فتوى اللجنة الدائمة فيما إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة

أبو عبد الرحمن
1430/12/01 - 2009/11/18 05:32AM
فتوى اللجنة الدائمة فيما إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه .. أما بعد: فقد كثر السؤال عما إذا وقع يوم عيد في يوم جمعة فاجتمع العيدان: عيد الفطر أو الأضحى مع عيد الجمعة التي هي عيد الأسبوع، هل تجب صلاة الجمعة على من حضر صلاة العيد أم يجتزئ بصلاة العيد ويصلى بدل الجمعة ظهراً؟ وهل يؤذن لصلاة الظهر في المساجد أم لا؟ إلى آخر ما حصل عنه السؤال، فرأت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار الفتوى الآتية:


الجواب:
في هذه المسألة أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة منها:
1- حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: (من شاء أن يصلي فليصل). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال النووي في "المجموع": إسناده جيد.
2- وشاهده المذكور هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون). رواه الحاكم كما تقدم، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي وغيرهم.
3- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: (من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها ، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف). رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" بلفظ: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: (يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً وأجراً وإنا مجمعون، ومن أراد أن يجمع معنا فليجمع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع).
4- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة ، وإنا مجمعون إن شاء الله). رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
5- ومرسل ذكوان بن صالح قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة ويوم عيد فصلى ثم قام، فخطب الناس، فقال: (قد أصبتم ذكراً وخيراً وإنا مجمعون، فمن أحب أن يجلس فليجلس -أي في بيته- ومن أحب أن يجمع فليجمع). رواه البيهقي في السنن الكبرى.
6- وعن عطاء بن أبي رباح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدمنا ذكرنا ذلك له، فقال : (أصاب السنة). رواه أبو داود، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ آخر وزاد في آخره: قال ابن الزبير: (رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا).
7- وفي صحيح البخاري رحمه الله تعالى وموطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال أبو عبيد: شهدت العيدين مع عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له).
8- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما اجتمع عيدان في يوم: (من أراد أن يجمع فليجمع، ومن أراد أن يجلس فليجلس). قال سفيان: يعني : يجلس في بيته. رواه عبد الرزاق في المصنف ونحوه عند ابن أبي شيبة.
وبناء على هذه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذه الآثار الموقوفة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم ، وعلى ما قرره جمهور أهل العلم في فقهها، فإن اللجنة تبين الأحكام الآتية:
1- من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل.
2- من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإن لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة صلاها ظهراً.
3- يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد ، إن حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة وإلا فتصلى ظهرا.
4- من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر.
5- لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فلا يشرع الأذان لصلاة الظهر ذلك اليوم.
6- القول بأن من حضر صلاة العيد تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم قول غير صحيح، ولذا هجره العلماء وحكموا بخطئه وغرابته، لمخالفته السنة وإسقاطه فريضةً من فرائض الله بلا دليل، ولعل قائله لم يبلغه ما في المسألة من السنن والآثار التي رخصت لمن حضر صلاة العيد بعدم حضور صلاة الجمعة، وأنه يجب عليه صلاتها ظهراً .
والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ .. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان .. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .
http://www.islam-qa.com/ar/ref/109323
المشاهدات 3839 | التعليقات 1

العلماء اختلفوا فيمن حضر العيد هل يُرخّص له في ترك الجمعة أو لا ؟

على أربعة أقوال :
القول الأول :
الرخصة لأهل البر والبوادي في ترك الجمعة ويصلونها ظهرًا .
وهو قول الشافعي، ورواية عن مالك . عقد الجواهر (1/244).
قال الشافعي: "وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلّى الإمام حين تحلّ الصلاة، ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاؤوا إلى أهليهم ولا يعودون إلى الجمعة" الأم (1/399).
القول الثاني :
أنّ الجمعة واجبة على كل من صلى العيد .
وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن مالك، واختيار ابن حزم، وابن المنذر، وابن عبد البر. حاشية ابن عابدين (2/166)، عقد الجواهر (1/244)، المحلى (5/89)، الأوسط (4/291)، التمهيد (10/277).
قال أبو حنيفة: "عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالأول سنة، والآخر فريضة، ولا يترك واحد منهما" الجامع الصغير (ص: 113).
وروى ابن القاسم عن مالك أنّ ذلك – ترك الجمعة – غير جائز، وأن الجمعة تلزمهم على كل حال" المدونة (1/.
القول الثالث :
أنّ من شهد العيد سقطت عنه فرضية الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد .
وهو قول الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. الكافي لابن قدامة (1/510)، مجموع الفتاوى (24/213).
