فضل الإسلام وبيان حكم المرتد

محمد المطري
1446/02/21 - 2024/08/25 11:39AM

فضل الإسلام وبيان حكم المرتد

الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، السابقة واللاحقة، ما نعلم منها وما نجهل.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم إنا نُثني عليك ولا نكفُرَك، ونعبدك وحدك لا شريك لك، نركعُ ونسجدُ لك ذِلا وخضوعًا، ونصلي ونصومُ لك شكرًا وتعظيمًا، وندعوك خوفًا وطمعًا، نخاف عذابك، ونرجو رحمتك، لا ملجا لنا منك إلا إليك، ولا حول لنا ولا قوة إلا بك.

وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أرسله للناس عامة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه. أما بعد:

فالإسلام هو دين الله الذي رضيه لعباده، ولا يرضى لهم سواه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]، وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، فالدين عند الله واحد، وهو الإسلام، وهو دينُ جميعِ الأنبياء، وإن اختلفت بعضُ الشرائع، وقد بدَّل اليهودُ والنصارى دينَ الإسلامِ، وغيَّروا اسمَ الإسلام إلى اليهودية والنصرانية، بل غيَّروا حتى اسمَ اللهِ، فسماه اليهود يَهْوَه (Yhwh)، وسماه النصارى قَاد ((God، مع أن أسماء الأعلام لا تتغير بتغير اللغات، وضيعوا الصلاة فصارت عندهم بلا ركوعٍ ولا سجود، وغيَّروا الصيام، فاليهود يصومون خمسة أيام في السنة، من غروب الشمس إلى غروبها، بلا سحور، والنصارى يأكلون ويشربون في صومهم، وإنما يمتنعون من تناول اللحوم ومنتجات الألبان، فصار صومهم بلا معنى، فضيعوا دين الإسلام الذي كان عليه الأنبياء، فمن رحمة الله أن أرسل للبشرية نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم الأنبياء، فرسالةُ النبي محمدٍ ضروريةٌ لبيان دين الله الحق الذي ضيعه أهلُ الكتاب وبدَّلوه وحرَّفوه، قال الله سبحانه: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [ البينة:1-4]، ولا يليق بحكمة أرحم الراحمين أن يترك الناس في الضلال، ولا يرسل إليهم رسولًا يبين لهم الحق من الباطل، قال الله سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم: 1].          

أيها المسلمون، جعل الله أمة محمدٍ خير أمةٍ أُخرِجت للناس، هداهم الله بكتابه وسنةِ رسوله، وجعلهم وسطًا عدلًا خيارًا، فهم وسطٌ في توحيد الله وأسمائه وصفاته، وفي الإيمان بجميع رسله وكتبه، وهم وسطٌ في شرائع دينه، فأمرهم بالمعروف، ونهاهم عن المنكر، وأحل لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث، ولم يُحرِّم عليهم شيئًا من الطيبات كما حرَّم على اليهود الإبل والشحوم، ولم يُحِل لهم شيئًا من الخبائث كما استحلَّت النصارى الخنزير.

 ولم يُضيِّق الله على المسلمين باب الطهارة والنجاسة كما ضيَّق على اليهود، ولم يرفع عنهم طهارة الحدث والخبث كما رفعته النصارى.

 واليهود يبالغون في طهارة أبدانهم مع خبث قلوبهم، والنصارى يدَّعون أنهم يُطهِّرون قلوبهم مع نجاسة أبدانهم، والمسلمون يُطهِّرون أبدانهم وقلوبهم جميعًا.

والمسلمون لم يستكبروا عن عبادة الله كفعل اليهود، ولا أشركوا بعبادته كفعل النصارى.

والمسلمون لم يجعلوا الخالق سبحانه متصفًا بخصائص المخلوق: من الفقر، والبخل، والعجز، والتعب كما يصفه اليهود، ولا جعلوا المخلوق متصفًا بخصائص الخالق سبحانه كفعل النصارى حيث عبدوا عيسى عليه الصلاة والسلام، وجعلوه إلهًا مع الله.

