( فسوف يأتي الله بقوم..) حاتم بن عابد القرشي

( فسوف يأتي الله بقوم..)1/2
حاتم بن عابد القرشي

الحمد لله معز أوليائه ومذل أعدائه، حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن الله قد أنعم علينا بأن جعلنا خيرَ أمةٍ أُخرجتْ للناس قال _تعالى_: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" (آل عمران: من الآية110)، وبما تفضل به علينا أن أرسلَ إلينا خاتمَ الأنبياءِ _صلى الله عليه وسلم_ مُنْزِلاً معه خير الكتب، متعهداً بحفظه قـال _تعـالى_: "لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت:42)، وقال _سبحانه_: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"(الحجر:9).
فجعل الله القرآن هدىً ونوراً، من آمن به هداه، ومن زاغ عنه ضل وتاه، قال ابن عباس: "تكفل الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة". وإن منه المحكم ومنه المتشابه. والواجب اتباع المحكم والعمل به، والإيمان بالمتشابه.

ومن آياته المحكمات التي يجب اتباعها والسعي في تحصيلها قوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة:54).
إن هذه الآية من الأهمية بمكان، فهي نور وبصيرة لمن أراد نُصْرَةَ الدِّينِ، وأراد عُلوَّ شَأْنِ المؤمنين، لاسيما في مثل هذا العصر الذي ضَعُفَ فيه المسلمون – إلا من رحم الله - فأصبحوا شذر مذر، كالغنم الشاتية في ليلة مطيرة، تتناولهم السباع من كل حدب وصوب، ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه، ولذا سوف نقف مع الآية السابقة المحكمة، فهي وأيم الله هدى من كل ضلال، ونور من كل ظلام.
فإن اللهَ جعلَ فيها صفات القوم الذين سيكون النصر على أيديهم والظفر لهم وهذه الصفات هي:
1- محبة الله لعباده.
2- محبة العباد لربهم.
3- الذلة على المؤمنين.
4- العزة على الكافرين.
5- الجهاد في سبيل الله.
6- عدم مخافة الملامة من الخلق في شرع الله.

فإن هؤلاء القوم الذين قد اتصفوا بهذه الصفات سيكونون بدلاً من القوم الذين تخلوا عن نصرة الدين ونشر التوحيد والعمل به؛ لأنهم أصبحوا غيرَ أهلٍ لأن يقومَ الدِّينُ على أكتافهم فهانوا على الله فاستبدلهم، وهذه سنةُ اللهِ الكونية الشرعية التي لا تبديل لها، قال _تعالى_: "وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ" (الأنعام:133)، وقال _تعالى_: "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد: من الآية38)، ولأن هذا الدينَ منصورٌ وباقٍ إلى قيام الساعة ولذا لا بد مِنْ وجود مَنْ يقوم به وهذا متمثلٌ في الطائفةِ المنصورةِ والتي سَتَظَلُ قائمةً إلى يوم القيامة بوعد الصادق المصدوق _صلى الله عليه وسلم_.

وسنتطرق في هذه العجالة لهذه الآية من سورة المائدة، إشارة لمعناها، ووقوفاً مع هذه الصفات الجليلة.
فقد اختلف المفسرون في تحديد الردة المقصودة، ومَنْ يكون هؤلاء القوم؟ وقد أطال فيها المفسرون الكلام، وسنُشِير إلى طَرَفٍ منه مع الوقوف على القول الصحيح. فقد قال البغوي: "قال الحسن: عَلِمَ اللهُ _تبارك وتعالى_ أن قوماً يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم _صلى الله عليه وسلم_ فأخبر أنه يأتي بقوم يحبهم ويحبونه، واختلفوا في أولئك القوم مَنْ هم؟ فقيل أبو بكر وأصحابه، وقيل: هم الأشعريون، وقيل: هم أحياء من اليمن". وذكر ابن الجوزي في (زاد المسير) ستة أقوال في المراد بالقوم في الآية.
واختلفوا في تحديد الردة المقصودة على أقوال كثيرة. حتى إنهم أحصوا الردة التي حصلت في عهد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وفي عهد أبي بكر.

والصحيح أن الآيةَ شاملةٌ لجميع ما ذكروه، حيث إنها مِنْ ذِكْرِ المغيبات وكل ردة حصلت وقُمعت وانتصر المسلمون بعدها فهي داخلةٌ ضمن هذه الآية، ولا وجه لتقييد قوم دون آخرين، أو تخصيص ردة دون غيرها، وهذه الآية باقية إلى قيام الساعة، جارٍ العمل بها، وهي منبع الطائفة المنصورة، منها يشربون نهلاً بعد عللٍ.

قال ابن عطية: "قال الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وقتادة: نَزلتِ الآيةُ خِطاباً للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة". وقال الطاهر بن عاشور: " فكل أمة أو فريق أو قوم تَحَقَقَ فيهم الوصفُ فهم مِنِ القوم المنوه بهم". وقال شيخ الإسلام: "وهذه حال من قاتل المرتدين وأولهم الصديق ومن اتبعه إلى يوم القيامة".

