غض البصر

سامي عيضه المالكي
1442/07/09 - 2021/02/21 13:49PM

الحمد لله السميع البصير، الودود الغفور، الصبور الشكور: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].

ليس شيء كمثله فهو ربٌّ 
من يضاهيه في صفات وذاتِ؟ 
إنه الواحد الذي لا يُضاهى 
في معاني أسمائه والصفاتِ 
إنه الله سلوة وضياء 
في سماء العُباد والعابداتِ 
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحت له السماوات والأرض ومن فيهن: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44] إن الله عليم بما يفعلون.

وأشهد أن محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، قد تمم الله به مكارم الأخلاق، حتى غدى بنوره الإظلامُ في إشراق، وفي هداه أصبح الشتاتُ في تلاق، صلى عليه الله ما سهر الدجى، وما لاح في الآفاق من هديه الفجر، وصلى الله على آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا ما اتّصَلت عين بنظرٍ، وأذُن بخبر.

أما بعد: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].

أيها الأفاضل: هو مرآة الجسم، وآلة التمييز، وهو النافذة التي يطل منها على العالم الخارجي، ويكشف بها عن أسرار الأشكال والأحجام والألوان. يتفكر الإنسان به في نعم الله عليه، وفي هذا الجمال الذي أودعه.

الله في هذا الكون الفسيح، وهو الباب الأكبر إلى القلب، وأقرب طرق الحواس إليه، وما أكثر السقوط من جهته، وبه يدفع الإنسان عن نفسه الكثير من الشرور، وبه يتعلم الكثير من المعارف والعلوم، وبه تشيّد الحضارات، وتبنى الأمم، وتتعارف القبائل والشعوب، وبه يستدل على عظمة الله ووحدانيته -سبحانه وتعالى- القائل: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].

إنه البصر .. إن خَلق العين من أعظم أسرار قدرة الخالق - عز وجل -، فهي برغم صغرها بالنسبة إلى كل المخلوقات من حولها، فإنها تتسع لرؤية كل هذا الكون الضخم بما فيه من سماوات وأراضٍ وبحار وجبال وأنهار وأشجار وكل المخلوقات.

روى ابن كثير في البداية: قال: قال ابن عبد الرحيم: خرجنا في سرية إلى أرض الروم فصحبنا شابا لم يكن فينا أقرأَ للقرآن منه، ولا أفقهَ ولا أفرضَ، كان صائما للنهار، قائما لليل، فمررنا بحصن فمال عنه العسكر، ثم نزل الشاب بقرب حصن من الحصون، فظننا أنه قد ذهب يقضي حاجته، لكنه وبينا هو في الطريق إذ نظر إلى امرأة من النصارى تنظر من وراء الحصون، فعشقها وتعلق بها، ثم قال لها بالرومية: كيف السبيل إليك؟ قالت: لا سبيل إلا بدخولك النصرانية! فإذا تنصرت فُتح لك الباب ثم أكون بانتظارك!.

فتنصر الشاب، ثم طرق الحصن فأُدخل!.

قال ابن عبد الرحيم: فقضينا غزاتنا في أشدِّ ما يكون من الغمِّ حَزَنا، كيف لا نحزن وهذي خطى قد تنكبت السبيل، كأن كل رجل منا يرى أن ذلك هو ولده من صلبه!.

ثم يقول ابن عبد الرحيم: رجعنا من السرية ونحن لم يكن لنا ذكر إلا ذلك الشاب! وكيف أنه زاغ بعدما اهتدى! وضل بعدما رشد! أصابنا هم شديد! وجَهْد عتي؟!.

كيف لشاب كان أعلمَنا وأرشدَنا وأفقهَنا أن يَضِل! وقد ناديناه من وراء الحصون: "يا فلان اتق الله وارجع!".

فقلنا: يا فلان ما فعلت قراءتك؟ ما فعل قيامك؟ ما فعلت صلواتك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعلت آيات ربك في قلبك؟!

