فضل إماطة الأذى عن الطريق 1439/12/13

فضل إماطة الأذى عن الطريق[1]
الحمدلله هدى من شاء من عباده إلى صالح الأعمال والأخلاق, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أمر عباده بالإحسان ونهاهم على الأذيَّة والعصيان, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, أفضل الخلق وأعظمهم خُلُقاً, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون, وأحسنوا إلى الناس.
معاشر المسلمين: لقد حث الإسلام على الإحسان, قال تعالى {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] ونهى عن الأذيَّة, فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]  قال الإمام ابن رجب رحمه الله: تَضَمَّنَت...النُّصُوصُ كُلُّهَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ إِيصَالُ الْأَذَى إِلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ)[2] عباد الله: إنَّ الإحسان عمل صالح وخُلق من أفضل الأخلاق الإسلامية, أمَّا الأذية فإنَّه خلُق مذموم, يأثم عليه صاحبه, وأمَّا الأذى فهو: ما يصل إلى الغير من ضرر أو مكروه في نفسه أو بدنه أو ما اكتسبه دنيوياً أو أخرويا[3]. وإنَّ من الأذى ما يؤذي الناس في طرقاتهم وأماكن جلوسهم, فتجدون من الناس من يؤذون غيرهم عند جلوسهم في الطرقات, لعدم إعطائهم حقَّ الطريق الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ»[4] متفق عليه, فعلى الجالس في الطريق أن لا ينظر إلى النساء إذا مررن, ولا ينظر إلى ما يُثير الفتنة, وكذلك عليه أن يكف أذاه عن سالكي الطريق من أي نوع من أنواع الأذى كان, فلا يتعرض لهم بأي قول أو فعل يؤذي, وكذلك يردُّ السلام على من سلَّم عليه, ومن الحقوق عند الجلوس في الطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فإذا رأى منكراً نهى عنه, وإن لم يكن كذلك, فلا يجلس في الطرقات.
معاشر المسلمين: ومن الأذى في الطريق كلُّ شيء يؤذي من النجاسة والقذر, أو مما يعيق السير, مثل طَفَح ما يُنجِّس البدن والملابس, ومثل أن يعترض الطريق عائق من شجر أو حجر, فالمتعمد لوضع الأذى في الطريق آثم فعل محرَّماً, وأما من يزيل ذلك الأذى ويجتهد في إزالته, فإنَّه يؤجر على حسن صنيعه, ويلقى ثمرة عمله الصالح في الآخرة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ)[5] أخرجه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ)[6] أخرجه مسلم. وهذا عمل يسير ثوابه عظيم, فلا تحرموا أنفسكم من هذا العمل الصالح.
معاشر المسلمين: إنَّ مما يؤذي الناس في أماكن الجلوس المناسبة في البريَّة أو الحدائق تلك المخلَّفات المستقذرة التي يتركها من سبقهم, فلا يمكن الجلوس فيها إلا بتنظيف المكان, فأولئك الذين تركوا أوساخهم آثمون لتأذي من يأتي بعدهم, وماذا يضرُّهم لو جمعوا مخلَّفاتهم قبل انصرافهم, أم أنَّه العجز والكسل, وعدم المبالاة بسوء هذا الفعل, فليستشعر كل من وقع في ذلك بعظم ما وقع فيه, ويعاهد نفسه عدم تكرر ذلك منه مستقبلا, وأمَّا من يتولى تنظيف المكان, فيجلس فيه ويقوم عنه نظيفاً, فإنَّه ينال الثواب الجزيل من الله.
عباد الله: إنَّ  للإيمان شُعَباً, منها إماطة الأذى عن الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ)[7] أخرجه مسلم. قال النووي رحمه الله عن إماطة الأذى: (أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ)[8]. انتهى, وكذلك فإنَّ إماطة الأذى عن الطريق صدقة لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)[9] متفق عليه.
معاشر المسلمين: ومن الأذى في الطريق أن يسقط فيه شيء من الأغراض المحمولة في السيارة, مما يكون فيه إيذاء, والأدهى أن يترك ذلك الغرض لا ينحيِّه عن الطريق, فتجدون من الناس من لا يُحسن ربط ما يحمله من أغراض في سيارته, فيسقط شيء منها, يؤذي من خلفه, وقد يتسبب في حادث, والواجب على سالك الطريق الالتزام بأنظمة المرور, وأن يحرص أشد الحرص على تثبيت أغراضه ومتاعه تثبيتا متقناً وإذا سقط شيء منها نحَّاه في الحال.
معاشر المسلمين: إنَّ تعمُّد الأذى من الأخلاق السيئة, وهو من أسباب سخط الله تعالى, وكذلك فإنَّ المؤذي يُبغضه الناس ويكرهونه وينبذونه؛ لإيذائه لهم, وقد يسبب العداوة والبغضاء والتفرق والشحناء.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] تم إعدادها يوم الخميس 12/12/1439هـ, خطبة جامع الداخلة في سدير 13/12/1439, عمر بن عبدالله المشاري.
[2] ينظر جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 282).
[3] ينظر التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 44).
[4] أخرجه البخاري في كتاب المظالم والغصب, باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات برقم (2465) ومسلم في كتاب اللباس والزينة, باب النهي عن الجلوس في الطرقات برقم (2121).
[5] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب, باب فضل إزالة الأذى عن الطريق برقم (1914).
[6] أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب, باب فضل إزالة الأذى عن الطريق برقم (1914).
[7] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان, باب شعب الإيمان برقم (35).
[8] شرح النووي على مسلم (2/ 6).
[9] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير, باب من أخذ بالركاب ونحوه برقم (2989) ومسلم في كتاب الزكاة, باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف برقم (1009).
المرفقات

إماطة-الأذى-عن-الطريق

إماطة-الأذى-عن-الطريق

المشاهدات 4469 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


وإياك.