والقاعدة المشهورة في أصول التفسير أن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب". وهذا إذا وردتِ الآيةُ لسبب خاص، فتكون أحكامها عامة، ولا يظل حكمها حبيس من نزلت في شأنه، بل يدخل فيها من نزلت فيه وتبقى للأمة عامة، وهذه الآية لم يذكرِ المفسرون سبب نزول لها صحيحاً صريحاً، فمن باب أولى إبقائها عامة كما أُنزلت.
فلقد تَحقق وَعْدُ اللهِ مرةً ومرات، وسيظل متحققاً وواقعاً ما قام المسلمون بهذه الأوصاف، وَوَعْدُ اللهِ مَذْخُور لكل مَنْ يتحلى بهذه الأوصاف الجليلة.

وإن هذه الآية جاءت في سياق التحذير من موالاة اليهود والنصارى، وإن ذلك سبب في الردة، وإذا ارتدوا فإنهم ليسوا بأهلٍ لنصرة الدين، قال القاسمي: " لمّا نهى تعالى – فيما سلف- عن موالاة اليهود والنصارى، وبَيّنَ أن موالاتهم مستدعية للارتداد عن الدين بقوله: "فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" (المائدة: من الآية51)، وقوله: "حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ" (المائدة: من الآية53) شرع في بيان حال المرتدين على الإطلاق ونوه بقدرته العظيمة، فَأَعْلَمَ أنه مَنْ تولى عن نُصْرَةِ دينه وإقامة شريعته، فإن الله سيستبدل به من هو خيرٌ لها منهم، وأشد منعة، وأقوم سبيلاً". وقال البقاعي: " "مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ" (المائدة: من الآية54) معناه موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله، فيوالون أعداءه ويتركون أولياءه، فيبغضهم الله ويبغضونه، ويكونون أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين، فالله غني عنهم "فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ" بوعد صادق لا خلف فيه "بِقَوْمٍ" يكون حالهم ضد حالهم يثبتون على دينهم" ا.هـ

فبَيّنَ المولى _عز وجل_ أن فئاماً من الناس سيرتدون عن دينهم ويُعْرِضون عنه، ولكن لن يتركَ اللهُ هذا الدينَ يضيع بل سيأتي الحكيم الخبير بفئام آخرين ينصرون الدين ويُعِزُّونَه ويعزرون أصحابه، متصفين بصفات جليلة كريمة، وهذا بفضل الله وكرمه وحكمته، وهو صاحب الفضل والكرم. وقال السعدي: "يخبر _تعالى_ أنه الغني عن العالمين، وأنه من يرتد عن دينه، فلن يضر الله شيئاً، وإنما يضر نفسه، وأن لله عباداً مخلصين ورجالاً صادقين قد تكفَّلَ الرحمنُ الرحيمُ بهدايتهم وَوَعَدَ بالإتيان بهم، وأنهم أكمل الخلق أوصافاً وأقواهم نفوساً وأحسنهم أخلاقاً".

وبعد أن أوضحنا معنى الآية إجمالاً، نقف مع صفات نَصَرَةِ الدِّينِ وحُمَاةِ الشريعة:
بَيَّنَ اللهُ أنه بعد ضعف الإيمان وتلاشيه من قلوب عباده بسبب غيهم وضلالهم وتقصيرهم في حقوق ربهم، فإنه يستبعدهم عن استخدامهم في نصرة دينه؛ لأنهم قد أصبحوا غير مؤهلين لهذه المنزلة الشريفة، والمكانة الرفيعة؛ لأنهم عن نصرة الدين قد ضلوا، وحينئذ فقد خابوا وخسروا. وبين أن مَنْ يأتي بهم تتوفر فيهم ستُ صفاتٍ هي أهم المقومات التي يتصف بها المصلحون الجُدُدُ والذين سيَقُومُ الدينُ على كواهلِهم وسيتحملون أعباءَه، قال الشوكاني: "وصف _سبحانه_ هؤلاء بهذه الأوصاف العظيمة، المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناء".

ولولا أهمية هذه الصفات عن غيرها لما اكتفى بذكرها هنا دون سواها والمقام يقتضي التوضيح والتبيين لصفات من سَيَنْصُرُ الدِّينَ حين يقع الضعف والخمول. والقاعدة الشرعية تقول: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. فذِكْرُه هنا لهذه الصفاتِ، صفاتُ نَصَرَةِ الدِّينِ وحُمَاةِ العقيدةِ، والاقتصار عليها، لدليلٌ على عِظَمِها وأهميتِها، بالإضافة لقيامهم بالواجبات وهذا لا نزاع فيه بل هو من البدهيات. وقد جاء وَعْدُ اللهِ باستخلاف عبادِه الصالحين مُجْمِلاً لصفاتهم في قوله _تعالى_: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً" (النور: من الآية55). فهذا وَعْدٌ مِنَ الله بأن يستخلف الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتكون لهم السيطرة في الأرض، ونفوذ الكلمة، والسبب في هذه القوة والتمكين هو الإيمان والعمل الصالح، ثم بَيّنَ هذا الإِجْمَالَ في الآية التي معن، فكانت الأعمال الصالحة هناك هي الصفات الست هنا.

ولا يَظنُ ظانٌ أني أحصرُ الشخصيةَ الإسلامية بعموم في جميع الأزمنة والأمكنة في هذه الصفات الست، وإنما وَكْدِي أن نُصْرَةَ الدينِ تَشْتَرِطُ توفرَ هذه الصفات وبدونها لا يتم التمكين لعباد الله. فصفات المُسْتَخْلَفِين محصورة للقيام بواجب الاستخلاف في هذه الصفات. وإن هذه الصفاتِ لجليلةٌ عظيمةٌ يَنْبَغِي إِفرَادُ كلِ صفةٍ بحديثٍ مُسْتَقِلٍ عنها، ولكن نكتفي بِذِكْرِ طَرَفٍ مِنَ الحديث. وما لا يُدْرَكُ كُلُّه لا يُتْرَكُ جُلُّه. والآن وقت الشروع في الحديث عن هذه الصفات الجليلة القدر، العظيمة النفع.

