غزو ليبيا.. زواج المصلحة مع القوى الغربية!

أبو عبد الرحمن
1432/04/21 - 2011/03/26 19:50PM
غزو ليبيا.. زواج المصلحة مع القوى الغربية!
محمد الكوري ولد العربي



ليس عصيا على الفهم أن ينبري المثقفون من أمتنا ،على اختلاف مشاربهم ،في الكتابات الممجدة والداعمة للحراك الجماهيري في الوطن العربي، سيما أن الأحرار في هذه الأمة محاصرون بين طاحونتين :طاحونة أنظمة سياسية قمعية ،رجعية، ومتهرئة بفعل الزمن ؛ لا ترقب في مؤمن بالقيم الوطنية والقومية والإسلامية إلا ولا ذمة ، وبين طاحونة حضارة غربية لا تقبل بأقل من التحلل في منظوماتها القيمية والعمالة لأجندتها السياسية،كليا.

إذن ، ليس ثمة سبب حامل على الاستغراب ، والحالة هذه، في أن يكون الانفعال بهذا الحراك الشعبي هو السمة المهيمنة على حساب التروي العقلاني، والتفكير البارد، الحذر والمستنفر أمام ضغط الإحساس بالتمزق الداخلي والعجز في وجه واقع ، غاب فيه الأمل وانحصرت فيه الرؤية إلى أقصى مدى..

أنا نفسي كنت ضمن المنفعلين بما أصبحنا جميعا نطلق عليه الثورة في الأقطار
العربية، برغم علمي أن إطاحة الأنظمة الحاكمة لا تعني تغييرا ذي بال ، بمنطق
الأشياء. إذ أن الثورة ككل الأمور بخواتمها؛ ويتأكد الأمر خصوصا للذين يؤمنون بجدية الفوضى الخلاقة، كما بشر بها الأمريكيون، ويعملون لها. فليس ذهاب ابن علي ،مثلا، في بعض من أعوان حكمه بثورة، وليس اختفاء مبارك عن واجهة المشهد مع نفر من حراس نظامه، بثورة!

الثورة الصحيحة ، الثورة في التاريخ هي حرق التربة التي أنبتت هذه الأنظمة..هي نتح الماء الذي سقى هذه النبتات الضارة ومكنها من الاستواء على سوقها .. هي ، أيضا،اجتثاث القيم ورزم المفاهيم و"سلة" العقليات التي أنتجتها ورسختها في المجتمع ونشأت عليها نشأ،كاملا، عبر عقود الزمن.

بمعنى آخر ، أكثر بساطة، الثورة هي خلق واقع نقيض، خلقا مبدعا بكل المقاييس، لما كان سائدا قبلها.. الثورة ، بمعنى ثان، هي الدعوة للوحدة، نقيضا لواقع التجزئة، هي التحرر من الارتباط بالأجنبي ،نقيضا لواقع العمالة، هي الدفاع عن هوية الأمة الدينية والحضارية في وجه قيم العولمة الغربية، هي بعث الاندفاع الوجداني نحو قضية فلسطين ، نقيضا لمسلسل المساومة والتفريط فيها؛ هي تبني،جهارا، القضايا العادلة للمظلومين في العالم، وفي المقدمة المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان، نقيضا للتآمر عليها.

الثورة ،يا ثوار، هي الاعتماد على الجهد الوطني والقومي الخالص، نقيضا للاستقواء بالأجنبي والارتماء في جحر الامبريالية الأمريكية، وقوى الاستعمار الجديد.. هي انتهاج العدالة الاجتماعية ، نقيضا للبرالية المتوحشة! الثورة هي، إذن،قلب واقع قائم رأسا على عقب في مجمله وتفاصيله، طبقا لبرنامج مشترك بديل بين مكونات قوى الثورة، قبل الوصول للسلطة، تجنبا لإمكانية الالتفاف ، أو الانقسام في المكان والزمان الخطأ. وعلى خلفية هذا التفكير المأمول، كنت برمجت نفسي على أن أكتب مقالا عن الثورة ، بمذاق كل قطر تمتد إليه ، بصرف النظر عن التفاوت النسبي ، في التقييم، بين الأنظمة القائمة؛ إذ لا طاعة ولا قرابة مع نظام ، في معصية إرادة الشعب!

