غيرة السلف على أعراضهم وتفريط الخلف
الشيخ السيد مراد سلامة
أما بعد: أيها الأحباب أحباب الحبيب حبيب علام الغيوب محمد صلى الله عليه وسلم – نضر الله تلك الوجه و حياكم و بياكم و من كل خير منحكم وأعطاكم و من كل مكروه حفظكم و نجاكم حديثنا اليوم عن {غيرة السلف على أعراضهم و تفريط الخلف} لنرى البون شاسعا بين ما كان عليه السلف من غيرة و رجولة على أعراضهم و بين ما آل إليه حال الخلف و تردى أخلاقهم إلى هوة الدياثة فأعيروني القلوب و الأسماع
معنى الغيرة: الغيرة أيها الإخوة: تغير القلب وهيجان الغضب بسبب الإحساس بمشاركة الغير فيما هو حق الإنسان، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين، وهذه الغريزة يشترك فيها الرجال والنساء بل قد تكون في النساء أكثر وأشد.
الغيرة من مظاهر الرجولة: الغيرة في موضعها مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية، وفيها صيانة للأعراض، وحفظ للحرمات، وتعظيم لشعائر الله وحفظ لحدوده، وهي مؤشر على قوة الإيمان ورسوخه في القلب، ولذلك لا عجب أن ينتشر التحلل والتبرج والتهتك والفجور في أنحاء العالم الغربي وما يشابهه من المجتمعات؛ لضعف معاني الغيرة أو فقدانها
الغيرة صفة من صات الله تعالى :
اعلم علمني الله وإياك : أن من الصفات والأخلاق الكريمة التي يجب على المسلم أن يتصف بها ويعمل على التخلق بها صفة الغيرة ، فالغيرة من صفات الله تعالى : كما في الحديث الصحيح عن المغيرة بن شعبة قال : سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : أتعجبون من غيرة سعد ، فوالله لأنا أغير منه والله أغير مني ، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا شخص أغير من الله ولا أحب إليه المعاذير ولذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين ولا شخص أحب إليه المدح من الله ولذلك وعد الجنة . ([1])
يقول بدر الدين العيني -رحمه الله - وأما معنى غيرة الله تعالى فالزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه وقد بين ذلك بقوله( ومن غيرته حرم الفواحش أي زجر عنها ومنع منها )وقال غيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرم الله عليه
ومعنى الحديث سعد أنا أزجر عن المحارم منه والله أزجر مني واستدل ابن المواز من المالكية بحديث سعد هذا أنه إن وقع ذلك ذهب دم المقتول هدرا ([2] )
وعند مسلم: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الله تبارك وتعالي يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه.. فالله سبحانه يغار على عبيده أن يرى في قلبه غيره لذلك يرد على المرائي والمشرك عمله لأنه لا يرضي أن يكون له شريكا، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة مرفوعا قال اله تعالى: أنا أغني الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه. ([3])
. فالله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، ومن غيرته سبحانه أنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن فعن أبي هريرة (رضي) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الله يغار والمؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه،
غيرة (صلى الله عليه وسلم) على الأعراض : غيرته على تلك المرأة التي تعرض لها أحد يهود بني قينقاع ، روي ابن هشام عن أبي عون : أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ـ وهي غافلة ـ فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ـ وكان يهودياً ـ فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع .([4])
ومن غيرة المعصوم -صلى الله عليه وسلم -عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه، قالت: فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، قالت: فقال: (انظرن إخوتكن من الرضاعة؛ فإنما الرضاعة من المجاعة) ([5])
وجاء في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما - قال: قال النبي: (رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرٌّمَيصَاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خَشَفَةً ـ أي: حركة ـ فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرًا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك، فولّيت مُدبِرًا)، فبكى عمر وقال: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟! متفق عليه[[6]]. أي: أعليها أغار منك؟!
غيرة معاذ بن جبل (رضي الله عنه):
و من غيرة شيدنا معاذ رضي الله عنه ما ذكر ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين حيث قال : بينا معاذ (رضي الله عنه) جالس مع زوجته وهما يأكلان تفاح إذا دخل عليهما الخادم وكانت بيد زوجة معاذ تفاحه فنظر الخادم إليها وقد أكلت منها فدفعتها إليه فقام معاذ (رضي الله عنه) فأوجعها ضربا غيرة عليها، لأنها قد أعطته من التفاحة التي أكلت منها. ([7])
غيرة امرأة وقتلها من روادها
وهذه امرأة تغار على عرضها و تقطع طمع الذئب البشري الذي حاول أن يدنس عرضا فقتلته فقد ذكر سفيان بن عيينة الزهري : عن القاسم بن محمد بن عبيد الله بن عمير أن رجلا أضاف إنسانا من هذيل فذهبت جارية لهم تحتطب فأرادها عن نفسها فرمته بفهر فقتله فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ) فقال : ذاك قتيل الله يودي أبدا . ([8])
يُكتب هذا في مكارم الأخلاق: يروى أن امرأة تقدمت إلى مجلس القاضي موسى بن إسحاق بمدينة الريّ... فادّعى وكيلها بأن لموكِّلته على زوجها خمسمائة دينار (مهرها)، فأنكر الزوج فقال القاضي لوكيل الزوجة: شهودك.
قال: أحضرتهم.
فطلب بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة، ليشير إليها في شهادته، فقام الشاهد وقال للمرأة: قومي.
فقال الزوج: ماذا تفعلون؟
قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي سافرة الوجه، لتصحّ عندهم معرفتها (وذلك للحاجة).
