فُرَصٌ لا تُعَوَّض
تركي بن عبدالله الميمان
فُرَصٌ لا تُعَوَّض
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، وَاتِّبَاعِ كِتَابِ اللهِ؛ لِتَنَالُوْا رَحْمَةَ اللهِ!﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
عِبَادَ الله: إِنَّهَا فُرَصٌ لا تُعَوَّضُ، وَغَنِيْمَةٌ لا تُسْتَدْرَك؛ فَالسَّعِيْدُمَنْ بَادَرَ إِلَيْهَا، وَالمَحْرُومُ مَنْ فَرَّطَفِيْهَا؛ إِنَّهَا خَمْسُ فُرَصٍ جَمَعَهَا النَّبِيُّﷺ في قَوْلِهِ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ!).
وَخُلاصَةُ الحَدِيْثِ: أَنَّ دَوَامَ الحَالِ مِنَ المُحَالِ، وَالمُبَادَرَة إلى اغْتِنَامِالأَحْوَال، وَالاِسْتِعْدَاد لِيَومِ المآل، وَالمُسَارَعَة في الخَيْرَاتِ، قَبْلَ وُقُوْعِ المُفَاجَآت!
الفُرْصَةُ الأُوْلَى: فُرْصَةُ الشَّبَابِ:فَهِيَ زَهْرَةُ العُمُرِ، وَغَنِيْمَةُ الدَّهْرِ، وَفُرْصَةٌ لا تَتَكَرَّر،وَفِرَاقُهَا أَلَمٌ لا يُتَصَوَّر! قال تعالى: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾. قال بَعْضُ المُفَسِّرِيْنَ: (الطَّيّبَاتُ:هِيَ الشَّبَابُ والقُوَّة!).
وَمُدَّةُ الشَّبَابِ قَصِيْرَةٌ:كَزَهْرِ الرَّبِيْعِ؛ فَإِذَا يَبُسَ وَابْيَضّ؛ فَقَدْ آنَ ارْتِحَالُه!قال U: ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾.
وَالشَّبَابُ والصِّحَّةُ؛ لا يَمْنَعُانِ مِنْ مَوْتَ الفَجْأَة!يَقُوْلُ ابْنُ الجَوْزِي: (يَجِبُ على مَنْ لا يَدْرِي مَتَى يَبْغَتُهُ المَوْتُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا، ولا يَغْتَرَّ بِالشَّبَابِ والصِّحّةِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَمُوْتُ الشُّبَّان!).
وَالفُرْصَةُ الثَّانِيَةُ:الصِّحَّةُ والقُوَّةُ؛ فالمُؤْمِنُ الفَطِنُ: يُكْثِرُ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ في حَالِ صِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ؛ حَتَّى يُكْتَبَ لَهُ ثَوَابُهُ كَامِلًا في حَالِ مَرَضِهِ! قالﷺ: (إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَر؛ كُتِبَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ، مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا!). قالَ ابنُ عُثَيْمِين: (يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ-ما دَامَ في حالِالصِّحَّةِ والفَرَاغ-؛ أَنْ يَحْرِصَ على الأَعْمَالِالصَّالِحَة، حَتَّى إِذَا عَجَزَ عَنْهَا -لمرَضٍ أو شُغل-؛ كُتِبَت لَهُكَامِلَة).
وَالفُرْصَةُ الثَّالِثَةُ:فُرْصَةُ المَالِ، وَبَذْلِهِفي مَرْضَاتِ اللهِ! سُئِلَ ﷺ: (أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُأَجْرًا؟) قال: (أَنْ تَصَدَّقَوَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ:تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمَل الغِنَى، وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الحُلْقُومَ؛قُلْتَ: "لِفُلانٍ كَذَا،وَلِفُلانٍ كَذَا" وَقَدْ كَانَلِفُلانٍ!).
قال العُلَمَاءُ: (الشُّحُّ غَالِبٌ فِي حَالِ الصِّحَّة؛ فَإِذَا تَصَدَّقَكَانَ أَصْدَقَ فِي نِيَّتِهِ،وَأَعْظَمَ لأَجْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى المَوْت،وَرَأَى مَصِيرَ المَالِ لِغَيْرِهِ!).
