فضل أيام التشريق... خطبة قديمة

وهذه أيضا خطبة قديمة
وملف الوورد المرفق فيه الحواشي ولم أتحصل عليها مشكولة فمعذرة منكم إخواني الكرام



فضل أيام التشريق
الجمعة 11/12/1417هـ
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1}، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71) ] {الأحزاب}. أما بعد: فإن ذكر الله تعالى من أعظم العبادات وأجلِّها؛ بل عدّه معاذ بن جبل رضي الله عنه أفضل عبادة على الإطلاق؛ إذ قال: «ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى، قالوا: يا أبا عبدالرحمن، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه [وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ] {العنكبوت:45} . فذكره تعالى فيه حياة القلوب وطمأنينتُها وسكينتها [أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] {الرعد:28} مَن ذكر الله في كل أحيانه هانت عليه الدنيا وما فيها، فلا يشقى بها؛ لأنه يذكر خالقها، ويعلم أن ما عنده خير وأبقى. ذاكر الله تعالى لا يرهب من مخلوق، ولا يخاف شيئاً؛ فذكر الله تعالى جعل في قلبه شجاعة وإقداماً لا يعرف معه الجبن والتردد. وهذا هو السرّ في قوة المجاهدين في سبيل الله حينما يغلبون عدواً يفوقهم عدداً وعتاداً، وهو السرُّ في أن العلماء والمصلحين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصدعون بالحق لا يخافون في الله لومة لائم؛ فالظن أنهم أكثر الناس ذكراً لله تعالى. أيها الإخوة: وهذه الأيام أيام ذكر الله تعالى وشكره، وإن كان الحق أن يذكر الله تعالى ويشكر في كل وقت وحين؛ لكن يتأكد ذلك في هذه الأيام المباركة. روى نُبيْشةُ الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكر الله» أخرجه مسلم وفي رواية للإمام أحمد «من كان صائماً فليفطر فإنها أيام أكل وشرب». وهي الأيام المعدودات التي قال الله عزوجل فيها [وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ] {البقرة:203} وجاء في حديث عبدالله بن قُرْط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعظم الأيام عند الله يومُ النحر ثم يوم القر» أخرجه الإمام أحمد . ولما كانت هذه الأيام هي آخر أيام موسم فاضل؛ فالحجاج فيها يكملون حجهم، وغير الحجاج يختمونها بالتقرب لله تعالى بالضحايا بعد عمل صالح في أيام العشر؛ شرع أن يختم هذا الموسم بذكر الله تعالى للحجاج وغيرهم، وتلك سنة سنها الله تعالى عقب انتهاء بعض العبادات. ففي شأن الذكر عقب الصلاة جاء القرآن العظيم بالأمر به [فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ] {النساء:103} وفي صلاة الجمعة [فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {الجمعة:10} وعقب الحج كذلك [فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا] {البقرة:200}. ومن الذكر المشروع في هذه الأيام المباركة: التكبير المقيد بأدبار الصلوات المكتوبات، والتكبير المطلق في كل وقت إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر للحجاج وغيرهم. وقد كان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً. وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان ابن عثمان وعمر بن عبدالعزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد. بل بلغ من أهمية التكبير المقيد بأدبار الصلوات أن العلماء قالوا: يقضيه إذا نسيه، فإذا نسي أن يكبر عقب الصلاة فإنه يكبر إذا ذكر ولو أحدث أو خرج من المسجد مالم يطل الفصل بين الصلاة والتكبير. وهكذا التكبير المطلق مشروع أيضاً في السوق وفي البيت، وفي المسجد وفي الطريق؛ تعظيماً لله تعالى، وإجلالاً له، وإظهاراً لشعائره. فأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيمُ أبدانهم بالأكل والشرب، ونعيمُ قلوبهم بالذكر والشكر، وبذلك تتم النعمة. وكلما أحدثوا شكراً على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى، فيحتاج إلى شكر آخر ولا ينتهي الشكر أبداً . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: «وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته، وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات، وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له. فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفراً وهو جدير أن يسلبها... وخصوصاً نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام، كما في أيام التشريق؛ فإن هذه البهائم مطيعةٌ لله لا تعصيه، وهي مسبحة له قانتة؛ كما قال تعالى [وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ] {الإسراء:44} وإنها تسجد له كما أخبر بذلك في كتابه العظيم [وَللهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ] {النحل:49} [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ] {الحج:18}، وربما كانت أكثر ذكراً لله من بعض بني آدم، وفي المسند مرفوعاً «ربَّ بهيمةٍ خيرٌ من راكبها وأكثر لله منه ذكراً» . وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن كثيراً من الجن والأنس كالأنعام بل هم أضل، فأباح الله عز وجل ذبح هذه البهائم - المطيعة الذاكرة له - لعباده المؤمنين حتى تتقوى بها أبدانهم، وتكملُ لذاتهم في أكلهم اللحوم... أباح ذلك للمؤمنين ليَكمُل بذلك قوةُ عباده وعقولهم، فيكون ذلك عوناً لهم على علومٍ نافعة، وأعمالٍ صالحة يمتاز بها بنو آدم على البهائم، ويتقوون بها على ذكر الله عز وجل... فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلا مقابلة هذه النعم بالشكر عليها، والاستعانة بها على طاعة الله عز وجل وذكره؛ حيث فضّل الله ابن آدم على كثير من المخلوقات، وسخر له هذه الحيوانات قال الله تعالى [فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {الحج:36} فأما من قتل هذه البهائم المطيعة الذاكرة لله عز وجل ثم استعان بأكل لحومها على معاصي الله عز وجل، ونسي ذكر الله عز وجل فقد قلب الأمر وكفر النعمة فلا كان من كانت البهائم خيراً منه وأطوع». انتهى ملخصاً من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم الخطبة الثانية الحمد لله حمداً يليق بجلال ربنا وعظمته، أحمده وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويعطي العطاء الجزيل، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وما عنده خير وأبقى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من صلى وصام، وحج البيت الحرام، وعظم الشعائر والحرمات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى في كل أحيانكم [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)] {الطَّلاق]. أيها الإخوة المؤمنون: في النهي عن صيام أيام التشريق بعد العمل الصالح في عشر ذي الحجة لمن لم يحج، وبعد أعمال الحج لمن حج. في هذا النهي عن الصيام والتمتع بما أحل الله من الطيبات إشارة إلى حال المؤمن في الدنيا. فإن الدنيا كلها أيامُ سفرٍ كأيام الحج، وهي زمانُ إحرام المؤمن عما حرم الله عليه من الشهوات. فمن صبر في مدة سفره على إحرامه، وكفّ عن الهوى، فإذا انتهى سفرُ عمره، ووصل إلى منى المُنى فقد قضى تفثه ووفىّ نذره، فصارت أيامه كلها كأيام منى، أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، وصار في ضيافة الله عز وجل في جواره أبد الأبد؛ ولهذا يقال لأهل الجنة [كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {المرسلات:43} [كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ] {الحاقَّة:24}. من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها غداً بعد وفاته، ومن تعجل ما حرم عليه من لذاته عوقب بحرمان نصيبه من الجنة وفواته. شاهد ذلك من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير لم يلبسه في الآخرة . فاتقوا الله ربكم، واعمروا أوقاتكم بذكر الله تعالى وشكره وطاعته. فكما انقضت هذه الأيام الفاضلة على المفرط والمحسن معاً مع الفارق الكبير بين عملهما فكذلك الدنيا تنقضي على الجميع. واعبدوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
ثم صلوا وسلموا على محمد بن عبدالله كما أمركم بذلك ربكم...
المرفقات

76- فضل أيام التشريق.doc

76- فضل أيام التشريق.doc

المشاهدات 6954 | التعليقات 3

جزاكما الله تعالى خيرا أخ سعود وأخ عبد الغني على مروركما وتعليقكما وأسأل الله تعالى أن ينفع بكما


جزاك الله خيراً د. إبراهيم، وجعله في ميزان حسناتك


بارك الله فيك وأحسن إليك وجعلها في ميزان حسناتك