فضائل النخيل و التمر ، وطرق زكاته

عبدالإله بن سعود الجدوع
1444/01/13 - 2022/08/11 00:00AM
الحمد لله الذي غرس شجرة الإيمان في قلوب من اختارهم لعبوديته ، وخصّهم بوافر رحمته وجزيل نعمته ، وفضّلهم بجوده وكرمه على سائر خليقته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيّه وخليله ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد معاشر المؤمنين : اتقوا الله تعالى ، اتقوا الله ولو بشق تمرة ، واعلموا أن عاقبة التقوى في الدنيا والآخرة رشيدة ، ونهاية أهلها في الأولى والعقبى حميدة. ( ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعْـظم له أجرا ) ثم أيا أيها الكرام : تجد أن في هذا الموسم يكثرُ الحديث عن النخيل وأنواعه وعن الرطب وأصنافه، وعن طعمه ومذاقه وأسواقه ، والمسلم إذا تأمل في القرآن والسنة وجد ذكرا كثيرا للنخل والتمر في مواضع عدة ، ولم يذكر جل جلاله شجرة في القرآن العظيم كما ذكر النخل والنخيل فقد ورد ذكرها في نحو 20 موضعاً من القرآن الكريم علاوة على بعض الآيات التي ذكرت النخل بصفة من صفاتها ، من ذلك ما قاله الله تعالى ( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ*وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ*رِزْقًا لِلْعِبَادِ ، .قالَ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أنْبَتَ اللهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ماَ تُعْجِبُ مُبْصِرَهَا، وَتُقِرُّ عَينَ رَامِقِها، وَخَصَّ مِنْهَا النَّخَلَ البَاسِقَاتِ الطِّوَالِ، التَي يَطُولُ نَفْعُها، وَتَرْتَفِعُ إلى السَّمَاءِ حتى تَبْلُغَ مَبْلَغًا  لايَبْلُغُهُ كَثِيرٌ مِنْ الأَشجَارِ،فَتُخْرِجُ الطَّلْعَ النَّضِيدَ، المُتَرَاكِبَ المُتَرَاكِمَ ، المَنْضُودَ بَعضُهُ على بَعْضٍ فِي أَكْمَامِهِ وَقِنْوَانِهِ، مَا هُو رِزْقٌ لِلعِبَادِ، قُوتًا وَفَاكِهَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَدَّخِرُونَ.   ا.هـ
 
وأنت أيها الفاضل : إذا تأملت تجد العناية بالتمر في القرآن والسنة ، ففي القرآن الكريم عندما أحست مريم عليها السلام بآلام الوضع،  أمرها الله عز وجل أن تهز جذع  النخلة وتأكل الرطب (وهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ( وعندما يولد المولود فإنه يبدأ بتحنيك التمر ، قال أبو موسي الأشعري : ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة. وزاد البخاري  .“ودعا له بالبركة ودفعه إلي” وعندما يفطر الصائم فإنه يؤمر أن يكون على رطب فإن لم يجد فعلى تمرات فإن لم يجد حسا حسوات من ماء ، وكان الأسودان -التمر والماء- طعام النبي -صلى الله عليه وسلم-، يمضي على ذلك الشهر والشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار" قالته عائشة -رضي الله عنها-. وفي صحيح مسلم: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة بيت لا تمر فيه، جياع أهله، أو جاع أهله" قالها مرتين أو ثلاثاً. وحينما يبدأ صباح الإنسان فإن للتصبح بسبع تمرات فضلا وغذاء ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من تصبّح كل يوم بسبع تمرات عَجْوَة لم يضره في ذلك اليوم سُّم ولا سحر ) ومعنى (تصبّح) أي أكلها صباحا قبل أن يأكل شيئا، (لم يضره) أي لم يؤثر عليه وقد جاء الحديث مقيدا بالعَجْوَة وجاء في بعض الروايات مطلقاً فيعم كل تمر ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك ( إن شيخنا ابن سعدي ـ رحمه الله ـ يرى أن ذلك على سبيل التمثيل، وأن المقصود التمر مطلقاً، فعلى هذا يتصبّح الإنسان كلَّ يوم بسبع تمرات، فإن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أرادها فقد حصل المطلوب، وإن لم يردها فلا شك أن إفطار الإنسان على هذا التمر من أفضل الأغذية ) ا.هـ
 
أيها الكرام : أُتي للنبي صلى الله عليه وسلم بطبقٍ فيه رطب وكان عنده أبو العالية فقال : ” كل يا أبا العالية ، فإن هذا من الشَّجرة التي ذكر الله جلّ وعزّ في كتابه – ثم تلا هذه الآية – ” . ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ يقول الشيخ السعدي في تفسيره عن هذه الآية ( فكذلك شجرة الإيمان ، أصلها ثابت في قلب المؤمن، عِلما واعتقادا. وفرعها من الكلم الطيّب والعمل الصالح والأخلاق المرضية، .. وماتخرجه شجرة الإيمان ، ينتفع به المؤمن وينفع غيره ) ا.هـ فعلى المؤمن الموفق أن يتخذ النخلة نبرسا كما وصفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: “مَثل المؤمن مَثل النخلة، ما أخذت منها من شيء نفعك”. رواه الطبراني وصححه الألباني ، وقال أيضا (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم ) يعني شجرة النخلة . أسأل الله -جل وعلا- أن يعظِّم نماء شجرة الإيمان في قلوبنا، وأن يمن علينا بقوة سقيها بكتابه العزيز وسنة رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأن يعيذنا من الفتن والصوارف والموانع التي تؤدي إلى ذبول هذه الشجرة،  أعاذنا الله وإياكم وحمانا وحماكم ، وبارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، قلت ماقلت وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب،فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.    
 
 
  الخطبة الثانية : عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: جاءتني مسكينة تَحمل ابنتين لها، فأطعمْتُها ثلاثَ تمرات، فأعْطَت كلَّ واحدة منهما تمرةً ورَفَعَت إلى فِيها تمرةً لِتَأكلها ، فاسْتطعمَتْها ابنتاها، فشقَّت التمْرةَ التي كانت تريد أن تأكلها بين ابتنيها ، فأعجبني شأنُها، فذكَرْتُ الذي صنَعَتْ لرسول الله – صلَّى الله عليه وسَلَّم – فقال: ((إنَّ الله قد أَوجب لَها بها الجنةَ، أو أعتقها بها مِن النار (  وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تصدَّق بعدْل تمرة مِن كَسْب طيِّب – ولا يَصْعد إلى الله إلا الطيِّب – فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبه كما يربِّي أحدكم فلوَّه، حتى تكون مثل الجبل). متفق عليه
 
  فمن شكر الله وامتثال أمر الله ، أن نزكي ونتصدق بالتمر ، والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيباتِ ما كسبتم ومما أخرجنا لكم الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أنَّ الله غني حميد ) ومعنى لاتيمموا الخبيث أي لاتقصدوا الرديء فتخرجوه للزكاة والصدقة بل ينبغي للإنسان أن يخرج من أوسطه كماذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين ، وإن أخرج الطيب فهو أطيب .
 
ويا أيها الكرام:لابد للمؤمن أن يحرص على إخراج زكاة التمر إن كان يملك نخلاً في بيته أو مزرعته أو استراحته ، فمن بلغت ثمرة نخلة نصاباً وهو خمسة أوسق فأكثر ، أي مايعادل 612 كيلو فأكثر بتقدير أهل الخبرة ، إذا بلغ ذلك فيجب عليه أن يخرج زكاة التمر ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( يعتبر النصاب بزنة التمر عند يبسه لا بقيمته عند كونه رطباً؛ لأنه قد يكون في حال الرطب يبلغ النصاب، ولكن إذا يبس لا يبلغ النصاب ) ا.هـ ويُخرِج إما عُشر الكمية إن كان بلامؤونة  كالسقي من السيول أو الأنهار أكثر العام  .  وإما نصف عشرها ، إذا كان السقي بمؤونة ومشقة كل مرة يسقيها  قال الشيخ ابن باز (وما يسقى بالمكائن وغيرها ففيه نصف العشر )، ويضم أنواع التمر في تقدير النصاب  ،قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/73) : ( وتضم الأنواع بعضها إلى بعض ، فالسكري مثلاً يضم إلى البرحي ، وهكذا ) أ.هـ
 