الصفة الأولى والثانية: المحبة: "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"
وهي محبة الله لأوليائه، ومحبتهم له. وهي متبادلة بين الطرفين، والأولى نتيجة للثانية، فإن العبد إذا سار في طاعة الله ومرضاته واتبع هداه، وبَعُدَ عن معاصيه وسخطه، واجتنب الضلال، بَلَغَ مرتبةَ المحبةِ فأصبح مُحِبّاً لمولاه، ساعياً في رضاه، باذلاً كل ما يستطيع في سبيل تحقق مناه. وإن منزلةَ المحبةِ لمنزلةٌ عظيمةٌ قال ابن القيم واصفاً هذه المنزلة: "وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عَلَمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبِرَوْحِ نسيمها تروّح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي مَنْ حُرمها فهو مِن جملة الأموات، والنور الذي مَنْ فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي مَنْ عدمه حلَّت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي مَنْ لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام".
وقال السعدي عنها: " أجل صفاتهم أن الله "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ" فإن محبة الله للعبد هي أجل نعمة أنعم بها عليه، وأفضل فضيلة تفضل الله بها عليه، وإذا أحب الله عبداً، يسر له الأسباب، وهون عليه كل عسير، ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه بالمحبة والوداد.

ومن لوازم محبة العبد لربه أنه لابد أن يتصف بمتابعة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ظاهراً وباطناً في أقواله وأعماله وجميع أحواله، كما قال _تعالى_: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" (آل عمران: من الآية31)، كما أن من لوازم محبة الله للعبد أن يكثر العبد من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل، كما قال النبي _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث الصحيح - فيما يرويه عن ربه-: "وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه "، ومن لوازم محبة الله معرفته _تعالى_ والإكثار من ذكره، فإن المحبة بدون معرفة الله ناقصة جداً، بل غير موجودة، وإن وُجِدت دعواها، ومن أحب الله أكثر من ذكره، وإذا أحب الله عبداً، قَبِلَ منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل" ا.هـ

ولِمَا للمحبة من منزلة جليلة جعل الله لإثباتها اختبارًا وامتحاناً بقوله _تعالى_: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" (آل عمران: من الآية31)، فجعل اتباعَ الرسولِ دليلاً على صدق دعوى المحبة. ولا يتم تحصيل هذه المحبة إلا بهذه المتابعة في فعل الأوامر واجتناب النواهي، وبذل الوسع في تحقيقها، وكلما ارتقى العبد في المتابعة ارتقى في سُلَّمِ المحبة حتى يصبح من أحباب الله وأوليائه، فبه يسمع ويبصر، وبه يمشي ويبطش. يَسِيرُ في حِفْظِ اللهِ وتَدْبِيرِه فَنِعْمَ السير ذالكم المسير.

وإن المحبة شطر العبودية، فقد عرف شيخُ الإسلامِ العبوديةَ بأنها غاية الذل وغاية الحب، فهي شطر العبودية، قال ابن القيم: "ومعقد نسبة العبودية هو المحبة، فالعبودية معقودة بها، بحيث متى انحلت المحبة انحلت العبودية".

وقَدَّمَ اللهُ في الآية صفةَ المحبةِ على غيرها من الصفات؛ لأنها أصل كل سعادة، وقدم محبته _تعالى_ على محبتهم لشرفها وسَبْقها. ووقع الوصف في جانب المحبة بالجملة الفعلية؛ لأن الفعل يدل على التـجدد والحـدوث وهو مناسب.

الصفة الثالثة: الذلة على المؤمنين: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ"
لقد وَصَفَ اللهُ الودودُ الرحيمُ عبادَه المؤمنين في محكم التنزيل بالشفقة والرحمة في تعاملهم فيما بينهم، كحال قدوتهم وإمامهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فقال _تعالى_ في وصف رسول الله: "بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" (التوبة: من الآية128)، وقال في نعته ونعت متبعيه: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" (الفتح: من الآية29).
قال ابن جرير عن معنى "أذلة عليهم" أرقاء عليهم، رحماء بينهم، من قول القائل: ذل لفلان إذا خضع له واستكان. ثم ساق بسنده عن علي _رضي الله عنه_: أهل رقة على أهل دينهم ". وقال ابن عطية: "معناه متذللين من قِبَلِ أنفسهم غير متكبرين كقوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن هَيِّنٌ لَيِّنٌ".
وليس المعنى هنا من الذل والهوان؛ لأن ذلك ليس من صفة أولياء الله، ألا تقرأ الحديث الوارد في دعاء الوتر: "ولا يذل من واليت"، وحديث: "ما ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه"، قال السمعاني: "ليس من الذل، وإنما هو من الذلة وهي اللين". وقال البغوي: "يعني أرقاء رحماء كقوله _تعالى_: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ" (الإسراء: من الآية24)، ولم يرد به الهوان، بل أراد به أن جانِبَهم لَيِّنٌ على المؤمنين".

