غَـــنَــــــائِـــــمُ عَــشْـــرِ الحِـــجّــــةِ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1443/11/24 - 2022/06/23 15:04PM

(الْحَمْدُ لِلَّهِ مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا) (وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا)([1]). أما بعدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}.

أَلَا إِنَّنا بَعْدَ أَيَّامٍ نترقَّبُ بَدْءَ مَوْسِمٍ لَا كَالْمَوَاسِمِ، أيَّامُهُ وَلَيَالِيْهِ أَعَظْمُ أيَّامِ ولَيَالِي الدُّنْيَا، فِيهِ أَيَّامٌ مَعْلُومَاتٌ، وَفِيهِ أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ. إنَّهَا عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَكْثَرُ أَيَّامِ السَنَةِ أجُوراً؛ لِاجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَاتِ بِهَا: الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غيرِهِا. ففي صحيحِ البخاريِّ أنَّ النَّبِيَّ قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ([2]).

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:( هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ.. يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ أفْضَلُ مِنْ عَشْرِ رَمَضَانَ، لَيَالِيِهِ وَأَيَّامِهِ. ونَوَافِلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ عَشْرِ رَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ فَرَائِضُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ تُضَاعَفُ أَكْثَرَ مِنْ مُضَاعَفَةِ فَرَائِضِ غَيْرِهِ.. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَسْتَحِبُّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِفَضْلِ أيَّامِهِ)([3]).

فاحرِصْ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ بالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، كحرصِكَ فِي رَمَضَانَ، بَلْ أَشَدُ. وتَذَكَّرْ أَنَّ صَلَاةَ الفَجْرِ مَثَلاً فِي أَوَّلِ ذِيْ الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ في آخِرِ ذِيْ القَعْدَةِ، والسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فِي العَشْرِ أَفْضَلُ مِنَ الرَّوَاتِبِ قَبْلَهَا، بَلْ حَتَّى كَلْمَةُ (سُبْحَانَ اللهِ) فِيْ العَشْرِ تكونُ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ نُطْقِهَا قَبْلَ العَشْرِ.

‏ ولقائلٍ أنْ يقولَ: بقيَ على العشرِ وعرفةَ خمسةُ أيامٍ، فهلْ مِنْ عَمَلٍ صالحٍ قبلَهَا استعدادًا؟! فيُقالُ: نعمْ وأولُها: اجْعَلْ أَكْثَرَ دُعَائِكَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَفِي سَاعَاتِ الْإِجَابَةِ أَن يُبلِغَكَ اللَّهُ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ ‏بلوغُ تَوْفِيقٍ وَقَبُولٍ وَعَمِلٍ:

فاللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا([4])

‏وادعُ ربكَ بإلحاحٍ أن يُحيِيَ قَلْبَكَ وَيُوقَدَ هِمَّتَك قَبْلَ بُلُوغِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ صِنْفَانِ: ‏موفقٌ وَمَحْرُومٌ، وَمَن حُرِمَ التّوْفِيقَ فِي أَحَبِّ الْأَيَّامِ إلَى اللَّهِ، فَقَد عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ. ‏فاللهم أعنّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

 وثانِيْها: اعْلَمْ أَنَّ الشَّوْقَ للِعَشْرِ عبادةٌ، وعزمَك عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا عبادةٌ، ولو فَاتَكَ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَةِ فِيهَا، وتحسّرَ قَلبُكَ عَلَيْهَا فَهَذِهِ أيضًا عِبادةٌ.

وثالِثُها: جَدِّدْ تَوْبَتَكَ فَأَنْت عَلَى أَبْوَابِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. و‏لا تَتردَّدْ فِي الرُجُوعِ إلىَ اللهِ حَتَّى وَإِنْ كَثُرَتْ ذُنوبُكَ ، فَالذي سَتركَ وَأَنْتَ تَحتَ سَقْفِ المَعصيةِ لَن يَخْذُلَكَ وَأَنْت تَحتَ جَناحِ التَّوْبَةِ. ولنَستشْعِرْ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ التِي عَظَّمَها اللهُ عَظِيمَةٌ فِي نُفُوسِنَا، فلاَ نَتَعَدَّى عَلَى عظمَتِها وَحُرْمَتِهَا.