والمسلمون وسطٌ في المسيح، فاليهود يقولون: هو ساحرٌ وكذابٌ وابنُ زنا، ونحن قتلناه، والنصارى يقولون: هو إلهٌ وثالثُ ثلاثة وابنُ الله وأنه قُتِل وصُلِب ثم ارتفع إلى السماء ونحن نعبدُه، والمسلمون يقولون: هو عبدُ الله ورسولُه، وهو عيسى ابنُ مريم خلقه الله بلا أبٍ ليجعله للناس آية، وأيده بالمعجزات العظيمة، فلما كذَّبه اليهود وأرادوا قتله نجاه الله منهم ورفعه إلى السماء، قال الله تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء:157-158].

 واليهود قتلوا النبيين والذين يأمرون بالقسط وبخسوهم حقوقهم، والنصارى غَلَوا في الأنبياء والصالحين واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم، والمسلمون آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولم يُفرِّقوا بين أحد من رسله، وآمنوا بجميع النبيين، وبكل كتاب أنزله الله، فلم يُكذِّبوا أحدًا من الأنبياء، ولا غلوا فيهم ولا عبدوهم، وكذلك أهل العلم والدين لا يبخسونهم حقهم، ولا يَغلُون فيهم.

والمسلمون لا يُجوِّزون لأحدٍ كائنًا من كان أن يُغيِّر شيئًا من شريعة الله، فلا يُحلِّلون ما حرَّم اللهُ ورسوله، ولا يُحرِّمون ما حلَّل اللهُ ورسوله، وليست عقيدةُ المسلمين آراءَ مجامعَ ولا قراراتِ كنائس، بخلافِ النصارى الذين ابتدعوا بعد المسيح بِدَعًا ليست مذكورة في كتبهم، ولا أنزل الله بها من سلطان، مثلُ تعظيمِ الصليبِ واستحلالِ لحمِ الخنزير وتركِ الختان، ويزعم النصارى أنَّ ما شرعه أكابرهم من الدين فإنَّ المسيح يُمضيه لهم، ويجعلوه دينًا لهم وإن خالف أناجيلهم!

أيها المسلمون، رسالةُ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم عامةٌ لجميع المكلفين عربِهِم عجمِهِم، وإنسِهِم وجنِّهِم، كما قال الله سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1]، وقال النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم: ((كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعِثتُ إلى الناس عامة)).

فكل من سمع بالنبي محمد صلى الله عليه سلم ولم يؤمن به فهو كافرٌ من أهل النار كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: 17]، وفي الحديث الصحيح أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)). 

أيها المسلمون، من مات على الكفر فعليه لعنةُ الله، وحبط ما عمله من الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [البقرة: 161]، وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65]، وقال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان:23]، فما عمله الكافرُ في حياته من خيرٍ كنفع الناسِ فهذا تَسخِيرٌ كَوْنيٌّ له من الله؛ كتسخير الله سائرَ المنافعِ للعبادِ كالشمس والقمر والرياح والسحاب والبحار والماء والهواء، والعمل الصالح بلا إيمان لا ينفع صاحبه في الآخرة، وإن كان ينفعه في الدنيا بزيادة الرزق والعافية، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا)).

أيها المسلمون، اعلموا أن اليهود يعتقدون أنَّ الإله واحد، ولم ينفعهم ذلك؛ لأنهم كفارٌ كذَّبوا النبي عيسى ثم النبي محمدًا صلى الله عليهما وسلم، وغضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل ثم بالقرآن، والنصارى فرقٌ كثيرة، منهم مَنْ يقول: عيسى إله، ومنهم من يقول: هو ابنُ الله، ومنهم من يقول: هو ثالثُ ثلاثة، ومنهم من لا يقول بأنَّ عيسى إله، لكنهم يشركون بالله في دعائهم عيسى ومريم، وجميعهم يكفرون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وبعض النصارى يعتقد أنه رسول للعرب فقط، ويُكذِّب بأنه رسولٌ للعالمين، وكلُّهم كفرةٌ لا يؤمنون بآيات القرآن، ولا يُحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ولا يدينون دين الحق الذي بعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله عن كفر اليهود والنصارى لكونهم يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: 150، 151].