قال الزوج: إني أُشهد القاضي أنّ لها عليّ هذا المهر الذي تدّعيه ولا تُسفر عن وجهها.
فقالت المرأة: فإني أُشهِد القاضي أني وهبت له هذا المهر وأبرأتُ ذمته في الدنيا والآخرة.
فقال القاضي وقد أُعجِب بغَيرتهما: يُكتب هذا في مكارم الأخلاق.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
أما بعد أيها الإخوة .................................
مظاهر انعدام الغيرة لدى خلف الأمة:
أيها الإخوة الأحباب إن مما يدمي الفؤاد تردي أخلاق كثير من أبناء الأمة إلا ما رحم ربك حيث ماتت النخوة و الرجولة في قلوب و إليكم بعض مظاهر الدياثة في عند خلف الأمة :
منها: إذن بعض أولياء الأمور لبناتهم بكشف وجوههن أمام الأجانب، وفي بعض البلاد بكشفهن سوقهن وشعورهن وسواعدهن وغير ذلك.
أتخاف على بناتك وزوجتك من المرض والبرد والجوع والعطش أما تخاف عليهن ما هو أعظم من ذلك نار حرها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من حديد ؟؟؟ !!!!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ صِنْفَيْنِ فِي النَّارِ: قَوْمٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ لَا يُدْخِلُونَ بُطُونَهُمْ إِلَّا خَبِيثًا , وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ([9])
ومنها: عدم إنكار بعض الأولياء والأزواج على زوجاتهم وبناتهم لبس العبايات غير الساترة؛ كالضيقة والرقيقة والشفافة والمزخرفة والمزينة.
ومنها: السماح للنساء بمشاهدة المسلسلات وسماع الأغاني ومتابعة البرامج التي تخدش الحياء وتعرض العورات وتثير الغرائز.
ومنها: ترك الحبل على الغارب في استعمال الزوجات والبنات للجوال عبر خدماته المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي وتصفح المواقع واليوتيوب وغيرها من المسميات.
ومنها: الإذن لخروج الزوجات والبنات إلى الشوارع والأسواق المزدحمة بالرجال وقضاء الأوقات الطويلة هناك من غير محرم.
ورد عن على رضى الله عنه أنه قال: (ألا تستحيون أو تغارون؛ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج!)([10]).
وجاء عن الحسن قول قريب من ذلك حيث قال: (أتدعون نساءكم يزاحمن العلوج في الأسواق؟! قبح اللّه من لا يغار! ([11]) .
ومنها: عدم إنكار بعض الأزواج وأولياء الأمور على زوجاتهم أو بناتهم الركوبَ مع السائقين من غير أن يكون مع المرأة أحد في تلك السيارة غير السائق.
ومنها: السماح للنساء بإبقاء صورهن في الجوالات وقد تكون المصيبة أن تكون الصور في حال تزين المرأة في أعراس وحفلات، ومن المعلوم أن الجولات معرَّضة للضياع والسرقة والذهاب إلى المهندسين.
ومنها: انتشار الألبسة الفاضحة؛ كالعارية والشفافة والضيقة كالبنطال، وأحيانًا قد تلبسها البنت الشابة أمام إخوانها أو أعمامها وأخوالها، أو الزوجة أمام إخوة زوجها وأقاربه!
ومنها: ما نراه في الأفراح من اختلاط ومن رقص أمام الرجال وتصويرهن وهن يتمايلن و نشر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة أن ذلك يوم في العمر ................!!!!
هذه بعض المظاهر المؤسفة التي تدل على قلة الحياء وضعف الغيرة، التي نسأل الله أن يعافي المجتمعات المسلمة منها، وأن يرد أهل الزلل إلى رشدهم وكمال حيائهم وغيرتهم
هذا وصلوا وسلموا على القدوة المهداة...: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]
الدعاء.........................................................
[1] - أخرجه أحمد (4/248، رقم 18193)، والبخاري (6/2698، رقم 6980) ، ومسلم (2/1136 .
[2] - عمدة القاري [ جزء 20 - صفحة 205 ]
[3] - أخرجه أحمد (3/466، رقم 15876)، والترمذي (5/314، رقم 3154)
[4] - الرحيق المختوم (ص: 200)
[5] - أخرجه أحمد (6/94، رقم 24676)، والبخاري (2/936، رقم 2504)، ومسلم (2/1078، رقم 1455) ، وأبو داود (2/222 ، رقم 2058) ، والنسائي (6/102 ، رقم 3312) ، وابن ماجه (1/626 ، رقم 1945) .
[6] - صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3070)، وكتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب (3476)، صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر (2395).
[7] - روضة المحبين
[8] - روضة المحبين ص303. .
[9] - أخرجه مسلم (2128) وص 2192 (52) وابن حبان (7461) ،
[10] -موسوعة المفاهيم الإسلامية (2/ 296)
[11] -قوت القلوب (2/ 418).
الشيخ السيد مراد سلامة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
وبعد
قد ارفقتك ملف الخطبة حتى يتم تحميله ولكنه غير موجود
وها انا ارسله ليتم ارفاقه بالخطبة
المرفقات
https://khutabaa.com/forums/رد/368377/attachment/%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%81-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%87%d9%85-%d9%88-%d8%aa%d9%81%d8%b1%d9%8a%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d9%81
https://khutabaa.com/forums/رد/368377/attachment/%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%81-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d8%b6%d9%87%d9%85-%d9%88-%d8%aa%d9%81%d8%b1%d9%8a%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d9%81
تعديل التعليق