قال: "اعلموا أني نسيت القرآن كله! ما أذكر منه إلا هذه الآية: ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 2، 3].

أوَّاه من دين يذهب من أثر نظرة! وثبات يدفن من خطرة؟! فيالله!!

كلُّ الحوادثِ مبداها من النظر 
ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ 
كْم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها 
فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ 
والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقَلِبُها 
في أَعينِ الغِيرِ موقوفٌ على خَطرِ 
يَسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجَتَهُ 
لا مرحباً بسرورِ عادَ بالضررِ 
أيها المسلم/ المسلمة: مباح لك أن تنظر إلى وردة جميلة وأن تمتع بها عينيك، مباح أن تنظر إلى شجرة باسقة نظرة اللون تمتع بها عينيك، مباح أن تنظر إلى منظر طبيعي خلاب تمتع به عينيك، ولكن النظر إلى هذه الأشياء الجميلة شيء والنظر إلى امرأة لا تحل لك أو إلى غلام جميل بقصد الشهوة فهذا شيء آخر محرم في شرع الله.

لأن هذا النظر قد ينتهي إلى الزنا وينتهي إلى اختلاط الأنساب وينتهي إلى تقويض الأسرة وينتهي إلى ضياع المجتمع وينتهي إلى الجناية وينتهي إلى الشقاء الزوجي.

النظر الحرام: بريد الزنا! وقرين الفواحش! وأحبولة الشيطان! وخطى المهالك!

كم نظرة منعت من توفيق؟! كم نظرة منعت من خير؟! كم نظرة جرت إلى معصية؟! كم نظرة جرت كبيرة؟! بل كم نظرة جرت إلى كفر بالله؟!.

هذه النظرات أردت ذلك المؤذن العابد! حين صَعِدَ المنارة يوما لينادي بالأذان فاطلع على امرأة ففتنته! ثم سئل عن مهرها ليتزوجها! فأجابته قائلة: إن مهري أن تتركَ الأذان! وتدخل النصرانية! فأجاب داعي الكفر بالنظرات!.

يا نظرةً من شقي ما أراد بها 
إلا ليبلغ فيها الكفر والندما! 
يا نظرةً أردت التاريخ من سلف 
وكان قبل يسمى الطاهر العلما! 
فسقط من سلم له! ثم خر صريعا! ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].

نظرة محرّمة...نظرة نظرها إلى امرأة لا تحّل له؛ ففُتن بها وترك الأذان، واتبع الشيطان، فتنصر وارتدّ عن الإسلام، ومات على الكفر والظلام.

أيها المسلمون والمسلمات: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31]. قل للمؤمنين والأمر موجّه كذلك للنساء، أمر إلهي ينفذ فوراً لا ينفذ مرة واحدة ولكنه ينفذ بشكل مستمر، دائمون مستمرون على غض البصر، فغض البصر شيء مستمر في حياة المؤمن والمؤمنة.

﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النور: 30] معنى أزكى أي إن توهمت أن في هذا النظر إلى المرأة الأجنبية مغنم أو متعة فأنت واهم. إن زكاتك في غض البصر، إن طهر قلبك في غض البصر،وإن سعادتك في غض البصر.

النظر إلى النساء فتنة عمياء ليس لها من دون الله حامٍ ولا مانع، اللهم اعصمنا منها، يقول أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قال النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ» (متفق عليه).

فكلما عمّ الفساد.. وأقبلت القنوات بخيلها ورجلها، وطغت الفتن والمغريات، كلما تفلتت الفتيات، كلما فقدت جلباب الحياء، وعظم شأن غض البصر، فإلى عهد قريب كان الفساد في بؤر محصورة.

أمّا اليوم فقد غدا الفساد أمام ناظريك، وبين يديك، وعند قدميك، غدت المشاهد الفاضحة في متناول الكبار والصغار، يتصفحها المرء كيف شاء؟ وأين شاء ومتى شاء؟ بل ربما تصفحها وهاجت غريزته في بيوت الله وفي المسجد الحرام.

