فابتغوا عند الله الرزق (الجمعة: 1442/2/15هـ)
د عبدالعزيز التويجري
الشيخ: عبدالعزيز بن حمود التويجري
المملكة العربية السعودية/ بريدة- حي الصباخ/ جامع إبراهيم الخليل -عليه السلام-
الخطبة الأولى : فابتغوا عندلله الرزق
الحمدلله الرحيم الغفور ، الرزاق الشكور ، هو الذي جهل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إليه تصير الأمور ، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم وبرك عليه وعلى آلهوصحبه وسلم تسليما مزيدا ،، أما بعد
{ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون}
هذه الحياة، مُدْبِرٌ مُقْبِلُها، ومائلٌ مُعْتَدِلُها، كثيرةٌ عللها، إن أضحكت بزخرفها قليلاً، فلقد أبكت بأكدارها طويلاً.
الله تعالى هو الغني الواسع، الرزاق الوهاب ، الحكيم في شرعه وقدره ، يعطي لحكمة ، ويمنع لحكمة " يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر إنه بكل شيعليم ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، ولا رادَّ لفضله، يصيب برحمته ما يشاء ، وهو الولي الحميد .
إذا فتح الله أبوابه فلا رادَّ لما فتح، وإذا أغلق فلا فاتح لما أغلق.
فَمِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ سُبحانَهُ يُجِيعُ الْمُؤْمِنَ مِنع نَفَاسَتِهِ، وَيُشْبِعُ الْكَلْبَ مَعَ خَسَاسَتِهِ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَلْبَسُ وَيَتَمَتَّعُ، وَالْمُؤْمِنُ يَجُوعُ يوما وَيَعْرَىيوما، وَذَلِكَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْهَا حِكْمَةُ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ}: قال البخاري : يوسِّعُ عليهِ ويُضيِّقُ عليهِ.
قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ، وَأَجَلُهُ، وَعَمَلُهُ، ثُمَّ يُكْتَبُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ" متفق عليه . قال سفيان بن عيينه رحمه الله :
كَمْ مِنْ قَوِيٍّ قَوِيٌّ فِي تَقَلُّبِـهِ ... مُهَذَّبِ الرَّأْيِ عَنْهُ الرِّزْقُ يَنْحَرِفُ
وَمِنْ ضَعِيفٍ ضَعِيفِ الْعَقْلِ مُخْتَلِطٌ ... كَأَنَّمَا مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ
أخرج ابن حبان والحاكم والبيهقي عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ حَتَّى يَبْلُغَهَ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ، فَأجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ: أَخْذِ الْحَلالِ، وَتَرْكِ الْحَرَامِ" صححه الألباني .
{يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعمونيأطعمكم}.
يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ ... أَنْتَ الْمُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّــــــــــــعُ
يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَـــــــــــــــــــــــا ... يَا مَنْ إِلَيْهِ الْمُشْتَكَى وَالْمَفْزَعُ
يَا مَنْ خَزَائِنُ رِزْقِهِ فِي قَوْلِ كُنْ ... امْنُنْ فَإِنَّ الْخَيْرَ عِنْدَكَ أَجْمَعُ .
{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إن ربي رحيم ودود .
الخطبة الثانية
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وصلى الله على عبده ورسوله الداعي على رضوانه وعلى اله وأصحابه وأعوانه ، أما بعد
وإن مما يحسن التذكير به أنه لاحرج للمسلم أن يأخذ ما عرض له من مال ، وليس في ذلك منقصة أو مذلة.
في صحيح البخاري قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بن الخطاب ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي العَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: «خُذْهُ إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» قال سالم : فمن أجل ذلك كان ابن عمر لايسأل أحدا شيئا ، ولا يرد شيئا أعطيه . متفق عليه .
وفي مسندي ابن أبي شيبة والامام أحمد عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ «مَنْ عَرَضَ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ، فَلْيَتَوَسَّعْ بِهِ فِي رِزْقِهِ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيُؤَدِّهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنْهُ» أما إذا كان هذا المال ثمن للدين من قول محرم او سكوت على باطل ومنكر فلا يجوز أخذه ، في صحيح مسلم قال الأحنف بن قيس قلت لأبي ذر رضي الله عنه ماتقول في هذا العطاء ؟ قال خذه فإن كان ثمن لدينك فدعه , قال ابن الجوزي الْمَعْنى: إِذا لم يعطوك إِلَّا أَن تسكت عَن إِنْكَار منكرهم كَانَ كالرشوة، فَدَعْهُ.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد