غنائم تدنيك من الحبيب

شايع بن محمد الغبيشي
1444/11/26 - 2023/06/15 07:22AM

غنائم تدنيك من الحبيب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:

 عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }. ([1])  

أما بعد: عباد الله محبة الله جل وعلا أمنية الصالحين وقد وصف الله أهل الإيمان بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} وأثنى جل وعلا على بعض عباده بقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ([2])  وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:" أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك" رواه الترمذي وصححه البخاري والألباني

فعلينا عباد الله أن نطمع في نيل محبة الله عز وجل ونلهج بما لهج به رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك.

وأعظم طريق لنيل هذه المنزلة الاستكثار من عمل الصالحات قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} ([3])  

ونحن عباد الله مقبلون على موسم عظيم يدنينا من هذه المنزلة، موسم قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء " رواه البخاري

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من أيام أعظم ولا احب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) رواه الإمام أحمد

عباد الله دونكم الفرصة فبادروا باغتنامها:

إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها       فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ

  ولا تغفل عن الإحسان فيها     فلا تدري السكونُ متى يكونُ

أيام أخبرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم بأن العمل الصالح فيها أحب إلى الله، فيا من يحب الله ويطمع أن يحبه الله بادر بالصالحات في هذه الأيام فإن المحب يبادر إلى التزلف إلى حبيبه بما يحب ولذا كان السلف الصالح يجتهدون في استغلال هذه العشر فقد كان سعيد بن جبير كان إذا دخلت أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه وكان يقول: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر، تعجبه العبادة.

ومن الأعمال التي تشرع في هذه العشر:
أولاً: أداء الحج والعمرة، وهو أفضل ما يعمل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» متفق عليه.

 ثانياً: صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها، فإن جنس الصيام من أفضل الأعمال وهو مما اصطفاه الله لنفسه، كما في الحديث القدسي: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي " رواه البخاري وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله ، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ) متفق عليه. ( أي مسيرة سبعين عاماً )

ولذا كان السلف الصالح يصومون هذه الأيام، قال عبدالله بن عون: كان محمد بن سيرين يصوم العشر عشر ذي الحجة كله. وقال ليث بن أبي سُلَيْم: كان مجاهد يصوم العشر، قال: وكان عطاء يتكلفها، كان السلف يصمونها باستثناء يوم العاشر لأنه عيد فعلينا عباد الله أن نصوم ما استطعنا من هذه الأيام.

ويشرع بالأخص صيام يوم عرفة فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) رواه مسلم

ثالثاً: الذكر في هذه الأيام لقوله تعالى: ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) وقد فسرت بأنها أيام العشر وأعظم الذكر تلاوة القرآن فينبغي للعبد أن يشتغل في هذه الأيام الفاضلة بكثرة تلاوته والحرص على ختمه.

ومن أعظم ما يشرع من الذكر في هذه الأيام التكبير والتحميد والتهليل فعن ابن عمر رضي الله عنهما:(فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) رواه أحمد

وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم انهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم.

رابعاً: يشرع في هذه الأيام التكبير المطلق في جميع الوقت من ليل أو نهار إلى صلاة العيد ويشرع التكبير المقيد وهو الذي بعد الصلوات المكتوبة التي تصلى في جماعة، ويبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة، وللحجاج من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق.

خامساً: كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الأرحام والإحسان إليهم. وتذكر يا عبد الله أن الله يحب كل طاعة تقدمها في هذه الأيام، فاغتموها واستبقوا الخيرات واستكثروا من الطاعات، اللهم اجعلنا من المسارعين في الخيرات والسابقين للصالحات، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان حمد عبده ورسوله أما بعد:

عباد الله ومن الأعمال التي تشرع في هذه العشر:

سادساً: من أراد الأضحية فعليه أن لا يأخذ من شعره وأظفاره وبشرته شيئاً لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) وفي رواية ( فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي ) وهذا النهي يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه.

سابعاً: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهو عبادة تقرب بها إلى الله مرة واحدة في العام فنؤديها بنفس طيبة ولنختر أطيب الأضاحي فإنه الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما " متفق عليه

للأضحية شروط هي:

أحدها:أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها.

الثاني :أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم : " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن "رواه مسلم .

فالثني من الإبل ما تم له خمس سنين، والثني من البقر ما تم له سنتان، والثني من الغنم ما تم له سنة.

والجذع: ما تم له نصف سنة

الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة، قول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال:" أربعاً : العرجاء البين ظلعها ، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى ". رواه مالك في الموطأ

الرابع: أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء " عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «... وَكُلُّ ‌أَيَّامِ ‌التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» رواه أحمد وصححه الألباني.

عباد الله في هذه الأيام يتوافد حجاج بيت الله الحرام إلى مكة المكرمة لأداء شعيرة الحج اسأل الله الحي القيوم أن يوفقهم لأداء مناسكهم ويجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً، اللهم ردهم سالمين غانمين يا حي يا قيوم، وصلوا وسلموا عباد الله على خير خلق الله



([1]) ـ [آل عمران : 102].
([2]) ـ [المائدة: 54]
([3]) ـ [مريم: 96]

المرفقات

1686802918_غنائم تدنيك من الحبيب.pdf

المشاهدات 809 | التعليقات 0