وقال السمين الحلبي: " أذلة جمع ذليل بمعنى متعطف، ولا يُراد به الذليل الذي هو ضعيف خاضع مهان، ولا يجوز أن يكون جمع (ذَلُول ) لأن ذلولاً يجمع على (ذُلُل) لا على (أذلة) وبه قال الزمخشري، والمعنى عاطفين على المؤمنين على وجه التذلُل لهم والتواضع، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم مع شرفهم وعلوِّ طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم أجنحتهم، ووقع الوصف في جانب التواضع للمؤمنين والغلظة على الكافرين بالاسم الدال على المبالغة دلالةً على ثبوت ذلك واستقراره وأنه عزيزٌ فيهم، والاسم يدل على الثبوت والاستقرار، وقدم وصفهم المتعلق بالمؤمنين على وصفهم المتعلق بالكافرين لأنه آكد وألزم منه، ولشرف المؤمن أيضاً ". أهـ

والمعنيان الذان ذكرها الحلبي واقعان في صفة المؤمنين لاختلاف طبقات معيشتهم، ولذا استعمله بحرف الاستعلاء (على) بدلاً من اللام، إشارة لحقيقة وضعهم العزيز، ولتضمنه معنى العطف والحنو، أو للتنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خاضعون لهم.

إن لهذه الصفةِ مظاهرَ عديدةً منها محبة المؤمن وموالاته، والشفقة عليه، والألفة والإخاء والتواضع فيما بينهم، والإيثار، وسلامة الصدور، والذب عنهم، والعطف على الصغير، واحترام وتقدير الكبير وذي الشيبة، وإنزال الناس منازلهم، والصدق في التعامل، ومنها حقوق المسلم على أخيه، وغيرها كثير.

قال ابن كثير عن هذه الصفة: "هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه، متعززاً على خصمه وعدوه، وفي صفة النبي _صلى الله عليه وسلم_" الضحوك القتال "فهو ضـحوك لأوليائه قَتّال لأعدائه".

ولم يقتصر المولى _عز في علاه_ على صفة الذلة على المؤمنين؛ لأنه ربما توهم البعض أن ذلك لضعفهم وهذا خلاف المقصود فأتى على سبيل التكميل بصفة العزة على الكافرين وهي شقيقتها وهي التالية.

الصفة الرابعة: العزة: "أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"
وفي مقابل الصفة السابقة، يقابلون أعداءهم الكفار بالعزة والغلظة، معتزين بدينهم، مترفعين بإيمانهم، لا خضوع ولا خنوع لأعداء الدين، أنوفهم في السماء مستشعرين قول العزيز الكبير: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون: من الآية8)، وقول عمر بن الخطاب: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، محتسبين أجرهم عند الله، باحثين عن رضا ربهم قال السعدي: فالغلظة والشدة على أعداء الله تقرِّب العبد إلى الله ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم. إذن نِعْمَ العبادة تلك التي يوافق فيها العبدُ ربَه ومولاه.

قال ابن جرير: أشداء على الكافرين، غُلَظَاء بهم، من قول القائل: إذا أظهر العزة من نفسه، وأبدى له الجفوة والغلظة، - ثم ساق بسنده – عن علي _رضي الله عنه_ قال: أهل غلظة على من خالفهم في دينهم. وقال البغوي: "أشداء على الكفار يُعادونهم ويغالبونهم، من قولهم: عَزَّه أي غلبه، قال عطاء:أعزة على الكافرين كالسبع على فريسته" ا.هـ

ولا بد من إظهار هذه العزة والغلظة، ولا يُكْتَفَي بما داخل القلب، ولا يعني هذا الظلم والتعدي على من لا يستحق ذلك منهم، كالمستأمنين والمعاهدين وأهل الذمة، أو في حال السِلْمِ، ولكن بالقيام بالواجب المطلوب من عدم الخضوع لهم وعدم الإعجاب بما عندهم والانبهار بما وصلوا إليه من رقي وتقدم في الصناعات، والعمل بما جاء في الشريعة من اضطرارهم لأضيق الطريق، وعدم بدئهم بالتحية، وتطبيق الشُروطِ العُمَرِيّةِ عليهم، مع ما يَظْهَرُ على المؤمنِ مِنْ العِزَّةِ عليهم، ولا يتعارض هذا مع دعوتهم والإحسان إليهم بما يتماشى مع ديننا الحنيف، وبدون تمييع لقضايا الأمة بِحُجِّةِ كَسْبِهم وتَأَلُفِ قُلوبِهم.

ولكل موضع ما يلائمه، فللحرب ما يناسبها من إظهار القوة والخيلاء في مواطن القتال، ومن بذل الجهد في تقتيلهم بضرب الأعناق وفوق كل بنان، وأخذ أموالهم غنائم، ونسائهم سبايا، ومعاملتهم بما شرع الله في حال الحرب كما قرره الفقهاء في كتبهم في كتب الجهاد، ولحال السِلْمِ ما يلائمها، والمهم هو إظهار العزة، وعدم الاكتفاء بما في القلب، كما سبق في كلام ابن جرير، و قال البقاعي: "أي يظهرون الغلظة والشدة عليهم، لعلمهم أن الله خاذلهم ومهلكهم، وإن اشتد أمرهم وظهر علوهم وقهرهم". وقال الشوكاني: "يظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين".

