فريضة الزكاة في الإسلام

عبدالرحمن سليمان المصري
1445/08/19 - 2024/02/29 08:51AM

فريضة الزكاة في الإسلام

الخطبة الأولى

 
الحمدُ للهِ الذي جعلَ الزكاةَ أحدَ أركانِ الإسلام ، ووعدَ من أخرجَها بالخلَفِ والنعيمِ المُقيمِ في دار السلام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .    أما بعد :

 

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131 .

عباد الله : إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا , ‌وَحَّدَ ‌حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رُخْصَةً لَكُمْ , لَيْسَ بِنِسْيَانٍ، فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا ، وإن مما أوجبه الله على عباده فريضة الزكاة ، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام ، وقرينةُ الصلاة في كتاب الله عز وجل ، قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾النور:56 .

فَرَضَهَا اللهُ عز وجل في أموالِ الأغنياءِ ؛ لتحقيقِ العبوديةِ لهُ سبحانهُ ، بامتثالِ أمرهِ والقيامِ بفرائضهِ في هذه الشعيرةِ الماليةِ ، وبين سبحانهُ أن أداءها من صفاتِ المؤمنينَ المُطيعينَ ، قال تعالى:﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ التوبة:18 .

ووعد من أداها راجياً ثَوابها بِالخيرِ الكثيرِ، والبركةِ والخَلَفِ العاجلِ ، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾سبأ:39 ، وهي دلِيلٌ لصاحبِها على إيمانهِ ، قال صلى الله عليه وسلم: " الصَّلَاةُ نُورٌ ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ " رواه مسلم.

وأداءُ الزكاةِ في وقتها ، سببٌ للنجاةِ يومَ القيامة ، وبلوغِ درجةِ الصديقينَ والشهداء ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾البقرة:277.

وجاء ‌رجلٌ ‌إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني شَهِدتُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ، وأنك رسولُ اللَهِ، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وصمتُ رمضانَ وقمتُه، وآتيت الزكاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَن ماتَ على هذا ، كان من الصدّيقين والشهداء". رواه البزّار وصححه الألباني.

عباد الله : ومن مقاصد الزكاة : تطهيرُ المُزكي من الذنوبِ، ومن الشُّحِ والبخلِ ، فتزكُو نفسهُ وتَعِفُّ يدهُ وتسخَى روحهُ ، قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾التوبة:103.

ومن مقاصدها: شُكرُ الله تعالى على نعمةِ المال التي تفضلَ بها على عباده ، ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ القصص: 77  ، ومنها حُصُولُ البركةِ في المال ، قال تعالى:﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾البقرة:276.

ومن مقاصدها: مواساةُ الفقراءِ ، فيحنُوْ الغنيُ على الفقيرِ، فتُطفأُ الأحقادُ والعداواتُ ، وتقلُّ الجرائمُ والسرقاتُ ، وتأمنُ البلادُ ، ويسعدُ العبادُ ، " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ‌ارْحَمُوا ‌مَنْ ‌فِي ‌الأَرْضِ ‌يَرْحَمْكُمْ    مَنْ ‌فِي ‌السَّمَاءِ "رواه الترمذي وصححه الألباني.

عباد الله: والزكاة تجب في أربعة أصنافٍ من الأموال :

في النقدين الذهب والفضة ، إذا بلغ الذهبُ 85 جراما من الأوزان المعاصرة ، والفضةُ إذا بلغت 595 جرام ، فإذا حال عليها الحولُ ، وجب فيها ربع العشر .

ويُلحق بالنقدين الأوراق النقدية وهي العملات المتداولة ، ونصابها هو أدنى النصابين من الذهب والفضة ، وعلى هذا فنصاب الأوراق النقدية 1606 ريال ، فمن ملكها وحال عليها الحول أخرج منها ربع العشر، وهو 40 ريالا .

وتجب الزكاة في الزروع والثمار ؛ في كل ما يُكال ويدخر ،  إذا بدى صلاحها ، وبلغت النصاب وهو 612 كيلو جرام  ، فمن لديه نخل في بيته أو استراحته ، وكان التمر الذي يخرجه النخل يبلغ هذا الوزن وجب عليه إخراج زكاته ، وهو العُشر ، أو نصف العُشر  30.6 ك.

عباد الله :  كما تجب الزكاة في بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم ، إذا بلغت النصاب ، وكان صاحبها قد اتخذها للدرِّ والنسل والإفادة منها ، وكانت تَرعى العُشْبَ والكلأ أكثر السنة ، وأما المعلوفة أكثر السنة فلا تجب فيها الزكاة - .

وتجب الزكاةُ في عروض التجارة ، وهي كلُّ ما أعدّهُ الإنسانُ غرضاً للربح والتكسب ، فيُقيَّمُ المسلمُ عند تمام الحول تجارته ، ويُخرَج ربع العُشر  .

عباد الله :  ولا تنفعُ الزكاةُ ولا تبرأُ بها الذمة ، حتى يخرجها على الوجه المشروع ، ويصرفها في مصارِفها التي ذكرها الله عز وجل ، وهم ثمانِيَةُ أصناف لا يجوز صرفُها إلى غيرِهم ، قال تعالى ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾التوبة:60 .   

 

 بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا .        أما بعد :

 

عباد الله : الزّكاة شعيرةٌ كبيرةٌ، وعبادةٌ عظيمةٌ ، شرعها اللهُ لكم ، وجعلها جزءا يسيرا من أموالكم ، فأدّوا زكاة أموالكم طيبةً بها نُفُوسُكُم ، فمن جحد وجوبها كفر ، يُقاتله الإمام حتى يؤديها ؛ قال صلى الله عليه وسلم:" ‌أُمِرْتُ ‌أَنْ ‌أُقَاتِلَ ‌النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ "رواه البخاري.   

وقال أبو بكر رضي الله عنه: واللهِ لأقاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ " رواه البخاري.

 

عباد الله : وأما مَنْ بَخِلَ بالزكاةِ ، فمنعها أو أنقص منها ، فقد عرّضَ نَفْسَهُ لِعَذابِ الله ، قال صلى الله عليه وسلم: " ‌مَنْ ‌آتَاهُ ‌اللهُ ‌مَالًا، ‌فَلَمْ ‌يُؤَدِّ ‌زَكَاتَهُ ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ ،– وهُوَ الثُّعْبانُ الخَالِي رَأْسُهُ مِنَ الشَّعْرِ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ- لَهُ زَبِيبَتَانِ ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَيْهِ، يَعْنِي شِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ ،ثُمَّ تَلَا:﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾آل عمران:180" رواه البخاري.

 

وجاء في الحديث الآخر قوله صلى الله عليه وسلم : " ‌مَا ‌مِنْ ‌صَاحِبِ ‌ذَهَبٍ ‌وَلَا ‌فِضَّةٍ، ‌لَا ‌يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ ، فَيَرَى سَبِيلَهُ ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ " رواه مسلم.

وقد جعل الله منع الزكاة من صفات المشركين  ، الذين توعدهم الله بالويل ،قال تعالى :﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ فصلت: 6، 7.

عباد الله: من وجبت عليه الزكاة ، فليعلم أنه ابتلاء وامتحان ، منَّ اللهُ عليهِ بأن جعلَ يدهُ العليا، ويدَ غيرهِ السفلَى ، فليشكر نعمةَ اللهِ عليه ، فإن الذي أعطاه قادر على نزعها منه ، وليؤدي زكاة مالهِ يُفلحْ في الدنيا والآخرةِ.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب : 56.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

المشاهدات 297 | التعليقات 0