وتفكَّرْ كيفَ أنَّ اللهَ قالَ في الأشهرِ الحُرُمِ (ذِي القَعْدَةِ وذِي الحِجَّةِ ومُحَرَّمٍ وَرَجَبٍ): ‏ {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة36] فهذا ترْكٌ.

وفِيْ العَشْرِ قالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ!

فهذا فِعْلٌ. ليَتعبدَنا اللهُ بالتَركِ وبالفِعْلِ في آنٍ واحدٍ: يَتعبدُنا بتركِ المعاصي والظلمِ، ويتعبدُنا بفعلِ الطاعاتِ في مواسمِ مضاعفةِ الحسناتِ. فنحنُ في العشرِ نتركُ ونفعلُ، فنؤجَرُ بفضلِ اللهِ من جهتينِ، {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد29]
(إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، مَا شَاءَ اللهُ جَعَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا شَاءَ جَعَلَ خَلْفَهُ)([5]) والصلاةُ والسلامُ على خيرِ خَلْقِهِ، أما بعدُ: فيا مَن تشوَّقتَ للحجِّ، وبذلتَ أسبابَهُ، ولكنْ لم يَتيسرْ لكَ: اعلمْ أن اللهَ يأجُرُكَ على حَنينِك هذا، وتذكرْ أن اللهَ مدحَ أولئكَ الصادقِينَ الْمُحْسِنِينَ {الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}[التوبة91، 92]

ومنْ فضلِ اللهِ -تَعَالَى- علَينا أنه (لَمَّا وَضَعَ فِي النُفُوسِ حَنِينًا إِلَى حَجِّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَلَيْسَ كُلُّ أحَدِ قَادِرًا عَلَى ذلكَ كُلِّ عَامٍ؛ جَعَلَ مَوْسِمَ الْعَشْرِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ السَّائِرِينَ وَالْقَاعِدِينَ، ليَكُونُ أفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ مَنِ الْحَجِّ).

فـ (مَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ بَعيدٌ، فَلَيَقْصِدْ رَبَّ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ أقْرَبُ إِلَى مَنْ دَعَاهُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)([6]).

·        فاللهمَ أعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ.

·        اللهمَّ أقبِلْ بقلوبِنا في هذهِ العشرِ على طاعتِكَ.

·        اللّهُمّ بَلّغْنَا عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ بَلاغَ بَرَكَةٍ وإِقْبالٍ وقَبولٍ.

·        ‏ اللهمَّ بلِّغْنَا عرفتنا وعيدَنا الثَّانِيَ سَالِمِينَ غَانِمِينَ مقبولِينَ.

·        اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

·        اللهم حَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، ويسِّرْ أَرْزَاقَنَا، وَاقْضِ دُيونَنا، وفرِّجْ هُمومَنا، وَارْحَمْ أمواتَنا، وأحسِن مماتَنا.

·        اللهم احفظْ لبلادِنا المباركةِ أمنَها وإيمانَها وسائرَ بلادِ المسلمينَ.

·        اللهم وأيّدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِهِ، اللهم واجعلهمْ هادينَ مَهدِيينَ.

·                      اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.



([1])لسنن الكبرى للنسائي (10060) سنن أبي داود (1097).
([2])صحيح البخاري (969)
([3]) باختصار من فتح الباري لابن رجب (9/ 15 - 20)
([4])صحيح البخاري (3034)
([5])مسند أحمد ط الرسالة (15861)
([6]) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 272 و 287)

المرفقات

1655996550_غنائم عشر ذي الحجة.docx

1655996551_غنائم عشر ذي الحجة.pdf

المشاهدات 893 | التعليقات 0