قال سيد قطب: "فهؤلاء فيهم على الكافرين شِماس وإباء واستعلاء، ولهذه الخصائص هنا موضع، إنها ليست العزة للذات، ولا الاستعلاء للنفس، إنما هي العزة للعقيدة، والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين، إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير، وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم، ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين! ثم هي الثقة بغلبة دين الله على دين الهوى، وبغلبة قوة الله على تلك القوى، وبغلبة حزب الله على أحزاب الجاهلية.. فهم الأعلون حتى وهم ينهزمون في بعض المعارك، في أثناء الطريق الطويل"ا.هـ

وإن هذه الصفة أَضْحَتِ اليوم في عداد المفقودات في هذا الزمن الغابر، حتى إنك ترى المسلمين خاضعين ذليلين لأعداء الدين يسترحمونهم ويستعطفونهم بشهوة أو بشبهة وكلاهما في حاصل الأمر سيان، ويقلدونهم في الملبس والمأكل، حتى أمسوا قدوة لهم، فتقمص المسلمون رداء الذلة، وارتدوا إزار الصغار بسبب هوانهم على الله، إلا مَنْ رحم ربي، والبعضُ ضَّلَ طَرِيقَ العِزَّةِ فظنوها في مجرد جَمْعِ الأموال أو الجلوس عند الملوك وذوي الجاه، قال ابن تيمية: قال بعض الشيوخ: " الناس يطلبون العز بأبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله "ا.هـ

بينما العزة الحقيقية قاصرة على الالتزام بطاعة الله واتباع رسوله _صلى الله عليه وسلم_.
فسبحان ربي جعل هؤلاء المتخاذلين الذلة لأعداء الدين، والعزة على المؤمنين، فعجباً لحالهم ولصنيعهم، وبعد ذلك أمسوا يلومون ويخطئون من كان ذليلاً على المؤمنين، عزيزاً على الكافرين.

ومن المهم في الصفتين السابقتين النظر في ملاءمتها للحالة الواقعة، فيُرَاعِي الشخصُ الموقفَ الذي هو فيه وما يناسبه، قال الأمين الشنقيطي: ويُفهم من هذه الآيات أن المؤمن يجب عليه أن لا يلين إلا في الوقت المناسب للين، وألا يشتد إلا في الوقت المناسب للشدة؛ لأن اللين في محل الشدة ضعفٌ وخورٌ، والشدة في محل اللين حمقٌ وخرقٌ، وقد قال أبو الطيب المتنبي:


إذا قيل حلم قل فللحلم موضع ** وحلم الفتى في غير موضعه جهل



يتبع..
المرفقات

95.doc

المشاهدات 2103 | التعليقات 1

(فسوف يأتي الله بقوم..)2/2


الصفة الخامسة: الجهاد: "يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
إن من المقرر عند العلماء أن لفظ الجهاد إذا أطلق فالمقصود به القتال في سبيل الله ولا ينصرف إلى غير هذا المعنى إلا بقرينة تدل على المراد، حيث إن الجهاد في الاصطلاح الشرعي يُقْصَدُ به القتالُ من أجل إعلاء كلمة الله، وإن ما عداه من ألوان بذل الجهد والمشقة إنما يدخل تبعاً في معنى الجهاد من باب التوسعة.

ومن الأدلة على ذلك قوله _تعالى_: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" (التوبة:19، 20)، فالجهاد لم يُقصدْ به هنا إلا المعنى القتالي، ويوضح ذلك ما جاء في سبب نزول هذه الآية من حديث النعمان بن بشير _رضي الله عنه_ قال: " كنت عند منبر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فقال رجل: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صَلَّيْتُ الجمعةَ دخلتُ فاستفتيتُه فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله _عز وجل_ "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"الآية.

فهذا يدل على أنهم لم يفهموا من الجهاد إلا معناه القتالي بدليل أنهم جعلوه في مقابلة أمور أخرى قد تدخل في الجهاد بمعناه العام مثل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وقد جاء النص القرآني مقراً لهم على هذا الفهم، ولم يقل لهم إن كل هذا الذي ذكرتموه داخل في معنى الجهاد، ثم بين لهم أفضلية الجهاد أي القتال في سبيل الله على غيره من الأعمال.

ثم إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قد عرف الجهاد بذلك، وذلك لما سُئِلَ: ما الجهاد؟ قال: "إن تقاتل الكفار إذا لقيتهم".
ويقول ابن رشد:" إن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون". وتعريفات الجهاد عند الأئمة في المذاهب الأربعة تدل على ذلك.

وإن للجهاد حكماً جمةً، والهدف الرئيس له هو تعبيد الناس لله رب العالمين، وإخراجهم من العبودية لغير الله، وإزالة الطواغيت كلها من الأرض، والأدلة على هذا كثيرة ومنها: قوله تعالى في موضعين: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ" (البقرة: من الآية193). وقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"، وقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري". وهو موضع اتفاق بين علماء الإسلام. لا كما يزعم أهل الضعف والخور إن الجهاد للدفع وحماية المسلمين فقط!! فقد تلقوا هذه القـالـة عن أساتذتهم الإستشراقيين وتلقفوها صاغراً عن صاغر.

وللجهاد أهداف أخرى منها على سبيل المثال: حماية الدولة الإسلامية، وإرهاب الكفار وإذلالهم، وأهداف تعود على المسلمين في ذوات أنفسهم مثل: رد الاعتداء على المسلمين، وكشف المنافقين، وتمحيص المؤمنين من ذنوبهم، والتربية على الصبر والبذل والثبات، والحصول على الغنائم، ونيل الشهادة.