أيها المسلمون، الواجب على كل إنسان أن يستسلمَ لله بالتوحيد، وينقادَ له بالطاعة، ويتبرأَ من الشركِ وأهله، ويتمسك بشريعة الإسلام التي رضيها الله لعباده، وأمرهم أن يعملوا بها، ويحتكموا إليها، ولا يجوز للمسلم أن يداهن الكافرين بقولٍ أو فعل، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]، وواجبٌ علينا أن نرد جميع خلافاتنا إلى كتاب الله وسنة رسوله، قال الله تعالى: ﴿فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: 59]، وقال سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]. 

ولا يجوز أن نعارض قول الله وقول رسوله بقول أحدٍ كائنًا من كان، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1]، ولا يجوز أن نُعرِض عن حكمٍ ثابتٍ في كتاب الله وسنة رسوله بأي مبررٍ، فليست شريعةُ اللهِ خاضعةً لأهوائنا وآرائنا، بل يجب أن نخضع لها إن كنا مسلمين.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، وأستغفر الله لي ولكم وجميع المسلمين.


 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي شرع لنا الإسلام، وأنزل القرآن، وأرسل رسوله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وبعد:

يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [يونس: 108]، فمن تمسك بالإسلام فقد اهتدى، ونفع نفسه في الدنيا والأخرى، ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217].

أيها المسلمون، الردة عن الإسلام تكون بخمسة أشياء:

بالاعتقاد أو الشك أو القول أو الفعل أو ترك الفعل، سواء كان ذلك اعتقادًا أو عنادًا مع التصديق أو استهزاء ولعِبًا.

مثال الردة بالاعتقاد: أن يُنْكِرَ الإنسانُ وجود الله أو يعتقدَ كذِبَ القرآن أو يُكذِّبَ الرسولَ محمدًا صلى الله عليه وسلم أو يُكذِّبَ بالبعث بعد الموت أو يعتقدَ صحةَ دينِ الكفار من اليهود والنصارى والبوذيين وغيرهم أو يُنكِرَ وجوبَ الصلوات الخمس أو يعتقدَ عدمَ وجوبِ الحكمِ بشرع الله أو يَكرَه شيئًا من دين الله وإن عَمِل به، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 9].

ومثال الردة بالشك: أن يشكَّ في وجود الخالق أو صحةِ القرآن أو يشكَّ في البعث بعد الموت، ومن الأدلة عليه قوله سبحانه حاكيًا قول صاحب البُستانَين حين شك في قيام الساعة: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [الكهف: 36، 37].

ومثال الردة بالقول: أن يُشْرِكَ بالله بدعاء غيرِ الله، كأن يدعو المسيح أو يدعو مريم أو يدعو الرسول محمدًا أو يدعو قبر وليٍّ صالح أو يستهزئ بالله ورسوله وآياته أو يسب الله ورسوله أو يُحلِّل شيئًا محرمًا بالنص الصحيح الصريح والإجماع القاطع أو يُحرِّم شيئًا حلالًا بالنص والإجماع، حتى لو كان إنكاره بقوله عنادًا أو استهزاءً مع تصديقه بالحق، ومن الأدلة عليه قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: 65، 66]، وقوله سبحانه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14].

ومثال الردة بالفعل: أن يُلقي المصحفَ الشريفَ في القاذورات أو يسجدَ لقبرٍ أو صنمٍ أو يستعملَ السحر باستخدامِ الشياطين أو يجلسَ مع الذين يخوضون في آيات الله بالكفر والاستهزاء مع عدم الإنكار عليهم، ومن الأدلة عليه قوله سبحانه: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء: 140].

