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارِكْ على محمد وأزواجه وذريته، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدينَ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصُر عبادَك المؤمنين، يا رب العالمين.

اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، واجزه عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده الأمين لِمَا فيه خيرٌ للإسلام والمسلمين، اللهم ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصر جنودَنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم انصرهم نصرًا مؤزرًا، عاجلًا غير آجِل، برحمتك يا أرحمَ الراحمينَ، لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانكَ إنَّا كنَّا من الظالمينَ.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المشاهدات 1466 | التعليقات 0