وليُعلم أن للجهاد الأثر القوي في نشر الإسلام والدعوة إليه، قال ابن القيم في الفروسية: "فإن الله _سبحانه_ أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسِّنان، فكلاهما في نصره أخوان شقيقان". بـل إن الكاساني اعتبر الجهاد ضرب من الدعوة إلى الله، فقال: "والدعوة دعوتان: دعوة بالبنان وهي القتال، ودعوة بالبيان وهو اللسان".

وإن هذه الصفة مشتركة بين عمل القلب وعمل الجوارح وهو الأغلب، وما سبق أصله عمل قلبي، وما يظهر على جوارح المؤمن هو من لوازمها، ولكن هذه الصفة أصلها عمل للجوارح مدفوع من الباطن، وهي من أهم الصفات، ولا أبالغ إذا قلت إن هذه الصفة هي مَكْمَن ومحور الصفات السابقة، وهي مجمع لما مضى، قال أبو حيان: " والجهاد والصلابة في الدين هما نتيجة الأوصاف السابقة؛ لأن من أحب الله لا يخشى إلا إياه، ومن كان عزيزاً على الكافر جاهد في إخماده واسئصاله ". وقال شيخ الإسـلام: " والجهاد دليل المحبة الكاملة؛ لأن المحبة مستلزمة للجهاد؛ لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما نهى عنه.

وقال أيضاً: فإذا ترك العبد ما يقدر عليه من الجهاد كان دليلاً على ضعف محبة الله ورسوله في قلبه". قال ابن القيم: " الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد واللسان والمال وذلك تحقيق دعوى المحبة. وقال: وأعلى ما يحبه الله ورسوله الجهاد في سبيل الله ". وقال الطاهر بن عاشور: " وهو – أي الجهاد- أكبر العلامات الدالة على صدق الإيمان ". فالجهاد سنام الإسلام كما جاء في الحديث وتنتظم باقي الأعمال فيه، قال شيخ الإسلام معلقاً على حديث سنام الإسلام: " ولهذا كان الجهاد سنام العمل، وانتظم سنام جميع الأحوال الشريفة، ففيه سنام المحبة، كما في قوله: "فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" (المائدة: من الآية54)، وفيه سنام التوكل، وسنام الصبر، فإن المجاهد أحوج الناس إلى الصبر والتوكل، ولهذا قال _تعالى_: "وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" (النحل:41، 42)، وقال _تعالى_: "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الأعراف:128)، وفي الجهاد أيضاً حقيقة الزهد في الحياة الدنيا، وفيه أيضاً حقيقة الإخلاص.. وأعظم مراتب الإخلاص تسليم النفس والمال للمعبود".
لأنه لا شك أن من جاهد في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله فإنه سيكون محباً لله، عزيزاً على الكفار، فيه ذلة ورحمة لإخوانه.

ولِيُعلم أن فَقْدَ صِفَةِ الجهاد فيه خطر عظيم، حيث إن العبد يتلبس بشعبة من شعب النفاق من جراء ترك الجهاد أو عدم تحديث النفس به حيث جاء في الحديث عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: " من مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق "، وفي تركه أيضاً التعرض للذُل كما جاء في حديث ابن عمر _رضي الله عنه_ قال: سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "، وكذلك من آثار تركه إلقاء العداوة بين المسلمين، وعلو الكفر، إلى غير ذلك من آثار وخيمة. بل إن شيخ الإسلام قد اعتبر تارك الجهاد واجب الهجر كحال باقي أصحاب الكبائر، حيث قال: " وجماع الهجرة هي هجرة السيئات وأهلها، وكذلك هجران الدعاة إلى البدع، وهجران الفساق، وهجران من يخالط هؤلاء كلهم أو يعاونهم، وكذلك من يترك الجهاد الذي لا مصلحة لهم بدونه، فإنه يعاقب بهجرهم له لمَـَّا لم يعاونهم على البر والتقوى، فالزناة واللوطية وتارك الجهاد وأهل البدع وشربة الخمر هؤلاء كلهم ومخالطتهم مضرة على دين الإسلام، وليس فيهم معاونة لا على بر ولا على تقوى فمن لم يهجرهم كان تاركاً للمأمور فاعلاً للمحظور".

وقال البقاعي على قول الله: "يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ": "أي يوقعون الجهاد على الاستمرار لمن يستحقه من غير ملال ولا تكلف". وقال الألوسي: بالقتال لإعلاء كلمته _سبحانه_ وإعزاز دينه _جل شأنه_". وقال السعدي: "يجاهدون بأموالهم وأنفسهم، بأقوالهم وأفعالهم".
وهل المراد بهذا الجهاد هنا قتال المرتدين أم هو على إطلاقه؟ الظاهر الثاني، ولكنه يتناول المرتدين لاسيما في الصدر الأول من باب أولى.

وقال ابن القيم: "طُولِبَ المحبون بعدالة البينة بتزكية "يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ" (المائدة: من الآية54) فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم فهلموا إلى بيعة "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" (التوبة: من الآية111) فلما عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأناً، فرأوا من أعظم الغَبْن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي، من غير ثبوت خيار، وقالوا: "والله لا نقيلك ولا نستقيلك"، فلما تم العقد وسلموا المبيع، قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معاً "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" (آل عمران: 169، 170)".