لقد فتحت هذه الأجهزةُ كلَّ الأقفال! وذللت كلَّ صَعْبٍ شَمُوس! فما بينك وبين أن تعصي الله إلا إشارةَ إصبع!.

النظرة.. سهم مسموم يسري في القلب فيعمل فيه عمل السم.

النظرة.. سهم مسموم سريع نفاذ لا يكاد أن يسلم منه قلب.

النظر .. كم أهلك من قلب؟

وكم أفسد من نفس؟ وكم من نفس جرحها؟ وكم من عبادة أفسدها؟

فالنظر أصل الفتن، وسبب الآفات، يوهم النفس أنه يؤنسها ويسعدها وهو في العذاب والآلام والفواحش والآثام يوقعها.

نعم عبد الله.. أمة الله ..

إنه السهم المسموم الذي يرمي الناظر في قلبه من حيث يشعر أو لا يشعر.

يا راميًا بسهام اللّحظ مجتهدًا 
أنتَ القتيلُ بما ترمي فلا تُصبِ 
يا باعث الطرفِ يرتادُ الشفاء له 
احبس رسولك، لا يأتيك بالعطبِ 
كان سلف هذه الأمة لهم شأن عظيم في غض أبصارهم، وفي زمن الطهر والعفة، قال محمد بن عبد العزيز: جلسنا إلى أحمد بن رُزين من غُدوِّه إلى العصر فما التفت يمنة ولا يسرة، فقيل له في ذلك؟ فقال: إن الله عز وجل خلق العينين ليَنظر بها العبد إلى عظمة الله فكل من نظر بغير اعتبار كتبت عليه خطيئة.

فكيف بزمننا الذي عمت فيه الفتن؟ وانتشرت المحن؟

ويقول بن سيرين: والله ما نظرت إلى غير أم عبد الله - زوجته - في يقظة ولا منام!! وأني لأرى المرأة في المنام فأذكر أنها لا تَحلُّ لي فأصرف بصري عنها. يا ليتنا في يقظتنا كابن سيرين في منامه!!.

عبد الله.. أمة الله ..

احفظ طرفك.. غض بصرك.. جاهد نفسك..

فالنظرة سهم ورُبّ سهم وقع في مقتل.

غض بصرك عن عورات الناس.. عن بيوت الناس.. عن القنوات والشهوات.. غض بصرك عن المردان والفتيات.. عن الصور والمحرمات..غض بصرك عمّا في أيدي الناس من القصور والدور والأموال ومتع الحياة.. ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].

قال جرير بن عبدالله: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري".

قَال تَعَالَى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: هو الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ وَفِيهِمُ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ إِلَيْهَا فَإِذَا فَطِنُوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله تعالى مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ وَدَّ أَنْ لَوِ اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا".

فيا عبد الله.. غض بصرك وخذ بوصية رسولك -صلى الله عليه وسلم- فعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ» (حسنه الألباني).

غض بصرك، ولو اضطررت لخفض رأسك، واغماض عينيك.

وإذا أردت الإصرار والنظر إلى الحرام، فاختلق ما شئت من الأعذار؟

ولكن تذكر قول الله تعالى: ﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾ [القيامة: 13 - 15].

أقول قولي هذا....

الخطبة الثانية

الحمد لله عالم السر وأخفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمة الهدى، ومن سار على نهجه واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وراقبوه، وحافظوا على نعمه قبل الندم على زوالها.

عباد الله: نعمة البصر من أجل النعم التي أنعم الله بها علينا، فنعمه لا تعد ولا تحصى، ولن نشعر بها حتى نفقدها، يقول الله -جل جلاله-: ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الملك: 23].

نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن إطلاق النظر، فقد قال عندما مر بقوم يجلسون على الطرقات: "إياكم والجلوسَ على الطرقات! فإن أبيتم إلا المجالسَ فأعطوا الطريق حقها: غض البصر، وكف الأذى، ورَدُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" رواه البخاري ومسلم.