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن عيدين اجتمعا في يوم يترك أحدهما ؟ قال: لا بأس به، أرجو أن يجزئه. سؤالات عبد الله لأبيه (رقم 482).
القول الرابع :
أنّ الجمعة والظهر يجزئ عنهما صلاة العيد .
وهو قول عطاء رحمه الله تعالى.
قال عطاء: "اجتمع يوم فطر ويوم جمعة على عهد ابن الزبير، فقال: (عيدان اجتمعا في يوم واحد)، فجمعهما جميعًا فصلاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليها حتى صلى العصر". أخرجه عن عطاء أبو داود (1072).
الأدلة :
أدلة القول الأول :
استدل أصحاب القول بأدلة منها :
الدليل الأول: بما روي عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال: (أيها الناس، إنّ هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحبّ أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحبّ أن يرجع فقد أذنت له)([10]). رواه البخاري (5572).
الدليل الثاني: ما روي عن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج)). الأم (1/398)، المسند (1/324)، والحديث مرسل، وفيه إبراهيم بن محمود وهو متروك.
أدلة القول الثاني :
استدلوا بأدلة منها :
الدليل الأول: قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله }، ولم يخص عيدًا من غيره، فوجب أن يحمل على العموم .
الدليل الثاني: قالوا: ليس للإمام أن يأذن في ترك الفريضة، وفعل عثمان اجتهاد منه، وإنّما ذلك بحسب العذر، فمتى أسقطها العذر سقطت .
أدلة القول الثالث:
استدلوا بأدلة منها :
الدليل الأول: حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه عن الجمعة، وإنّا مجمعون)) رواه أبو داود (1073)، وابن ماجه (1311)، والحاكم (1/288).
وأجيب عنه من أوجه ٍ :
(1) هذا الحديث ضعيف لأن الصحيح إرساله ، قال الحافظ بن حجر في تلخيص الحبير: ( صحح الدارقطني إرساله و كذا صحح بن حنبل إرساله ) أهـ . و في عون المعبود (3289) : قال الإمام الخطّابي في إسناد حديث أبي هريرة مقالٌ … و قال المنذري و أخرجه بن ماجة و في إسناده بقيَّة بن الوليد و فيه مقال أهـ و كذلك ضعَّفَهُ ابن الجوزي في العلل المتناهية (1469) و في الحديث كلامٌ لا يحتملُهُ هذا المقام و الحاصل أنَّهُ ضعيفٌ.
(2) و لو سلمنا صحتَهُ فقد حمل العلماء الرخصة فيه لأهل العوالي و هي القرى حول المدينة ، قال الإمام الطحاوي في مشكل الآثار : ( إنَّ المرادين بالرخصة في ترك الجمعة في هذين الحديثين هم أهل العوالي الذين منازلهم خارج المدينة ممن ليست الجمعة عليهم واجبة ) أهـ . و قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد ( 10273) : ( الرخصة إنما أُريدَ بها من لم تجب عليه الجمعة ممن شهِد العيد من أهل البوادي ) و مما يؤيِّدُ حملَهُ على أهل العوالي ما يلي :
1ـ قولُهُ في الحديث ( فإنَّا مجمعون ) إشارةٌ إلى أهل المدينة و ذلك لأنَّه لا يجوز حملها على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، إذ الجمعة لا تصح من واحدٍ إجماعاً فكان قولُهُ عليه الصلاة والسلام متوجِّهاً إلى من ليس من أهل المدينة و الله أعلم .
2 ـ روى البيهقي هذا الحديث بعينه من طريق سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن رفيع موصولاً و مقيِّداً ذلك بأهل العوالي و إسناده و إن كان فيه ضعف إلا أنَّهُ يتأيد بما قدمنا و بما أخرجه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه موقوفاً مقيِّداً ذلك بأهل العوالي .
الدليل الثاني: ما روي عن إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية مع أبي سليمان وهو يسأل زيد بن أرقم، قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم ؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع ؟ قال: صلى للعيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل). رواه النسائي (3/194)، وابن ماجه (1310)، الدارمي (1/378)، الحاكم (1/288)، أحمد (4/372).
و الجواب عليه من أوجُهٍ :
(1) فقد تفرَّد به عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة ، قال ابن المنذر لا يثبت هذا - الحديث – فإنَّ إياس مجهولٌ ، قال بن القطَّان هو كما قال أ هـ تهذيب التهذيب (1340) وقال ابن خزيمة في صحيحه(2 359 ) : ( لا أعرف إياس بن أبي رملة بعدالةٍ و لا بجرح أ هـ . فكيف يصح في الأذهان إسقاط فرض الجمعة بمثل هذا الحديث الضعيف .
