غض البصر

عبدالله بن رجا الروقي
1437/11/01 - 2016/08/04 14:41PM
غض البصر

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلامضل له ومن يضلل فلا هادي وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾
أما بعد فإن نعم الله على عباده لا تحصى قال تعالى ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
ومن أجل هذه النعم نعمة البصر ولهذا امتن الله بها على عباده في آيات كثيرة من كتابه منها قوله تعالى ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾
وإن من شكر هذه النعمة ألا تستخدم في معصية الله.
وإن الناظر في حال الناس اليوم يرى شدة الفتنة بانتشار صور النساء في المواقع العنكبوتية والقنوات الفضائية وكذا ما أصبح يعرف بمواقع التواصل الإجتماعى.
إن هذا الطوفان العظيم من صور للنساء عبر شاشات القنوات والجوالات وكذا مايرى في الشوارع والأسواق ليدرك إن الفتنة بالنساء قد وصلت إلى مرحلة لم تصل إليها قبلُ ، ويدرك أيضاً شدة الابتلاء والامتحان بهن ، قال ﷺ : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء .
وقال ﷺ : اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.

ولقد تيسرت أسباب الوصول إلى هذه المعصية فأصبح الوسول إليها سهلًا ميسورًا ، لكن ليُعلم أن تيسير أسباب المعصية ابتلاء من الله عزوجل لعباده قال تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ فقد ابتلى الله الصحابة عندما أحرموا بتيسر الصيد الذي هو حرام على المحرم فأصبح قريبًا منهم في متناول أيديهم ورماحهم.
وذكر الله في آخر الآية الحكمة في تيسير هذه المعصية ، وهي الابتلاء ليتبين الذي يمتنع عن المعصية مع سهولة الوصول إليها خوفًا من الله عزوجل.

عباد الله قد أمر الله سبحانه بغض البصر وأخبر أنه سبب لزكاة القلوب
فقال تعالى: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يصنعون ﴾
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الآية:
فجعل - سبحانه - غض البصر، وحفظ الفرج هو أقوى تزكية للنفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوالَ جميع الشرور من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب، وغير ذلك.ا.هـ

وقال ابن القيم رحمه الله: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم، وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مُطّلِع عليها، ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر، جعل الأمر بغضه مقدَّماً على حفظ الفرج، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرة ثم خطرة ثم خطوة ثم خطيئة. ا.هـ

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - في الآية السابقة :

( ذَلِكَ ) الحفظ للأبصار والفروج ، ( أَزْكَى لَهُمْ ) أطهر ، وأطيب ، وأنمى لأعمالهم ؛ فإنَّ من حفظ فرجَه ، وبصرَه : طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش ، وزكت أعماله ، بسبب ترك المحرم ، الذي تطمع إليه النفس ، وتدعو إليه ، فمن ترك شيئا لله : عوَّضه الله خيراً منه ، ومن غض بصره عن المحرم : أنار الله بصيرته ؛ ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته ، مع داعي الشهوة : كان حفظه لغيره أبلغ ، ولهذا سماه الله حفظاً ، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه ، وعَمَلِ الأسبابِ الموجبةِ لحفظه : لم ينحفظ ، كذلك البصر والفرج ، إن لم يجتهد العبد في حفظهما : أوقعاه في بلايا ومحن. ا.هـ

عباد الله:
إذا كان الإنسان يستحي أن ينظر الخلق إليه إذا وقع في المعصية فعليه أن يكون حياؤه من الله أشد وأعظم ولا يكن ممن لا يستحضر نظر الله له فإن نظر الله أسبق من نظر خلقه
" وهذا مِن ضعف الإيمان ، ونقصان اليقين ، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله ، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس ، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم ، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم ، وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم ، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه"
[تفسير السعدي]

قال تعالى : ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ﴾
"يعني جل ثناؤه بقوله : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ) يستخفي هؤلاء الذين فعلوا المعصية ( مِنَ النَّاسِ ) الذين لا يقدرون لهم على شيءٍ إلا أن يذكروهم بقبيح فعلهم ، إذا اطلعوا عليهم.
( وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ ) الذي هو مطلع عليهم ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، وبيده العقابُ ، والنَّكالُ ، وتعجيلُ العذاب ، وهو أحق أن يُستحيى منه ، وأولى أن يعظَّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه .
( وَهُوَ مَعَهُمْ ) يعني : والله شاهدهم "
[ تفسير الطبري بتصرف ]

وفي الجمع في الآية الكريمة بين غض البصر وحفظ الفرج إشارة إلى أن غض البصر سبب لحفظ الفرج ، وأن إطلاق البصر ، سبب للوقوع في الفاحشة .
ألا فليحذر المسلم من النظر المحرم فإن العين تزني وزناها النظر قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ ) .

عباد الله إن " غض البصر يكسب القلب نوراً ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة . ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) ثم قال إثر ذلك ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) أي : مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه " [ ابن القيم ]

إن نعمة البصر سيُسأل عنها العبد هل شكرها أو كفرها قال تعالى ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾
عباد الله من ابتلي بالنظرالحرام فعليه أن يبادر بالتوبة حتى ولو عاد للذنب ألف مرة ، وعليه أن يفزع إلى مصرّف القلوب سبحانه فليلح على الكريم بالدعاء أن ينجيه الله من هذا الذنب فإنه ماخاب من أقبل على أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى.
وعليه أن يُشغل نفسه بالطاعات خاصة الإكثار من قراءة كتاب الله فإن القرآن شفاء للقلوب من أمراض الشهوات والشبهات قال تعالى:
﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾
وليجاهد نفسه في ترك ماحرم الله وليبشر بخير قال تعالى :
﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها...
المشاهدات 1457 | التعليقات 0