فريضة الزكاة

فريضة الزكاة

ألقيت في جامع حمراء الأسد بالمدينة النبوية 4/ 9/ 1442

عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي
 

عناصر الخطبة:

1-وصية بالتقوى.

2-مكانة الزكاة.

3-حِكَم الزكاة وثمراتها.

4-التحذير من منع الزكاة.

5-ضرر منع الزكاة في الدنيا والآخرة.

6-موعظة لمانع الزكاة.

7-بعض أحكام الزكاة.

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الجواد الكريم، سبَّحت له الأفلاك وخضعت له الأملاك وهو العلي العظيم، وأشهد ألا إله إلا الله لا شريك له، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ويضاعف أجور المحسنين وهو الواسع العليم.

 

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بالمؤمنين رؤوف رحيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هديهم القويم.

 

أما بعد:

فاتقوا الله الملك العلام؛ فإن التقوى ثمرة الصيام؛ (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة:183].

اتقوا الله واجتنبوا معاصيه، واغتنموا أيام شهركم فيما يرضيه.

 

عباد الله..

فريضة من أفرض الفرائض وأوجبِ الواجبات، قرينةُ الصلاة في عديد الآيات.

فريضةٌ منتظِمة كلَّ عام، وهي ثالثةُ أركان الإسلام.

 

هي حقٌّ للفقراء في أموالِ الأغنياء؛ واجبٌ بذلُه بلا مَنٍّ في العطاء.
من منعها كان من الفاسقين، ومن جحد وجوبها فهو من الكافرين.

 

إنها فرضة الزكاة يا عباد الله؛ فرضها الله في الأموال.

فالمالُ مالُ الله ، هو الذي قدَّره وهيَّأ أسبابه وآتاه.

 

إن الزكاة برهانُ الإيمان، وسببٌ للفوز بالجنان والرضوان.

شرعها ربنا لحكم جليلة، وفَرَضها لمقاصد عظيمة، وهو العليم الحكيم.

 

كيف لا؟ وهي مظهر من مظاهر حسن الإسلام، وميدان للتخلق بأخلاق الكرام، وفيها الشكر لله على ما أولاه من الإنعام.

 

تحفظ المال من المنغصات، وتقيه الشرور والآفات، وتسد حاجة المسكين، وتقضي دين المدين، فيها إطعامُ ذي المسغبة، وإيواءُ ذي المتربة، تأليفٌ للقلوب، وفِكاكٌ للرقاب.  

 

إنها سبب لشرح الصدور؛ ومغنم عظيم لتحصيل الحسنات والأجور، تبعث بين المؤمنين معانيَ الرحمة والمواساة، ويحقق بها العبد تصديقَه بموعود الله.

 

فيها تطهيرُ النفس من البخل الذميم، والثقةُ بالخَلَف من الجواد الكريم.

يفتح الله بسببها على عباده من الخيرات والأرزاق، فيُبارك أموالَهم بحسب ما سبق لهم من إنفاق.

 

يقول عز وجل: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].

الله أكبر!

إن بذل المال لله مع حبه آية الإيمان، وعلامةُ التصديق بوعد الملك الديان.

 

في الزكاة - أيها المؤمنون - إصلاح الأحوال؛ وصيانةُ وجوه الفقراء من ذل السؤال.

تقي الزكاةُ المرءَ من عقوبات الذنوب، وتصرف عنه عظيمَ المصائبِ والكروب.

قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شرَّه"

 

منافع عظيمة تعود على المتصدِّق قبل المتصَدَّق عليه، وخيرات كثيرة تأتي المؤدِّيَ قبل المؤدَّى إليه.

(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) [التوبة:103].

مع ما ينالك أيها المزكي من عظيم الأجر عند الله يوم القدوم عليه، والوقوف بين يديه.

 

أيها المسلمون ..

حذارِ من منع الزكاة الواجبة! احذروا أن تكونوا متشبهين بالمنافقين، الذين (يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) [التوبة:67]. فلا ينفقون.

 

إن مانع الزكاة مخل بالإسلام والدين، مستحق للعذاب المهين، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: ٣٤، ٣٥].

فيا حسرتهم! ويا سوء عاقبتهم!

 

إن من يمنع زكاة ماله يشقى به في هذه الدار؛ ويعذب به في دار القرار: يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

"مَن آتاه اللهُ مالًا فلَم يُؤدِّ زَكاتَه، مُثِّل له مالُه شُجاعًا أقرَعَ، له زَبيبتان، يُطوِّقُه يومَ القيامَةِ، يأخُذُ بلِهْزِمَتَيه - يَعني بشِدقَيْه - يقولُ: أنا مالُك، أنا كَنزُك"

ثم تلا -صلى الله عليه وسلم- قول الله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:180].