وطريقة إخراج زكاة التمر إما يخرج المقدار من التمر ، وإما يخرج ثمنها بعد بيعها كما ذكر ذلك الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمها الله . ومما ورد عن ابن حبان  قول جابر بن عبدالله رضي الله عنه : ( أمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن كلِّ جِدادِ عشَرةِ أوسُقٍ مِن التَّمرِ بقِنْوٍ يُعلَّقُ في المسجدِ للمساكينِ) وهذا العذق في المسجد غير الزكاة ، وفي وقتنا الحاضر ينبغي العناية عند وضع التمر في المسجد بأن يكون حسب الضوابط ويوضع بمكان مخصص لايؤذي ولايترك اللوث في المسجد ، كماينبغي على آكله والمار عليه في المسجد أن يحرص على النظافة وعلى تغطيته بعدما يفرغ من الأكل والالتزام بالتعلميات
 
. ومن شكر الله على نعمه..  أن يُحسن التصرف في التمر الذي بقي عنده من العام الماضي فيدفعه – إن استغنى عنه - إلى من يستفيد منه في داخل البلاد أو خارجها
 
 ولابد للمؤمن أن يسعى بالعمل الصالح لجنّة من نخيل وأعناب وأن يغرس من العمل مايراه هناك  ، وأنت إذا أكلت تمراً فتأمل أن الله قال في كتابه الكريم عن المؤمنين أنهم لايُظلمون فتيلا ، والفتيل هو : الخيط القصير الصغير الذي في نواة التمر ، وتذكر أيضاً أن الله قال عن المؤمنين في كتابه أنهم لايُظلمون نقيراً ، والنقير هو نقطة صغيرة في أعلى نواة التمرة ، وليكن ذلك التفكر حافز لك لعدم استحقار أي عمل صالح ولو مقدار الفتيل أوالنقير ،  فمَنْ قَالَ مثلا: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ. كما في الحديث ، وأنت قد تنجو من النار بشق تمرة . ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم ( من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمره فليفعل )  .
 
 اللهم ارزقنا ووالدينا جنة من نخيل وأعناب  لنا فيها من كل الثمرات يامجيب الدعوات اللهم أدخلنا الجنة وقربنا لمايقرب لها ، وأجرنا من النار ، وأجرنا من العمل الذي يقرب لها ،   اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأحبابنا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وقيادتنا وأمننا وإيماننا بسوء أو فتنة أو كيد اللهم فاكفناه بما شئت ياقوي ياعزيز.  ،  اللهم اجمع كلمتنا على الحق والهدى ، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولامضلين   
،اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ،  ومن الفتن ماظهر منها ومابطن ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. ونسألك ياكريم أن لا تجعل الحق علينا مُلتبِسا فنضل ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ بلاد المسلمين، اللهم اجعل بلاد المسلمين في كل مكان آمنةً مطمئنة رخاءً سخاءً يا أرحم الراحمين. 
اللهم إنا نسألك من خير ماسألك منه نبيك ، ونعوذ بك من شر مااستعاذ منه نبيك صلى الله عليه وسلم
المرفقات

1660165121_النخيل والتمر وزكاته 1444.doc

المشاهدات 828 | التعليقات 1

رفع للفائدة ومناسبة وقتها مع موسم الرطب والتمر