(2) و هو معارض أيضاً بحديث النعمان بن بشير في صحيح مسلم .
(3) و قد يُجاب عنه أيضاً بحمله على أهل العوالي.
(4) و هو أيضاً معارض بحديث طارق بن شهاب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال (( الجمعة حقٌّ واجبٌ على كل مسلمٍ في جماعةٍ إلاّ أربعة : عبد مملوك و امرأة أو صبي أو مريض )) رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح على شرط البخاري و مسلم ، قاله الإمام النووي . فمفهوم هذا الحديث أنَّ الجمعة لا تجب على هؤلاء الأربعة فقط و ليس من حضر العيد واحداً منهم .
الدليل الثالث: حديث ابن عمر قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بالناس، ثم قال: ((من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف)). رواه ابن ماجه (1312)، وابن عدي (6/2448)، وفيه: جبارة ومندل ضعيفان.
أدلة القول الرابع :
مضى أنّ معتمد عطاء هو فعل ابن الزبير، فعن ابن جريج قال: قال عطاء: إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما، فليصل ركعتين فقط، حيث يصلي صلاة الفطر ثم هي هي حتى العصر، ثم أخبرني عند ذلك قال: اجتمع يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد زمن الزبير، فقال الزبير: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فليجمعهما جميعًا يجعلهما واحدًا، وصلى يوم الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر، ثم لم يزد عليها حتى صلى العصر.
قال: فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك، وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه. قال: ولقد أنكر ذلك عليه، وصليت الظهر يومئذ.
قال: حتى بلغنا بعدُ أن العيدين كانا إذا اجتمعتا كذلك صليا واحدة، وذكر ذلك عن محمد بن علي بن الحسن، أخبر أنهما كانا يجمعان إذا اجتمعا. قال: إنه وحده في كتاب لعلي زعم. المصنف لعبد الرزاق (5725).
ما أخرجه أبو داود (1281) من حديث عطاء و النسائي (3194) من حديث وهب بن كيسان قال اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى _ ركعتين _ و لم يصلِّ بالناس يومئذٍ الجمعة ، فذُكِرَ ذلك لأبن عباسٍ فقال أصاب السُنَّةَ .. وأجيب عنه من أوجهٍ :
(1) هذا الأثر عن ابن الزبير معارضٌ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد مر في حديث النعمان بن بشر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتمع عيدٌ و جمعةٌ صلى صلاتين.
(2) هذا الأثر إذا حمل على ظاهرِهِ فإنَّهُ يخالف إجماع العلماء إذ فيه إسقاط الظهر والجمعة معاً بفعل العيد و هذا لم يقلْهُ أحدٌ من علماء الأمة ، قال بن عبد البـر في الاستذكار (723) (( و روي في هذا الباب عن ابن الزبير و عطاء قول منكر أنكره فقهاء الأمصار و لم يقل به أحد منهم )) و قال أيضاً (( و على أيِّ حال كان فهو عند جماعة العلماء خطأٌ و ليس على الأصل المأخوذ به )) أهـ . و قال ابن رُشدٍ في بداية المجتهد (4253) (( و أما إسقاط فرض الظهر و الجمعة التي هي بدله لمكان صلاة العيد فخارجٌ عن الأصول جداً )) .
(3) و التحقيق أن ابن الزبير قد صلى الجمعة إلا أنَّهُ قدمها قبل الزوال على مذهب من يرى ذلك و هو أمرٌ ظاهِرٌ من الروايات و مما يدلُّ على ذلك أنّه أخَّر الخروج حتى تعالى النهار و قدم الخطبة ثم صلّى ، و في رواية أذَّنَ لها ، و في رواية عطاء أنَّهُ (( جمعهما )) و كلُّ ذلك يشير إلى أنَّهُ صلى الجمعة بشروطها و اكتفى بها عن العيد على مذهب من يرى جواز تقديم الجمعة قبل الزوال و هو رأيٌ ضعيف إلا أنَّهُ محتمل ، و ممن تأوَّلَهُ على هذا النحو الإمام الخطابي قال : ( و أما صنيع ابن الزبير فإنَّهُ لا يجوز عندي إلا أنْ يُحملَ على مذهب من يرى تقديم الصلاة قبل لزوال ) اهـ . عون المعبود (3289) ، و كذلك قاله الإمام ابن عبد البر في الإستذكار (724)
الترجيح :
القول الأول هو الذي تطمئن له النفس، وذلك:لأنه هو الموافق للأدلة الصحيحة في هذه المسألة وبقية الأقوال لا تسلم من مطعن.