وعندما امتد الحراك الشعبي إلى الجماهيرية الليبية، كنت شديد التتبع لسير الفعاليات الشعبية ، بقصد الرصد الفاحص ، وذلك لسببين: أولهما لمعرفتي بالتآمر الذي اجترحته القوى الغربية ضد ثورتي تونس ومصر، إن على مستوى الموقف الرسمي أو التعاطي الإعلامي؛ وكنت أريد تعقب عمق التغير في موقف هذه القوى ، حينما تتغير المعطيات السياسية، على ذلك القدر بين النظام في ليبيا ونظامي ابن علي ومبارك، بالنسبة للغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا. و أما السبب الثاني ، فكان بقصد مقايسة مواقف فقهاء الإسلام السياسي، المدموغ بازدواجية المعايير. إذ من المعروف أن هؤلاء يطوعون فتاويهم ، تبعا لمصالح جماعاتهم؛ فهم إن حرموا مجرد حق التظاهر في أقطار، فإنهم يتحملون المسؤولية الشرعية في إراقة دماء حكام آخرين، علنا عبر الأثير. وقد تأخذ هذه الفتاوى أوجه الاختلاف والتعدد، بين مراجعها، بحسب مصالح كل مرجعية؛ فتكون إطاحة معمر القذافي واجب ديني ، وتكون طاعة حاكم قطر واجب ديني ، ويكون السكوت أحيانا ، في انتظار رجحان كفة الصراع، مقصد شرعي، وقد يدعم بعض فقهاء الإسلام السياسي الحاكم صباحا ويتنصل منه مساء بعد الاطمئنان لرجحان كفة الثوار ؛ وينتهي الأمر ببعضهم إلى اعتبار غزو حلف شمال الأطلسي على ليبيا طرابلس من باب حمية الله لعباده الصالحين في ليبيا بنغازي! وقد تتضارب فتاوى رجال هذا الفقه، فيكون المسلمون أمام إسلام متعدد بعديد هؤلاء الفقهاء ، وعدد مصالحهم، وبعدد أماكن إقامتهم. فالتظاهر في أقطار بعينها فتنة، والقتل الجماعي، حرابة، في أقطار أخرى هو مطلب المطالب، لا تستقيم دنيا الناس إلا به! الحرابة في بنغازي..

في ثورة تونس ومصر، توسل الثوار بسلاح الأخلاق وتحملوا التضحيات في سبيل ثورة يجب أن تبقى نقية من شائبة وشائنة العنف، وهو ما كان ينبغي، و بإمكان الليبيين فعله، مهما كانت الأثمان. بمعنى أن الثورة في ليبيا كان بوسعها أن تنحت طريقها في الصخرة الصماء لأجهزة القمع ، كما فعلت أخواتها قبلها. ولنفترض ، مع أولي الزعم المغرض، أن البطش في ليبيا كان أقسى وأنكى ، وهو ما نحتاج فيه لشهادة الموتى، ألم يكن من الأنسب أن يطلب "الثوار" في ليبيا السند الشعبي والمعنوي من الثورتين في تونس ومصر، ومن بقية الشعب العربي ؛ وهو العمق الاستراتجي الطبيعي والشرعي والمنطقي والأخلاقي، بدلا من الاستحواذ على السلاح من مقار الشرطة ومخازن الجيش، ثم، تاليا، الاستنجاد بالقوى الأجنبية التي تترصد الفرص بأمتنا لتفتيتها؛ فيقعون ، بالنتيجة ، زائدة استلحاقية بالمشروع الامبريالي- الأطلسي- الصهيوني، وفي ذات الوقت يقدمون أنفسهم ورقة مقايضة في يد الرجعية العربية المتعفنة! ثورة .. أم ردة!