 

إذا كان يوم القيامة فإن مانع الزكاة يُعذَّب في يوم كان مقداره خمسين ألفَ سنة.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبيلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ"

 

قيل: يَا رسولَ الله، فالإبلُ ؟

قَالَ: "وَلاَ صَاحِبِ إبلٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَومَ وِرْدِهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أوْفَرَ مَا كَانَتْ، لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا فَصيلاً وَاحِداً، تَطَؤُهُ بِأخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، في يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ"

 

قِيلَ: يَا رَسولَ اللهِ، فَالبَقَرُ وَالغَنَمُ ؟

قَالَ: "وَلاَ صَاحِبِ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بقَاعٍ قَرْقَرٍ، لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئاً، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلاَ جَلْحَاءُ، وَلاَ عَضْبَاءُ، تَنْطَحُهُ بقُرُونها، وَتَطَؤُهُ بِأظْلاَفِهَا، كُلَّمَا مرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة حَتَّى يُقْضى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرى سَبيِلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ"

 

منع الزكاة يتعدى ضرره للبلاد والعباد ، تَمنع السماء قَطْرها، وتُمسك الأرض نباتها، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء؛ ولولا البهائم لم يمطروا)

 

فيا مَن أضعفته نفسُه عن إخراجِ ما أوجب الله :  أين إسلامك؟ ألم تعلم أنك إن بخلت بزكاتك أحاطت بك آثامك!؟

يتابع عليك مولاك الامتنان، و تبارزه بالبخل والعصيان!

 

سبحان الله! كيف تبخل بزكاة مالٍ: اللهُ سبحانه هو الذي وهبك إياه؟ وهو قادر على سلبه منك إن لم تؤد فيه ما يرضاه!

 

أموالك إن بقِيتْ لك: لم تبقَ أنت لها!

إن بخلتَ بها جاءك شرُّها، وإن أديتَ حقها نلتَ بركتها وخيرها.

 

فـ«ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا»

 

استمع لنداء ربك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:9-11].

 

اللهم امنن علينا بإقامة شعائر ديننا؛ ووفقنا لما يرضيك عنا، واغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، واجعلنا من أهل كمال الإيمان وقوة اليقين، وأجرنا من العذاب المهين، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وعطاياه، أحمده سبحانه لما أولاه وأسداه، وأسأله التوفيق لرضاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله، لا إله غيره ولا رب سواه.

 وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمداً عبده ورسوله ومصطفاه. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه.

 

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، " حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة ".

 

عباد الله..

لقد جعل الله تعالى هذه الفريضة على أيسر الأحوال؛ فلم يوجبها إلا فيما نما من الأموال ؛ كبهيمة الأنعام السائمة، وعروض التجارة، والذهب والفضة، والخارج من الأرض.

 

والأوراق النقديةُ نصابُها هو نصاب الفضة على قول أكثر العلماء، والواجب فيها ربعُ العشر.

 

إن نسبة الزكاة شيء قليل من مال كثير.

 

يجِب إخراجُ الزكاة علَى الفَور، بوضعِها في موضِعها وصرفها لمستحقها.

قال تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60].

 

يُستحَبّ للمسلِم أن يوصل زكاته لمستحقها بنفسه؛ ممن يتحرى حاجته وفقره.

وله أن يخرجها عبر الجهات الرسمية المأذونِ لها بجمع الزكاة والتبرعات، وإيصالها إلى مستحقيها.

وليحذر المسلم من دفعها لجهات مجهولة.

 

ومَن مضَت عليه سنون لم يؤدِّ زكاتَها لزِمَه إخراجُ الزكاة عن جميع ما سلف، مع التوبة والاستغفار عما اقترف.

 

ومن بلغ ماله نصابا وحال عليه الحول، فليبادر بالزكاة؛ يرضي بها ربه، ويكمل دينه، ويحصِّن ماله، ينفع بها الفقراء ، يرحمُ من في الأرض؛ ليرحمَه من في السماء.

 

والزّكاةُ عباد الله أنواع وأحكام، فتفقهوا في أحكامها، مسترشدين بسؤال أهل العلم عن مسائلها؛ لتبرأ ذممكم، ويباركَ لكم في أموالكم.

 

أيها المؤمنون! إن الله تعالى أعطاكم الكثير فاشكروا، وطلب منكم اليسير فلا تبخلوا؛ فـ (مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].

 

وأبشروا يا أهل الإنفاق، بالخلف الواسع من الكريم الرزاق، فقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "ما نقَصَت صدقةٌ من مال؛ بل تزده".

تقبل الله منكم ما أنْفقتُم؛ وبارك لكم فيما أبقيتم .

 

ثم زكوا نفوسكم عباد الله؛ بالصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله.

صلوا وسلموا على من كان كثير الصدقة والإحسان، الذي كان يتضاعف جوده في رمضان.

 

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.

 

 

المرفقات

1618800357_خطبة فريضة الزكاة.docx

1618800357_خطبة فريضة الزكاة.pdf

المشاهدات 609 | التعليقات 0