وقال الإمام أحمد في فضل المجاهدين: " ليس يعدل لقاء العدو شيء، ومباشرة القتال بنفسه أفضل الأعمال،والذين يقاتلون العدو هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم، فأي عمل أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفون، قد بذلوا مهج أنفسهم ". والكلام في فضل الجهاد والمجاهدين ذو شجون، لا يتسع له المقام.

الصفة السادسة: عدم خوف الملامة: "وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ"
وهذه الصفة متعلقة بالصفة التي قبلها؛ لأن غالب الملامة تقع على العبد فيما فيه احتكاك بالناس ومواجهة معهم، من جهاد، ودعوة، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وفي العموم فيما يخالف هوى الناس.
وهذا من الابتلاء الذي يصيب العبد الناصر لدينه والباحث عن رضا ربه، يواجهه في دعوته إلى الله وفي جهاده وقيامه بالواجبات أيضعف؟ أم يصبر ويحتسب؟

وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت _رضي الله عنه_ في مبايعته للنبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم"، وروى ابن مسعود عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من أراد الجنة لاشك فلا يخاف في الله لومة لائم"، وعن أبي ذر _رضي الله عنه_ قال: أمرني خليلي _صلى الله عليه وسلم_ بسبع – وذكر -: وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مُرّاً، وألا أخاف في الله لومة لائم".

قال ابن كثير: "أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وقتال أعدائه، وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم، ولا عذل عاذل ". وقال النووي في معنى حديث عبادة الذي في الصحيحين: " نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحداً ولا نخافه، ولا نلتفت إلى الأئمة ". اهـ

بل إن خشية الملامة هي من خصال المنافقين؛ لأن أعينهم على الدنيا ناظرة وقلوبهم في الدنيا راغبة، وعن الآخرة هم معرضون، فإنهم وربي لخاسرون. قال البغوي: "وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم".

وإن من المقرر شرعاً أن ترك العمل بسبب الملامة لا يعد عذراً شرعياً، قال السيوطي: " فيه أن خوف الملامة ليس عذراً في ترك أمر شرعي ". ولا يخفى أن خوف الملامة لا تختلط بمقاصد الشريعة، أو المصلحة الشرعية المعتبرة، ومراعاتها فهي معتبرة شرعاً. ومقدرة بقدرها.

ولا شك أن وجود الملامة في الجهاد أكثر وأكبر؛ لأن دوافعها في النفوس الضعيفة أقوى وأغزر، قال ابن القيم: "وأعلى ما يحبه الله ورسوله الجهاد في سبيل الله، واللائمون عليه كثير، إذ أكثر النفوس تكرهه، واللائمون عليه ثلاثة أقسام: منافق، ومخذل مفتر الهمة، ومرجف مضعف القوة". اهـ

ولكن مع هذا فعباد الله الصالحون الأبرار الذين تفضل الله عليهم بهذه الصفات لا يثنيهم عن عزمهم شيء، ولا يردهم عن مرامهم راد، ولا يصدهم عن قصدهم صاد، طالما أنهم في طريق الهدى سائرون، ولِسُبُلِ الشيطان صادون، ولِطُرُقِ الضلال محايدون ومجانبون، يسعون في مصافحة المنون وكأنها هدايا توزع في يومِ جوائزٍ، كل يستقبلها بصدر رحب مسرور، رضوا ببيع الله، فأرضاهم الله. لا حرمنا الله من فضله.

فهم قائمون بواجب الجهاد ولا يلتفتون ولو وجدوا الملامة من أحد فإنها لا تصدهم عن نصرة دين ربهم؛ لأن محبة الله فوق كل شيء ورضا الله مقدم على رضا عبيده، وإن وجود هذه الملامة لزيادة خير لهم؛ لأنها ابتلاء وتمحيص حتى يظهر مَنْ هو مُقَدِّمٌ لربه على خلقه من العكس.

وإن الإعراض عن الملامة وعدم المبالاة بها لدليل قوة الإيمان، وارتفاع المحبة لله، وعلو الهمة وقوة العزيمة، والصلابة في الدين، وهذه نُقُولٌ توضح وتأكد ذلك: قال ابن الجوزي: "فأَعْلَم اللهُ _عز وجل_ أن الصحيحَ الإيمان لا يخاف في الله لومة لائم، ثم أَعْلَم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه، فقال: "ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" (المائدة: من الآية54)". وقال ابن القيم: "وهذا علامة صحة المحبة فكل محب يأخذه اللوم على محبوبه فليس بمحب على الحقيقة، كما قيل:

لا كان من لسواك فيه بقية

يجد السبيل بها إليه اللوم


وقال السعدي: "فهؤلاء يقدمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين، وهذا يدل على قوة هممهم وعزائمهم، فإن ضعيف القلب، ضعيف الهمة، تنتقص عزيمته عند لوم اللائمين، وتفتر قوته عند عذل العاذلين، وفي قلوبهم تعبُّدٌ لغير الله، بحسب ما فيها من مراعاة الخلق، وتقديم رضاهم ولومهم على أمر الله، فلا يسلم القلب من التعبد لغير الله حتى لا يخاف في الله لومة لائم ". قال الطاهر بن عاشور: " وهذا الوصف علامة على صدق إيمانهم حتى خالط قلوبهم بحيث لا يصرفهم عنه شيء من الإغراء واللوم؛ لأن الانصياع للملام آية ضعف اليقين والعزيمة، ولم يزل الإعراض عن ملام اللائمين علامة على الثقة بالنفس وأصالة الرأي".

