فَضْلُ الأَمَانَةِ، وَخَطَرُ الفَسَادِ وَالخِيَانَةِ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
اتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَاعْلَمُوا أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ؛ وَأْوَجَبَ عَلَيكُمْ حِفْظَهُ؛ وَحَرَّمَ تَضْيِيعَهُ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء 58]
حِفْظُ الأمَانَةِ؛ ذَلِكُمُ الخُلُقُ الكَرِيمُ الَّذي اتَّصَفَ بِهِ كِرَامُ الخَلْقِ؛ اتَّصَفَ بِهِ أَعْظَمُ المَلَائِكَةِ وَأَشْرَفُهُمْ - جِبْرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ - قَالَ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}[الشعراء 193]
وَلُقِّبَ أَعْظَمُ الرُّسُلِ - مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بِالصَّادِقِ الأَمِينِ، وَكَانَ يَقُولُ: (أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ...) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]
وَقَالَ نُوحٌ عَلَيهِ السَّلَامُ لِقَومِهِ: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} وَقَالَهَا هُودٌ، وصَالِحٌ، ولُوطٌ، وَشُعَيْبٌ، وَمُوسَى.
وَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوسُفَ: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}
فَصَلَّواتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَى جَمِيعِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ.
وَهَكَذَا وَصَفَ اللهُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالأَمَانَةِ؛ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون 8]
وَلَمَّا كَانَتِ الأَمَانَةُ مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ الخِيَانَةَ مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ؛ كَمَا فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)
وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الخِيَانَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَلَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ.
عِبَادَ اللهِ: مَتَى حُفِظَتْ الأَمَانَةُ؛ حُفِظَتِ الحُقُوقُ؛ وَصَلُحَ المُجْتَمَعُ؛ وَمَتَى ضُيِّعَتْ؛ حَلَّتْ مَحَلَّهَا الخِيَانَةُ؛ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى فَسَادِ النَّاسِ، وَهُوَ عَلَامَةٌ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: (إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ...) [رواه البخاري]
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فِي رَفْعِ الأَمَانَةِ: (فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلاً أَمِينًا...) [رواه البخاري ومسلم]
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ إِنَّ الأَمَانَةَ تَشْمَلُ جَمِيْعَ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى الإِنْسَانِ؛ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقِ عِبَادِهِ.
فَنَفْسُ الإِنْسَانِ أَمَانَةٌ؛ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَقَلْبُهُ وَجَمِيعُ جَوَارِحِهِ أَمَانَةٌ، وَكَذَا أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ؛ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَاللهُ تَعَالَى سِائِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ عَنْهُمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم 6]
وَعِبَادَةُ الإِنْسَانِ لِرَبِّهِ تَعَالَى أَمَانَةٌ؛ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ وَزَكَاتُهُ وَصَومُهُ وَحَجُّهُ وَغَيْرُهَا مِنَ العِبَادَاتِ.
وَحُقُوقُ النَّاسِ أَمَانَةٌ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ مَالِيَّةً مِنْ بِيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَرْضٍ وَدَينٍ وَإِيْجَارٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَتْ وَظَائِفَ حُكُومِيَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، أَوْ كَانَتْ الحُقُوقُ غَيْرَ مَالِيَّةٍ؛ كَحَقِّ الجَارِ، وَكَحِفْظِ السِّرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
كُلُّ هَذِهِ أَمَانَاتٌ يَجِبُ عَلَيهِ حِفْظُهَا وَرِعَايَتُهَا.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى العَوْنَ عَلَى أَدَاءِ هَذِهِ الأَمَانَاتِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَالعَفْوَ وَالغُفْرَانَ عَنِ التَّقْصِيرِ وَالزَّلَلِ.
إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدِ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ رَجُلاً عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، َلا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا، إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ: اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، ثَلاَثًا) [متفق عليه]
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَاتِ وَأَوْجَبِهَا وَأَوْلَاهَا بِالرِّعَايَةِ مَا يَتَولَّاهُ الإِنْسَانُ مِنَ الوَظَائِفِ الحُكُومِيَّةِ أَوِ الخَاصَّةِ، وَمَا يُسْنَدُ إِلَيهِ مِنَ المُسْؤُولِيَّاتِ، وَمَا يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ مِنَ الأَمْوَالُ العَامَّةُ.
فَمَنْ تَوَلَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَدْ تَحَمَّلَ الأَمَانَةَ، وَسَيُسْأَلُ عَنْهَا يَومَ القِيَامَةِ؛ فَلْيَتَّقِ اللهَ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ.
لِيَتَّقِ اللهَ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَنْصِبَهُ، وَيَخُونَ أَمَانَتَهُ؛ وَيَتَجَرَّأَ عَلَى شَيءٍ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيهِ؛ فَيُغَيِّرُ الحَقَائِقَ بِسَبَبِ رِشْوَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ مُتَبَادَلَةٍ، أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا.
لِيَتَّقِ اللهَ مَنْ يَسْتَغِلُّ مَنْصِبَهُ؛ وَيَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ؛ سَرِقَةً أَوِ اخْتِلَاسًا، أَوْ بِأَيِّ طَرِيقَةٍ كَانَ.
لِنَتَّقِ اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَلْنَتَذَكَّرْ دَوْمًا قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب 72]
لِنُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَلْنَلْتَزِمْ حُدُودَهُ، وَلْنُؤَدِّ حُقُوقَهُ تَعَالَى وَحُقُوقَ عِبَادِهِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتجدون هذه الخطبة وغيرها على قناة التليجرام (احرص على ما ينفعك)
https://t.me/benefits11111/3002
المرفقات
1764812670_فَضْلُ الأَمَانَةِ، وَخَطَرُ الفَسَادِ وَالخِيَانَةِ.pdf
1764812689_فَضْلُ الأَمَانَةِ، وَخَطَرُ الفَسَادِ وَالخِيَانَةِ.doc