ما معنى ثورة الشباب الليبي على نظام القذافي إذا كانت بوصلتها تتجه نحو إحياء نظام ملكي عميل، كما تحيل إليه الأعلام المرفوعة .. وأي ثورة ، في ليبيا، هذه التي تلتقي على طريق واحد، وهدف واحد مع حلف شمال الأطلسي والرجعية العربية، الذين تحالفوا منذ أكثر من ستين عاما على تمزيق الوطن العربي إلى كيانات بحجم دولة قطر والكويت.. وأي ثوار عرب ومسلمين تحملهم صواريخ توماهوك إلى السلطة على أشلاء شعبهم، مثلما فعلت بالعملاء " الثوار المحررين" في العراق؟؟

وإذ يتكشف معنى الثورة بحراب الأمريكان في ليبيا، فأي شرعية وأي مصداقية لعمل يدعمه حكام قطر، الذين وضعوا أرضهم وإمكانياتهم لإبادة العراقيين تحت تصرف المحافظين الجدد في أمريكا؛ وهم اليوم يواصلون ذات الجريمة ، وبذات التخطيط الخبيث في حق الشعب العربي الليبي المسلم.. ومتى تفجرت صحوة الضمير الإنساني عند ساركوزي وكامرون وأوباما، الذين أدمنوا على شرب الدم العربي والمسلم في كل مكان !

الحق أن الثورة التي جرت في تونس ومصر كانت ملهمة للشباب العربي في كل قطر من أمتنا ؛ والشباب الليبي حاول على ذات النهج بغية إصلاحات سياسية ، ولكن تدني الوعي السياسي لدى غالبية شباب الفيس بوك ، وافتقاره إلى التجربة النضالية ، وغياب الرؤية بالهدف المنشود مكن بعضا من جماعات الإسلام السياسي ، بشتى عناوينها وفروعها وأصولها أن تأخذ زمام المبادرة ، نظرا لتمتعها بالوحدة التنظيمية لمكوناتها، وللإمكانيات الإعلامية والمادية والعسكرية، فخطفت حراك الشباب الليبي ،بالتنسيق الواضح مع الرجعية العربية، كما عكسته قناتا الجزيرة والعربية، اللتان تجردتا كليا من الموضوعية والحرفية في موضوع ليبيا، وغشيهما من الحقد، على شخص معمر القذافي، ما غشيهما!

لقد غاب الشعار المركزي ، مثلا، لقناة الجزيرة(الرأي والرأي الآخر) وأصبحت لا تستضيف إلا رأيا واحدا ولا تخطئ مرة في شاهد عيان موال للرأي الحكومي، أو محايد! لا.. بل استبد بها الانحياز الفاضح أن كانت توجه ضيوفها في معالجة الخبر، وكان لها السبق في تشجيع "مجلس الخيانة الانتقالي" على الاستنجاد بالأجنبي؛ وكان من مصادفات قناة الجزيرة أنها لا تستضيف إلا العناصر الليبية القاطنة ، منذ عقود، في الغرب، والمسكونة بعبادة قيمه ، أو إلا بعض من عناصر الإسلام السياسي المتعطشة للسلطة، والمترعة بالعنف! فالتقى الجمع على أمر قد قدر!.. فأي جامع جمع بين فقهاء ومثقفي الإسلام السياسي من جهة، وبين ليبراليين مغمورين بالعلمانية الغربية الملحدة من جهة ثانية، وبين أنظمة رجعية ، من جهة ثالثة؟