وَالمَرَادُ مِنَ المَالِ: إِنْفَاقُهُ في العُمُرِ؛ فَإِذَا أُنْفِقَ العُمُرُ في تَحْصِيْلِ المالِ؛ فَاتَ المَقْصُوْدَانِجميعًا! ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ t: (هُوَ الرَّجُلُ المُؤْمِنُ إِذَا نَزَلَ بِهِالمَوْتُ، وَلَهُ مَالٌ لَمْيُزَكِّهِ، وَلَمْ يُعْطِ حَقَّ اللهِ فِيْهِ؛ فَيَسْأَلُ الرَّجْعَةَ عِنْدَ المَوْتِ؛لِيَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِوَيُزَكِّي!).
الفُرْصَةُ الرَّابِعَةُ:فُرْصَةُ الفَرَاغِ! فَهِيَنِعْمَةٌ عَظِيْمَةٌ، لا يَعْلَمُ قَدْرَهَا إِلَّا أَقَلُّ القَلِيْلِ! قال ﷺ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ). يقولُ بَعضُ العُلَمَاءِ: (رَأَيْتُ عُمُوْمَ الخلَائِقِ يَدْفَعُونَ الزَّمَانَ دَفْعًا عجيبًا: إنْ طالَ الليلُ؛فَبِحَدِيثٍ لا يَنْفَع، وإنْ طالَ النَّهارُ؛ فَبِالنَّومِ!ورَأَيْتُ النَّادِرِينَ قَدْ فَهِمُوا مَعْنَى الوُجُوْدِ، فَهُمْ في تَعْبِئَةِ الزَّادِ، وَالتَّأَهُّبِ لِلْرَّحِيْلِ؛ فَاللهَ اللهَ في مَوَاسِمِ العُمُرِ، وَالبِدَارَ البِدَارَ قَبْلَ الفَوَاتِ!).
وَالفُرْصَةُ الخَامِسَةُ: فُرْصَةُ الحَيَاةِ؛فَالعَبْدُ مِنْ حِيْنِ اسْتَقَرَّتْ قَدَمُهُ في هَذِهِ الدُّنْيا؛ فَهُوَ مُسَافِرٌ إلى رَبِّهِ؛ وَمُدَّةُ سَفَرِهِ: هِيَ حَيَاتُهُ وَوَقْتُهُ!
قال الحَسَنُ: (يَا ابْنَ آدَمَ،إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ؛ كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ، ذَهَبَ بَعْضُكَ!).
وَكَانَ السَّلَفُ يَغْتَنِمُونَ حَيَاتَهُمْ، وَيَعْمُرُوْنَ أَوْقَاتَهُمْ، في جَمْعِالحَسَنَاتِ، وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ؛ لِلْوُصُوْلِ إلى أَعْلَى الجَنَّات! قَالَ الحَسَنُ البَصْرِي: (أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا، كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ مِنْكُمْ حِرْصًا على دَرَاهِمِكُمْ). قالَ عَبْدُالرَّحْمَن بنُ مَهْدِيّ: (لَوْ قِيْلَ لِحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ: إِنَّكَ تَمُوْتُ غَدًا؛ مَا قَدِرَ أَنَّ يَزِيْدَ فِي العَمَلِ شَيْئًا!).
قال الذَّهَبِيُّ: (كَانَتْ أَوْقَاتُهُ مَعْمُوْرَةً بِالتَّعَبُّدِ وَالأَوْرَادِ).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: كُلُّ مَنْ فَرَّطَ في حَيَاتِهِ؛ سيَنْدَمُ عِنْدَ مَمَاتِهِ! وَيَتَمَنَّى لَحْظَةً -وَلَوْ يَسِيْرَةً- لِيَسْتَدْرِكَ مَا فَاتَ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَهَيْهَاتَ! ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: (إذَا فُتِحَ لِأَحَدِكُمْ بَابُ خَيْرٍ فَلْيُسْرِعْ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عَنْهُ!).
*******
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
* * * *
d قَنَاةِ الخُطَبِ الوَجِيْزَةa
¨https://t.me/alkhutab©
* * * *
المرفقات
1691592608_فُرَصٌ لا تُعَوَّضُ (وورد منزوعة الغلاف والإطار).docx
1691592609_فُرَصٌ لا تُعَوَّضُ (للهاتف منزوعة الغلاف والإطار).pdf
1691592609_فُرَصٌ لا تُعَوَّض (للهاتف).pdf
1691592609_فُرَصٌ لا تُعَوَّض (للطباعة).pdf