غزوة بدر
أمين بن عبد الله سليمان الشقاوي
(غزوة بدر)
الخطبة الأولى:
الحمد لله المُعِزِّ لمن أطاعه، المُذلِّ لمن عصاه وخالف أمره، ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد.
أيها المسلمون: اتقوا ربكم تفلحوا، وانصروه ينصرْكم ويثبِّتْ أقدامكم.
أيها المسلمون: خصَّ الله رمضانَ بأحداثٍ جسام، كانت وستكون في تاريخ أهلِ الإسلام شموسًا لامعة، وأنوارًا ساطعة، تاجُها وإكليلها الغزوة العظمى والمعركة الكبرى غزوة بدر. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ . جعلها اللهُ عز وجل لأهل الحق آية، ولجميع الناس عبرة، ولأوليائه كرامة. قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
أيها المسلمون: غزوة بدر ! وما أدراك ما غزوة بدر؟ خرج رسول الله ﷺ من المدينة في فئة من أصحابه قليلة العدد والعُدَّة، لم يخرجوا للقاء عدوهم ولم يتهيؤوا لقتال، فجمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ليُحِقَّ الحقَّ ويُبطلَ الباطل ولو كره المجرمون، وخرجت قريش من مكة بِعِيرِها وخُيَلائها وفُرْسَانِها وشُجْعانها وخَيْلِها و رَجِلِهَا، بطرًا ورئاءَ الناس، تحادُّ اللهَ وتكذبَُ رسولَه، و الله بما يعملون محيط.
أيها المسلمون: لما حان اللقاء ولم يكن بُدَّ من النِّزال، جَمَعَ القائد الأعلى ﷺ أصحابَه، وكانوا من المهاجرين والأنصار، فأما المهاجرون فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال و أحسن، ثم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام المقداد رضي الله عنه فقال يا رسول الله: (امضِ لما أراك فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سِرْتَ بنا إلى بَرَكِ الغمَادِ لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه)، فقال له رسول الله ﷺ خيرًا ودعا له. وأما الأنصار، فقال سيدهم سعد ابن معاذ رضي الله عنه: (لقد آمنا بك يا رسول الله وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودَنَا ومواثيقَنَا على السمع والطاعة لك، فامض بنا يا رسول الله لما أردتَ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرَضْتَ بنا البحرَ فخضتَهُ لخُضناه معك، ما تخلف منا رجلٌ واحد، وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوَّنا غدًا. إنَّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، لعل اللهَ يريكَ منا ما تقرُّ به عينُك، فسِرْ على بركة الله).
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذلّ، و اللهُ أكبرُ كبيرًا، نصرَ عبده، وأعزَّ جندَه وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه. ورضي الله عن أصحابه المجاهدين الأبطال، الحائزين للشرف والكمال.
أما بعد.
أيها المسلمون: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
أٔيها المسلمون: لمَّا سمع رسول الله ﷺ كلامَ أصحابه، واطمئنت نفسُه لما رأى منهم من صدقِ العزائم وعلوِّ الهمم، نزل بهم بدرًا، فلما التقى الجمعان خرج ثلاثة من فرسان المشركين، فأخرَجَ إليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاثةً من أصحابه، فلم يُمهلوهم حتى قَضَوْا عليهم، ومَرَّغُوا أنوفَهم بالراب. بعدها التحم الفريقان، فقام رسول الله ﷺ يناشد ربَّه أن ينجزَ له ما وعده، فأنزل اللهُ ملائكته، وألقى الله الرعبَ في قلوب أعدائه، وما هي إلا ساعاتٌ قليلةٌ حتى ارتفعت راية النصر، وفرِحَ المجاهدون بنصر الله، وولّى المشركون الأدبار، فكان حَدَثًا غيَّر اللهُ به مجرى التاريخ، وكتب في صحائفه من الآيات والعِبَرِ صحائف مشرقةً. قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ .
أيها المسلمون: لقد توالت الأحداث العظام في معاركَ نصر اللهُ بها أمةَ الإسلام في شهر رمضان المبارك. فمِن بدرٍ الكبرى إلى حطِّين إلى عَيْنِ جالوتَ إلى بَلَاطِ الشهداء وغيرها كثير.
وفي هذا العصر الحديث دولٌ كبرى وقوى عظمى ولَّت تجُرُّ أذيالَ الخزيِ والهزيمة أمام فئاتٍ قليلة وإنَّ في ذلك لعبرةً وآية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
اللهم أعزّ الإسلام... .
المرفقات
1742294248_خ2 - غزوة بدر.docx
1742294249_خ2 غزوة بدر.pdf