فالقول الثاني: مرجوح للإذن لأهل العوالي بالترخص في ترك الجمعة.
والقول الثالث: أحاديثه التي في الباب لا تسلم من مطعن، وإن كان مقاصد الشرع ترجحه لقول شيخ الإسلام القادم.
وأما القول الرابع وهو قول عطاء؛ فقول مهجور، مخالف لقواعد وأصول الشريعة.
قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرائض الصلوات خمس، وصلاة العيدين ليست من الخمس". الأوسط (4/291).
وقال ابن عبد البر: "ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة، وأي الأمرين كان، فإنّ ذلك أمر متروك مهجور، وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر، فإن الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول". التمهيد (10/270).
والله أعلم.
فتاوى العلماء
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عن رجلين تنازعا فى العيد إذا وافق الجمعة فقال أحدهما يجب أن يصلي العيد ولا يصلي الجمعة وقال الآخر يصليها فما الصواب فى ذلك
فأجاب الحمد لله إذا اجتمع الجمعة والعيد فى يوم واحد فللعلماء فى ذلك ثلاثة أقوال
أحدها أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة.
والثانى تسقط عن أهل البر مثل أهل العوالى والشواذ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم فى ترك الجمعة لما صلى بهم العيد
والقول الثالث وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الامام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبى وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وبن عباس وبن الزبير وغيرهم ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف
وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة وفى لفظ أنه قال أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون
وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة فتكون الظهر في وقتها والعيد يحصل مقصود الجمعة وفى إيجابها على الناس تضييق عليهم وتكدير لمقصود عيدهم وما سن لهم من السرور فيه والانبساط
فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال ولأن يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والنحر عيد، ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى كما يدخل الوضوء في الغسل وأحد الغسلين في الآخر والله أعلم.
انظر مجموع الفتاوى ( 24/ 210- 211)
وسئل العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ما حكم صلاة الجماعة إذا صادفت يوم عيد هل تجب إقامتها على جميع المسلمين أم على فئة معينة ، ذلك أن بعض الناس يعتقد أنه إذا صادفت العيد الجمعة فلا جمعة إذاً ؟
فقال رحمه الله : الواجب على إمام الجمعة وخطيبها أن يقيم الجمعة وأن يحضر في المسجد ويصلي بمن حضر ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيمها في يوم العيد يصلي العيد والجمعة جميعا بسبح والغاشية فيها جميعا ، كما قال النعمان بن بشير رضي الله عنهما فيما ثبت عنه في الصحيح ، لكن من حضر صلاة العيد ساغ له ترك الجمعة ويصلي ظهرا في بيته أو مع بعض إخوانه إذا كانوا قد حضروا صلاة العيد ، وإن صلى الجمعة مع الناس كان أفضل وأكمل ، وإن ترك صلاة الجمعة لأنه حضر العيد وصلى العيد فلا حرج عليه لكن عليه أن يصلي ظهرا فرداً أو جماعة. والله ولي التوفيق .اهـ )) .( مجموع فتاوي ومقالات متنوعة 12/ 341-342.)
وهذا سؤال عرض على اللجنة الدائمة للإفتاء :
س : اجتمع عيدان في يوم واحد يوم الجمعة وعيد الأضحى ، فما الصواب أنصلي الظهر إذا لم نصل الجمعة أم أن الصلاة تسقط إذا لم نصل الجمعة ؟
ج: من صلى العيد يوم الجمعة رخص له في الحضور لصلاة الجمعة وذلك اليوم إلا الإمام ، فيجب عليه إقامتها بمن حضر لصلاتها ممن قد صلى العيد وبمن لم يكن صلى العيد فإن لم يحضر إليه أحد سقط وجوبها عنه وصلى ظهرا .
واستدلوا بما رواه أبو داود في سننه عن أيام بن رحمه الشامي ، قال شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال : أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم ، قال : نعم ، قال : فكيف صنع ؟ قال صلى العيد ثم رخص في الجمعة ، فقال : (من شاء أن يصلي فليصل).
وبما رواه أبو داود في سننه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأته من الجمعة، وإنا مجمعون)) . فدل ذلك على الترخيص في الجمعة للإمام، لقوله في الحديث ((وإنَّـا مجمعون)) ولما رواه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (( كان يقرأ في صلاة الجمعة والعيد بسبح والغاشية وربما اجتمعا في يوم فقرأ بهما فيهما )) فمن شهد صلاة العيد وجب عليه أن يصلي الظهر عملا بعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الظهر على من لم يصل الجمعة ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
(وفي الرابط البقية)