وقال سيد قطب: "وفيم الخوف من لوم الناس، وهم قد ضمنوا حب رب الناس، إنما يخشى لوم الناس من يستمد مقاييسه وأحكامه من أهواء الناس، ومن يستمد عونه ومدده من الناس، أما من يرجع إلى موازين الله ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتهم وقيمهم، وأما من يستمد قوته وعزته من قوة الله وعزته فما يبالي ما يقول الناس وما يفعلون، كائناً هؤلاء الناس ما كانوا، وكائناً واقع هؤلاء الناس ما كان، وكائنة حضارة هؤلاء وعلومهم وثقافتهم ما تكون!

وقال البقاعي: "وسبب عدم خوفهم من الملامة صلابة دينهم، إذا شرعوا في أمر من أمور الدين – أمر بالمعروف أو نهي عن منكر - كانوا كالمسامير المحماة، لا يرِّوعهم قول قائل ولا اعتراض معترض، ويفعلون في الجهاد جميع ما تصل قدرتهم وتبلغ قوتهم إليه من إنكال الأعداء وإهانتهم ومناصرة الأولياء ومعاضدتهم، وليسوا كالمنافقين يخافون لومة أوليائهم، فلا يفعلون وإن كانوا مع المؤمنين شيئاً ينكيهم ". وقال الْجَمَلُ: " بمعنى أنهم جامعون بين المجاهدة في سبيل الله وبين التصلب في الدين، وفيه تعريض بالمنافقين ".

وانظر لهذا القول النفيس من الشوكاني: " فهم متصلبون في دينهم لا يبالون بما يفعله أعداء الحق وحزب الشيطان من الإزراء بأهل الدين، وقلب محاسنهم مساوئ، ومناقبهم مثالب، حسداً وبغضاً وكراهة للحق وأهله ". اهـ

وإن الناظر في واقعنا لَيَرَى أن الهوانَ قد حَطَ رحلَه على الأمة الإسلامية، وقد هوى بكل قوته، وقد جثا على صدرها وما ذلك إلا بسبب ضعف إيمانهم، وفتور دينهم، وتركهم للدين أو لأجزاء منه، فوَقَعَ عليهم الذلُ والهوانُ، وجعل اللهُ بأسَهم بينهم، وانقلبتِ الأوصافُ السابقة عليهم، فنجدهم أعزاء على المؤمنين، أذلاء على الكافرين، ويراقبون الناس أكثر من مراقبتهم لله مخافة الملامة من البشر "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ" (النساء: من الآية108)، فهم في مرحلة الاستضعاف والذل، وهذا بسبب سوء أعمالهم وركونهم للدنيا، قال شيخ الإسلام: " فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله، فقد يبتليهم الله بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع الفتنة، فإن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألف بينهم، وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم، وإذا لم ينفروا في سبيل الله عذبهم الله بأن يلبسهم شيعاً، ويذيق بعضهم باس بعض ". اهـ

وختاماً: أقول إن الله _جل ثناؤه_ بَيّنَ حقيقةً دعمها بِخَبَرٍ من الغيب يُظْهِرُه الزَمَنُ المستقبل، فالحقيقة أن المنافقين والمتخاذلين لا يُعَوَّلُ عليهم، ولا يُعْتَدُ بهم في نُصْرَةِ الإسلام وأهله، إنما التَعْوِيلُ في نصرة الدين على المؤمنين الصادقين الذين ظَهَرَتِ عليهم المحبةُ لخالقهم والمُنْعِمِ عليهم، فظهرت على جوارحهم وقاموا بالواجب المطلوب منهم أتم قيام، وبذلوا مُهَجَ أنفسهم في سبيل رضا ربهم ونشر دينه ودحض الباطل إن الباطل كان زهوقاً.

فيا مَنْ وجد هذه الصفات وأماراتها في نفسه فَلِيَهْنَك هذا الفضل من الله، ولتحمد الله، فإنها مِنَّةٌ خالصة من الكريم، وفَضْلٌ من الله العظيم تفضل بها عليك، فَلْتَسْعَ في شكرِها، والمحافظةِ عليها، ولا يراك اللهُ إلا شاكراً، ولا تحزن أو تغتم لِتَأَخُرِ النَصْرِ والتمكينِ فإنه لا يتأخرُ إلا لِحِكَمٍ لا يعلمها إلا الله العليم الحكيم. ويا مَنْ فقدها فلتجتهد في تحصيلها فإنها سمة ناصري الدين إن أردت أن تكون منهم، ولتحذر أن تكون ممن يستبدلهم المولى بغيرهم فتكون من الخاسرين.

وإن هذا الفضل مِنَ الله يهبه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء ولا راد لحكمه. فمَنْ حُرم هذا الفضل فلا ينزغنه الشيطان لذم مَنْ تحلى بهذه الصفات. فإن الله حكيم يهبها لمن يرى أنه أهل لذلك سواء أكان من أهل العلم الشامخين، أو من ذوي الفضل المشهورين، أو من بقية الأمة العاملين.
فمن شاء أن يرفض هذا الفضل وأن يحرم نفسه هذه المنة هو وشأنه، والله غني عن العالمين، والله يختار من عباده مَنْ يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم والعطاء الواسع.

نسأل الله أن يرجع الأمة إلى دينه، وأن يعزنا بطاعته، وأن يستخدمنا في نصرة دينه. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


المصدر: المسلم