المفارقة أن الذي جمع هذا الخليط في ليبيا هو ما يفرقها في أقطار عربية أخرى؛ بيد أنها وجدت في الشعب الليبي ذي الطبيعة البدوية والطيبة الفطرية فرصة التوحد: فبعضهم يأمل في تمزيق شعب بدوي إلى إمارات بمساحة محافظة الأنبار يقيمون فيها نموذجهم الفاضل، والليبراليون يسعون للسلطة بحراب وحراسة البوارج الغربية، على صورة مثال ما وقع في العراق، والرجعية العربية تسعى لتقزيم الأقطار العربية "المزعجة" إلى وحدات بحجم دولة قطر؛ وهذا كله موضع اتفاق مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية! وفي "أحسن" الأحوال يتبادل الجميع المنافع في ظل سلطة عميلة، على نموذج العراق. أليست مكونات سلطة الاحتلال في بغداد هي التي التحفت بشعارات أبعد ما تكون منها في الشكل والمضمون من قبيل : "الثورة الإسلامية" و"الدعوة الإسلامية" و"الفضيلة الإسلامية" و"تيار الصدر الإسلامي" و"الحزب الإسلامي" إلى جانب حزب الجلبي وعلاوي وسواهم من قائمة المرذولين؟!.. ألم يتخلف الإسلامويون في مصر عن الثورة يومين من انطلاقها ، ثم انضموا لها كالآكل على خوف..ثم تسللوا عنها لواذا إلى عمر سليمان ..ثم سعوا معاجزين لها ،سبع أشواط، ما بين محمد البرادعي عراب احتلال العراق 2003 وعمرو موسى عراب التفريط في فلسطين.. ثم تحالفوا مع حزب مبارك، نسيج وحدهم، في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأخيرا يصرح بعضهم أنه لا يمانع في التطبيع مع الكيان الصهيوني...

هل هناك من هو أقدر من هذه الجماعات على تضليل الرأي العام ، وتخدير الشعوب وخداعها، وهل هناك من هو أكثر منها استعدادا للعب الأدوار المشبوهة، وفي تشويه دين الإسلام؟!.. أنظروا إلى فتاويهم التي تطارد مصالحهم السياسية والدنيوية، كما يطارد الظل صاحبه!.

إن المفارقة المضحكة-المبكية أن يستحضر علي الصلاب – وهو بالمناسبة داعية ليبي- الآيات القرآنية الخاصة بوعد الله نصر المؤمنين، أثناء حديث له في قناة الجزيرة مساء الأحد،20 مارس، معتبرا انسكاب صواريخ توماهوك، على طرابلس وسيرت وسبها، ضمن هذا الوعد لأوليائه في الثورة!.حان وقت المراجعة..

قد يجد الشعب الليبي العذر للمتسرعين ، براءة، في دعم ما شبه لهم بالثورة لفرط
الانفعال بثورة تونس ومصر ، ولكن ألم يان لتلك القوى والأحزاب والشخصيات أن تراجع موقفها مما يجري في ليبيا، وتعلن تنديدها بالعدوان الآثم ضد الشعب الليبي؟ .. ألم يلتقطوا بعد أنفاسهم ويتذكروا أن الأنظمة الغربية لا تقدم طوق النجاة لثورة في مصلحة الإسلام والمسلمين؟.. ألم يطرحوا السؤال عن التسارع المفاجئ للعدوان ، كأن هذا الجمع على موعد مع العشرين من مارس ، تاريخ بدء احتلال العراق؟.. ألم يدرك بعد شباب الأمة بكل مشاربه الفكرية أن حرب التدمير والإفناء التي يقودها " منتحلو الشرعية الدولية" ضد أمتنا جرت وتجري بمشاركة مرجعيات وفقهاء " ممن انتحلوا تمثيل الدين"؟ واختاروا أن يكونوا ضمن المخزون الاحتياطي للغرب، في صورة كأن عناصرها ركبت في رحم المخابرات الامبريالية الأمريكية!.

أيا يكن الأمر، ستتكشف الحقائق مرة أخرى، ولن يكون حكام قطر إلا نبتة خيانة وغدر، ولن يخرج من تعودوا المنهج المنحرف والمشي على عوج إلا بذات الحصاد ، الذي حصده نماذجهم في العراق.. إنه حصاد بطعم لعنة التاريخ ، كما خلدها رمزهم في خيانة أولي القربى، أبو رغال، يرويها جيل.. لجيل.


[URL="http://http://www.alakhbar.info/16393-0-0FCBC---0--FF-F0-FBC.html"]المصدر[/URL]
المشاهدات 1168 | التعليقات 0