غضب الأحبة-27-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد بن سامر
1442/12/26 - 2021/08/05 13:56PM

غضب الأحبة-27-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

تعالوا معي لندخلَ أعظمَ جامعةٍ عرفَها التَّاريخُ على الإطلاقِ، فأحضروا معَكُم القلوبَ والأشواقَ، واستمعوا لدرسٍ من دروسِ الحبِّ والأخلاقِ، الجامعةُ: هي المسجدُ النَّبويُّ الشَّريفٌ، والقاعةُ: هي حُجرةُ أُمِّنا عائشةَ-عليها من اللهِ الرضوانُ والصلاةُ والسلامُ-.

جلسَ خَيرُ النَّاسِ لأهلِه النبيُ-عليهِ وآلِهِ البركةُ والصَّلاةُ والسَّلامُ-مع زوجتِه أمِنا عائشةَ، فقالَ لها: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: أَجَلْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ"، فيا عَجبًا على عِتابِهِ النَّاعمِ اللَّطيفِ، ويا لـَجمالِ ردِ الحبيبِ الغاضبِ الرَّهيفِ.

هكذا هي قوةُ ملاحظةِ الأحبَّةِ، فها هو-عليهِ وآلِهِ البركةُ والصَّلاةُ والسَّلامُ-ينتبِهُ إلى اختلافِ قَسَمِ أمِنا عائشةَ حِينَ رِضاها وغَضبِها، لأنَّ الحبيبَ الحقيقيَّ هو الذي يعلمُ مشاعرَ حبيبِه ولو حاولَ إخفائها، وكأنَّ لسانَ حالِه يقولُ:

حديثُ الروحْ للأرواحِ يَسْرِي*وتدركهُ القلوبُ بِلا عناءِ

وهكذا هو عجيبُ غضبِ الأحبَّةِ، فقدِ استطاعتْ أن تتحكَّمَ في مشاعرِها، فلم يختلفْ في غضبِها لونُ وجهِها، ولا نبرةُ صوتِها، ولا أسلوبُ كلامِها، ولكن هكذا هو غضبُ الأحبَّةِ فربـما لا يُعرفُ أحيانًا إلا بالعيونِ:

وإذا العُيونُ تَحدّثتْ بلُغاتِـها*قالتْ مَقالًا لم يَقُلْهُ خَطيـبُ

إخواني: كيفَ نحنُ إذا غَضبنا من أحبابِنا؟ هل نتحكَّمُ في أعصابِنا؟ هل نهجرُ الاسمَ فقط؟ أم نهجرُ الاسمَ والحبَّ والكلامَ الحكيمَ، والعِشرةَ والإحسانَ والفضلَ القديمَ، بل قد نهجرُ حتى المكانِ، لماذا إذا غَضِبَ بعضُهم من أحبابِه تحوَّلَ إلى عدوٍّ لدودٍ؟ فأتى بالعِتابِ الأولِ والآخرِ، وأتى بالخطأِ الماضي والحاضرِ، حتى إذا ذهبَ غضبُه، وإذا قد فعلَ فِعلَ ريحِ عادٍ، فدمَّر كلَّ حُبٍّ ووِدادٍ، وأعظمُ دمارٍ هو ما أصابَ هذا القلبَ الجريحَ، الذي طارتْ محبتُه في مهبِّ الرِّيحِ، هل يُعقلُ أن تُهدمَ عَلاقاتُ السِّنينِ، بينَ الأزواجِ أو الأصدقاءِ أو المُحبينَ، بسببِ لحظةِ غضبٍ؟ فأينَ الحبُّ؟

إنَّ المُحبَّ الحقيقيَّ لا يمكنُ أنْ يَغْضبَ على حبيبِه، وإن غَضِبَ فإنما هو طائفٌ من عِتابٍ، لا يقفُ على الأبوابِ، وإنما ينطلقُ سريعًا كالسَّحابِ، ويقولُ وهو بعيدٌ كالسَّرابِ:

وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ*جاءتْ محاسنُه بألفِ شفيعِ

عندما نسمعُ وصيةَ رسولِ اللهِ-عليهِ وآلِهِ البركةُ والصَّلاةُ والسَّلامُ-عندما قالَ: "لا تغضبْ"، نعلمُ أنَّ تركَ الغضبِ ليسَ مُستحيلًا بل مقدورٌ عليهِ، فقد أخبرَ أنَّ القويَّ والشَّديدَ هو الذي يملكُ نفسَه عندَ الغضبِ، ولذلكَ ينبغي أن نعلمَ أنَّ أولى النَّاسِ بعدمِ الغضبِ هم الأحبَّةُ، فكنْ أنتَ المُبادرُ والمُعتذرُ ولو أغضبَكَ أحبابُكَ، فإذا أغضبَكَ أبوكَ، فقبِّلْ يدَه وقلْ له: أنا آسفٌ، وإذا أغضبتْكَ أمُّكَ، فقبِّلْ رأسَها وقلْ لها: أبشري، وإذا أغضبتْكَ زوجتُكَ، فامسكْ يدَها وقلْ لها: أنا الغلطانُ، وإذا أغضبَكَ صديقُكَ، فاخفضْ رأسَكَ وقلْ له: صَدقتْ، فإنما هي صبرُ لحظةٍ، وشجاعةُ موقفٍ، ثُمَّ تـَخْمِدُ فُوَّهةُ البركانِ، وترسو السَّفينةُ على برِّ الأمانِ، وتصفو سماءُ المحبةِ من الغُبارِ والدُّخانِ، وتبقى المحبَّةُ والودُّ والأُلفةُ والحنانُ.

ولم أرَ في الأعداءِ حِينَ خَبرتُهمْ*عدوًّا لعَقلِ المَرءِ أَعدَى من الغضبْ

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 فالقاعدةُ التي ينبغي أن نعلمها عِلمَ يقينٍ، أنَّه لا كمالَ إلا لربِّ العالمينَ، وأنَّكَ متى اخترتَ حبيبًا يستحقُّ محبتَكَ وتضحيتَكَ، فيهِ ما يُرضى من صِفاتِ الأدبِ الجمالِ، فإيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أن تُفرِّطَ فيه:

وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها*كَفى المَرءَ نُبلًا أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ

نعلمُ أنَّ فينا من العيوبِ ما فينا، وأحيانًا لا نكونُ راضينَ تـمامًا عن أنفسِنا، فكيفَ بنا نطلبُ الكمالَ في غيرِنا، ولذلكَ فإنَّ طُولَ العِشرةِ مع الزَّوجةِ، وطُولَ المُرافقةِ مع الصَّديقِ، أولى منكَ بالتَّشبثِّ بِهم وعدمِ الغضبِ منهم، أتعلمُ لماذا؟ لأنَّهم قد بانتْ لهم عيوبُكَ كلُّها، وما زالوا متمسكينَ بكَ زوجًا صفيًّا، وصديقًا وفيًّا.

وإذا كانتْ الجنَّةُ تزدادُ جمالًا بوجودِ الزَّوجاتِ الصَّالحاتِ، كما قالَ-تعالى-: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ)، وتحلو الأوقاتُ فيها بوجودِ الأصدقاءِ الصَّالحينَ، كما قالَ-سُبحانَه-: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)، فمن رُزقَ في الدُّنيا زوجةٌ مُباركةٌ، ورُفقاءُ صادقونَ، فهو يعيشُ اليومَ في شيءٍ من نعيمِ الجنَّةِ.

حافظوا على أحبابِكم وزوجاتِكم، واقضوا معَهم أجملَ أوقاتِكم، فإنكم لا تدرونَ متى الفِراقُ، فاحذرْ أن يموتَ لكَ أبٌّ أو أمٌّ أو زوجةٌ أو صديقٌ وبينَكما غضبٌ، فالغَبنُ الحقيقيُّ عندما يذهبُ ولم يسمعْ كلماتِ الأسفِ والعَتبِ.

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1628171746_غضب الأحبة-27-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1628171748_غضب الأحبة-27-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1277 | التعليقات 0