ومثال الردة بالترك: أن يتركَ الصلاة بالكلية، ويمتنعَ من أدائها، حتى وإن كان مصدِّقًا بالله واليوم الآخر، كما امتنع إبليسُ عن امتثال أمر الله بالسجود لآدم فكفر، مع تصديقه بالله وبالبعث وبالجنة والنار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)).

ومن سوَّغ لنفسه الخروج عن حكم الله وشرعه فهو كافر بالله، مستحقٌ للعقوبة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:49-50].

أيها المسلمون، الدخول في الإسلام واجب، والخروج منه ردةٌ توجب القتل، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ))، فيُستتاب المرتد فإن تاب وإلا قُتِل بحكمٍ قضائيٍّ شرعي، فالشريعة الإسلامية تعاقب على الردة بالقتل؛ لأنَّ الردة تقع ضد الدين الإسلامي الذي عليه يقوم النظام الاجتماعي للجماعة المسلمة، فالتساهل في هذه الجريمة يؤدي إلى زعزعة هذا النظام، ومن ثَمَّ عوقب عليها بأشد العقوبات استئصالًا للمجرم من المجتمع، وحمايةً للنظام الاجتماعي من ناحية، ومنعًا للجريمة، وزجرًا عنها من ناحية أخرى.

وأكثر الدول اليوم تحمي نظامها الاجتماعي بأشد العقوبات على من يخرج على نظامها أو يحاول هدمه أو إضعافه، وأول العقوبات التي تفرضها القوانين الوضعية لحماية النظام الاجتماعي هي عقوبة القتل، والإسلام لا يُبيح للمسلمين الخروجَ من الإسلام؛ لأنَّ هذا يُعتبر خِذلانًا لدين الله، والذي يرتد عن الإسلام ويجهرُ بردته يكون عدوًا للإسلام والمسلمين، فهو يُعلن بردتِه حربًا شعواء على الإسلام والمسلمين، أما من لم يجهر بردته فإنه منافق، يُعامل معاملة المسلمين بحسب الظاهر، وحسابُه على الله.

والردة ليست مجرد موقف عقلي، بل هي أيضًا تغييرٌ للولاء، وتبديلٌ للهُوية، وتحويلٌ للانتماء، فبعد أن أنعم الله على المرتد بالإيمان بالله ورسوله وكتابه باع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، واشترى الضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة.

وإنَّ التهاون في عقوبة المرتد يُعرِّض المجتمع كلَّه للخطر، ويفتحُ عليه بابَ فتنةٍ لا يعلم عواقبَها إلا الله، فلا يلبثُ المرتد أن يُغرِّر بغيره من أقاربه وأصدقائه ومن حوله من البسطاء من الناس، وتتكون جماعةٌ تستبيح لنفسها الاستعانةَ بأعداء المسلمين، وبذلك تقع الأمةُ في صراعٍ وتمزقٍ فكريٍّ واجتماعيٍّ وسياسي، وقد يتطور إلى صراعٍ دموي وحربٍ أهلية، فمن حكمة الشريعة أن أمرت بقتل المرتد صونًا للمجتمع من شره، وردعًا للمنافقين من إظهار ما في قلوبهم من الكفر.

وإن الواجب على كل مسلم أن يوالي جميع المؤمنين، وأن يتبرأ من الكافرين والمرتدين، ولا يجوز لمسلمٍ أن يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فمن أحب الكافرين ونصرهم على المؤمنين فهو كافرٌ مرتدٌ، عدوٌ للإسلام والمسلمين، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51].

اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللهُمَّ الْعَنِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكِ، اللهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمْنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمد.

 

المرفقات

1724575146_فضل الإسلام وبيان حكم المرتد.docx

1724575147_فضل الإسلام وبيان حكم المرتد.pdf

المشاهدات 146 | التعليقات 0