ولكن هذه المشكلة التي ذكرناها إطلاق البصر والنظر إلى الحرام، ماهي طرق علاجها، وكيف نحافظ على أبصارنا؟

نورد هذا العلاج وهذه الوصفة باختصار في نقاط:

1- العلاج الأول هو العلاج القرآني، ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30].

لكن لا أكتمكم -أيها الإخوة والاخوات- أن هذه العبادة تحتاج إلى صبر ومصابرة، فكل منا أودع الله فيه بعض الأهواء قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]. ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].

ليس الشجاع الذي يحمي مطيته 
يوم النزال ونار الحرب تشتعلُ 
لكن فتى غضّ طرفًا أو ثنى بصرًا 
عن الحرام فذاك الفارسُ البطلُ  

2- العلاج الثاني هو العلاج النبوي:

وذلك حينما سئل -عليه الصلاة والسلام- عن نظر الفجأة، فأرشد إلى العلاج النافع الذي من استعمله سدّ عليه هذا الباب بالكلية، ولا يحتاج معه لعلاج آخر، قال -عليه الصلاة والسلام-: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجأة؟ فأمرني فقال: اصرف بصرك".

هذان العلاجان أيها الإخوة هما من أنفع الأدوية، ولا يحتاج معهما المؤمن إلى علاج آخر إذا عمل بها، إنهما علاجان وقائيان.

 


3- الصبر على غض البصر:

لأن في إطلاق البصر قد يجد الإنسان ما تتلذذ به العين، ويشتهيه القلب، وكلما استرسل بصره ثم أراد أن يغضه بعد ذلك وجد صعوبةً كبيرة في ثنيه.


4- التأمل في عاقبة إطلاق البصر:

لو تأمل الإنسان كيف أنه يحجب به عن الله - عز وجل-، وكيف أن الشقاء يتسلل إلى قلبه لكف عن هذه المعصية التي يتلمس نتائجها بشكل واضح. 5- صرف النظر إلى ما أحلّ الله للإنسان:

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون: 5، 6].


5- أن يتذكر الإنسان ماذا أعدّ الله للمؤمنين في الجنات من حور عين:

لا قلق، ولا شعور بالمعصية، قال تعالى: ﴿ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ [الدخان: 54]. ويقول الله - عز وجل-: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71].


ولتعلم أن من فوائد غض البصر: أنه امتثال لأمر الله تعالى، ويورث القلب نوراً وإشراقاً ويخلص القلب من ألم الحسرة ومن أسر الشهوة، ويفتح للإنسان طرق العلم وأبوابه.

فيا أيها الإخوة: العبرة من هذه الخطبة تطبيقها، العبرة من هذه الخطبة أن تسعدوا بالقرب من الله - عز وجل-، وهذا شيء في متناول أيديكم.

أسأل الله أن أسعد وإياكم بهذه الطاعة، أسأل الله أن أسعد أنا وإياكم بهذه العبادة.

وفي الختام .. إنما بصرك نعمة من الله عليك، فلا تعصه بنعمته، وعامله بغضه عن الحرام تربح.

ألا صلوا وسلموا ...

اللهم أعز الإسلام والمسلمين..

اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة؛ فانك تعلم خائنة الأعين وما تُخْفِي الصدور.

اللهم احفظ علينا جوارحنا وأعنا على استخدامها فيما يرضيك عنا يا رب العالمين

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وألف بين قلوبهم واهدهم سبل السلام وأصلح ذات بينهم وجنبتهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لهم في أسماعهم وأبصارهم وأولادهم وأموالهم أبداً ما ابقيتهم.

اللهم إنا نسألك أن ترفع ذكرنا وتضع وزرنا وتحصن فرجنا وتطهر قلوبنا وتغفر لنا ذنوبنا ونسألك الدرجات العلى في الجنة آمين.اللهم اغفر لنا ولآبائنا..

ربنا ظلمنا أنفسنا كثيراً..

ربنا آتنا في الدنيا حسنة..

سبحان ربك رب العزة عما يصفون..

المشاهدات 1249 | التعليقات 0